كتابات
26/04/2020

موقف الإسلام من القلق والتردُّد أمام العمل

موقف الإسلام من القلق والتردُّد أمام العمل

إنَّنا نجد فئات كثيرة في المجتمع تعيش حالة التردُّد أمام أيّة قضية أو عمل، حتّى في القضايا الخاصة والأعمال العباديّة، كما تعيش حالة الشكّ في الآخرين من خلال الارتباط بهم في علاقة ما أو عدم الارتباط بهم.

وربّما يتمثّل هذا الواقع أيضاً في الأعمال العامّة، عندما يريد الإنسان القيام بعمل ثقافي أو خيري أو تجاري.

وهكذا يتحوّل الإنسان بفعل هذه الحالة إلى عضو مشلول في المجتمع، لا يستطيع التقدّم خطوة واحدة، بل يظلّ يراوح قدميه في مكانه، إن لم يتراجع إلى الوراء.

إنّ الإسلام يريد من كلّ فرد في الحياة أن يواجه الحياة بقوّة، ويتحمّل مسؤوليّتها بجرأة، ما دامت الحياة بيد الله، وما دامت الأسباب بيد الإنسان، يسخّرها الله له كيف يشاء. ومتى وعى الإنسان ماذا يريد، وماذا يعمل، وعرف وسائل العمل وظروفه، فلا يبقى له أمام العمل إلا أن يتحرّك، ما دام قد قام بكلّ ما عليه، أمّا الباقي، فليتركه على الله.

وأمّا كيف حاول إلاسلام معالجة هذه الحالة، فنلاحظ أنّ الإسلام قد عالَجَ هذه الناحية النفسية معالجة عمليّة في القرآن والحديث والتشريع.

في القرآن الكريم: نذكر آية واحدة تخاطب النبيّ محمّداً (ص): {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ}[آل عمران: 159].

إنَّ الله يطلب من النبيّ (ص) أن يهيّئ الجوّ الموضوعي لدراسة القضية، أيّة قضية تواجهه، سواء كانت قضية حربية أو قضية اجتماعية؛ أن يفكِّر فيها بنفسه، ويدرس جميع جوانبها وظروفها، ويشاور قومه ويتعرَّف آراءهم قبل أن يتصرَّف، كأسلوب نموذجي من أساليب الدراسة الشاملة التي تعوِّد المسلمين على التفكير في قضاياهم، لينطلقوا فيها من خلال الاقتناع الذاتي والإطاعة الواعية للقيادة.

{فَإِذَا عَزَمْتَ}، اجمع رأيك على شيء، فلا تتردَّد ولا تقلق ولا تخف من المستقبل، فإنّك إذا أحكمت الخطوات التي تريد أن تنطلق فيها، ودرستها درساً جيّداً، وحسبت حساب الحاضر وحساب المستقبل، ولم يبقَ أمامك إلا أنّك تخاف من المفاجآت التي لم تحسب لها حساباً، أو الخفايا التي هي في طيّ الغيب والكتمان، فتوكّل على الله، وسر في طريقك بقوّة.

وهنا نستطيع أن نعرف أنَّ التوكّل على الله لا يكون إلا بعد دراسة القضية جيّداً بجميع احتمالاتها، حتّى إذا توفّر للإنسان الاقتناع الكافي من خلال ذلك، وكانت الظروف الموضوعيّة ملائمة للتّنفيذ، أمكن للإنسان أن يبدأ خطوة التوكّل على الله، حتّى لا يصبح خوفه من المستقبل ومن المفاجآت مانعاً له من التقدُّم.

وخلاصة القول: إنَّ الآية تعطيك الدّرس من خلال هذا المفهوم.

في حديث الإمام عليّ (ع): "إذا هبت أمراً فقع فيه، فإنَّ شدّة توقّيه أعظم ممّا تخاف منه". وفي كلمةٍ أخرى له: "قرنت الهيبة بالخيبة".

فكرة الحديث: إنَّ على الإنسان إذا واجَهَ مواقف الحياة التي اقتنع بسلامتها وضرورتها، وخاف من تنفيذها نتيجة بعض تحفّظات الخوف من المستقبل، والتهيُّب من مواجهة النتائج، ووقف متردِّداً بين الإقدام والإحجام، أن يبادر إلى التنفيذ فوراً، ويقدم على العمل دون تردُّد، لأنّه يقف بين محذورين: البقاء حيث هو يعاني القلق والتردُّد، فيقدّم رِجْلاً ويؤخِّر أخرى، أو الإقدام على العمل ومواجهة أسوأ النتائج الممكنة.

وفي هذه الحالة، لا بدّ أن يختار الإقدام على التردُّد، لأنّ الخسارة التي يخسرها من حياته عندما يبقى مشلولاً أمام الخوف، لا تعادلها أيّة خسارة يمكن أن تحدث من خلال العمل، لأنّ ذلك سيشلّ حياتك، وينعكس على كلّ مواقفك في المستقبل في جميع المجالات، وتتحوّل إلى إنسان مشلول الإرادة أمام أيّ احتمال أو خوف أو حذر.

بينما يجعلك الإقدام على العمل إنساناً إيجابياً، يواجه الحياة بجرأة، بعد أن يحسب للمواقف كلّ حسابه، ومن ثمّ ينطلق من خلال الخسارة في طريق الرّبح، فلا يهدمه الفشل، وإنّما يحاول أن يبنيَ من خلال درس التجربة كيان المستقبل.

وبهذا نفهم كيف تكون شدّة توقّي المواقف أعظم من أيّ خوف محتمل.

وعلى ضوء ذلك، نخلص إلى الدرس التالي:

ادرس مشاريعك للحياة وتقدَّم، دون أن تترك للخوف سبيلاً إلى نفسك، فالحياة هي خطّ احتمالات الواقع لا احتمالات الخيال.

في مجال الأحكام الشرعيّة: إنَّ التشريع الإسلاميّ حاول أن ينقذ الإنسان من التجمُّد أمام حالة الشكّ.

مثلاً: في الصّلاة، لكلّ حالة شكّ حسابها العملي الذي يجعل الإنسان يبني على أحد الطرفين عمليّاً، فإذا شكّ بين الركعة الرابعة والثالثة، جرى على الرابعة وأكمل صلاته، وأتى بركعة منفصلة ليذهب بالشّكّ من نفسه، فإذا تطوّر الشكّ إلى حالة معقّدة، بحيث يتكرَّر بشكلٍ غير طبيعيّ، فليضرب به عرض الجدار ولا يتوقّف: "لا شكّ لكثير الشكّ"، "لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصّلاة، فإنّه معتاد لما عُوِّد". فإنّكم إذا لم تفعلوا ذلك، فستتركّز العقدة في نفوسكم، وهكذا تتحوّلون إلى أُناس لا تستطيعون الجزم بشيء والإقدام على شيء.

وفي الطهارة: لا تتوقّف أمام حالة الشّكّ: "كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه نجس". وفي الحلال والحرام، عندما تختلط الأشياء عليك: "كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام". وفي المعاملات التي تواجهك في حياتك، وتشكّ في صحّتها وفسادها: "كلّ شيء صحيح حتّى تعرف أنّه فاسد".

وهكذا تفرض الشريعة الإسلاميّة في كلّ حالات الشكّ عملاً يمارسه الإنسان، لئلا يقع فريسة للقلق والتردُّد والشكّ والوسواس.

وهكذا نستطيع أخذ الدرس التالي في نقطتين:

1 ـ ادرس الموقف جيّداً من خلال جميع جوانبه، وحاول أن تقتنع به على أساس متين.

2 ـ لا تتهيّب من المستقبل، ولا تتردَّد أمام الاحتمالات غير المعقولة، بل تقدَّم ولا تخف، وتوكَّل على الله، فقد قرنت الهيبة بالخيبة.

*من كتاب "مفاهيم إسلاميّة عامّة" [ألقيت في "ندوة الشباب المؤمن" في بنت جبيل في مساء السبت 6 جمادى الأول 1392 هــ الموافق 17 ـ 6 ـ 1982م]. 

إنَّنا نجد فئات كثيرة في المجتمع تعيش حالة التردُّد أمام أيّة قضية أو عمل، حتّى في القضايا الخاصة والأعمال العباديّة، كما تعيش حالة الشكّ في الآخرين من خلال الارتباط بهم في علاقة ما أو عدم الارتباط بهم.

وربّما يتمثّل هذا الواقع أيضاً في الأعمال العامّة، عندما يريد الإنسان القيام بعمل ثقافي أو خيري أو تجاري.

وهكذا يتحوّل الإنسان بفعل هذه الحالة إلى عضو مشلول في المجتمع، لا يستطيع التقدّم خطوة واحدة، بل يظلّ يراوح قدميه في مكانه، إن لم يتراجع إلى الوراء.

إنّ الإسلام يريد من كلّ فرد في الحياة أن يواجه الحياة بقوّة، ويتحمّل مسؤوليّتها بجرأة، ما دامت الحياة بيد الله، وما دامت الأسباب بيد الإنسان، يسخّرها الله له كيف يشاء. ومتى وعى الإنسان ماذا يريد، وماذا يعمل، وعرف وسائل العمل وظروفه، فلا يبقى له أمام العمل إلا أن يتحرّك، ما دام قد قام بكلّ ما عليه، أمّا الباقي، فليتركه على الله.

وأمّا كيف حاول إلاسلام معالجة هذه الحالة، فنلاحظ أنّ الإسلام قد عالَجَ هذه الناحية النفسية معالجة عمليّة في القرآن والحديث والتشريع.

في القرآن الكريم: نذكر آية واحدة تخاطب النبيّ محمّداً (ص): {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ}[آل عمران: 159].

إنَّ الله يطلب من النبيّ (ص) أن يهيّئ الجوّ الموضوعي لدراسة القضية، أيّة قضية تواجهه، سواء كانت قضية حربية أو قضية اجتماعية؛ أن يفكِّر فيها بنفسه، ويدرس جميع جوانبها وظروفها، ويشاور قومه ويتعرَّف آراءهم قبل أن يتصرَّف، كأسلوب نموذجي من أساليب الدراسة الشاملة التي تعوِّد المسلمين على التفكير في قضاياهم، لينطلقوا فيها من خلال الاقتناع الذاتي والإطاعة الواعية للقيادة.

{فَإِذَا عَزَمْتَ}، اجمع رأيك على شيء، فلا تتردَّد ولا تقلق ولا تخف من المستقبل، فإنّك إذا أحكمت الخطوات التي تريد أن تنطلق فيها، ودرستها درساً جيّداً، وحسبت حساب الحاضر وحساب المستقبل، ولم يبقَ أمامك إلا أنّك تخاف من المفاجآت التي لم تحسب لها حساباً، أو الخفايا التي هي في طيّ الغيب والكتمان، فتوكّل على الله، وسر في طريقك بقوّة.

وهنا نستطيع أن نعرف أنَّ التوكّل على الله لا يكون إلا بعد دراسة القضية جيّداً بجميع احتمالاتها، حتّى إذا توفّر للإنسان الاقتناع الكافي من خلال ذلك، وكانت الظروف الموضوعيّة ملائمة للتّنفيذ، أمكن للإنسان أن يبدأ خطوة التوكّل على الله، حتّى لا يصبح خوفه من المستقبل ومن المفاجآت مانعاً له من التقدُّم.

وخلاصة القول: إنَّ الآية تعطيك الدّرس من خلال هذا المفهوم.

في حديث الإمام عليّ (ع): "إذا هبت أمراً فقع فيه، فإنَّ شدّة توقّيه أعظم ممّا تخاف منه". وفي كلمةٍ أخرى له: "قرنت الهيبة بالخيبة".

