ينقل أنَّ أحد الأثرياء الواعين، كان يأخذ على أهل قريته انعدام المبادرة في حلّ
مشكلات حياتهم، وأراد أن يقدّم لهم نموذجاً عمليّاً، فقام مبكراً ذات يوم، وحمل
حجراً كبيراً ووضعه في الطّريق الرئيس الذي يسلكه أهل القرية إلى مزارعهم، ووضع تحت
الحجر مبلغاً كبيراً من المال، ثم اختبأ خلف شجرة يراقب.
فمرّ فلاح يجرّ وراءه بقرة سمينة، فوجد الحجر في الطريق، فأخذ يسخط ويلوم، وبالكاد
مرّ ببقرته، تاركاً الحجر مكانه.
ثمّ جاء رجل آخر يحمل حزمة من الحطب على كتفه، ويسير في الطّريق، فاصطدم بالحجر دون
أن يراه، وتعثّر ووقع الحطب، وقام الرجل ساخطاً يسبّ ويتألم، ثم جمع حطبه وحمله
وسار في طريقه متبرّماً، والحجر لايزال مكانه.
وهكذا، مرّ العديد من الرّجال، ولم يزد أحد منهم على إبداء السخط والاستياء من وجود
هذا الحجر في وسط الطّريق، وسبّ من وضعه وشتمه، وربما تحادث بعضهم مع بعض لتبادل
الآهات والتعبير عن السخط والانزعاج.
وفي آخر النّهار، مرّ شابّ تبدو على وجهه علامات التّعب الشّديد من كثرة العمل في
الحقل طوال النّهار، لكنّه لما رأى الحجر منتصباً وسط الطريق، شمّر عن ساعديه،
وحاول بكلّ جهده وقوّته أن يزيحه. وبعد جهد وعناء، تمكّن من ذلك، وأبعد الحجر، فوجد
تحته مبلغاً كبيراً من المال، فظنّ أنه سقط من أحد أهالي القرية، فرفع صوته منادياً
على السائرين في الطريق، إن كان أحد منهم قد فقد شيئاً من ماله.
وهنا ظهر ذلك الرَّجل الواعي الّذي وضع الحجر وأخفى المال تحته، ليعانق الشّابّ
ويهديه المبلغ، ويشكره على مبادرته الطيِّبة وروحيَّته الإيجابيَّة، ثم قدّمه
لأهالي القرية كنموذج لما ينبغي أن يكونوا عليه من التصدّي لحلّ المشاكل وإزالة
العقبات، وعدم الاكتفاء بإظهار التبرّم والسّخط والتألم.
الفرق بين المبادرين والمستسلمين
بعض الأفراد والمجتمعات، حينما تمرّ عليهم ظروف غير مريحة، يتعرّضون فيها لضيم أو
عدوان، فإنهم ينكفئون على أنفسهم، ويدمنون حالة اجترار الغبن، وتسود أجواءَهم حالةُ
التشكّي والتذمّر، وبذلك يتضاءل مستوى الفاعليّة والنشاط لديهم، وتضعف القدرات
وتضيع الفرص.
أمّا المجتمعات الواعية، فانها تحاول استيعاب الصّدمات والخروج من آثارها النفسيّة
بأسرع وقت ممكن، للانطلاق من إمكاناتها الحاضرة، واستثمارها في بناء الذات وتقوية
الوجود، والالتفاف، بالتالي، على واقع الضّعف والانكسار.
وقد ضرب اليابانيّون أروع مثل على هذا الصعيد، فاليابان بعد الحرب العالمية الثانية
1945م، خرجت من المعركة محطّمة منهكة، حيث ضُرِبت بالقنبلة الذرّية في هيروشيما
وناكازاكي، وبلغت خسائرها البشريّة مليونين وثمانين ألف شخص، وخسائرها الاقتصادية
قدّرت بخمسمائة واثنين وستّين مليار دولار، وفرضت عليها الهزيمة والاستسلام بشروط
مذلّة، منها القبول بوجود قواعد عسكريّة أمريكية على أراضيها، وتحديد قدراتها
العسكريّة جيشاً وتصنيعاً بحدود حاجتها الداخليّة. ورغم الصّدمة العنيفة التي أصابت
اليابانيّين بقرار الاستسلام الّذي اتخذه الإمبراطور والحكومة، وانتحر على أثره
آلاف الضبّاط، إلا أنهم سرعان ما استوعبوا الصّدمة وتجاوزوها بخطط تربويّة
وتعليميّة صارمة، وببرامج اقتصاديّة وتكنولوجيّة طموحة، وعادت اليابان قوّة
اقتصادية عملاقة، تنافس أقوى الدول اقتصاديّاً وتكنولوجيّاً. ولو انشغل اليابانيون
بمآتم الحزن والبكاء، وسيطرت على نفوسهم حالة التشكّي واجترار الغبن، لما حقّقوا
شيئاً من هذا التقدّم الكبير.
كيف نواجه المشاكل؟!
التعامل الإيجابي الصّحيح مع أيّ مشكل، ينبغي أن يكون عبر الخطوات التّالية:
1ـ الدراسة الموضوعيّة: لمعرفة حقيقة المشكل وحجمه وأسبابه وخلفيّاته ومدى الآثار
والانعكاسات التي ينتجها، وذلك بعيداً من التهويل والتضخيم والاستهانة والتبسيط، بل
دراسة الأمور بواقعيّة وموضوعيّة، فقد تختلط الأشياء على الإنسان، ويتوهّم ما لا
واقع له، وقد يعتمد الإنسان في تصوّراته على الظنون والتخيّلات.
2ـ التفكير في الحلول: انطلاقاً من أن لكلّ مشكلة حلاً، ومن الإيمان بطاقات الإنسان
المبدعة، وقدراته العقليّة الثّاقبة، فإنه إذا ما وجّه عقله نحو نقطة معيّنة،
واستعرض مختلف الخيارات والاحتمالات، واجتهد في إبداع الحلول وابتكار الأساليب
والوسائل، فإنّه يهتدي إلى طريق الحلّ والعلاج.
ولو قرأنا تجارب المخترعين والمكتشفين والعظماء والمصلحين، لرأينا كيف تمكّنوا من
تجاوز العوائق والعقبات وتوصّلوا إلى تحقيق الطموحات والإنجازات بعد جهد فكريّ عميق،
وعمل ذهني شاقّ. يقول الإمام عليّ (ع): «من أسهر عين فكرته، بلغ كنه همّته»، ويقول:
«بالفكر تنجلي غياهب الأمور».
إن مايعانيه الكثيرون تجاه المشاكل والصّعوبات، هو وقوعهم تحت تأثير العواطف
والانفعالات النفسيّة، على حساب إعمال العقل وتركيز الفكر
3ـ تحمّل المسؤوليّة: فالبعض ينتظرون أن تحلّ مشاكلهم عن طريق الغيب، ويتوقّع
المعجزة من المجهول، ويترقّبون التّغيير والإصلاح، أو حدوث تطوّرات ما في هذه
الحياة. وفي بعض الأحيان، يعلّقون الآمال على هذه الجهة أو تلك لتحقيق ما يرغبون،
وهذه كلّها تصورات مخالفة لمنطق الحياة وللقوانين والسنن، فإنّ الله تعالى لا يريد
تربية عباده على العجز والكسل، ولذلك يحملهم المسؤوليّة عن أوضاعهم، ويحثّهم عبر
رسالاته وأنبيائه على العمل والجدّ والاجتهاد، فواقع الإنسان نتاج عمله وكسبه
﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾، ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا
عَمِلُوا...﴾.
فلا بدّ من تحمل المسؤوليّة تجاه أيّ مشكل، والاستعداد للبذل والتضحية من أجل
تجاوزه، وأن لا يعيش الإنسان على الآمال والتوقّعات، فمشاكلنا تعنينا، ونحن
المطالبون بالتصدّي لمعالجتها، وعلينا أن نبذل الجهد ونعطي من أنفسنا لتحقيق ذلك
4ـ التّشاور والتّعاون: فتبادل الرّأي واستعراض وجهات النظر بين المهتمّين بالشّأن
الاجتماعيّ، يساعدهم على الوصول إلى أفضل الآراء وأصوبها، كما أنّ تضافر الجهود
واجتماع القوى والإرادات، يمكّن من تذليل الصّعاب وإنجاز المهام الكبيرة.
وبدل أن يتبارى الناس في إعلان الآهات والحسرات، عليهم أن يتنافسوا في طرح
المعالجات، ويتعاونوا في تقديم المشاريع العمليّة لتجاوز ما يواجهونه من المشكلات.
يقول الإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام): «ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم»،
ويقول تعالى: ﴿... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ... ﴾.
* من الموقع الرّسمي لسماحة الشّيخ حسن الصّفّار، بتاريخ 29 / 6 / 2001م.