كتابات
02/06/2019

الأعياد ومضامينها الروحيّة والاجتماعيّة

الأعياد ومضامينها الروحيّة والاجتماعيّة
عن أنس، قالَ: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهليّة، فقال رسول الله (ص): «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا؛ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ».
في كُلِّ مجتمعٍ وأُمّة، هناك أيامٌ ومناسباتٌ يتبانى الناسُ على الاحتفاءِ بها، وإظهار البَهجةِ والسُّرورِ فيها، وتَعزيزِ تماسُكِهِم وتواصُلِهم الاجتماعي، ويُطلَق على تلك الأيّام اسمَ «الأعياد».
قد تَنبَثِقُ الأعياد مِن فكرة دينية، أو مناسبةٍ قوميّة، أو تفاعُلٍ مع تَحَوُّلٍ من تَحوّلاتِ الطبيعة، كَفَصلِ الرّبيع.
وفي الإسلام، هناك عيدان تَتّفق عليهما الأمّة، هما عيد الفطر، وعيد الأضحى، وحسب الحديث، فإنه كان عند أهل المدينة قبل الإسلام يومان يلعبون فيهما، يعني للبهجة وللسّرور، فهما بمثابة العيد.
فاعتمد النبيّ هذَيْن اليومين (الفطر والأضحى)، بدلًا من اليومين اللّذَيْن كانا عيدَيْنِ لِأَهلِ المدينة في الجاهلية.
مضامين العيد
نَلمحُ في هذَيْن العيدَيْن من خلال التعاليمِ والتوجيهاتِ الدينيةِ المضامينَ التالية:
أوّلًا: الاحتفاء بالإنجاز وأداء الوظائف والمهام.
متى يَحِقُّ للإنسان أن يَشعُر بِالفَخر والبهجة والسّرور؟
حينما يكون قد أنجز وحَقَّقَ شيئًا مُهِمًّا، حينما يَنجَحُ أمامَ تَحَدٍّ كبير، عندئذٍ يحقّ له أن يَشعُر بِالفَخر، وأن يَشعُر بالبهجة والسّرور، هذا على المستوى الفردي.
وكذلك على مستوى الأمم والشعوب، حينما يُحَقّقُ أَيُّ شَعبٍ من الشُّعوبِ إنجازًا قَومِيًّا، أو انتصارًا باهرًا، فَإِنّه يُحَوّل تلك المناسبة إلى عيد، حيث يشعر فيها بالفخر والسّرور.
وقد اعتمد الإسلام هذين العيدين؛ لأنّهما يأتيان عقب إنجازِ مهمّةٍ كبيرة، فعيد الفطر يأتي في نهاية الصّيام، شهر كامل والإنسان يصوم امتثالًا لِأمر الله، وفي يوم العيد، يشعر بالفخر والبهجة والثقة؛ لأنّه أنجز، ولأنه نجح في الامتحان. 
وكذلك عيد الأضحى، يأتي في غمرة مناسك الحجّ، فيشعر الإنسان بالفخر والبهجة، حيث أَدّى الوُقوفَيْن، الوقوف بعرفة والوقوف بِمُزدلفة، وهو في طريقه لأداء بقية مناسك الحجّ، فيشعر بالفخر، وتكون معنوياته رفيعة، وبالتالي يحقّ له أن يَحتَفِيَ بهذه المناسبة كَعِيد.
لذلك، ورد عن بعض الحكماء إشارة إلى هذا المعنى، أنّ العيد ليس مجرّد مناسبة فلكلورية اجتماعية، فـ «ليس العيد لمن لبس الجديد، وإنّما العيد لمن أمِن الوعيد»، أي انتصر أمام تحدٍّ أو خطر. 
ثانيًا: التذكير بالارتباط بالله سبحانه وتعالى
في أجواء البهجة والسّرور بالعيد، يستحضِرَ الإنسان ذكر ربه سبحانه وتعالى، حتى لا يكون العيد مناسبةَ لَهوٍ صارفة عن التذكير بالقيم والمبادئ، وإنّما يكون مناسبة بهجة وفرح مع استحضار القيم والمبادئ. ومن هنا، جاء الأمر بصلاة العيد، وهي ذكرٌ لله، واستحضار للقيم والمبادئ، والخطبتان بعد صلاة العيد للتّذكير والموعظة والتثقيف، وكذلك استحباب التّكبير والتّهليل، وهي كما أفادت النّصوص عقيب أربع صلوات في عيد الفطر، أوّلها المغرب قبل صلاة العيد، ورابعها بعد صلاة العيد.
وعقيب عشر صلوات في الأضحى، إنْ لم يكن بِمِنَى، أوّلها ظُهر يوم العيد، وعاشرها صبح اليوم الثاني عشر، وإن كان بِمِنَى، فعقيب خمس عشرة صلاة، أوّلها ظُهر يوم العيد، وآخرها صبح اليوم الثالث عشر. 
والتكبير الوارد هو: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا ـ وفي الأضحى يضيف «الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»ـ، والحمد لله على ما أبلانا).
ثالثًا: العطاء للمحتاجين 
شرع الإسلام في يوم عيد الفطر زكاة الفطر، وهي عطاء للفقراء المحتاجين.
وفي يوم الأضحى، تكون الأُضحية واجبة على الحاج، وبالنّسبة إلى غير الحاجّ، تكون من باب المستحبّ المؤكّد.
إخواننا أهل السنَّة في الغالب يهتمّون بهذا الاستحباب، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي يهتمّون بالأضحية في عيد الأضحى، لكن في مجتمعاتنا الشيعيّة، نرى الاهتمام بهذه السنَّة قليل ومحدود، مع أنّ الروايات المُؤكِّدة على الأضحية في عيد الأضحى واردة في مصادرنا الحديثية والفقهية، كما هي واردة عند إخواننا أهل السنّة. 
يروي الصدوق عن رسول الله (ص) أنّه قال: «إِنَّمَا جَعَلَ اللهُ هَذَا الْأَضْحَى لِتَشْبَعَ مَسَاكِينُكُمْ مِنَ اللَّحْمِ فَأَطْعِمُوهُمْ». 
وأورد الكليني بسنده، أنّ الإمام جعفر الصّادق (ع) سُئِلَ عَنِ الْأَضْحى: أَوَاجِبٌ عَلى مَنْ وَجَدَ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ؟ فَقَالَ: «أَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَا يَدَعْهُ، وَأَمَّا لِعِيَالِهِ إِنْ شَاءَ تَرَكَهُ». 
السائل يسأل الإمام: هل الأضحية واجبة؟ فيجيب: (أما لنفسه فلا يدعه)، وهذا إمّا يدلّ على الوجوب، وإمّا يدلّ على الاستحباب المؤكّد، وهو ما أخذ به الفقهاء.
من الناحية الفقهية، يستحبّ للإنسان أن يضحّي عن نفسه وأهل بيته، ويجوز له أن يضحّي بأضحية واحدة عن الجميع، ولا سيّما إذا عَزَّت الأضاحي وارتفع ثمنها.
وإذا كانت لديه إمكانيّة، فيضحّي عن كلّ واحدٍ من أهل بيته بأضحية، والهدف من ذلك ممارسة العطاء؛ لأنَّ الإنسان الذي يضحّي يُخصّص ثلثًا لنفسه ويُهدِي ثلثًا لمن يحبّ، وثلثًا يعطيه للفقراء والمحتاجين. 
رابعاً: التواصل الاجتماعي 
ويتحقّق عَبْرَ حضور صلاة العيد، واستحباب التزاور وتبادل التهاني، وخصوصاً مع الأرحام والأقارب، وعلى الأخصّ من ليس هناك تواصل معه، كما في الحديث عنه (ص) أنّه قال: «صِلْ مَنْ قَطَعَكَ».
أقرباؤك الذين يتواصلون معك، إذا تواصلت معهم في العيد وأمثاله لك ثواب، لكن ثوابك أكبر إذا بادرت للتواصل مع من لا يتواصل معك، وحتى مع بقية أفراد المجتمع، مَن يأتيك تذهبُ إليه، هذا فيه ثواب، لكنّ الثّواب الأكبر أن تذهبَ إلى مَن لا يأتيك، وذلك كي تُحَفّزَهُ وتُشَجِّعَهُ على وَضْعِ حَدٍّ لِقَطِيعَتِه، وأَن تُشعِرَهُ بأهمية التواصل.
خامسًا: نشر البهجة والسّرور، وتحدّي الأحزان والمصائب
لا تخلو الحياة مما يُنَغّصُ على الإنسان، الحياة فيها مشاكل وتَحَدّيات، قد تكون هذه المشاكل فردية، وقد تكون على المستوى الاجتماعي أو الوطني أو العالمي، لكِنْ على الإنسان ألّا يستسلم للمآسي والأحزان، ينبغي أن يُجَدّد الأمل في نفسه؛ لأنَّ تجديد الأمل مفيد على الصّعيد الذاتي والاجتماعي.
ورد عن عليّ أمير المؤمنين (ع)  أنه قال: «السُّرُورُ يَبْسُطُ النَّفْسَ وَيُثيرُ النَّشاطَ، والغَمُّ يَقْبِضُ النَّفْسَ وَيَطْوِي الانبِساطَ»، فلا ينبغي للإنسان أن يعيش الكآبة والحزن، الثّقافة التي تُعَيِّشُ الناسَ في حُزنٍ دائم، وكآبةٍ دائمة، هي ثقافة خطأ. 
الأعياد تأتي لكي تكسر ما قد يسوّد أجواء الإنسان وأجواء المجتمع مِن مصائب وأحزان، فيتفاعل مع العيد تفاعُلًا إيجابيًّا. 
وأساسًا، فإنّ الدّين يشجّع على نشر البهجة والسّرور في أوساط المجتمع، ورد في حديث عن رسول الله (ص): «إنّ في الجَنَّةِ دارًا يقالُ لَها دارُ الفَرَحِ، لا يَدخُلُها إلّا مَن فَرَّحَ الصِّبيانَ»، وذلك تشجيع للاهتمام بالطفولة، وأن يهتمّ المجتمع بتوفير أجواء البهجة والسّرور لأطفاله، فإنه كلّما عاش الأطفال حالة من البهجة واللّعب والسّرور، توفّروا على النموّ النفسي السّليم، ما يسهم في تهذيب مشاعرهم وأحاسيسهم وتصحيحها، وهناك حثٌّ على نشر البهجة والسّرور على المستويين الفردي والاجتماعي، حيث ورد عن أمير المؤمنين (ع) في إحدى وصاياه: «فَوَالَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ؛ مَا مِنْ أَحَدٍ أَوْدَعَ قَلْباً سُرُورًا، إِلَّا وَخَلَقَ اللهُ لَهُ مِنْ ذلِكَ السُّرُورِ لُطْفًا، فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَائِبَةٌ، جَرَى إلَيْهَا كَالْمَاءِ فِي انْحِدَارِهِ، حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْهُ». 
ويقول الإمام الصادق (ع) فيما رُويَ عنه: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ لَقِيَ مُسْلِماً فَسَرَّهُ، سَرَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ». 
إنَّ نشر السّرور والبهجة في المجتمع أمرٌ مطلوب؛ لأنَّ آثاره النفسيّة، والجسمية الصحيّة، والاجتماعيّة العامّة، آثارٌ كبيرة.
صحيحٌ أننا لا نستطيع أن نتجاهل المصائب والمآسي التي تحيط بمجتمعات الأمّة، وبالبشريّة جمعاء، لكن من أجل أن نَتَقَوّى على مواجهة هذه التحدّيات، يجب أن تكون نفوسنا مفعمةً بالأمل والحيويّة، وليس باليأس والضّجر.