فكرة الحديث: إنَّ على الإنسان إذا واجَهَ مواقف الحياة التي اقتنع بسلامتها وضرورتها، وخاف من تنفيذها نتيجة بعض تحفّظات الخوف من المستقبل، والتهيُّب من مواجهة النتائج، ووقف متردِّداً بين الإقدام والإحجام، أن يبادر إلى التنفيذ فوراً، ويقدم على العمل دون تردُّد، لأنّه يقف بين محذورين: البقاء حيث هو يعاني القلق والتردُّد، فيقدّم رِجْلاً ويؤخِّر أخرى، أو الإقدام على العمل ومواجهة أسوأ النتائج الممكنة.

وفي هذه الحالة، لا بدّ أن يختار الإقدام على التردُّد، لأنّ الخسارة التي يخسرها من حياته عندما يبقى مشلولاً أمام الخوف، لا تعادلها أيّة خسارة يمكن أن تحدث من خلال العمل، لأنّ ذلك سيشلّ حياتك، وينعكس على كلّ مواقفك في المستقبل في جميع المجالات، وتتحوّل إلى إنسان مشلول الإرادة أمام أيّ احتمال أو خوف أو حذر.

بينما يجعلك الإقدام على العمل إنساناً إيجابياً، يواجه الحياة بجرأة، بعد أن يحسب للمواقف كلّ حسابه، ومن ثمّ ينطلق من خلال الخسارة في طريق الرّبح، فلا يهدمه الفشل، وإنّما يحاول أن يبنيَ من خلال درس التجربة كيان المستقبل.

وبهذا نفهم كيف تكون شدّة توقّي المواقف أعظم من أيّ خوف محتمل.

وعلى ضوء ذلك، نخلص إلى الدرس التالي:

ادرس مشاريعك للحياة وتقدَّم، دون أن تترك للخوف سبيلاً إلى نفسك، فالحياة هي خطّ احتمالات الواقع لا احتمالات الخيال.

في مجال الأحكام الشرعيّة: إنَّ التشريع الإسلاميّ حاول أن ينقذ الإنسان من التجمُّد أمام حالة الشكّ.

مثلاً: في الصّلاة، لكلّ حالة شكّ حسابها العملي الذي يجعل الإنسان يبني على أحد الطرفين عمليّاً، فإذا شكّ بين الركعة الرابعة والثالثة، جرى على الرابعة وأكمل صلاته، وأتى بركعة منفصلة ليذهب بالشّكّ من نفسه، فإذا تطوّر الشكّ إلى حالة معقّدة، بحيث يتكرَّر بشكلٍ غير طبيعيّ، فليضرب به عرض الجدار ولا يتوقّف: "لا شكّ لكثير الشكّ"، "لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصّلاة، فإنّه معتاد لما عُوِّد". فإنّكم إذا لم تفعلوا ذلك، فستتركّز العقدة في نفوسكم، وهكذا تتحوّلون إلى أُناس لا تستطيعون الجزم بشيء والإقدام على شيء.

وفي الطهارة: لا تتوقّف أمام حالة الشّكّ: "كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه نجس". وفي الحلال والحرام، عندما تختلط الأشياء عليك: "كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام". وفي المعاملات التي تواجهك في حياتك، وتشكّ في صحّتها وفسادها: "كلّ شيء صحيح حتّى تعرف أنّه فاسد".

وهكذا تفرض الشريعة الإسلاميّة في كلّ حالات الشكّ عملاً يمارسه الإنسان، لئلا يقع فريسة للقلق والتردُّد والشكّ والوسواس.

وهكذا نستطيع أخذ الدرس التالي في نقطتين:

1 ـ ادرس الموقف جيّداً من خلال جميع جوانبه، وحاول أن تقتنع به على أساس متين.

2 ـ لا تتهيّب من المستقبل، ولا تتردَّد أمام الاحتمالات غير المعقولة، بل تقدَّم ولا تخف، وتوكَّل على الله، فقد قرنت الهيبة بالخيبة.

*من كتاب "مفاهيم إسلاميّة عامّة" [ألقيت في "ندوة الشباب المؤمن" في بنت جبيل في مساء السبت 6 جمادى الأول 1392 هــ الموافق 17 ـ 6 ـ 1982م]. 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية