كتابات
06/03/2020

علينا أن نقرأ عليًّا ونفهمه جيّدًا

علينا أن نقرأ عليًّا ونفهمه جيّدًا

عاش أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) الإسلام كلّه، وجاهد في الإسلام بكلّه، وباع نفسه لله، وعاش كلّ حياته مع رسول الله (ص)، وكان بيته بيت النبيّ (ص)، وكان الإنسان الذي لم يكن للباطل أيّ دور فيه، فقد قال رسول الله (ص): "عليّ مع الحقّ والحق مع عليّ، يدور معه حيثما دار"، وكان أعلم المسلمين في كلّ ما جاء به رسول الله (ص)، فقد قال (ع): "علّمني رسول الله ألف باب من العلم، فُتح لي من كل باب ألف باب"، حتى قال رسول الله (ص)، مما رواه الخاصّ والعام: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وقال له: "يا عليّ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي". وكانت نفسه نفس رسول الله (ص)، لأنّ شخصيّته انطبعت بشخصيّة رسول الله في عقله وروحه وقلبه وأخلاقه.

وقد أكرم الله تعالى عليّاً (ع) بما لم يكرم أحداً من قبله ولا من بعده، حيث وُلد في بيت الله، في الكعبة المشرَّفة، في ذلك المكان المقدَّس، للإيحاء بأنّ عليّاً (ع) هو الإنسان الذي أعدّه الله تعالى ليكسّر الأصنام أثناء فتح مكة، عندما طلب منه رسول الله (ص) أن يعلو على كتفيه ليقوم بتكسير الأصنام، وهو الذي انطلق من أجل الجهاد في سبيل الله في كلّ حياته، كان شبابه جهاداً في سبيل الله، وكان ينتقل من معركة إلى معركة، حتى قال عنه النبيّ (ص) عندما برز إلى "عمرو بن عبد ودّ": "برز الإيمان كلّه إلى الشِّرك كلّه"، ورفع يديه إلى السّماء وهو يتطلّع إلى عليّ (ع) بعينين دامعتين، وقال: "ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين".

إننا نعرف من ذلك كم كان عليّ (ع) يملأ كلّ حياة رسول الله (ص)، حيث بات يشعر بأنّه وحده مع رسول الله، لأنه هو الذي فهم رسول الله كما لم يفهمه أحد، ووعى رسول الله (ص) كما لم يعه أحد، وأحبّ رسول الله كما لم يحبّه أحد، وأحبّ الله كما لم يحبّه أحد بعد رسول الله، ولذلك قال النبيّ (ص): "لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله".

ولذلك، كان عليّ (ع) وحده المؤهَّل لأن يقود المسلمين بروح رسول الله (ص) وعقله وعمله وإخلاصه، لأنّه وحده الذي كان مع رسول الله منذ طفولته الأولى، فقد جاء إلى عمّه أبي طالب وقال له: إنّك كثير العيال، أعطني ولداً من أولادك لأساعدك في تربيته، واختار عليّاً، لأنه كان يعدّه إعداداً للمستقبل الكبير الذي أراد الله تعالى لعليّ (ع) أن يكون فيه، فقد أراد الله له أن يعيش في حضن رسول الله، حتى لا يتربى حتى عند أبيه، وأبوه هو المؤمن الكافل لرسول الله (ص). كان يريد لرسول الله (ص) أن يفتح عقل عليّ وقلبه وروحه ووعيه على كلّ ما عنده - وسنسمع عليّاً كيف يتحدّث عن تلك الفترة - ولذلك كان "يوم الغدير"، وهو اليوم الذي أعلن فيه رسول الله (ص) أنّ الأمر من بعده لعليّ (ع)، بعد أن أنزل الله تعالى عليه كتابه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، ووقف رسول الله (ص) وهو يقول: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟"، قالوا: اللّهمّ بلى.. قال: "اللّهمّ اشهد".. ثم قال: "من كنت مولاه - من كنت أولى به من نفسه، من كنت وليّه في المسؤوليّة وفي الحكم - فعليّ مولاه - لعليّ ما هو لي من الولاية على المؤمنين في معنى الحاكميّة - اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيثما دار".

ومرّت خطوب وخطوب، ومشاكل ومشاكل، وأُبعد عليّ (ع) عن حقه، وقال: "لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن بها جور إلا عليَّ خاصة". ليست المشكلة عندي أن أُظلَم، فأنا أتحمَّل الظلم، بل القضيّة عند عليّ (ع) أن لا يُظلم الإسلام والمسلمون، أن لا يعيش المسلمون الفتنة والحرب فيما بينهم، فصبر "وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً...".

تعالوا نستمع إلى عليّ (ع) كيف يحدّثنا عن علاقته برسول الله (ص)، يقول: "أنا وضعت في الصّغر بكلاكل العرب - بأشرافهم - وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر - كسرت عنفوانهم - وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة - فأنا ابن عمه وزوج ابنته - والمنزلة الخصيصة - عندما قال (ص): "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" - وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه - عطره - وكان يمضغ الشّيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول، ولا خطلةً - خطأ - في فعل، ولقد قرن الله به (ص) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره - فكان النبيّ (ص) في المستوى الأعلى في الأخلاق، لأنّ أستاذه هو الله تعالى الذي علّمه على يد أعظم ملك من ملائكته فيما كان يوحي به إليه قبل الرّسالة من أصول التربية ومحاسن الأخلاق وعظمة القيم - ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بـ"حراء"، فأراه ولا يراه غيري - لأنه كان يصطحبه معه - ولم يجمع بيت واحد في الإسلام - في بداية الدعوة - غير رسول الله (ص) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرّسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (ص)، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشّيطان، قد أيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنّك لست بنبيّ، ولكنك وزير، وإنّك لعلى خير".

لقد اختاره النبيّ (ص) وزيراً وهو في تلك السنّ، لأنه رأى كيف تنمو عبقرية عليّ (ع) الفكرية والروحية والعملية منذ بداية شبابه وحياته.

ثم يقول (ع) في نهاية هذه الخطبة، وهو يتحدث عن بيئة أهل البيت (ع): "وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم - عندما يكون الموقف مع الله، فإنهم يقفون مع الله حتى لو وقف كل الناس ضدهم - سيماهم سيما الصدّيقين، وكلامهم كلام الأبرار، عمّار اللّيل - بالعبادة - ومنار النهار - بالوعي والعلم والجهاد في سبيل الله - متمسّكون بحبل القرآن، يحيون سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان، وأجسادهم في العمل"، فهم يعملون في خطّ الطريق إلى الجنّة التي تمثّل رضا الله في ذلك كلّه.

هذا هو عليّ (ع) في نشأته، ونشأته هي الّتي قادت شبابه، وشبابه هو الّذي قاد حركته في كهولته، عندما عاش الصعاب، وواجه التحدّيات، حتى عندما استُخلف، قال (ع): "فلما نهضت بالأمر، نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيثما يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً}"، وقد نكثوا ومرقوا وقسطوا لأنهم أرادوا العلوَّ والفساد، وعليّ (ع) يريد الرِّسالة وتقوى الله وطاعته، ويتحرّكون مع عباد الله في خطّ الصّلاح، وهذا ما قاله عليّ (ع): "اللّهم إنَّك تعلم أنَّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونُظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، اللّهمّ إني أول من سمع وأجاب، لم يسبقني إلا رسول الله بالصلاة، بلى لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها.. ولولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنز".

هذا هو عليّ (ع) الّذي أراد أن يرفع مستوى النّاس من حوله بعد رسول الله (ص)، ولكنّهم أرادوا له أن ينزل ليكون في كلّ وحولهم، وقال لهم: "ليس أمري وأمركم واحداً، إنّني أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم".

عليّ (ع) في الموقع الأعلى الّذي لا يساويه أحد بعد رسول الله (ص) في كلّ فضائله، لذلك تعالوا إلى عليّ حتى نتّعظ به ونسير وراءه، لا يكن وضعنا مع عليّ بعد كلّ هذه القرون كوضع أولئك الذين كان يقول لهم: "سلوني قبل أن تفقدوني، فإني بطرق السماء أعرف مني بطرق الأرض"، ويسأله شخص: كم شعرة في رأسي؟! تعالوا لنرتفع بعليّ (ع)، ولنسمو به، فإنّ عليّاً لا يريد أن يسير بنا إلا إلى الله والجنّة، إنّ علينا أن نقرأه ونفهمه جيّداً. ونحن نتمثّل قول الشاعر المسيحي "بولس سلامة":

يا سماءُ اخشعي ويا أرضُ قــرّي واخضعي إنّني ذكرت عليّا

*من أرشيف خطب الجمعة الدينية - العام 2000.

عاش أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) الإسلام كلّه، وجاهد في الإسلام بكلّه، وباع نفسه لله، وعاش كلّ حياته مع رسول الله (ص)، وكان بيته بيت النبيّ (ص)، وكان الإنسان الذي لم يكن للباطل أيّ دور فيه، فقد قال رسول الله (ص): "عليّ مع الحقّ والحق مع عليّ، يدور معه حيثما دار"، وكان أعلم المسلمين في كلّ ما جاء به رسول الله (ص)، فقد قال (ع): "علّمني رسول الله ألف باب من العلم، فُتح لي من كل باب ألف باب"، حتى قال رسول الله (ص)، مما رواه الخاصّ والعام: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وقال له: "يا عليّ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي". وكانت نفسه نفس رسول الله (ص)، لأنّ شخصيّته انطبعت بشخصيّة رسول الله في عقله وروحه وقلبه وأخلاقه.

وقد أكرم الله تعالى عليّاً (ع) بما لم يكرم أحداً من قبله ولا من بعده، حيث وُلد في بيت الله، في الكعبة المشرَّفة، في ذلك المكان المقدَّس، للإيحاء بأنّ عليّاً (ع) هو الإنسان الذي أعدّه الله تعالى ليكسّر الأصنام أثناء فتح مكة، عندما طلب منه رسول الله (ص) أن يعلو على كتفيه ليقوم بتكسير الأصنام، وهو الذي انطلق من أجل الجهاد في سبيل الله في كلّ حياته، كان شبابه جهاداً في سبيل الله، وكان ينتقل من معركة إلى معركة، حتى قال عنه النبيّ (ص) عندما برز إلى "عمرو بن عبد ودّ": "برز الإيمان كلّه إلى الشِّرك كلّه"، ورفع يديه إلى السّماء وهو يتطلّع إلى عليّ (ع) بعينين دامعتين، وقال: "ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين".

إننا نعرف من ذلك كم كان عليّ (ع) يملأ كلّ حياة رسول الله (ص)، حيث بات يشعر بأنّه وحده مع رسول الله، لأنه هو الذي فهم رسول الله كما لم يفهمه أحد، ووعى رسول الله (ص) كما لم يعه أحد، وأحبّ رسول الله كما لم يحبّه أحد، وأحبّ الله كما لم يحبّه أحد بعد رسول الله، ولذلك قال النبيّ (ص): "لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله".

ولذلك، كان عليّ (ع) وحده المؤهَّل لأن يقود المسلمين بروح رسول الله (ص) وعقله وعمله وإخلاصه، لأنّه وحده الذي كان مع رسول الله منذ طفولته الأولى، فقد جاء إلى عمّه أبي طالب وقال له: إنّك كثير العيال، أعطني ولداً من أولادك لأساعدك في تربيته، واختار عليّاً، لأنه كان يعدّه إعداداً للمستقبل الكبير الذي أراد الله تعالى لعليّ (ع) أن يكون فيه، فقد أراد الله له أن يعيش في حضن رسول الله، حتى لا يتربى حتى عند أبيه، وأبوه هو المؤمن الكافل لرسول الله (ص). كان يريد لرسول الله (ص) أن يفتح عقل عليّ وقلبه وروحه ووعيه على كلّ ما عنده - وسنسمع عليّاً كيف يتحدّث عن تلك الفترة - ولذلك كان "يوم الغدير"، وهو اليوم الذي أعلن فيه رسول الله (ص) أنّ الأمر من بعده لعليّ (ع)، بعد أن أنزل الله تعالى عليه كتابه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، ووقف رسول الله (ص) وهو يقول: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟"، قالوا: اللّهمّ بلى.. قال: "اللّهمّ اشهد".. ثم قال: "من كنت مولاه - من كنت أولى به من نفسه، من كنت وليّه في المسؤوليّة وفي الحكم - فعليّ مولاه - لعليّ ما هو لي من الولاية على المؤمنين في معنى الحاكميّة - اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيثما دار".

ومرّت خطوب وخطوب، ومشاكل ومشاكل، وأُبعد عليّ (ع) عن حقه، وقال: "لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن بها جور إلا عليَّ خاصة". ليست المشكلة عندي أن أُظلَم، فأنا أتحمَّل الظلم، بل القضيّة عند عليّ (ع) أن لا يُظلم الإسلام والمسلمون، أن لا يعيش المسلمون الفتنة والحرب فيما بينهم، فصبر "وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً...".

تعالوا نستمع إلى عليّ (ع) كيف يحدّثنا عن علاقته برسول الله (ص)، يقول: "أنا وضعت في الصّغر بكلاكل العرب - بأشرافهم - وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر - كسرت عنفوانهم - وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة - فأنا ابن عمه وزوج ابنته - والمنزلة الخصيصة - عندما قال (ص): "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" - وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه - عطره - وكان يمضغ الشّيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول، ولا خطلةً - خطأ - في فعل، ولقد قرن الله به (ص) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره - فكان النبيّ (ص) في المستوى الأعلى في الأخلاق، لأنّ أستاذه هو الله تعالى الذي علّمه على يد أعظم ملك من ملائكته فيما كان يوحي به إليه قبل الرّسالة من أصول التربية ومحاسن الأخلاق وعظمة القيم - ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بـ"حراء"، فأراه ولا يراه غيري - لأنه كان يصطحبه معه - ولم يجمع بيت واحد في الإسلام - في بداية الدعوة - غير رسول الله (ص) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرّسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (ص)، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشّيطان، قد أيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنّك لست بنبيّ، ولكنك وزير، وإنّك لعلى خير".

لقد اختاره النبيّ (ص) وزيراً وهو في تلك السنّ، لأنه رأى كيف تنمو عبقرية عليّ (ع) الفكرية والروحية والعملية منذ بداية شبابه وحياته.

ثم يقول (ع) في نهاية هذه الخطبة، وهو يتحدث عن بيئة أهل البيت (ع): "وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم - عندما يكون الموقف مع الله، فإنهم يقفون مع الله حتى لو وقف كل الناس ضدهم - سيماهم سيما الصدّيقين، وكلامهم كلام الأبرار، عمّار اللّيل - بالعبادة - ومنار النهار - بالوعي والعلم والجهاد في سبيل الله - متمسّكون بحبل القرآن، يحيون سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان، وأجسادهم في العمل"، فهم يعملون في خطّ الطريق إلى الجنّة التي تمثّل رضا الله في ذلك كلّه.

هذا هو عليّ (ع) في نشأته، ونشأته هي الّتي قادت شبابه، وشبابه هو الّذي قاد حركته في كهولته، عندما عاش الصعاب، وواجه التحدّيات، حتى عندما استُخلف، قال (ع): "فلما نهضت بالأمر، نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيثما يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً}"، وقد نكثوا ومرقوا وقسطوا لأنهم أرادوا العلوَّ والفساد، وعليّ (ع) يريد الرِّسالة وتقوى الله وطاعته، ويتحرّكون مع عباد الله في خطّ الصّلاح، وهذا ما قاله عليّ (ع): "اللّهم إنَّك تعلم أنَّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونُظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، اللّهمّ إني أول من سمع وأجاب، لم يسبقني إلا رسول الله بالصلاة، بلى لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها.. ولولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنز".

هذا هو عليّ (ع) الّذي أراد أن يرفع مستوى النّاس من حوله بعد رسول الله (ص)، ولكنّهم أرادوا له أن ينزل ليكون في كلّ وحولهم، وقال لهم: "ليس أمري وأمركم واحداً، إنّني أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم".

عليّ (ع) في الموقع الأعلى الّذي لا يساويه أحد بعد رسول الله (ص) في كلّ فضائله، لذلك تعالوا إلى عليّ حتى نتّعظ به ونسير وراءه، لا يكن وضعنا مع عليّ بعد كلّ هذه القرون كوضع أولئك الذين كان يقول لهم: "سلوني قبل أن تفقدوني، فإني بطرق السماء أعرف مني بطرق الأرض"، ويسأله شخص: كم شعرة في رأسي؟! تعالوا لنرتفع بعليّ (ع)، ولنسمو به، فإنّ عليّاً لا يريد أن يسير بنا إلا إلى الله والجنّة، إنّ علينا أن نقرأه ونفهمه جيّداً. ونحن نتمثّل قول الشاعر المسيحي "بولس سلامة":

يا سماءُ اخشعي ويا أرضُ قــرّي واخضعي إنّني ذكرت عليّا

*من أرشيف خطب الجمعة الدينية - العام 2000.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية