كتابات
15/10/2020

لا تتّبع شيئًا ما لم يكن بمستوى اليقين

لا تتّبع شيئًا ما لم يكن بمستوى اليقين

قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء: 36].

في هذه الآية، نقف مع أحد المبادئ العامّة في الحياة الّتي حاول الإسلام أن يطلقها في مجال الفكر والعقيدة والسلوك.

ونحن هنا في محاولة للسّير في ظلال هذه الآية نحو الحياة.

لا تقفُ: لا تتّبع كلّ شيء ليس لكَ عليه حجّة وليس معك عليه برهان، سواء كان شيئاً تسمعه، أو ظاهرة تبصرها، أو فكرة تعقد عليها قلبك وتعيها أُذنك، فإنّك سوف تواجه المسؤوليّة عمّا سمعت، وعمّا أبصرت، وعمّا اعتقدت، وعليك أن تقدّم الحساب على نسبة وضوح ذلك كلّه لديك.

فهناك عدّة حالات نمرّ بها في كلّ قضية تواجهنا:

أ ـــ حالة الوهم: وهي الطرف المرجوح في القضيّة، كما إذا كان وعينا لها بنسبة 40% أو 30%.

ب ـــ حالة الظنّ: وهي الطرف الرّاجح في القضيّة، كما إذا كان وعينا لها بنسبة 60% أو أكثر.

ج ـــ حالة الشكّ: وهي حالة تساوي الطرفين، كما إذا كان وعينا لها بنسبة 50%.

د ـــ حالة اليقين: وهي حالة الجزم، كما إذا كان وعينا لها بنسبة 100%.

وليس معنى رفضها هو إهمالها رأساً، فإنَّ بإمكان الإنسان أن يأخذ منها فكرة الحذر في بعض المجالات، ومتابعة البحث في المجالات الأخرى.

بل معناه هو رفض اعتبارها أساساً للعمل وطريقاً للحياة، ومقياساً للحقيقة، فكلّ شيء لا يكون وضوحه بمستوى اليقين فليس بحقيقة.

تلك هي خلاصة الفكرة.

أمّا كيف نطبّقها في جميع المجالات:

1 ـــ في مجال العقيدة: فليس للإنسان أن يعتقد بأيّ عقيدة نتيجة الظنّ أو الوهم أو الشكّ، بل لا بدّ له أن يحصل على درجة اليقين ليكون معذوراً على تقدير الخطأ، ومطمئنّاً في طريق الصواب، وعلى هذا الأساس، دعا الإسلام الإنسان إلى أن يتحرَّر من كلّ رواسبه، ويقف وجهاً لوجه أمام الحقيقة الواضحة تحت شعار: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 111].

2 ـــ في مجال العلم: فلكي تكون النظرية العلمية في مستوى الحقيقة التي لا تقبل النقاش، لا بدّ أن تحصل على نسبة اليقين، ولن تحصل على تلك النسبة إلا إذا كانت مقدّماتها يقينيّة. وبهذه المناسبة، نشير إلى الطريقة المدرسية التي تقدّم النظريات كأشياء جاهزة لا تقبل الجدل، الأمر الذي يوحي إلى طلاب الصفوف الابتدائية والثانوية، بأنّها نظريّات على مستوى الحقيقة، كما هو الحال في نظرية داروين في النشوء والارتقاء، ونظرية فرويد وغيرهما، في الوقت الذي نجد أصحاب هذه النظريات يعترفون بأنّها ظنيّة تنطلق من قضايا جزئية خاصّة وملاحظات محدودة.

لذلك، يجب ألا نعطي العلم المعاصر أكثر ممّا أعطى نفسه، فقد تأتي نظريّات جديدة كنظريّة النسبيّة لأينشتاين تقلب الكثير من النظريّات التي قبلها، لأنَّ القضية ليست بمستوى 1+1=2.