محاضرة لسماحته منشورة على موقعه، بتاريخ 22-8-2018.
عن أنس، قالَ: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهليّة، فقال رسول الله (ص): «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا؛ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ».
في كُلِّ مجتمعٍ وأُمّة، هناك أيامٌ ومناسباتٌ يتبانى الناسُ على الاحتفاءِ بها، وإظهار البَهجةِ والسُّرورِ فيها، وتَعزيزِ تماسُكِهِم وتواصُلِهم الاجتماعي، ويُطلَق على تلك الأيّام اسمَ «الأعياد».
قد تَنبَثِقُ الأعياد مِن فكرة دينية، أو مناسبةٍ قوميّة، أو تفاعُلٍ مع تَحَوُّلٍ من تَحوّلاتِ الطبيعة، كَفَصلِ الرّبيع.
وفي الإسلام، هناك عيدان تَتّفق عليهما الأمّة، هما عيد الفطر، وعيد الأضحى، وحسب الحديث، فإنه كان عند أهل المدينة قبل الإسلام يومان يلعبون فيهما، يعني للبهجة وللسّرور، فهما بمثابة العيد.
فاعتمد النبيّ هذَيْن اليومين (الفطر والأضحى)، بدلًا من اليومين اللّذَيْن كانا عيدَيْنِ لِأَهلِ المدينة في الجاهلية.
مضامين العيد
نَلمحُ في هذَيْن العيدَيْن من خلال التعاليمِ والتوجيهاتِ الدينيةِ المضامينَ التالية:
أوّلًا: الاحتفاء بالإنجاز وأداء الوظائف والمهام.
متى يَحِقُّ للإنسان أن يَشعُر بِالفَخر والبهجة والسّرور؟
حينما يكون قد أنجز وحَقَّقَ شيئًا مُهِمًّا، حينما يَنجَحُ أمامَ تَحَدٍّ كبير، عندئذٍ يحقّ له أن يَشعُر بِالفَخر، وأن يَشعُر بالبهجة والسّرور، هذا على المستوى الفردي.
وكذلك على مستوى الأمم والشعوب، حينما يُحَقّقُ أَيُّ شَعبٍ من الشُّعوبِ إنجازًا قَومِيًّا، أو انتصارًا باهرًا، فَإِنّه يُحَوّل تلك المناسبة إلى عيد، حيث يشعر فيها بالفخر والسّرور.
وقد اعتمد الإسلام هذين العيدين؛ لأنّهما يأتيان عقب إنجازِ مهمّةٍ كبيرة، فعيد الفطر يأتي في نهاية الصّيام، شهر كامل والإنسان يصوم امتثالًا لِأمر الله، وفي يوم العيد، يشعر بالفخر والبهجة والثقة؛ لأنّه أنجز، ولأنه نجح في الامتحان. 
وكذلك عيد الأضحى، يأتي في غمرة مناسك الحجّ، فيشعر الإنسان بالفخر والبهجة، حيث أَدّى الوُقوفَيْن، الوقوف بعرفة والوقوف بِمُزدلفة، وهو في طريقه لأداء بقية مناسك الحجّ، فيشعر بالفخر، وتكون معنوياته رفيعة، وبالتالي يحقّ له أن يَحتَفِيَ بهذه المناسبة كَعِيد.
لذلك، ورد عن بعض الحكماء إشارة إلى هذا المعنى، أنّ العيد ليس مجرّد مناسبة فلكلورية اجتماعية، فـ «ليس العيد لمن لبس الجديد، وإنّما العيد لمن أمِن الوعيد»، أي انتصر أمام تحدٍّ أو خطر. 
ثانيًا: التذكير بالارتباط بالله سبحانه وتعالى
في أجواء البهجة والسّرور بالعيد، يستحضِرَ الإنسان ذكر ربه سبحانه وتعالى، حتى لا يكون العيد مناسبةَ لَهوٍ صارفة عن التذكير بالقيم والمبادئ، وإنّما يكون مناسبة بهجة وفرح مع استحضار القيم والمبادئ. ومن هنا، جاء الأمر بصلاة العيد، وهي ذكرٌ لله، واستحضار للقيم والمبادئ، والخطبتان بعد صلاة العيد للتّذكير والموعظة والتثقيف، وكذلك استحباب التّكبير والتّهليل، وهي كما أفادت النّصوص عقيب أربع صلوات في عيد الفطر، أوّلها المغرب قبل صلاة العيد، ورابعها بعد صلاة العيد.
وعقيب عشر صلوات في الأضحى، إنْ لم يكن بِمِنَى، أوّلها ظُهر يوم العيد، وعاشرها صبح اليوم الثاني عشر، وإن كان بِمِنَى، فعقيب خمس عشرة صلاة، أوّلها ظُهر يوم العيد، وآخرها صبح اليوم الثالث عشر. 
والتكبير الوارد هو: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا ـ وفي الأضحى يضيف «الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»ـ، والحمد لله على ما أبلانا).
ثالثًا: العطاء للمحتاجين 
شرع الإسلام في يوم عيد الفطر زكاة الفطر، وهي عطاء للفقراء المحتاجين.
وفي يوم الأضحى، تكون الأُضحية واجبة على الحاج، وبالنّسبة إلى غير الحاجّ، تكون من باب المستحبّ المؤكّد.
إخواننا أهل السنَّة في الغالب يهتمّون بهذا الاستحباب، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي يهتمّون بالأضحية في عيد الأضحى، لكن في مجتمعاتنا الشيعيّة، نرى الاهتمام بهذه السنَّة قليل ومحدود، مع أنّ الروايات المُؤكِّدة على الأضحية في عيد الأضحى واردة في مصادرنا الحديثية والفقهية، كما هي واردة عند إخواننا أهل السنّة. 
يروي الصدوق عن رسول الله (ص) أنّه قال: «إِنَّمَا جَعَلَ اللهُ هَذَا الْأَضْحَى لِتَشْبَعَ مَسَاكِينُكُمْ مِنَ اللَّحْمِ فَأَطْعِمُوهُمْ». 
وأورد الكليني بسنده، أنّ الإمام جعفر الصّادق (ع) سُئِلَ عَنِ الْأَضْحى: أَوَاجِبٌ عَلى مَنْ وَجَدَ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ؟ فَقَالَ: «أَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَا يَدَعْهُ، وَأَمَّا لِعِيَالِهِ إِنْ شَاءَ تَرَكَهُ». 
السائل يسأل الإمام: هل الأضحية واجبة؟ فيجيب: (أما لنفسه فلا يدعه)، وهذا إمّا يدلّ على الوجوب، وإمّا يدلّ على الاستحباب المؤكّد، وهو ما أخذ به الفقهاء.
من الناحية الفقهية، يستحبّ للإنسان أن يضحّي عن نفسه وأهل بيته، ويجوز له أن يضحّي بأضحية واحدة عن الجميع، ولا سيّما إذا عَزَّت الأضاحي وارتفع ثمنها.
وإذا كانت لديه إمكانيّة، فيضحّي عن كلّ واحدٍ من أهل بيته بأضحية، والهدف من ذلك ممارسة العطاء؛ لأنَّ الإنسان الذي يضحّي يُخصّص ثلثًا لنفسه ويُهدِي ثلثًا لمن يحبّ، وثلثًا يعطيه للفقراء والمحتاجين. 
رابعاً: التواصل الاجتماعي 
ويتحقّق عَبْرَ حضور صلاة العيد، واستحباب التزاور وتبادل التهاني، وخصوصاً مع الأرحام والأقارب، وعلى الأخصّ من ليس هناك تواصل معه، كما في الحديث عنه (ص) أنّه قال: «صِلْ مَنْ قَطَعَكَ».
أقرباؤك الذين يتواصلون معك، إذا تواصلت معهم في العيد وأمثاله لك ثواب، لكن ثوابك أكبر إذا بادرت للتواصل مع من لا يتواصل معك، وحتى مع بقية أفراد المجتمع، مَن يأتيك تذهبُ إليه، هذا فيه ثواب، لكنّ الثّواب الأكبر أن تذهبَ إلى مَن لا يأتيك، وذلك كي تُحَفّزَهُ وتُشَجِّعَهُ على وَضْعِ حَدٍّ لِقَطِيعَتِه، وأَن تُشعِرَهُ بأهمية التواصل.
خامسًا: نشر البهجة والسّرور، وتحدّي الأحزان والمصائب
لا تخلو الحياة مما يُنَغّصُ على الإنسان، الحياة فيها مشاكل وتَحَدّيات، قد تكون هذه المشاكل فردية، وقد تكون على المستوى الاجتماعي أو الوطني أو العالمي، لكِنْ على الإنسان ألّا يستسلم للمآسي والأحزان، ينبغي أن يُجَدّد الأمل في نفسه؛ لأنَّ تجديد الأمل مفيد على الصّعيد الذاتي والاجتماعي.
ورد عن عليّ أمير المؤمنين (ع)  أنه قال: «السُّرُورُ يَبْسُطُ النَّفْسَ وَيُثيرُ النَّشاطَ، والغَمُّ يَقْبِضُ النَّفْسَ وَيَطْوِي الانبِساطَ»، فلا ينبغي للإنسان أن يعيش الكآبة والحزن، الثّقافة التي تُعَيِّشُ الناسَ في حُزنٍ دائم، وكآبةٍ دائمة، هي ثقافة خطأ. 
الأعياد تأتي لكي تكسر ما قد يسوّد أجواء الإنسان وأجواء المجتمع مِن مصائب وأحزان، فيتفاعل مع العيد تفاعُلًا إيجابيًّا. 
وأساسًا، فإنّ الدّين يشجّع على نشر البهجة والسّرور في أوساط المجتمع، ورد في حديث عن رسول الله (ص): «إنّ في الجَنَّةِ دارًا يقالُ لَها دارُ الفَرَحِ، لا يَدخُلُها إلّا مَن فَرَّحَ الصِّبيانَ»، وذلك تشجيع للاهتمام بالطفولة، وأن يهتمّ المجتمع بتوفير أجواء البهجة والسّرور لأطفاله، فإنه كلّما عاش الأطفال حالة من البهجة واللّعب والسّرور، توفّروا على النموّ النفسي السّليم، ما يسهم في تهذيب مشاعرهم وأحاسيسهم وتصحيحها، وهناك حثٌّ على نشر البهجة والسّرور على المستويين الفردي والاجتماعي، حيث ورد عن أمير المؤمنين (ع) في إحدى وصاياه: «فَوَالَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ؛ مَا مِنْ أَحَدٍ أَوْدَعَ قَلْباً سُرُورًا، إِلَّا وَخَلَقَ اللهُ لَهُ مِنْ ذلِكَ السُّرُورِ لُطْفًا، فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَائِبَةٌ، جَرَى إلَيْهَا كَالْمَاءِ فِي انْحِدَارِهِ، حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْهُ». 
ويقول الإمام الصادق (ع) فيما رُويَ عنه: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ لَقِيَ مُسْلِماً فَسَرَّهُ، سَرَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ». 
إنَّ نشر السّرور والبهجة في المجتمع أمرٌ مطلوب؛ لأنَّ آثاره النفسيّة، والجسمية الصحيّة، والاجتماعيّة العامّة، آثارٌ كبيرة.
صحيحٌ أننا لا نستطيع أن نتجاهل المصائب والمآسي التي تحيط بمجتمعات الأمّة، وبالبشريّة جمعاء، لكن من أجل أن نَتَقَوّى على مواجهة هذه التحدّيات، يجب أن تكون نفوسنا مفعمةً بالأمل والحيويّة، وليس باليأس والضّجر.
محاضرة لسماحته منشورة على موقعه، بتاريخ 22-8-2018.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية