{وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ} من هذه الأصنام التي صنعوها بأيديهم،
أو من البشر الذين يتألّهون فيما يزعمونه لأنفسهم من منزلة الألوهية، أو ما يعتقده
الناس فيهم من ذلك.
{لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}، فهو ـ وحده ـ الذي يستحقّ الطاعة في إحساس الإنسان
بعبوديّته له، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}. الظاهر منها أن المراد من
الوجه بحسب الآيات القرآنيّة المماثلة هو الذات، كما في قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ
عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}[الرّحمن: 26 ـ 27]، أو قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا
تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}[البقرة: 115]، فيكون المعنى أنّ كلّ شيءٍ فانٍ
إلا الله.
ولكن هناك تفسيرات أخرى وردت في بعض الأحاديث، فقد جاء في "الاحتجاج" عن أمير
المؤمنين، في حديث طويل: "وأمّا قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}،
فالمراد كل شيءٍ هالك إلا دينه، لأن من المحال أن يهلك منه كل شيءٍ ويبقى الوجه. هو
أجلّ وأعظم من ذلك، وإنما يهلك من ليس منه، ألا ترى أنّه قال: {كُلُّ مَنْ
عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} ففصل بين خلقه ووجهه؟".
وهذا حديث ضعيف الإسناد، لا يمكن الاعتماد عليه في التّفسير، ولا سيَّما أنّ مضمونه
لا ينسجم مع طبيعة المعنى البلاغي للتَّعبير، وهو استعارة كلمة الوجه للذّات، إذ لم
يقل أحد بأنّ المستثنى هو الوجه كعضوٍ مستقلّ في الجسد دون بقيّة الأعضاء، ليكون
هناك حاجة للردّ عليه، ولهذا فإنّنا نتحفَّظ في صحة نسبته للإمام عليّ (ع) ويُردّ
علمه إلى أهله.
ويلحق بهذا الحديث، ما جاء في الكافي بإسناده عن سيف عمّن ذكره عن الحارث بن
المغيرة النصري قال: سُئل أبو عبد الله «جعفر الصّادق» (ع) عن قول الله تبارك
وتعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}، فقال: "ما يقولون فيه؟"، قلت:
يقولون: يهلك كلّ شيء إلا وجه الله، فقال: "سبحان الله! لقد قالوا عظيماً، إنما عنى
به وجه الله الذي يؤتى منه".
وقد نلاحظ أنَّ هذه الرواية واردة في نفي عقيدة التجسيم لله، مما قد يذهب إليه
البعض من تفسير الألفاظ القرآنيّة التي تنسب إلى الله التجسيم من خلال اليد والوجه
ونحوهما، وربما كان التفسير من باب الاستيحاء من أجواء المعنى، فإذا كان الله لا
يفنى، فإنّ دينه يملك إمكانات الثبات والبقاء ببقائه، والله العالم.
هذا مع التنبيه إلى أنّ الرواية غير صافية السند، فلا يمكن الاعتماد عليها، فلا بدَّ
من اتّباع الظهور الذاتي للكلمة الواردة على نحو الاستعارة، والملحوظ في ظهور معنى
الهلاك في الفناء، وفي سياق الكلام الذي يتحدّث عن صفات الله في ذاته، باعتبار أنّه
الواحد الباقي الذي يتميز عن الخلق كلهم بدوامه...
*تفسير من وحي القرآن ، ج 17.
{وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ} من هذه الأصنام التي صنعوها بأيديهم،
أو من البشر الذين يتألّهون فيما يزعمونه لأنفسهم من منزلة الألوهية، أو ما يعتقده
الناس فيهم من ذلك.
{لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}، فهو ـ وحده ـ الذي يستحقّ الطاعة في إحساس الإنسان
بعبوديّته له، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}. الظاهر منها أن المراد من
الوجه بحسب الآيات القرآنيّة المماثلة هو الذات، كما في قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ
عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}[الرّحمن: 26 ـ 27]، أو قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا
تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}[البقرة: 115]، فيكون المعنى أنّ كلّ شيءٍ فانٍ
إلا الله.
ولكن هناك تفسيرات أخرى وردت في بعض الأحاديث، فقد جاء في "الاحتجاج" عن أمير
المؤمنين، في حديث طويل: "وأمّا قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}،
فالمراد كل شيءٍ هالك إلا دينه، لأن من المحال أن يهلك منه كل شيءٍ ويبقى الوجه. هو
أجلّ وأعظم من ذلك، وإنما يهلك من ليس منه، ألا ترى أنّه قال: {كُلُّ مَنْ
عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} ففصل بين خلقه ووجهه؟".
وهذا حديث ضعيف الإسناد، لا يمكن الاعتماد عليه في التّفسير، ولا سيَّما أنّ مضمونه
لا ينسجم مع طبيعة المعنى البلاغي للتَّعبير، وهو استعارة كلمة الوجه للذّات، إذ لم
يقل أحد بأنّ المستثنى هو الوجه كعضوٍ مستقلّ في الجسد دون بقيّة الأعضاء، ليكون
هناك حاجة للردّ عليه، ولهذا فإنّنا نتحفَّظ في صحة نسبته للإمام عليّ (ع) ويُردّ
علمه إلى أهله.
ويلحق بهذا الحديث، ما جاء في الكافي بإسناده عن سيف عمّن ذكره عن الحارث بن
المغيرة النصري قال: سُئل أبو عبد الله «جعفر الصّادق» (ع) عن قول الله تبارك
وتعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}، فقال: "ما يقولون فيه؟"، قلت:
يقولون: يهلك كلّ شيء إلا وجه الله، فقال: "سبحان الله! لقد قالوا عظيماً، إنما عنى
به وجه الله الذي يؤتى منه".
وقد نلاحظ أنَّ هذه الرواية واردة في نفي عقيدة التجسيم لله، مما قد يذهب إليه
البعض من تفسير الألفاظ القرآنيّة التي تنسب إلى الله التجسيم من خلال اليد والوجه
ونحوهما، وربما كان التفسير من باب الاستيحاء من أجواء المعنى، فإذا كان الله لا
يفنى، فإنّ دينه يملك إمكانات الثبات والبقاء ببقائه، والله العالم.
هذا مع التنبيه إلى أنّ الرواية غير صافية السند، فلا يمكن الاعتماد عليها، فلا بدَّ
من اتّباع الظهور الذاتي للكلمة الواردة على نحو الاستعارة، والملحوظ في ظهور معنى
الهلاك في الفناء، وفي سياق الكلام الذي يتحدّث عن صفات الله في ذاته، باعتبار أنّه
الواحد الباقي الذي يتميز عن الخلق كلهم بدوامه...
*تفسير من وحي القرآن ، ج 17.