3 ـــ في مجال العلاقات مع الآخرين: فلكي تحكم على إنسان بأيّ صفة كانت، سواء في مجال الدين، كأن تقول عنه إنّه ملحد أو فاسق أو مؤمن، أو في مجال السياسة، كأن تقول عنه إنّه خائن أو مخلص، أو في مجال الأخلاق العامّة، كأنْ تقول إنّه أمين أو صادق أو كاذب أو سارق أو مرتش أو منافق... فكِّر في الأساس الذي ارتكزت عليه أحكامك؛ فهل هو بنسبة 100% أو أقلّ من ذلك، فليس لك أن تحكم إذا كان الأساس يرتكز على نسبة أقلّ، فلعلَّ الحقيقة في الطرف الآخر، تماماً كما هي الحالة في الجوّ عندما يكون غائماً في جانب ومضيئاً في جانبٍ آخر، فقد يقول الذين يعيشون في جانب الغيم، إنّه لا نور هنا، بينما الحقيقة أنّ النور موجود، ولكن لا بدّ في رؤيته من الانتقال إلى الجانب الآخر، وهكذا قد تكون الحقيقة في الــ 40% إذا كانت نسبة وضوح الجانب عندنا 60%.

وبهذا نغلق أبواب الإشاعات التي تجد لها المجال الواسع في حياتنا، عندما تجد الكثيرين الذين يتقبّلونها دون وعي أو حساب، ونتخلَّص من فوضى الألقاب بلا حساب في جانب المدح والذّم.

وهكذا نسير مع هذا الاتجاه عند التحدُّث عن العقائد والمبادئ، فليس لكَ أن تعطيَ أيّ عقيدة أو مبدأ أيّ صفة، إلا إذا كنت تملك المعلومات الصحيحة عنها. وبهذا سوف نتخلَّص من فوضى التّهم التي توجه إلى الأديان والعقائد دون حساب، انطلاقاً من معلومات خاطئة لم ترتكز على مصادر وثيقة، بل ارتكزت على إشاعات من هنا وكلمات من هناك أطلقها مغرضون أو جاهلون، كما نشاهده في نظرة الشباب إلى الدين، عندما يصفونه بأنَّهُ "ضدّ العلم" أو "مخدّر" أو "رجعي"، دون أن يملكوا أيّة معرفة عن الدين تبرّر لهم هذا الاتّهام، وإنّما هي الكلمات التي أخذوها عن فلان وفلان، فاعتنقوها دون تفكير.

4 ـــ في الحوار مع الآخرين: فلكي تجادل في أيّ فكرة أو تحاور في أيّ عقيدة، لا بدّ لك أن تملك الثقافة والمعلومات التي تستطيع أن تدير معها عملية الحوار والجدال بسلام.

أمّا إذا لم يكن لك علم فيما تناقش أو تجادل، فإنّك ستتحوَّل إلى أساليب المهاترات والكلمات الفارغة التي لا تعطي إلا الرنين، ولا تؤدّي إلا إلى إضاعة الوقت وإثارة الأحقاد والضّغائن.

وقد أشار القرآن إلى هذه الفئة من الناس التي لا تملك مقوّمات الحوار الهادئ العميق، في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}[الحجّ: 8].

فهو لم يشجب موقفهم لأنّهم جادلوا في الله، بل أراد أن يستنكر عليهم الفكرة المضادّة التي ينطلقون منها في حالات الجدال، دون أن يملكوا الأساس العلمي لها. 

ومن هنا، نعرف الفرق بين أن تستفهم وتسأل عمّا لا تعلم، فهذا هو ما يدعو الإسلام إليه، وبين أن تجادل بغير علم وهو ما يستنكره، لأنّك في الحالة الأولى، لا تملك إلّا علامات الاستفهام تثيرها أمام الفكرة وأمام الأجوبة التي تثار أمامك حولها، فأنتَ في كلّ ذلك طالب معرفة، أمّا في الحالة الثانية، فأنتَ تتبنّى الفكرة دون أن يكون لكَ حجّة عليها، ولذا، فسوف يتحوّل موقفك إلى عناد وإصرار على الجهل.

5 ـــ في المجالات العامّة: كما في الشهادة على الدعوى، فلكي تشهد على أيّ قضية، لا بدّ أن تكون القضيّة واضحة 100%. فقد قال النبيّ محمّد (ص) لرجل سأله كيف يشهد، وكانت الشمس في وسط النهار، والطقس صحو: "على مثل هذه فاشهد أو دع".

*من كتاب "مفاهيم إسلاميّة عامّة".

قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء: 36].

في هذه الآية، نقف مع أحد المبادئ العامّة في الحياة الّتي حاول الإسلام أن يطلقها في مجال الفكر والعقيدة والسلوك.

ونحن هنا في محاولة للسّير في ظلال هذه الآية نحو الحياة.

لا تقفُ: لا تتّبع كلّ شيء ليس لكَ عليه حجّة وليس معك عليه برهان، سواء كان شيئاً تسمعه، أو ظاهرة تبصرها، أو فكرة تعقد عليها قلبك وتعيها أُذنك، فإنّك سوف تواجه المسؤوليّة عمّا سمعت، وعمّا أبصرت، وعمّا اعتقدت، وعليك أن تقدّم الحساب على نسبة وضوح ذلك كلّه لديك.

فهناك عدّة حالات نمرّ بها في كلّ قضية تواجهنا:

أ ـــ حالة الوهم: وهي الطرف المرجوح في القضيّة، كما إذا كان وعينا لها بنسبة 40% أو 30%.

ب ـــ حالة الظنّ: وهي الطرف الرّاجح في القضيّة، كما إذا كان وعينا لها بنسبة 60% أو أكثر.

ج ـــ حالة الشكّ: وهي حالة تساوي الطرفين، كما إذا كان وعينا لها بنسبة 50%.

د ـــ حالة اليقين: وهي حالة الجزم، كما إذا كان وعينا لها بنسبة 100%.

وليس معنى رفضها هو إهمالها رأساً، فإنَّ بإمكان الإنسان أن يأخذ منها فكرة الحذر في بعض المجالات، ومتابعة البحث في المجالات الأخرى.

بل معناه هو رفض اعتبارها أساساً للعمل وطريقاً للحياة، ومقياساً للحقيقة، فكلّ شيء لا يكون وضوحه بمستوى اليقين فليس بحقيقة.

تلك هي خلاصة الفكرة.

أمّا كيف نطبّقها في جميع المجالات:

1 ـــ في مجال العقيدة: فليس للإنسان أن يعتقد بأيّ عقيدة نتيجة الظنّ أو الوهم أو الشكّ، بل لا بدّ له أن يحصل على درجة اليقين ليكون معذوراً على تقدير الخطأ، ومطمئنّاً في طريق الصواب، وعلى هذا الأساس، دعا الإسلام الإنسان إلى أن يتحرَّر من كلّ رواسبه، ويقف وجهاً لوجه أمام الحقيقة الواضحة تحت شعار: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 111].

2 ـــ في مجال العلم: فلكي تكون النظرية العلمية في مستوى الحقيقة التي لا تقبل النقاش، لا بدّ أن تحصل على نسبة اليقين، ولن تحصل على تلك النسبة إلا إذا كانت مقدّماتها يقينيّة. وبهذه المناسبة، نشير إلى الطريقة المدرسية التي تقدّم النظريات كأشياء جاهزة لا تقبل الجدل، الأمر الذي يوحي إلى طلاب الصفوف الابتدائية والثانوية، بأنّها نظريّات على مستوى الحقيقة، كما هو الحال في نظرية داروين في النشوء والارتقاء، ونظرية فرويد وغيرهما، في الوقت الذي نجد أصحاب هذه النظريات يعترفون بأنّها ظنيّة تنطلق من قضايا جزئية خاصّة وملاحظات محدودة.

لذلك، يجب ألا نعطي العلم المعاصر أكثر ممّا أعطى نفسه، فقد تأتي نظريّات جديدة كنظريّة النسبيّة لأينشتاين تقلب الكثير من النظريّات التي قبلها، لأنَّ القضية ليست بمستوى 1+1=2.

3 ـــ في مجال العلاقات مع الآخرين: فلكي تحكم على إنسان بأيّ صفة كانت، سواء في مجال الدين، كأن تقول عنه إنّه ملحد أو فاسق أو مؤمن، أو في مجال السياسة، كأن تقول عنه إنّه خائن أو مخلص، أو في مجال الأخلاق العامّة، كأنْ تقول إنّه أمين أو صادق أو كاذب أو سارق أو مرتش أو منافق... فكِّر في الأساس الذي ارتكزت عليه أحكامك؛ فهل هو بنسبة 100% أو أقلّ من ذلك، فليس لك أن تحكم إذا كان الأساس يرتكز على نسبة أقلّ، فلعلَّ الحقيقة في الطرف الآخر، تماماً كما هي الحالة في الجوّ عندما يكون غائماً في جانب ومضيئاً في جانبٍ آخر، فقد يقول الذين يعيشون في جانب الغيم، إنّه لا نور هنا، بينما الحقيقة أنّ النور موجود، ولكن لا بدّ في رؤيته من الانتقال إلى الجانب الآخر، وهكذا قد تكون الحقيقة في الــ 40% إذا كانت نسبة وضوح الجانب عندنا 60%.

وبهذا نغلق أبواب الإشاعات التي تجد لها المجال الواسع في حياتنا، عندما تجد الكثيرين الذين يتقبّلونها دون وعي أو حساب، ونتخلَّص من فوضى الألقاب بلا حساب في جانب المدح والذّم.

وهكذا نسير مع هذا الاتجاه عند التحدُّث عن العقائد والمبادئ، فليس لكَ أن تعطيَ أيّ عقيدة أو مبدأ أيّ صفة، إلا إذا كنت تملك المعلومات الصحيحة عنها. وبهذا سوف نتخلَّص من فوضى التّهم التي توجه إلى الأديان والعقائد دون حساب، انطلاقاً من معلومات خاطئة لم ترتكز على مصادر وثيقة، بل ارتكزت على إشاعات من هنا وكلمات من هناك أطلقها مغرضون أو جاهلون، كما نشاهده في نظرة الشباب إلى الدين، عندما يصفونه بأنَّهُ "ضدّ العلم" أو "مخدّر" أو "رجعي"، دون أن يملكوا أيّة معرفة عن الدين تبرّر لهم هذا الاتّهام، وإنّما هي الكلمات التي أخذوها عن فلان وفلان، فاعتنقوها دون تفكير.

4 ـــ في الحوار مع الآخرين: فلكي تجادل في أيّ فكرة أو تحاور في أيّ عقيدة، لا بدّ لك أن تملك الثقافة والمعلومات التي تستطيع أن تدير معها عملية الحوار والجدال بسلام.

أمّا إذا لم يكن لك علم فيما تناقش أو تجادل، فإنّك ستتحوَّل إلى أساليب المهاترات والكلمات الفارغة التي لا تعطي إلا الرنين، ولا تؤدّي إلا إلى إضاعة الوقت وإثارة الأحقاد والضّغائن.

وقد أشار القرآن إلى هذه الفئة من الناس التي لا تملك مقوّمات الحوار الهادئ العميق، في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}[الحجّ: 8].

فهو لم يشجب موقفهم لأنّهم جادلوا في الله، بل أراد أن يستنكر عليهم الفكرة المضادّة التي ينطلقون منها في حالات الجدال، دون أن يملكوا الأساس العلمي لها. 

ومن هنا، نعرف الفرق بين أن تستفهم وتسأل عمّا لا تعلم، فهذا هو ما يدعو الإسلام إليه، وبين أن تجادل بغير علم وهو ما يستنكره، لأنّك في الحالة الأولى، لا تملك إلّا علامات الاستفهام تثيرها أمام الفكرة وأمام الأجوبة التي تثار أمامك حولها، فأنتَ في كلّ ذلك طالب معرفة، أمّا في الحالة الثانية، فأنتَ تتبنّى الفكرة دون أن يكون لكَ حجّة عليها، ولذا، فسوف يتحوّل موقفك إلى عناد وإصرار على الجهل.

5 ـــ في المجالات العامّة: كما في الشهادة على الدعوى، فلكي تشهد على أيّ قضية، لا بدّ أن تكون القضيّة واضحة 100%. فقد قال النبيّ محمّد (ص) لرجل سأله كيف يشهد، وكانت الشمس في وسط النهار، والطقس صحو: "على مثل هذه فاشهد أو دع".

*من كتاب "مفاهيم إسلاميّة عامّة".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية