يتحدّث سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض) في كلام له عن جملة من الأمور العقيديّة التي توضح بما لا لبس فيه اعتقادات الشيعة الإماميّة بكلّ أصالة، بما يؤكد حقيقة المذهب ومتانة العقيدة، ودفعاً لكثير من الشبهات أو الوقوع في كثير من الانحرافات عند البعض في تكوينه لصورة العقيدة الإماميّة.
المرجع فضل الله يؤكّد أنّ الشيعة موحِّدون ولا يعبدون إلا الله تعالى لا شريك له، شارحاً معنى العبادة وما يعنيه أمر الاستشفاع بأهل البيت (ع). يقول سماحته:
"الشيعة الإماميّة لا يعبدون أحداً إلا الله، ولا يشركون به شيئاً، لا على نحو الاستقلال، ولا عكس ذلك أيضاً، لأنّ العبادة تعني التوجّه نحو الله سبحانه وتعالى، والاعتراف بأنّنا عباده الضّعفاء، وأنّ كلّ ما عندنا فهو من عند الله، لا من عند سواه.. وهذا يستلزم أن تكون أعمالنا هي التي تقرّبنا إلى الله، وتكون العبادة بنفسها مقرّبة إليه سبحانه وتعالى.. والعبادة بهذا المعنى، لا بدَّ وأن تكون موافقة لما يريده الله سبحانه، حيث هو الّذي يحدّد كيف يطاع ومن أين يطاع.
ولذلك، فهذه العبادة بهذا المعنى تختلف كلّياً وجوهريّاً عن عبادة الأصنام، وإن أريد منها أنها تقرّب إلى الله زلفى، لأنها ليست من حيث أراد الله، فلا تكون توجّهاً إلى الله، على نحو الحقيقة ولا عبادةً له، ولذلك عدّها القرآن شركاً.
نعم، طاعة بعض أولي الأمر وبعض أولياء الله والاستشفاع بهم والتوسّل بهم، لا تكون كذلك، لأنها مما أذن بها الله، ولا تكون شركاً، لأنها توجّه نحو الله على نحو الاستقلال، وذلك من خلال أنه أذن لبعض عباده بالشّفاعة. ومن هنا، لا شرك ولا انحراف عن خطّ الاستقلال والتوجّه نحو الله، وإلا لما صحَّ أيضاً التوجّه نحو الله من خلال أسمائه الحسنى. فمثلاً، قولنا: "لا إله إلا أنت اغفر لي بحقّ لا إله إلا أنت"، ونحو ذلك، هو توسّل إلى الله بواسطة كلمة التّوحيد، فإنّ من المعروف أن هذا ليس شركاً، وإنما هو تأكيد لوحدانيّة الله واستقلاله بالعبادة، وكذلك عندما تقول: اللّهمّ اغفر لي بحقّ محمّد وآل محمد.
والذي أوجبته على نفسك، فإن التوجه وعلى نحو الاستقلال، إنما هو لله سبحانه وتعالى لا أحد سواه، ولكنه على نحو الاستشفاع بمن يحبّهم الله من عباده الذين اجتباهم، وهذا ما أشار إليه الإمام زين العابدين (ع) في بعض أدعيته: "واجعل توسّلي بهم شافعاً، يوم القيامة نافعاً"، والله الهادي إلى الصواب.
وعن الاختلاف في الانتماء المذهبيّ، يشير السيِّد فضل الله إلى أننا كلّنا أتباع الإسلام ومسلمون، ومن الطبيعي أن تكون هناك اختلافات بسيطة في التفاصيل بين المذاهب تبعاً للاجتهادات. يقول سماحته:
"قبل أن تكون سنيّاً او شيعيّاً، فأنت مسلم مؤمن بعقائد الإسلام وتشريعاته الواضحة والمعروفة في القرآن الكريم وأحاديث النبيّ (ص)، والمتّفق عليها عند المذاهب كافّة، وذلك أنّ السني والشيعي مسلمان يتوافقان من خلال مذهب كلّ واحد منهما على معظم العقائد والأحكام، والاختلاف في بعض الأمور هو الّذي ميَّز بينهما، والتي أهمّها، اعتقاد الشّيعة بأحقيّة عليّ (ع) بالخلافة بعد النبيّ (ص) مباشرةً، وبنصّ منه (ص)، ثم من بعده لولديه الحسن ثم الحسين (ع)، إضافةً الى خلافات بسيطة في بعض أحكام الوضوء والصّلاة وغيرهما من أحكام الفقه".
ويرفض المرجع السيّد فضل الله تكفير الصحابة، مؤكّداً أن التشيّع على طول خطّه لا يعتقد لا بالسبّ ولا بالتّكفير. يضيف:
"الشيعة لا يكفِّرون الصحابة، ونسبة ذلك إلى الشيعة أمر سخيف. كيف، والقرآن الكريم يتحدّث عن المؤمنين مع النبيّ (ص)، ويمدحهم في جهادهم، ويخاطبهم ويوجّههم، ويذكر المهاجرين والأنصار، ويتحدّث كذلك عن بعض المنافقين ممن كانوا يتستّرون بالإسلام ويبطنون الكفر والعداوة للدّين، كما وهناك من كان يخالف أمر النبي وينحرف عن الحقّ. لكن الشيعة لا يرون مجرّد الصحبة للنبيّ (ص) سبباً في التقديس والأخذ عنهم، إلا من خلال من ثبتت وثاقته واستقامته من الصحابة، بخلاف أئمّة أهل البيت (ع)، فهم المعصومون بنصّ القرآن والسنّة، وهم الحجج الّذين تؤخذ منهم معالم الدّين.
الموقف من الخلفاء ينطلق مما ثبت في الكتاب والسنّة، من جعل الخلافة والإمامة لأئمة أهل البيت (ع) بعد النبيّ (ص)، وجعلها في غيرهم يمثّل غصباً وانحرافاً عن الحقّ، وله نتائجه وآثاره السلبيّة البعيدة المدى أيضاً، ولكن تحرم الإساءة إليهم بالكلمات السيّئة، كالسبّ ونحوه، فنحن نفتي بعدم الجواز، كما كان يفعل الامام عليّ (ع) ـ صاحب الحقّ ـ في علاقته بهم واحترامه لهم".
وأخيراً، يتحدّث سماحته عن الغلوّ في الأئمة (ع)، ولا يعدّه من أساس الاعتقاد، بل هو مرفوض، يقول:
"لا ريب في أنّ لآل البيت (ع) منزلة رفيعة عند الله تعالى، غير أنّ ذلك لا يبرّر الغلوّ الّذي دليل بطلانه معه، والقاعدة في مثله أن يضرب به عرض الجدار، دون ضرورة لتكلف عناء البحث فيه للاستدلال على بطلانه".
*المصدر لكلام سماحته: (استفتاءات - عقائد وأديان ومذاهب).