كتابات
26/01/2020

المسلمون أسرة واحدة.. فحرام الإساءة إليها

المسلمون أسرة واحدة.. فحرام الإساءة إليها

يؤكّد سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض) في خطبة من خطب الجمعة الدينيّة، ضرورة احترام المؤمن لأخيه، وحرمة الإساءة إلى كرامته وأوضاعه، متناولاً جملة من الأحاديث والآيات حول هذه النق

فمن أهم ما رسمه المنهج الأخلاقي الإسلامي، حماية مشاعر الآخرين، وعدم احتقارهم والتعدّي عليهم. ويضيف سماحته بأنّ المسلمين أسرة واحدة، فهناك الأسرة الإسلاميّة العامّة التي ننتمي إليها جميعاً، والتي لا يجوز الإساءة إليها بأيّ حال من الأحوال.

يقول سماحته: "من القيم الإسلاميّة التي يريد الله تعالى للمسلمين أن يأخذوا بها في حياتهم الاجتماعيّة، ولا سيما في علاقة بعضهم ببعض، أن يحترم المسلم المسلم، وأن يعزّه ويحفظ حقه، مهما كان الاختلاف في الدرجة الاجتماعية بين المسلمين، كأن يكون أحدهم غنيّاً والآخر فقيراً، عالماً والآخر غير عالم، أو صاحب سلطة والآخر فاقداً لها، أو جميلاً والآخر غير جميل، وهكذا... أن تكون إنسانيّتنا وإسلامنا هما الأساس في احترام بعضنا البعض، فلا يجوز لمؤمن أن يحتقر مؤمناً لفقره أو لحقارة نسبه أو لموقعه الاجتماعي، أو لأيّة حالة من الحالات، لأنّ الله تعالى يريد لنا أن نحترم إسلام المؤمن وإنسانيّته، بحيث يشعر بأنّ إسلامه يمثّل قيمة كبيرة عند إخوانه المسلمين.

وقد أكّد الله تعالى ذلك كله من خلال قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وأكّد ذلك في الجانب السلبي بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ}. وفي هذا المجال، وردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله (ص) وعن أئمّة أهل البيت (ع)، التي تركّز على هذا الجانب بأسلوب يشعر الإنسان بالرّعب أمام بعض تصرفاته التي قد تصدر عنه، من قبيل احتقار مسلم ضعيف أو غير ذلك. ونورد في ما يلي الأحاديث التي تتّصل بهذه الأجواء.

ففي الحديث عن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: "قال الله عزّ وجلّ: ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن، ولو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل، لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي، ولقامت سبع سموات وأرضين بهما، ولجعلت لهما من إيمانهما أنساً لا يحتاجان إلى أنس سواه". فالله تعالى يقيّم إيمان المؤمن، بحيث لو أن الأرض كلّها ليس فيها إلا مؤمن وإمام عادل، فإنه سبحانه يجعل الأرض ممتلئةً بهما، ويرى أنّ عبادتهما له، من خلال إيمانهما، هي العبادة التي يُستغنى بها عن عبادة أيّ مخلوق، لأنها تمثّل العلاقة العميقة بالله تعالى.

وفي الحديث عن الإمام الصّادق (ع) أنّه قال: "إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ أين الصَّدود لأوليائي - الذي لا يقضي حاجة المؤمنين ويحتقرهم ولا يحترمهم - فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيُقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم - العداوة - وعاندوهم وعنّفوهم في دينهم، ثو يؤمر بهم إلى جهنم". وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: "قال رسول الله (ص): قال الله تبارك وتعالى: من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي". وفي الحديث عنه (ع): "من حقّر مؤمناً مسكيناً أو غير مسكين، لم يزل الله عزَّ وجلَّ حاقراً له ماقتاً حتى يرجع عن محقرته إيّاه". وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) أيضاً: "إن الله تبارك وتعالى يقول: من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي".

وورد عن الإمام الصادق (ع): "قال رسول الله (ص): قال الله عزَّ وجلَّ: من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي، وما تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليّ مما افترض عليه - من الإتيان بالفرائض التي ألزمنا الله تعالى بها - وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله كتردّدي عن موت المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته". وطبعاً، فإنّ الله تعالى لا يتردَّد، ولكنه أراد أن يبيّن مدى إعزازه للإنسان المؤمن.. وفي الحديث عنه (ع): "من استذلّ مؤمناً - من أصحاب الحاجات - واستحقره لقلّة ذات يده ولفقره، شهَّره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق".

وعن الإمام الباقر (ع) قال: "لما أسري بالنبيّ (ص) قال: يا ربّ، ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمّد، من أهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى، ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر، ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك".

لقد تناولت هذه الأحاديث مسألة احتقار المؤمنين وأذاهم من قبل الإنسان الذي يشعر بأنّ له ميزة على أخيه الإنسان، لتحدّد المبدأ الإسلامي الذي يؤكّد ضرورة احترام المسلم، بقطع النظر عن طبيعة الواقع الطبقي الاجتماعي، أو طبيعة المميزات التي تميّز المسلمين عن بعضهم البعض، حتى يكون إسلام المسلم وإيمان المؤمن هو الأساس في تقسيمه واحترامه".

ويضيف: "وهناك حالة ثانية ينبغي تسليط الضّوء عليها لخطورتها الاجتماعيّة، وتتعلق بتهيئة الوسائل التي يستغلها البعض ليؤكّدوا احتقارهم للمؤمنين، كأن يلاحقوا عثراتهم ومعائبهم وعوراتهم، ويتجسّسوا عليهم، مستغلين مصاحبتهم لتسجيل كل كلمة أو عمل يمكن أن تنـزل من مقامهم وتحقّرهم، من أجل إسقاط سمعتهم أو التّشهير بهم، فهناك من يعمل في المخابرات لحساب أجهزة أو حزب هنا أو منظمة هناك، وهناك من يعمل في المخابرات لحساب نفسه، فيتجسّس على شخص آخر ويلاحق عثراته ليسيء إلى سمعته ويحطّمه في المجتمع، وقد اهتمّ أئمّة أهل البيت (ع) بهذا الموضوع اهتماماً كبيراً، وعلينا أن ننتبه إلى هذه النقطة جيّداً، لأنّ هذه الأمور أصبحت في مجتمعنا كطعامنا وشرابنا، وأصبح شغلنا هو تمزيق صفوفنا وإسقاط رموزنا وشخصياتنا الصّالحة والمصلحة في المجتمع، إمّا لحسابات شخصية، أو لحقد شخصيّ، أو لحسد، وإمّا لحساب أجهزة مخابراتيّة في الدّاخل والخارج.

في الحديث عن الإمامين الباقر والصّادق (ع): "أقرب ما يكون العبد إلى الكفر، أن يؤاخي الرّجل على الدين - والصّديق عادةً ينكشف لصديقه - فيحصي عليه عثراته وزلاّته ليعنّفه بها يوماً ما"، وهذه الآفة موجودة في مجتمعاتنا.. وعن الإمام الصّادق (ع) أنّه قال: "قال رسول الله (ص): يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه - أي من كان مسلم اللّسان وليس مسلم القلب - لا تذمّوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبّع عوراتهم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في بيته"، لأنّ الله تعالى عندما يريد أن يكشف سرّك، فإنه لا يحتاج إلى أجهزة وما إلى ذلك.. وفي الحديث عن الإمام الصّادق (ع): "أبعد ما يكون العبد من الله، أن يكون الرّجل يؤاخي الرجل وهو يحفظ عليه زلاّته ليعيّره بها يوماً ما".

هذا كلام الله تعالى، وهذا كلام رسول الله (ص) وكلام الأئمّة من أهل البيت (ع)، وكلامهم هو كلام رسول الله (ص). هذه الكلمات تريد أن تؤكّد في واقعنا الإسلاميّ، أن المسلمين يمثّلون أسرة واحدة، فكما أنّ الإنسان لا يحبّ لأحد أن يسيء إلى أسرته، ولا يحبّ لنفسه أن يسيء إلى أسرة أحد، فعليه أن لا يسيء إلى الأسرة الإسلاميّة، فإذا اطّلعت على عيب لأخيك المسلم، فحاول أن تنبّهه عليه، وأن تعظه في ذلك بينك وبينه، فقد جاء في الحديث: "من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه"، وورد في الحديث عن عليّ (ع): "رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي".

ويختم كلامه: ليست مواقع القرب إلى الله تقتصر على الصلاة والصوم والحجّ، ولكن على المنهج الأخلاقي الذي رسمه الله لنا، وقد قال النبيّ (ص): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، بهذا يقرب الإنسان إلى ربّه، ويحصل على الدّرجة العليا عنده، ويفتح طريقه إلى الجنّة، وبغير ذلك، يفتح طريقه إلى النّار، ونحن نعرف أنّ الصلاة قيمتها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، "ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعداً".

*من أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله، العام 1999.

يؤكّد سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض) في خطبة من خطب الجمعة الدينيّة، ضرورة احترام المؤمن لأخيه، وحرمة الإساءة إلى كرامته وأوضاعه، متناولاً جملة من الأحاديث والآيات حول هذه النق

فمن أهم ما رسمه المنهج الأخلاقي الإسلامي، حماية مشاعر الآخرين، وعدم احتقارهم والتعدّي عليهم. ويضيف سماحته بأنّ المسلمين أسرة واحدة، فهناك الأسرة الإسلاميّة العامّة التي ننتمي إليها جميعاً، والتي لا يجوز الإساءة إليها بأيّ حال من الأحوال.

يقول سماحته: "من القيم الإسلاميّة التي يريد الله تعالى للمسلمين أن يأخذوا بها في حياتهم الاجتماعيّة، ولا سيما في علاقة بعضهم ببعض، أن يحترم المسلم المسلم، وأن يعزّه ويحفظ حقه، مهما كان الاختلاف في الدرجة الاجتماعية بين المسلمين، كأن يكون أحدهم غنيّاً والآخر فقيراً، عالماً والآخر غير عالم، أو صاحب سلطة والآخر فاقداً لها، أو جميلاً والآخر غير جميل، وهكذا... أن تكون إنسانيّتنا وإسلامنا هما الأساس في احترام بعضنا البعض، فلا يجوز لمؤمن أن يحتقر مؤمناً لفقره أو لحقارة نسبه أو لموقعه الاجتماعي، أو لأيّة حالة من الحالات، لأنّ الله تعالى يريد لنا أن نحترم إسلام المؤمن وإنسانيّته، بحيث يشعر بأنّ إسلامه يمثّل قيمة كبيرة عند إخوانه المسلمين.

وقد أكّد الله تعالى ذلك كله من خلال قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وأكّد ذلك في الجانب السلبي بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ}. وفي هذا المجال، وردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله (ص) وعن أئمّة أهل البيت (ع)، التي تركّز على هذا الجانب بأسلوب يشعر الإنسان بالرّعب أمام بعض تصرفاته التي قد تصدر عنه، من قبيل احتقار مسلم ضعيف أو غير ذلك. ونورد في ما يلي الأحاديث التي تتّصل بهذه الأجواء.

ففي الحديث عن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: "قال الله عزّ وجلّ: ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن، ولو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل، لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي، ولقامت سبع سموات وأرضين بهما، ولجعلت لهما من إيمانهما أنساً لا يحتاجان إلى أنس سواه". فالله تعالى يقيّم إيمان المؤمن، بحيث لو أن الأرض كلّها ليس فيها إلا مؤمن وإمام عادل، فإنه سبحانه يجعل الأرض ممتلئةً بهما، ويرى أنّ عبادتهما له، من خلال إيمانهما، هي العبادة التي يُستغنى بها عن عبادة أيّ مخلوق، لأنها تمثّل العلاقة العميقة بالله تعالى.

وفي الحديث عن الإمام الصّادق (ع) أنّه قال: "إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ أين الصَّدود لأوليائي - الذي لا يقضي حاجة المؤمنين ويحتقرهم ولا يحترمهم - فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيُقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم - العداوة - وعاندوهم وعنّفوهم في دينهم، ثو يؤمر بهم إلى جهنم". وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: "قال رسول الله (ص): قال الله تبارك وتعالى: من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي". وفي الحديث عنه (ع): "من حقّر مؤمناً مسكيناً أو غير مسكين، لم يزل الله عزَّ وجلَّ حاقراً له ماقتاً حتى يرجع عن محقرته إيّاه". وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) أيضاً: "إن الله تبارك وتعالى يقول: من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي".

وورد عن الإمام الصادق (ع): "قال رسول الله (ص): قال الله عزَّ وجلَّ: من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي، وما تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليّ مما افترض عليه - من الإتيان بالفرائض التي ألزمنا الله تعالى بها - وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله كتردّدي عن موت المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته". وطبعاً، فإنّ الله تعالى لا يتردَّد، ولكنه أراد أن يبيّن مدى إعزازه للإنسان المؤمن.. وفي الحديث عنه (ع): "من استذلّ مؤمناً - من أصحاب الحاجات - واستحقره لقلّة ذات يده ولفقره، شهَّره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق".

وعن الإمام الباقر (ع) قال: "لما أسري بالنبيّ (ص) قال: يا ربّ، ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمّد، من أهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى، ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر، ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك".

لقد تناولت هذه الأحاديث مسألة احتقار المؤمنين وأذاهم من قبل الإنسان الذي يشعر بأنّ له ميزة على أخيه الإنسان، لتحدّد المبدأ الإسلامي الذي يؤكّد ضرورة احترام المسلم، بقطع النظر عن طبيعة الواقع الطبقي الاجتماعي، أو طبيعة المميزات التي تميّز المسلمين عن بعضهم البعض، حتى يكون إسلام المسلم وإيمان المؤمن هو الأساس في تقسيمه واحترامه".

ويضيف: "وهناك حالة ثانية ينبغي تسليط الضّوء عليها لخطورتها الاجتماعيّة، وتتعلق بتهيئة الوسائل التي يستغلها البعض ليؤكّدوا احتقارهم للمؤمنين، كأن يلاحقوا عثراتهم ومعائبهم وعوراتهم، ويتجسّسوا عليهم، مستغلين مصاحبتهم لتسجيل كل كلمة أو عمل يمكن أن تنـزل من مقامهم وتحقّرهم، من أجل إسقاط سمعتهم أو التّشهير بهم، فهناك من يعمل في المخابرات لحساب أجهزة أو حزب هنا أو منظمة هناك، وهناك من يعمل في المخابرات لحساب نفسه، فيتجسّس على شخص آخر ويلاحق عثراته ليسيء إلى سمعته ويحطّمه في المجتمع، وقد اهتمّ أئمّة أهل البيت (ع) بهذا الموضوع اهتماماً كبيراً، وعلينا أن ننتبه إلى هذه النقطة جيّداً، لأنّ هذه الأمور أصبحت في مجتمعنا كطعامنا وشرابنا، وأصبح شغلنا هو تمزيق صفوفنا وإسقاط رموزنا وشخصياتنا الصّالحة والمصلحة في المجتمع، إمّا لحسابات شخصية، أو لحقد شخصيّ، أو لحسد، وإمّا لحساب أجهزة مخابراتيّة في الدّاخل والخارج.

في الحديث عن الإمامين الباقر والصّادق (ع): "أقرب ما يكون العبد إلى الكفر، أن يؤاخي الرّجل على الدين - والصّديق عادةً ينكشف لصديقه - فيحصي عليه عثراته وزلاّته ليعنّفه بها يوماً ما"، وهذه الآفة موجودة في مجتمعاتنا.. وعن الإمام الصّادق (ع) أنّه قال: "قال رسول الله (ص): يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه - أي من كان مسلم اللّسان وليس مسلم القلب - لا تذمّوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبّع عوراتهم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في بيته"، لأنّ الله تعالى عندما يريد أن يكشف سرّك، فإنه لا يحتاج إلى أجهزة وما إلى ذلك.. وفي الحديث عن الإمام الصّادق (ع): "أبعد ما يكون العبد من الله، أن يكون الرّجل يؤاخي الرجل وهو يحفظ عليه زلاّته ليعيّره بها يوماً ما".

هذا كلام الله تعالى، وهذا كلام رسول الله (ص) وكلام الأئمّة من أهل البيت (ع)، وكلامهم هو كلام رسول الله (ص). هذه الكلمات تريد أن تؤكّد في واقعنا الإسلاميّ، أن المسلمين يمثّلون أسرة واحدة، فكما أنّ الإنسان لا يحبّ لأحد أن يسيء إلى أسرته، ولا يحبّ لنفسه أن يسيء إلى أسرة أحد، فعليه أن لا يسيء إلى الأسرة الإسلاميّة، فإذا اطّلعت على عيب لأخيك المسلم، فحاول أن تنبّهه عليه، وأن تعظه في ذلك بينك وبينه، فقد جاء في الحديث: "من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه"، وورد في الحديث عن عليّ (ع): "رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي".

ويختم كلامه: ليست مواقع القرب إلى الله تقتصر على الصلاة والصوم والحجّ، ولكن على المنهج الأخلاقي الذي رسمه الله لنا، وقد قال النبيّ (ص): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، بهذا يقرب الإنسان إلى ربّه، ويحصل على الدّرجة العليا عنده، ويفتح طريقه إلى الجنّة، وبغير ذلك، يفتح طريقه إلى النّار، ونحن نعرف أنّ الصلاة قيمتها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، "ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعداً".

*من أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله، العام 1999.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية