[كثيراً ما يُطرح السؤال: هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟]، وجوابي هو أنَّ الإنسان مسيَّر ومخيَّر معاً؛ هو مسيَّر في ما يعيش، فنحن مسيَّرون في طبيعة تكويننا الجسديّ، في بياض الأسنان وسواده، وطول الإنسان وقصره، وما إلى ذلك، ونحن مسيَّرون في تأثُّرنا بالكون من حولنا، وما إلى ذلك من الأمور التي تتّصل بحركة وجودها في واقع الوجود العام وفي واقع الوجود مقارناً بالوجود الآخر.
أمّا ما نفعله نحن، فالله خلق للإنسان عقلاً، وخلق له إرادةً وجعله حرّاً: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}[الإنسان: 3]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: 10]، {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29]، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[الزلزلة: 7 ـــ 8]...
أمّا النصّ الذي يقول: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا}[التوبة: 51]، فهو يتحدَّث عن أنَّ الله كتب مستقبل الخليقة، ولكنَّ كتابة الله لا تعني أنَّ الإنسان مسيَّر، لأنَّ الكتابة تنطلق من رصيد ما يحدث في المستقبل بأسبابه، ومن أسباب ما يحدث في المستقبل اختيار الإنسان. الله يعلم من خلال الظّروف التي نعيشها، سواء كانت ظروفاً فكرية أو نفسية أو بيئيّة، الله يعلم أنَّنا سنفعل كذا من خلال ظروفنا، ولذلك، فإنَّ ما كتبه الله، لا يلغي قانون السببيّة الَّذي ينطلق من أنَّ الفعل يتبع سببه، ومن الأسباب إرادة الإنسان، تماماً كما لو كتبنا أنَّ السماء سوف تمطر في شباط مثلاً وحدث ذلك، هل معنى ذلك أنَّنا إذا كتبنا ذلك، فلا يكون هناك سبب لنزول المطر؟! إنَّنا نكتب حدوث المستقبل بأسبابه.
فالله نظَّم الكون، وجعل الإنسان المخلوق الوحيد في هذا الكون الذي يملك عقلاً متحرِّكاً، ويملك إرادة متحرِّكة، ويملك ظروفاً متحرّكة، وقد حمَّله الله مسؤوليَّة نفسه من خلال هذه الحركة، ولعلَّنا نستوحي ذلك من قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[الأحزاب: 72]، الأمانة هنا تمثِّل المسؤوليَّة، كأنَّ الله عرض الأمانة ـــ المسؤوليَّة على السموات والأرض والجبال، لتتحمَّل مسؤوليَّة إدارة وجودها، بحيث تتحمَّل نتائج هذه المسؤوليَّة {فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا}، وقلن لا نستطيع ذلك، ولكن يا ربّ أنتَ حرِّك القوانين في داخلنا التي تسيِّرنا نحو ما تريد.
أمّا الإنسان، فقد قال من خلال ما يملك من عقل ومن إرادة ومن واقع متحرِّك يستطيع أن يغيِّره ويبدِّله، قال: أنا لها، ولكنَّه ظلم نفسه وجهل حجم المسؤوليَّة، ونحن نقرأ أيضاً في القرآن الكريم: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرَّعد: 11]، معناه أنَّ الإنسان يملك تغيير الواقع من خلال تغيير نفسه؛ {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[النَّحل: 118].
لذلك، أحبّ أن أقول إنَّ القضاء والقدر في الإسلام لا يجعل الإنسان واقعاً تحت تأثير شيء قاهر يُلغي إرادته، نحن نصنع قضاءنا وقدرنا، لأنَّ القدر والقضاء يحدِّدان للإنسان هندسة حياته من خلال ربط المسبِّبات بالأسباب.
* من كتاب "حوارات في الفكر".

[كثيراً ما يُطرح السؤال: هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟]، وجوابي هو أنَّ الإنسان مسيَّر ومخيَّر معاً؛ هو مسيَّر في ما يعيش، فنحن مسيَّرون في طبيعة تكويننا الجسديّ، في بياض الأسنان وسواده، وطول الإنسان وقصره، وما إلى ذلك، ونحن مسيَّرون في تأثُّرنا بالكون من حولنا، وما إلى ذلك من الأمور التي تتّصل بحركة وجودها في واقع الوجود العام وفي واقع الوجود مقارناً بالوجود الآخر.
أمّا ما نفعله نحن، فالله خلق للإنسان عقلاً، وخلق له إرادةً وجعله حرّاً: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}[الإنسان: 3]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: 10]، {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29]، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[الزلزلة: 7 ـــ 8]...
أمّا النصّ الذي يقول: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا}[التوبة: 51]، فهو يتحدَّث عن أنَّ الله كتب مستقبل الخليقة، ولكنَّ كتابة الله لا تعني أنَّ الإنسان مسيَّر، لأنَّ الكتابة تنطلق من رصيد ما يحدث في المستقبل بأسبابه، ومن أسباب ما يحدث في المستقبل اختيار الإنسان. الله يعلم من خلال الظّروف التي نعيشها، سواء كانت ظروفاً فكرية أو نفسية أو بيئيّة، الله يعلم أنَّنا سنفعل كذا من خلال ظروفنا، ولذلك، فإنَّ ما كتبه الله، لا يلغي قانون السببيّة الَّذي ينطلق من أنَّ الفعل يتبع سببه، ومن الأسباب إرادة الإنسان، تماماً كما لو كتبنا أنَّ السماء سوف تمطر في شباط مثلاً وحدث ذلك، هل معنى ذلك أنَّنا إذا كتبنا ذلك، فلا يكون هناك سبب لنزول المطر؟! إنَّنا نكتب حدوث المستقبل بأسبابه.
فالله نظَّم الكون، وجعل الإنسان المخلوق الوحيد في هذا الكون الذي يملك عقلاً متحرِّكاً، ويملك إرادة متحرِّكة، ويملك ظروفاً متحرّكة، وقد حمَّله الله مسؤوليَّة نفسه من خلال هذه الحركة، ولعلَّنا نستوحي ذلك من قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[الأحزاب: 72]، الأمانة هنا تمثِّل المسؤوليَّة، كأنَّ الله عرض الأمانة ـــ المسؤوليَّة على السموات والأرض والجبال، لتتحمَّل مسؤوليَّة إدارة وجودها، بحيث تتحمَّل نتائج هذه المسؤوليَّة {فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا}، وقلن لا نستطيع ذلك، ولكن يا ربّ أنتَ حرِّك القوانين في داخلنا التي تسيِّرنا نحو ما تريد.
أمّا الإنسان، فقد قال من خلال ما يملك من عقل ومن إرادة ومن واقع متحرِّك يستطيع أن يغيِّره ويبدِّله، قال: أنا لها، ولكنَّه ظلم نفسه وجهل حجم المسؤوليَّة، ونحن نقرأ أيضاً في القرآن الكريم: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرَّعد: 11]، معناه أنَّ الإنسان يملك تغيير الواقع من خلال تغيير نفسه؛ {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[النَّحل: 118].
لذلك، أحبّ أن أقول إنَّ القضاء والقدر في الإسلام لا يجعل الإنسان واقعاً تحت تأثير شيء قاهر يُلغي إرادته، نحن نصنع قضاءنا وقدرنا، لأنَّ القدر والقضاء يحدِّدان للإنسان هندسة حياته من خلال ربط المسبِّبات بالأسباب.
* من كتاب "حوارات في الفكر".