كتابات
28/04/2020

هل يجوز الجدال بالباطل؟

هل يجوز الجدال بالباطل؟

هل يجوز الجدال بالباطل، إذا كان ذلك مفيداً لنا في عمليّة الحوار أم لا؟

إنّ القرآن الكريم يتناول القضيَّة في حالة جدال الكفّار بالباطل ليدحضوا به الحقّ، فيرفض ذلك ويستنكره أشدّ الاستنكار، كما في قوله تعالى: {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً}[الكهف: 56].

ويحدّثنا في آيةٍ أخرى عن بعض أهل الكتاب الذين يتَّخذون من الكذب على الله سبيلاً في الجدال والحوار: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: 78].

ونلاحظ ـ في هذا الموضوع ـ أنّ الاستنكار على هؤلاء في ما يجادلون به من الباطل، يخضع للفكرة التي تريد للإنسان المؤمن أن يرفض الباطل جملةً وتفصيلاً في أيّ موقع من مواقعه، سواءٌ في ذلك حالة الصّراع مع الحقّ لإضعاف الحقّ بالباطل، أو في مقام الصّراع مع الباطل، في حالة إرادة إضعاف الباطل في جانب، بإقرار باطل مثله في جانب آخر، لأنّ القضيّة في كلتا الحالتين تقع في موقع واحد، وهو إقرار الباطل والاعتراف بشرعيّته من دون فرق بين النّتائج، سواء أكانت إلى جانب الحقّ أم إلى جانب الباطل.

وهذا ما تحدَّث عنه الإمام جعفر الصادق (ع) مع بعض أصحابه في قوله: "لا تمزج الحقّ بالباطل، وقليل الحقّ يكفي من كثير الباطل"، وقوله (ع) في حديث آخر يتناول  الفرق بين الجدال بالّتي هي أحسن والجدال بغير التي هي أحسن: "أمّا الجدال بغير الّتي هي أحسن، أن تجادل مبطلاً فيورد عليك باطلاً، فلا تردّه بحجّة قد نصبها الله تعالى، ولكن تجحد قوله، أو تجحد حقّاً يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله، فتجحد ذلك الحقّ مخافة أن يكون له عليك فيه حجّة، لأنّك لا تدري كيف المخلص منه. فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنةً على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين. أمّا المبطلون، فيجعلون ضعف الضّعيف منكم إذا تعاطى مجادلته، وضعف ما في يده حُجّة على باطله. وأمّا الضعفاء منكم، فتغمّ قلوبهم لما يرون من ضعف المحقّ في يد المبطل".

ولعلّنا نفهم القضيّة جيداً، إذا عرفنا حقيقة أساسيّة، وهي أنّ الموقف ليس موقف الصّراع والسباق ما بين فريقين يريد أحدهما أن يتغلّب على الآخر، فيحاول أن يحشد كلّ ما يملكه من أسلحة الصّراع من حقّ أو باطل، في سبيل تحقيق هذه الغلبة؛ بل الموقف هو موقف الصّراع بين الحقّ والباطل، من أجل الوقوف مع الحقّ بجميع مستوياته، ضدّ الباطل بجميع مظاهره ومواقعه..

ولذا، إنّ إقرار أيّ باطل، في أيّ موقع من المواقع، يعتبر خيانةً لمعركة الصّراع بين الحقّ والباطل. فنحن مع الحقّ الذي يملكه الخصم في نطاقه الخاصّ، بالقوّة نفسها التي نكون فيها ضدّ الباطل الّذي يعيش في حياتنا في بعض لحظات الانحراف.

أمّا إذا كان الهدف من استخدام الباطل في مجالات الصّراع والحوار، هو العمل على تقوية موقف الحقّ في الحُجّة والبرهان، فإنّنا نرفض ذلك، انطلاقاً من أنّ ذلك يمثّل نقطة ضعف في جانب الحقّ، لأنّ الحقّ ـ في أيّ موقع كان ـ يُمثّل قوّة عظيمة تستطيع أن تتحدّى وتواجه التحدّيات، كما جاء في الحديث المتقدّم عن الإمام جعفر الصادق (ع) في قوله: "وقليل الحقّ يكفي من كثير الباطل"، مع الإشارة إلى ما في ذلك من آثار سلبيّة على موقف الحقّ لدى أنصاره وخصومه على السواء.

إنَّ الإقرار بالحقّ، في بعض مواقف الخصم، لا يضعف موقفك، بل القضيّة ـ على العكس من ذلك ـ قد تكون وسيلةً من وسائل دعم الموقف، لأنّك بالحقّ الذي يقرّ بهِ خصمك، تستطيع أن تقهر الباطل الذي يتبنّاه ويدافع عنه، إذا عرفت كيف توظّفه في المعركة، مع الجوانب الأخرى التي للحقّ في الموقف بشكلٍ عام.

وربّما نلمح الإشارة إلى خطأ هذا الموقف، الذي حاول المبطلون أن يطمسوا فيه الحقّ الذي يملكه المحقّون من دلائل النبوَّة التي يعلمها المبطلون من اليهود، حذراً من أن يتّخذه أولئك حُجّة ضدّهم، كنتيجة طبيعيّة لضعف موقفهم، وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[البقرة: 76].  

ولكنَّ هذا كلّه يقف في الحالات التي يراد منها الإبقاء على موقف الباطل من دون ردّ. أمّا إذا كانت القضية إظهاراً للاعتراف بالباطل، لانتزاع الإقرار ببطلانه من قِبَل المبطلين، فلا بأس بذلك؛ لأنّ الموقف يكون على هذا الأساس في مصلحة الحقّ، كما يعتبر طريقة ذكيّة في إظهار بطلان الباطل من موقعه. وهذا ما تمثّله الآيات الكريمة التي تحدّثت عن حوار إبراهيم النبيّ (ص) مع قومه حول عبادة الأصنام، حيث قام، بعد ذلك، بتحطيم الأصنام، باستثناء الصنم الكبير، كطريقة من طريق إتمام الحوار بشكل عملي...

إنّنا نوافق على مبدأ إظهار الاعتراف بالباطل، إذا كان ذلك مساهماً في كشف الموقف من جميع جهاته بالنّسبة إلى الباطل؛ أصله وفرعه، لعلّنا نعرف أنَّ هذا ليس اعترافاً بالباطل على أيِّ حال.

وخلاصة القول التي نريد معالجتها هنا، هي أنَّ الهدف من الحوار إذا كان الوصول إلى الحقّ، فمن البديهي أن يكون الحقّ هو الفكر الذي يجسّده الحوار جملةً وتفصيلاً، في الأسلوب والغاية، لأنَّ دخول الباطل كعنصر في الحوار، يجرّد الحقّ من صفائه ونقائه، وبالتّالي من قوّته التي تجعلنا نشعر بأنّه هو ـ وحده ـ في الميدان، ولهذا فإنّنا نرفض الأساليب الجدليّة التي تبتعد عن الحقّ، وتعتمد على التلاعب بالحقائق، في محاولة لإخفاء ضعف المجادل عن ممارسة الموقف القويّ ضدّ الباطل.

*من كتاب "الحوار في القرآن".

هل يجوز الجدال بالباطل، إذا كان ذلك مفيداً لنا في عمليّة الحوار أم لا؟

إنّ القرآن الكريم يتناول القضيَّة في حالة جدال الكفّار بالباطل ليدحضوا به الحقّ، فيرفض ذلك ويستنكره أشدّ الاستنكار، كما في قوله تعالى: {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً}[الكهف: 56].

ويحدّثنا في آيةٍ أخرى عن بعض أهل الكتاب الذين يتَّخذون من الكذب على الله سبيلاً في الجدال والحوار: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: 78].

ونلاحظ ـ في هذا الموضوع ـ أنّ الاستنكار على هؤلاء في ما يجادلون به من الباطل، يخضع للفكرة التي تريد للإنسان المؤمن أن يرفض الباطل جملةً وتفصيلاً في أيّ موقع من مواقعه، سواءٌ في ذلك حالة الصّراع مع الحقّ لإضعاف الحقّ بالباطل، أو في مقام الصّراع مع الباطل، في حالة إرادة إضعاف الباطل في جانب، بإقرار باطل مثله في جانب آخر، لأنّ القضيّة في كلتا الحالتين تقع في موقع واحد، وهو إقرار الباطل والاعتراف بشرعيّته من دون فرق بين النّتائج، سواء أكانت إلى جانب الحقّ أم إلى جانب الباطل.

وهذا ما تحدَّث عنه الإمام جعفر الصادق (ع) مع بعض أصحابه في قوله: "لا تمزج الحقّ بالباطل، وقليل الحقّ يكفي من كثير الباطل"، وقوله (ع) في حديث آخر يتناول  الفرق بين الجدال بالّتي هي أحسن والجدال بغير التي هي أحسن: "أمّا الجدال بغير الّتي هي أحسن، أن تجادل مبطلاً فيورد عليك باطلاً، فلا تردّه بحجّة قد نصبها الله تعالى، ولكن تجحد قوله، أو تجحد حقّاً يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله، فتجحد ذلك الحقّ مخافة أن يكون له عليك فيه حجّة، لأنّك لا تدري كيف المخلص منه. فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنةً على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين. أمّا المبطلون، فيجعلون ضعف الضّعيف منكم إذا تعاطى مجادلته، وضعف ما في يده حُجّة على باطله. وأمّا الضعفاء منكم، فتغمّ قلوبهم لما يرون من ضعف المحقّ في يد المبطل".

ولعلّنا نفهم القضيّة جيداً، إذا عرفنا حقيقة أساسيّة، وهي أنّ الموقف ليس موقف الصّراع والسباق ما بين فريقين يريد أحدهما أن يتغلّب على الآخر، فيحاول أن يحشد كلّ ما يملكه من أسلحة الصّراع من حقّ أو باطل، في سبيل تحقيق هذه الغلبة؛ بل الموقف هو موقف الصّراع بين الحقّ والباطل، من أجل الوقوف مع الحقّ بجميع مستوياته، ضدّ الباطل بجميع مظاهره ومواقعه..

ولذا، إنّ إقرار أيّ باطل، في أيّ موقع من المواقع، يعتبر خيانةً لمعركة الصّراع بين الحقّ والباطل. فنحن مع الحقّ الذي يملكه الخصم في نطاقه الخاصّ، بالقوّة نفسها التي نكون فيها ضدّ الباطل الّذي يعيش في حياتنا في بعض لحظات الانحراف.

أمّا إذا كان الهدف من استخدام الباطل في مجالات الصّراع والحوار، هو العمل على تقوية موقف الحقّ في الحُجّة والبرهان، فإنّنا نرفض ذلك، انطلاقاً من أنّ ذلك يمثّل نقطة ضعف في جانب الحقّ، لأنّ الحقّ ـ في أيّ موقع كان ـ يُمثّل قوّة عظيمة تستطيع أن تتحدّى وتواجه التحدّيات، كما جاء في الحديث المتقدّم عن الإمام جعفر الصادق (ع) في قوله: "وقليل الحقّ يكفي من كثير الباطل"، مع الإشارة إلى ما في ذلك من آثار سلبيّة على موقف الحقّ لدى أنصاره وخصومه على السواء.

إنَّ الإقرار بالحقّ، في بعض مواقف الخصم، لا يضعف موقفك، بل القضيّة ـ على العكس من ذلك ـ قد تكون وسيلةً من وسائل دعم الموقف، لأنّك بالحقّ الذي يقرّ بهِ خصمك، تستطيع أن تقهر الباطل الذي يتبنّاه ويدافع عنه، إذا عرفت كيف توظّفه في المعركة، مع الجوانب الأخرى التي للحقّ في الموقف بشكلٍ عام.

وربّما نلمح الإشارة إلى خطأ هذا الموقف، الذي حاول المبطلون أن يطمسوا فيه الحقّ الذي يملكه المحقّون من دلائل النبوَّة التي يعلمها المبطلون من اليهود، حذراً من أن يتّخذه أولئك حُجّة ضدّهم، كنتيجة طبيعيّة لضعف موقفهم، وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[البقرة: 76].  

ولكنَّ هذا كلّه يقف في الحالات التي يراد منها الإبقاء على موقف الباطل من دون ردّ. أمّا إذا كانت القضية إظهاراً للاعتراف بالباطل، لانتزاع الإقرار ببطلانه من قِبَل المبطلين، فلا بأس بذلك؛ لأنّ الموقف يكون على هذا الأساس في مصلحة الحقّ، كما يعتبر طريقة ذكيّة في إظهار بطلان الباطل من موقعه. وهذا ما تمثّله الآيات الكريمة التي تحدّثت عن حوار إبراهيم النبيّ (ص) مع قومه حول عبادة الأصنام، حيث قام، بعد ذلك، بتحطيم الأصنام، باستثناء الصنم الكبير، كطريقة من طريق إتمام الحوار بشكل عملي...

إنّنا نوافق على مبدأ إظهار الاعتراف بالباطل، إذا كان ذلك مساهماً في كشف الموقف من جميع جهاته بالنّسبة إلى الباطل؛ أصله وفرعه، لعلّنا نعرف أنَّ هذا ليس اعترافاً بالباطل على أيِّ حال.

وخلاصة القول التي نريد معالجتها هنا، هي أنَّ الهدف من الحوار إذا كان الوصول إلى الحقّ، فمن البديهي أن يكون الحقّ هو الفكر الذي يجسّده الحوار جملةً وتفصيلاً، في الأسلوب والغاية، لأنَّ دخول الباطل كعنصر في الحوار، يجرّد الحقّ من صفائه ونقائه، وبالتّالي من قوّته التي تجعلنا نشعر بأنّه هو ـ وحده ـ في الميدان، ولهذا فإنّنا نرفض الأساليب الجدليّة التي تبتعد عن الحقّ، وتعتمد على التلاعب بالحقائق، في محاولة لإخفاء ضعف المجادل عن ممارسة الموقف القويّ ضدّ الباطل.

*من كتاب "الحوار في القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية