حاول العلماء إثارة البحث في مسألة الجبر والاختيار في الملائكة، تعليقاً على قول الإمام زين العابدين (ع)، [في دعائه في الصّلاة على حملة العرش وكلّ ملك مقرَّب]: "ولا يؤثرون التّقصير على الجدّ في أمرك"، من حيث دلالتها على أنّهم قادرون على التقصير، لكنّهم لا يؤثرونه اختياراً للجدّ عليه وتفادياً عنه.
والمسألة محلُّ خلافٍ - كما يقول صاحب "رياض السَّالكين" - فقد ذهب الفلاسفة وأهل الجبر: إلى أنّهم خير محض، وأنّهم مطبوعون على الطَّاعات، لا قدرة لهم على الشّرور والمعاصي. وذهبت المعتزلة وجمهور الإماميَّة: إلى أنَّ لهم قدرةً على الأمرين، بدليل قوله تعالى: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ}[الأنبياء: 29]. وهذا ما يقتضي كونهم مزجورين، وقوله تعالى: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ }[الأعراف: 206]. والمدح بترك الاستكبار إنّما يحسن لو كان قادراً على الاستكبار، ولولا ذلك، ما استحقّوا ثواباً على طاعاتهم، إذ لو كانوا مطبوعين على الطّاعات، لم يكن عليهم مشقة في التكليف، فلم يستحقّوا ثواباً، والتكليف إنّما يحسن في كلّ مكلّف تعريضاً للثّواب، فلا بدَّ أن يكون لهم شهوات في ما حظر عليهم، ونفارٌ عما أوجب عليهم، حتى تحصل فائدة التكليف .1
ونلاحظ على ذلك، أنّ ما ذكره جمهور الإماميَّة والمعتزلة من الاستدلال على الاختيار للملائكة، غير دقيق، لأنَّ الآيات واردة في مورد الحديث عن صفاتهم من خلال الخصائص الذاتيَّة التي توجب المدح، فإنَّ غير المتكبر ممدوحٌ على ذلك من حيث الصّفة في الذات، بقطع النظر عن الأساس في الاتصاف بها، ولا مانع من أن يمدح الإنسان على الصفات الاختيارية، كما يمدح على جماله الذي لا اختيار له فيه. أما الحديث عن الآية التي تتحدّث عن التهديد بنار جهنّم لو تحقَّق الشِّرك منهم، فإنّها مسوقة لبيان القضيَّة، من خلال الفرضيَّة التي قد تكون مستحيلة، لتأكيد أنَّ الشِّرك يستتبع النار في الحالات التي يختار المخلوق فيها الالتزام به، بعيداً ممَّا إذا كان هذا المخلوق مما يمكن صدوره عنه.
أمَّا حديث الثَّواب، فإنَّنا إذا سلَّمنا بأنّه استحقاق بالتفضّل بما تفضَّل الله به على عباده بوعدهم به، ما يجعل لهم حقّاً فيه، فإنَّه لا مانع من أن يكون بالتفضّل بشكلٍ مباشر، مع ملاحظة أنَّ القرآن لم يتحدَّث عن ثواب الملائكة.
وفي ضوء ذلك، لا مانع من القول إنّهم خير محض، وإنّهم مطبوعون على الطاعات، ويؤيِّده ما ورد في بعض الأحاديث، أنَّ الله خلق الملائكة عقلاً بلا شهوة، كما خلق الحيوان شهوةً بلا عقل، وخلق الإنسان بعقلٍ وشهوةٍ معاً.
*من كتاب "آفاق الروح"، ج1.
[1]رياض السالكين، السيّد علي خان المدني الشيرازي، ج:2، ص:20- 21.

حاول العلماء إثارة البحث في مسألة الجبر والاختيار في الملائكة، تعليقاً على قول الإمام زين العابدين (ع)، [في دعائه في الصّلاة على حملة العرش وكلّ ملك مقرَّب]: "ولا يؤثرون التّقصير على الجدّ في أمرك"، من حيث دلالتها على أنّهم قادرون على التقصير، لكنّهم لا يؤثرونه اختياراً للجدّ عليه وتفادياً عنه.
والمسألة محلُّ خلافٍ - كما يقول صاحب "رياض السَّالكين" - فقد ذهب الفلاسفة وأهل الجبر: إلى أنّهم خير محض، وأنّهم مطبوعون على الطَّاعات، لا قدرة لهم على الشّرور والمعاصي. وذهبت المعتزلة وجمهور الإماميَّة: إلى أنَّ لهم قدرةً على الأمرين، بدليل قوله تعالى: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ}[الأنبياء: 29]. وهذا ما يقتضي كونهم مزجورين، وقوله تعالى: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ }[الأعراف: 206]. والمدح بترك الاستكبار إنّما يحسن لو كان قادراً على الاستكبار، ولولا ذلك، ما استحقّوا ثواباً على طاعاتهم، إذ لو كانوا مطبوعين على الطّاعات، لم يكن عليهم مشقة في التكليف، فلم يستحقّوا ثواباً، والتكليف إنّما يحسن في كلّ مكلّف تعريضاً للثّواب، فلا بدَّ أن يكون لهم شهوات في ما حظر عليهم، ونفارٌ عما أوجب عليهم، حتى تحصل فائدة التكليف .1
ونلاحظ على ذلك، أنّ ما ذكره جمهور الإماميَّة والمعتزلة من الاستدلال على الاختيار للملائكة، غير دقيق، لأنَّ الآيات واردة في مورد الحديث عن صفاتهم من خلال الخصائص الذاتيَّة التي توجب المدح، فإنَّ غير المتكبر ممدوحٌ على ذلك من حيث الصّفة في الذات، بقطع النظر عن الأساس في الاتصاف بها، ولا مانع من أن يمدح الإنسان على الصفات الاختيارية، كما يمدح على جماله الذي لا اختيار له فيه. أما الحديث عن الآية التي تتحدّث عن التهديد بنار جهنّم لو تحقَّق الشِّرك منهم، فإنّها مسوقة لبيان القضيَّة، من خلال الفرضيَّة التي قد تكون مستحيلة، لتأكيد أنَّ الشِّرك يستتبع النار في الحالات التي يختار المخلوق فيها الالتزام به، بعيداً ممَّا إذا كان هذا المخلوق مما يمكن صدوره عنه.
أمَّا حديث الثَّواب، فإنَّنا إذا سلَّمنا بأنّه استحقاق بالتفضّل بما تفضَّل الله به على عباده بوعدهم به، ما يجعل لهم حقّاً فيه، فإنَّه لا مانع من أن يكون بالتفضّل بشكلٍ مباشر، مع ملاحظة أنَّ القرآن لم يتحدَّث عن ثواب الملائكة.
وفي ضوء ذلك، لا مانع من القول إنّهم خير محض، وإنّهم مطبوعون على الطاعات، ويؤيِّده ما ورد في بعض الأحاديث، أنَّ الله خلق الملائكة عقلاً بلا شهوة، كما خلق الحيوان شهوةً بلا عقل، وخلق الإنسان بعقلٍ وشهوةٍ معاً.
*من كتاب "آفاق الروح"، ج1.
[1]رياض السالكين، السيّد علي خان المدني الشيرازي، ج:2، ص:20- 21.