س: حديثنا اليوم عن القرآن الكريم، وعن علاقتنا بالقرآن الكريم، وعن طريقة حفظ القرآن. كلّ هذه التّفاصيل وغيرها يسرّنا أن نستضيف للحديث عنها، الأستاذة فاطمة يونس، الحافظة للقرآن الكريم.
أهلاً وسهلاً بكم من مؤسّسة الهادي للإعاقة السمعيّة والبصريّة واضطرابات اللّغة والتّواصل في جمعيّة المبرات الخيرية.
نستضيفكم اليوم أستاذة فاطمة، لنتحدَّث عن فوزك في المرتبة الثّانية في المسابقة الدّوليّة التي أقيمت مؤخَّراً في الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران، عن فئة نساء العالم الإسلاميّ، وأنت في لبنان حافظة للقرآن الكريم، وحاصلة على المراتب الأولى في هذا السّياق.
هذه العلاقة مع القرآن الكريم التي بدأت مبكراً معك، أودّ أن أسترجع بعض الذكريات مع كتاب الله عزّ وجلّ، كيف بدأت مسيرة الحفظ معك؟ وكيف توِّجت اليوم لتصبحي في المراتب الأولى في هذا المجال؟
ج: بدأت حياتي مع القرآن الكريم وكان عمري عشر سنوات ونصف، بدأت أتعرّف إلى قواعد التّلاوة، وبدأت أتعلّم الصّوت والنغم وأحكام التّجويد وما شابه ذلك. بدأت بحفظ بعض المتفرّقات، وعندما أصبحت في الخامسة عشرة والنّصف من عمري، بدأت بحفظ القرآن الكريم بشكل جدّيّ، وقد استغرق وقت الحفظ لديّ ثلاث سنوات ونصف، وبمساعدة المرشد الدّيني في مؤسّسة الإمام الهادي، استطعت أن أتميّز بحمد لله تعالى.
س: ما سرّ هذه العلاقة بينك وبين كتاب الله؟ كيف تطوَّرت هذه العلاقة لتختاري درب الحفظ الكامل؟
ج: طبعاً تدرَّجت هذه العلاقة، فقد تعلَّمت التّلاوة منذ الصّغر، وكان لذلك أثر كبير في حياتي، وأصبح القرآن هو روحي، فالقرآن الكريم هو غذاء الرّوح، وبحمد الله تعالى، تطوَّرت هذه العلاقة، إلى أن حفظت كامل القرآن، وأسأل الله تعالى أن يوفّقني إلى المزيد للخوض في أسرار القرآن الكريم.
س: نودّ أن نتحدَّث عن فاطمة يونس ما قبل حفظ القرآن وفاطمة بعد الحفظ؟
ج: طبعاً هناك اختلاف كبير على الصعد كافّةً تقريباً؛ قبل الحفظ كنت طفلة، وكان همّي اللّعب، وهذه طبيعة الإنسان وفطرته، وهذا ليس أمراً خاطئاً، إنما بعد الحفظ، أصبحت أكثر إدراكاً لبعض الأمور. طبعاً أنا من المقصِّرات، ولكن عندما يبقى الإنسان مع القرآن الكريم، تكون حياته بخير، فالقرآن الكريم يدرِّب على خوض الصّعوبات وعلى التّجارب وعلى هذه الأمور.
س: كيف تجري عمليَّة الحفظ؛ هل تجري بشكلٍ يوميّ؟ أسبوعيّ؟ شهريّ؟ كيف تتمّ؟
ج: فلنتحدَّث عن أساليب الحفظ، فللحفظ أساليب متعدّدة، نذكر من أشهرها وأبرزها وأكثرها نتيجةً، التّكرار. على سبيل المثال، يحفظ الحافظ صفحة، عليه أن يستمع إلى هذه الصّفحة ليتمكَّن من أحكام التّجويد، ولفظ الحروف الصّحيحة، ومن ثم يلجأ إلى تقسيمها وتكرار الآيات. أمَّا بالنّسبة إلى أوقات الحفظ بشكل عام، فوقت الحفظ المفضَّل هو بعد صلاة الفجر، ولكن في الوقت نفسه، يمكن للحافظ أن يختار الوقت الذي يرتاح فيه بكلّ بساطة.
س: هل يستطيع أيّ إنسان أن يقدم على هذه الخطوة؟
ج: هناك عدَّة خصائص تميِّز الإنسان الّذي يريد أن يقدم على هذه الخطوة، فإنَّ عليه أن يكون صبوراً طموحاً ثابتاً. قد يأتي أشخاص أحياناً إلى هذا الحافظ يعيقون له الأمر ويحبطونه، فيقولون له مثلاً، أنت تحفظ القرآن، وهذا أمر صعب، وأنت تعقّد حياتك...
س: اسمحي لي أن أطرح هذا السّؤال، فالبعض قد يقول إنّ الأشخاص الّذين لا يعانون مشكلةً قد يعجزون عن حفظ القرآن، ولكن باعتبار أنَّ لديك وضعاً خاصّاً، وأنت كفيفة، هل هذا زاد الأمر عليك صعوبة أو لم يكن حاجزاً في هذا الموضوع؟
ج: لم تكن صعوبة على صعيد الحفظ كحفظ، إنما كانت على صعيد تأمين الوسائل، ولكن هذا كان في البداية، حيث بدأت أبحث عن مصحف نافر وهكذا...
س: أودّ أن أنتقل للحديث عن المسابقات، وأنت على صعيد لبنان في المرتبة الأولى، وأيضاً من خلال مشاركتكم في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، لنتحدَّث عن التّجربة وحصولكم على المركز الثّاني في هذا المجال؟
ج: كانت مسابقة هادفة جدّاً حقيقةً، ومن أسمى أهدافها وأرقاها، الوحدة الإسلاميّة، إذ إنّ شعار المسابقة كان "مصحف واحد أمّة واحدة"، هذا هدف علينا أن نستحضره دائماً في نفوسنا، وعلينا أن نسعى إليه بشكل وبآخر، ولو أنَّ كلَّ إنسان بدأ من نفسه، فسيشكِّل ذلك نقلة نوعيَّة.
س: عن أجواء المسابقة والوصول إلى المركز الثّاني؟
ج: كانت المسابقة عالميَّة مختصَّة بنساء العالم الإسلاميّ، هذه الفئة الّتي شاركت فيها، وكانت المنافسة قويّة جداً، وكما نعلم، فالعالم الإسلامي يهتمّ بالقرآن الكريم، وقد تبادلنا الخبرات والتّجارب، وتعلّمنا من بعضنا البعض.
س: المركز الثاني بالنّسبة إليك ماذا يعني؟ وهذه المشاركة تأتي في إطار مسابقة عاديّة ليست مختصّة بفئة معيّنة من السيّدات ممن قد يعانين من صعوبات. أودّ الإشارة إلى هذا الجانب وحصولك على المركز الثّاني؟
ج: هي توفيق من الله بالدَّرجة الأولى، الحمد لله. وهي تشكّل رسالة إلى المجتمع بأكمله، بأنّ القرآن للجميع. هناك عدّة أشخاص يسألونني: هل هناك مسابقات خاصَّة بالكفيفات؟ أقول لا، لماذا يجب أن تكون خاصَّة بهنَّ، فالقرآن للجميع، وقدرات الحافظ الكفيف لا تقلّ عن قدرات القرّاء العاديّين، فالكفيف إنسان عاديّ، ولكن نحن – للأسف - وضعنا مصطلحات تقيِّد إطار فكرنا وتحدِّده.
س: ماذا يعني هذا الفوز بالنّسبة إليك كطالبة في مؤسَّسة الهادي للإعاقة السمعيَّة والبصريّة واضطرابات اللّغة والتّواصل في جمعيّة المبرات الخيريّة؟
ج: يعني لي الكثير، فالمؤسَّسة منذ البداية تشكّل حياتي بأكملها، فالحمد لله، وفّروا لي الكثير من الدّعم النّفسي والمعنويّ، على صعيد الأساتذة، وإتاحة الفرصة للمشاركة في المسابقات.