كتابات
19/05/2020

هل تتغيَّر الأخلاق مع الزّمن؟!

هل تتغيَّر الأخلاق مع الزّمن؟!

يوصي الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع الآباء في أن يربّوا أبناءهم على غير الطريقة التي تربّوا عليها، لجهة أنّهم ولدوا في زمان غير زمانهم. ما القيمة التربوية لهذا التّوجيه الذي يراعي الفروق الزمنيّة؟ وأين هو موقع تجارب الماضي هنا؟

سؤال كان قد أجاب عنه العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، فقال:

"إنّ النصّ الذي ينقله الشّريف الرضي في (نهج البلاغة) هو: "لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم". وعلينا حينما نريد أن ندرس هذه الكلمة، أن نلاحظ أنّ هناك فرقاً بين المبادئ وبين الأخلاق التي تمثّل الجانب السلوكي في الحياة، فإذا أردنا أن نتعمّق أكثر، فعلينا أن نقول إنّ هناك أخلاقاً على قسمين: هناك أخلاق ثابتة، وهناك أخلاق متحرّكة.

فأمّا الأخلاق الثابتة، فهي القِيَم الأصيلة في الحياة التي لا بدّ منها في حدودها الفكرية والعملية، ولا بدّ منها في كلّ زمان ومكان، كما نلاحظ ذلك في الصدق والأمانة والعفّة، وما إلى ذلك من العناوين الكبرى للأخلاق التي تمثّل استقامة الوجود الإنساني في النهج الطبيعي لحياة الإنسان في تكامله مع حركة الوجود.

وأمّا الأخلاق المتحرّكة، فهي الأساليب والوسائل العملية التي تمثّل نهج العلاقات الاجتماعية وطريقة ممارسة الحياة في التطوّر الآلي أو الأسلوبي أو المنهجي، فأسلوب الاحترام أو التعبير أو إدارة العلاقات السياسية أو الاجتماعية، يختلف من زمنٍ إلى آخر. فلو أخذنا اللّباس كمثل، فإنّ القيمة ليست في أن نلبس ما كان يلبسه النبيّ (ص) أو ما كان يلبسه الأئمّة (ع) والصحابة (رض)، وإنّما هي أنّ لكلّ زمان لباسه، وأنّ بإمكاننا أن نتبع ما استحدثه الناس من خلال تطوّر طرق الأكل أو اللّباس وغيرها، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): "خير لباس الزّمان لباسُ أهله"، أي أن يلبس الإنسان مثلما يلبس الناس.

وإذاً، فالأخلاق التي يقصدها الإمام عليّ (ع) هي الأخلاق المتحرّكة التي تتمثّل في وسائل الحياة وأساليبها والآفاق الجديدة التي تفتحها. فنحن نجد أنّ في الماضي آفاقاً محدودة لحياة الإنسان، فقد كانت القيمة لدى الناس أنْ يتعلَّموا علوماً محدّدة، وأنْ يتحرّكوا في حياتهم نحو أهداف مرحليّة، ولكنّ الزمان اتّسع والمعرفة اتّسعت، وطريقة إدارة المعرفة والاستفادة منها اختلفت. ولذلك، يريد الإمام (ع) أن يقول: إنّ عليكم أن تدرسوا الأخلاق المتحرّكة التي تختلف بين زمان وزمان، لترصدوا المستقبل الذي يعيش فيه أولادكم، حتّى تخلّقوهم بأخلاق ذلك المستقبل، لكي لا يكونوا غرباء عن زمانهم ومرحلتهم.

كما أنَّ الإمام (ع) لا يقصد الوسائل التي يستحدثها الإنسان، مهما تخلّفت عن حدود الله سبحانه وتعالى، فهناك أنواع من اللّباس لا تتناسب مع أخلاق العفّة. ولذلك، فهذا الشّيء المتحرّك في واقع الحياة، يصطدم بالشّيء الثّابت في الخطّ، فلا يمكن مثلاً أن نوافق على طريقة النّساء في اللّباس في الواقع العام، لأنّ ذلك وإن كان يختلف عن الأمور المتحرّكة في الواقع، فإنّه يصطدم في الأمور الثابتة في الخطّ.

إنّ الإمام (ع) ينطلق في منهجه هذا من تأكيد الأخلاق المتحرّكة التي تفرضها طبيعة الحياة في التنوّع والتطوّر، بشرط أن لا تصطدم بالأخلاق الثّابتة".

*من كتاب "دنيا الشباب".

يوصي الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع الآباء في أن يربّوا أبناءهم على غير الطريقة التي تربّوا عليها، لجهة أنّهم ولدوا في زمان غير زمانهم. ما القيمة التربوية لهذا التّوجيه الذي يراعي الفروق الزمنيّة؟ وأين هو موقع تجارب الماضي هنا؟

سؤال كان قد أجاب عنه العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، فقال:

"إنّ النصّ الذي ينقله الشّريف الرضي في (نهج البلاغة) هو: "لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم". وعلينا حينما نريد أن ندرس هذه الكلمة، أن نلاحظ أنّ هناك فرقاً بين المبادئ وبين الأخلاق التي تمثّل الجانب السلوكي في الحياة، فإذا أردنا أن نتعمّق أكثر، فعلينا أن نقول إنّ هناك أخلاقاً على قسمين: هناك أخلاق ثابتة، وهناك أخلاق متحرّكة.

فأمّا الأخلاق الثابتة، فهي القِيَم الأصيلة في الحياة التي لا بدّ منها في حدودها الفكرية والعملية، ولا بدّ منها في كلّ زمان ومكان، كما نلاحظ ذلك في الصدق والأمانة والعفّة، وما إلى ذلك من العناوين الكبرى للأخلاق التي تمثّل استقامة الوجود الإنساني في النهج الطبيعي لحياة الإنسان في تكامله مع حركة الوجود.

وأمّا الأخلاق المتحرّكة، فهي الأساليب والوسائل العملية التي تمثّل نهج العلاقات الاجتماعية وطريقة ممارسة الحياة في التطوّر الآلي أو الأسلوبي أو المنهجي، فأسلوب الاحترام أو التعبير أو إدارة العلاقات السياسية أو الاجتماعية، يختلف من زمنٍ إلى آخر. فلو أخذنا اللّباس كمثل، فإنّ القيمة ليست في أن نلبس ما كان يلبسه النبيّ (ص) أو ما كان يلبسه الأئمّة (ع) والصحابة (رض)، وإنّما هي أنّ لكلّ زمان لباسه، وأنّ بإمكاننا أن نتبع ما استحدثه الناس من خلال تطوّر طرق الأكل أو اللّباس وغيرها، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): "خير لباس الزّمان لباسُ أهله"، أي أن يلبس الإنسان مثلما يلبس الناس.

وإذاً، فالأخلاق التي يقصدها الإمام عليّ (ع) هي الأخلاق المتحرّكة التي تتمثّل في وسائل الحياة وأساليبها والآفاق الجديدة التي تفتحها. فنحن نجد أنّ في الماضي آفاقاً محدودة لحياة الإنسان، فقد كانت القيمة لدى الناس أنْ يتعلَّموا علوماً محدّدة، وأنْ يتحرّكوا في حياتهم نحو أهداف مرحليّة، ولكنّ الزمان اتّسع والمعرفة اتّسعت، وطريقة إدارة المعرفة والاستفادة منها اختلفت. ولذلك، يريد الإمام (ع) أن يقول: إنّ عليكم أن تدرسوا الأخلاق المتحرّكة التي تختلف بين زمان وزمان، لترصدوا المستقبل الذي يعيش فيه أولادكم، حتّى تخلّقوهم بأخلاق ذلك المستقبل، لكي لا يكونوا غرباء عن زمانهم ومرحلتهم.

كما أنَّ الإمام (ع) لا يقصد الوسائل التي يستحدثها الإنسان، مهما تخلّفت عن حدود الله سبحانه وتعالى، فهناك أنواع من اللّباس لا تتناسب مع أخلاق العفّة. ولذلك، فهذا الشّيء المتحرّك في واقع الحياة، يصطدم بالشّيء الثّابت في الخطّ، فلا يمكن مثلاً أن نوافق على طريقة النّساء في اللّباس في الواقع العام، لأنّ ذلك وإن كان يختلف عن الأمور المتحرّكة في الواقع، فإنّه يصطدم في الأمور الثابتة في الخطّ.

إنّ الإمام (ع) ينطلق في منهجه هذا من تأكيد الأخلاق المتحرّكة التي تفرضها طبيعة الحياة في التنوّع والتطوّر، بشرط أن لا تصطدم بالأخلاق الثّابتة".

*من كتاب "دنيا الشباب".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية