كتابات
27/10/2013

العدل مع الكافر المسالم

العدل مع الكافر المسالم
من بين آيات العدل، هناك آية تشير إلى كيفيّة التّعامل مع الكافرين المسالمين، لأنّ الكافرين على قسمين: فهناك كافرون حربيّون يشنّون الحرب على المسلمين ويشرّدونهم من ديارهم ويعتدون عليهم بمختلف وسائل العدوان، وهناك كافرون مسالمون يختلفون مع المسلمين في المسألة الدينيّة، فهم لا يؤمنون بالإسلام، ولكنّهم يتعايشون مع المسلمين كما يتعايش أيّ مجتمع متنوّع بعضه مع بعض على مستوى المعاملة وعلى مستوى العلاقة.

وبالنّسبة إلى هذه الفئة المسالمة من الكافرين، يؤكّد القرآن الكريم أنّ علينا أن نحسن إليهم، وأن نبرّهم، بحيث نقدّم لهم كلّ وسائل الإحسان والخير، وأن نتعامل معهم بالعدل في كلِّ معاملاتنا وعلاقتنا معهم، أمّا الفئة الأخرى، فعلينا أن نتَّخذ منهم الموقف، لأنهم أعلنوا العداوة للمسلمين، والمسلم لا يعلن العداوة للآخرين، ولا يعمل على الاعتداء على الآخرين، لأنّ الله أمرنا وأراد منّا أن تكون وسائلنا وأساليبنا مع كلّ النّاس بالدّرجة الّتي نحوِّل فيها الأعداء إلى أصدقاء، بدلاً من أن نحوِّل الأصدقاء إلى أعداء أو النّاس إلى أعداء.

يقول تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الّذين لم يشنّوا الحرب عليكم لأنّكم مسلمون وهم غير مسلمين، بل تقبَّلوا هذا الخلاف الدّينيّ بينكم وبينهم بشكل موضوعيّ سلميّ {وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ}، أيضاً لأنَّهم لم يخطِّطوا من خلال ما يملكون من قوّة سياسيّة أو قوة عسكريّة لأن يخرجوكم من دياركم ويشرّدوكم من أرضكم، بل كانوا مسالمين يتعايشون معكم في وطن واحد أو في وطنين متجاورين، كما يتعايش المسالم مع المسالم، {أَن تَبَرُّوهُمْ}، والبرّ هو الإحسان، وكلمة الإحسان هي من الكلمات الواسعة الّتي تمتدّ في كلّ العلاقات الإنسانيّة الّتي ترتكز على التّعاون والتّواصل والعطاء.

{وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}[الممتحنة: 8]، والقسط كما بيَّنَّا في الأحاديث السَّابقة، هو الحقّ الّذي للإنسان، فقيام النّاس بالقسط، هو أن يُعطى لكلِّ إنسان حقّه ونصيبه، لذلك عليكم أن تتعاملوا مع هؤلاء على أساس العدل، فإذا كان لهم حقّ عليكم، فعليكم أن لا تمنعوهم حقّهم {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، أي العادلين. ومن خلال ذلك نفهم أنّ علينا أن نحترم كلَّ حقوق هؤلاء وأملاكهم، ولا يجوز للإنسان أن يعتدي على مال شخص غير مسلم بحجّة أنَّ هذا الإنسان كافر وأنّ أموال الكفّار مباحة لنا، كما في بعض الفتاوى الّتي يستخدمها الكثير من النَّاس الّذين يذهبون إلى الغرب أو إلى الشَّرق، وحتّى في لبنان، عندما كان بعض النّاس أيّام الفوضى يهجمون وينهبون هذا البنك أو ذاك البنك، أو هذا المحلّ أو ذاك المحلّ، بحجَّة أنَّ هؤلاء كفّار، فما داموا مسالمين، لا يجوز لنا أن نعتدي على أموالهم أو نعتدي على أعراضهم، حتّى إنّنا كنّا ولا نزال نفتي بحرمة بعض الأعمال الّتي يقوم بها بعض الشّباب المغتربين، حتىّ في أمريكا وأوروبّا وأستراليا وكندا وغيرها، كأن يتعاقد شخص مع شركة تأمين على تأمين محلّه، فيُحرق هذا المحلّ ليأخذ التعويض عليه، أو كما يفعل الآن كثير من النّاس الّذين يستغلّون بعض القوانين الّتي تسهِّل للكثير من الناس الاعتداء على الأموال، وهي أن يذهب مثلاً إلى البنك، فيستقرض المال ثم يهرب، أو يدخل إلى سوبرماركت، فيأخذ أشياء ويهرب، هذا كلّه لا يجوز ما دام هؤلاء النّاس الذين يعيشون في هذا المجتمع مسالمين وليسوا محاربين، فالله تعالى يقول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}، {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ}، الّذين أعلنوا القتال عليكم لأنّكم مسلمون،{وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ}، شرَّدوكم، كما حدث من قبل اليهود الّذين أخرجوا الفلسطينيّين، {وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ}، أي ساعدوا على إخراجكم، مثل بعض الدّول.

وهناك فرق أيضاً بين الدّولة والشّعب، فالإدارة الأمريكيّة الآن تساعد إسرائيل وتحتلُّ العراق وأفغانستان، ولكنّ الشّعب الأمريكي ليس موافقاً بأجمعه على ما تفعله، وإن كان البعض من الشعب الأمريكي موافقاً، {أَن تَوَلَّوْهُمْ} أن تكون بينكم وبينهم الموالاة والصّداقة والتّحالف، {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، الّذين ظلموا أنفسهم وظلموا شعوبهم وأهلهم. فإذاً نحن نفهم من خلال هاتين الآيتين، أنّه لا يجوز لنا أن نعتدي على الكافرين المسالمين، سواء كانوا من هذا الدّين أو من ذاك الدّين أو ما إلى ذلك.

والله تعالى حدَّثنا على طريقة الذمّ عن اليهود، كيف يستحلّون أموال غير اليهود، ويذمّهم على هذه الفكرة، يقول تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}، فمن طبيعة الأمانة أن يؤدّيها الإنسان إلى صاحبها، {وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً}، واقفاً فوق رأسه، لماذا؟ لأنّه ليس عندهم قاعدة الأمانة مع الآخرين غير اليهود، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}(آل عمران: 75)، والأمّيّون في مصطلح اليهود هم غير اليهود، وخصوصاً العرب، باعتبار أنّ الأميّة كانت تغلب عليهم، ولم يكن هناك ثقافة وقراءة في ذلك الزّمن، فهم كانوا يقولون ليس علينا مسؤوليّة في الأمّيّين، أي في غير اليهود، فأموالهم مباحة لنا.
فالشّخص الّذي يحمل هذه الذهنيّة من إخواننا الّذين يعيشون في الغرب، فإنّه بذلك يعطي الآخرين فكرة بأنّ المسلمين يستحلّون أموال غير المسلمين، فيفقد المسلم بذلك ثقة الآخرين به، ولا يعود أحدٌ على استعداد لأن يشاركه في شيء أو أن يقرضه أو يتعاون معه، تماماً كما لو عرفنا نحن أنّ شخصاً ليس عنده مشكلة في أن يأكل أموالنا، فهل نتشارك معه؟ أو نتعامل معه؟

هذه الأمور تضرّنا، وتشوّه صورة الإسلام والمسلمين، وعلينا أن نعامل النّاس بما نحبّ أن يعاملونا به، فإذا كنّا نحبّ أن يعاملنا النّاس بالأمانة والصّدق، فعلينا أن نعاملهم بالأمانة والصّدق، حتّى نستطيع أن نتعايش.
هذا عالم نحتاجه ويحتاجنا، وخصوصاً إذا كنّا في وطن واحد، كما نحن في لبنان مثلاً، حيث تتنوّع الطّوائف والمذاهب، فإذا لم تكن هناك ثقة في داخل هذا المجتمع على أساس العيش المشترك، فمعنى ذلك أنّه لا يمكن أن يقوم وطن، ولا يمكن أن يحصل أيّ تقدّم وأيّ تطوّر، لا في المسألة الاقتصاديّة ولا في المسألة الأمنيّة أو غيرها.

هذه المسألة يجب أن نعيها، حتّى نعطي صورة مشرقة للإسلام، لأنّ الإسلام دين العدل، فهو يعدل مع الكافر والمؤمن، ومع العدوّ والصّديق، ومع القريب والبعيد، لأنّه كما ذكرنا في بعض الكلمات، فإنّ العدل لا دين له، العدل هو حالة إنسانيّة، وهذا يفرض على الإنسان أن يعدل مع كلِّ النّاس، والظّلم لا دين له أيضاً، وعلى الإنسان أن لا يظلم أحداً، وهناك حديث عن أهل البيت(ع) يقول: «إنّ الله أوحى إلى نبيّ في مملكة جبّار من الجبّارين، إنّي إنما استعملتك لتكفّ عنّي أصوات المظلومين ـ حتى تنشر العدل، فلا يبقى في مملكتك أيّ مظلوم يدعوني أن أنتصف له من ظالمه ـ فإني لن أدع ظلامتهم ولو كانوا كفّاراً»، فحتّى لو كان هؤلاء كفّاراً، أنا سوف أنتصف لهم من ظالمهم.
ونفهم من هذا كلّه، أنه لا يجوز ظلم الكافر، كما لا يجوز ظلم المؤمن، وهذا ما يعطي الإسلام هذه الصّورة المشرقة. ثم هناك شيء يجب أن نفهمه، وخصوصاً نحن الشّيعة الإماميّة الإثني عشريّة، نحن ننتظر الإمام الحجّة(عج) الذي تتمثّل رسالته وبرنامجه بإقامة العدل، والّذي «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»، يعني رسالته هي العدل الشّامل في الكون كلّه، فإذا كنّا نحن لا نعدل، فهل نكون من أنصاره؟! بعض النّاس يظلم زوجته أو أمّه وأباه وابنه وجيرانه، ويقول أنا غداً سأكون من أنصاره، ولكنّك بظلمك هذا قد تكون في الجانب المضادّ.

لذلك، لا بدَّ لنا من أن نكون أمّة العدل، لأنّ ديننا هو دين العدل، يأمر بالعدل والإحسان، وهذه الأمور تتعلَّق نتائجها بالدّنيا والآخرة، ولا بدّ لنا من أن نعيش ذلك في أنفسنا، وأن ننفتح من خلاله على الواقع كلّه، سواء في المسألة السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو الأمنيّة أو العائليّة، وفي الحديث: «اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها».
درس التّفسير القرآني: (17/8/2004).
من بين آيات العدل، هناك آية تشير إلى كيفيّة التّعامل مع الكافرين المسالمين، لأنّ الكافرين على قسمين: فهناك كافرون حربيّون يشنّون الحرب على المسلمين ويشرّدونهم من ديارهم ويعتدون عليهم بمختلف وسائل العدوان، وهناك كافرون مسالمون يختلفون مع المسلمين في المسألة الدينيّة، فهم لا يؤمنون بالإسلام، ولكنّهم يتعايشون مع المسلمين كما يتعايش أيّ مجتمع متنوّع بعضه مع بعض على مستوى المعاملة وعلى مستوى العلاقة.

وبالنّسبة إلى هذه الفئة المسالمة من الكافرين، يؤكّد القرآن الكريم أنّ علينا أن نحسن إليهم، وأن نبرّهم، بحيث نقدّم لهم كلّ وسائل الإحسان والخير، وأن نتعامل معهم بالعدل في كلِّ معاملاتنا وعلاقتنا معهم، أمّا الفئة الأخرى، فعلينا أن نتَّخذ منهم الموقف، لأنهم أعلنوا العداوة للمسلمين، والمسلم لا يعلن العداوة للآخرين، ولا يعمل على الاعتداء على الآخرين، لأنّ الله أمرنا وأراد منّا أن تكون وسائلنا وأساليبنا مع كلّ النّاس بالدّرجة الّتي نحوِّل فيها الأعداء إلى أصدقاء، بدلاً من أن نحوِّل الأصدقاء إلى أعداء أو النّاس إلى أعداء.

يقول تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الّذين لم يشنّوا الحرب عليكم لأنّكم مسلمون وهم غير مسلمين، بل تقبَّلوا هذا الخلاف الدّينيّ بينكم وبينهم بشكل موضوعيّ سلميّ {وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ}، أيضاً لأنَّهم لم يخطِّطوا من خلال ما يملكون من قوّة سياسيّة أو قوة عسكريّة لأن يخرجوكم من دياركم ويشرّدوكم من أرضكم، بل كانوا مسالمين يتعايشون معكم في وطن واحد أو في وطنين متجاورين، كما يتعايش المسالم مع المسالم، {أَن تَبَرُّوهُمْ}، والبرّ هو الإحسان، وكلمة الإحسان هي من الكلمات الواسعة الّتي تمتدّ في كلّ العلاقات الإنسانيّة الّتي ترتكز على التّعاون والتّواصل والعطاء.

{وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}[الممتحنة: 8]، والقسط كما بيَّنَّا في الأحاديث السَّابقة، هو الحقّ الّذي للإنسان، فقيام النّاس بالقسط، هو أن يُعطى لكلِّ إنسان حقّه ونصيبه، لذلك عليكم أن تتعاملوا مع هؤلاء على أساس العدل، فإذا كان لهم حقّ عليكم، فعليكم أن لا تمنعوهم حقّهم {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، أي العادلين. ومن خلال ذلك نفهم أنّ علينا أن نحترم كلَّ حقوق هؤلاء وأملاكهم، ولا يجوز للإنسان أن يعتدي على مال شخص غير مسلم بحجّة أنَّ هذا الإنسان كافر وأنّ أموال الكفّار مباحة لنا، كما في بعض الفتاوى الّتي يستخدمها الكثير من النَّاس الّذين يذهبون إلى الغرب أو إلى الشَّرق، وحتّى في لبنان، عندما كان بعض النّاس أيّام الفوضى يهجمون وينهبون هذا البنك أو ذاك البنك، أو هذا المحلّ أو ذاك المحلّ، بحجَّة أنَّ هؤلاء كفّار، فما داموا مسالمين، لا يجوز لنا أن نعتدي على أموالهم أو نعتدي على أعراضهم، حتّى إنّنا كنّا ولا نزال نفتي بحرمة بعض الأعمال الّتي يقوم بها بعض الشّباب المغتربين، حتىّ في أمريكا وأوروبّا وأستراليا وكندا وغيرها، كأن يتعاقد شخص مع شركة تأمين على تأمين محلّه، فيُحرق هذا المحلّ ليأخذ التعويض عليه، أو كما يفعل الآن كثير من النّاس الّذين يستغلّون بعض القوانين الّتي تسهِّل للكثير من الناس الاعتداء على الأموال، وهي أن يذهب مثلاً إلى البنك، فيستقرض المال ثم يهرب، أو يدخل إلى سوبرماركت، فيأخذ أشياء ويهرب، هذا كلّه لا يجوز ما دام هؤلاء النّاس الذين يعيشون في هذا المجتمع مسالمين وليسوا محاربين، فالله تعالى يقول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}، {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ}، الّذين أعلنوا القتال عليكم لأنّكم مسلمون،{وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ}، شرَّدوكم، كما حدث من قبل اليهود الّذين أخرجوا الفلسطينيّين، {وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ}، أي ساعدوا على إخراجكم، مثل بعض الدّول.

وهناك فرق أيضاً بين الدّولة والشّعب، فالإدارة الأمريكيّة الآن تساعد إسرائيل وتحتلُّ العراق وأفغانستان، ولكنّ الشّعب الأمريكي ليس موافقاً بأجمعه على ما تفعله، وإن كان البعض من الشعب الأمريكي موافقاً، {أَن تَوَلَّوْهُمْ} أن تكون بينكم وبينهم الموالاة والصّداقة والتّحالف، {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، الّذين ظلموا أنفسهم وظلموا شعوبهم وأهلهم. فإذاً نحن نفهم من خلال هاتين الآيتين، أنّه لا يجوز لنا أن نعتدي على الكافرين المسالمين، سواء كانوا من هذا الدّين أو من ذاك الدّين أو ما إلى ذلك.

والله تعالى حدَّثنا على طريقة الذمّ عن اليهود، كيف يستحلّون أموال غير اليهود، ويذمّهم على هذه الفكرة، يقول تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}، فمن طبيعة الأمانة أن يؤدّيها الإنسان إلى صاحبها، {وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً}، واقفاً فوق رأسه، لماذا؟ لأنّه ليس عندهم قاعدة الأمانة مع الآخرين غير اليهود، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}(آل عمران: 75)، والأمّيّون في مصطلح اليهود هم غير اليهود، وخصوصاً العرب، باعتبار أنّ الأميّة كانت تغلب عليهم، ولم يكن هناك ثقافة وقراءة في ذلك الزّمن، فهم كانوا يقولون ليس علينا مسؤوليّة في الأمّيّين، أي في غير اليهود، فأموالهم مباحة لنا.
فالشّخص الّذي يحمل هذه الذهنيّة من إخواننا الّذين يعيشون في الغرب، فإنّه بذلك يعطي الآخرين فكرة بأنّ المسلمين يستحلّون أموال غير المسلمين، فيفقد المسلم بذلك ثقة الآخرين به، ولا يعود أحدٌ على استعداد لأن يشاركه في شيء أو أن يقرضه أو يتعاون معه، تماماً كما لو عرفنا نحن أنّ شخصاً ليس عنده مشكلة في أن يأكل أموالنا، فهل نتشارك معه؟ أو نتعامل معه؟

هذه الأمور تضرّنا، وتشوّه صورة الإسلام والمسلمين، وعلينا أن نعامل النّاس بما نحبّ أن يعاملونا به، فإذا كنّا نحبّ أن يعاملنا النّاس بالأمانة والصّدق، فعلينا أن نعاملهم بالأمانة والصّدق، حتّى نستطيع أن نتعايش.
هذا عالم نحتاجه ويحتاجنا، وخصوصاً إذا كنّا في وطن واحد، كما نحن في لبنان مثلاً، حيث تتنوّع الطّوائف والمذاهب، فإذا لم تكن هناك ثقة في داخل هذا المجتمع على أساس العيش المشترك، فمعنى ذلك أنّه لا يمكن أن يقوم وطن، ولا يمكن أن يحصل أيّ تقدّم وأيّ تطوّر، لا في المسألة الاقتصاديّة ولا في المسألة الأمنيّة أو غيرها.

هذه المسألة يجب أن نعيها، حتّى نعطي صورة مشرقة للإسلام، لأنّ الإسلام دين العدل، فهو يعدل مع الكافر والمؤمن، ومع العدوّ والصّديق، ومع القريب والبعيد، لأنّه كما ذكرنا في بعض الكلمات، فإنّ العدل لا دين له، العدل هو حالة إنسانيّة، وهذا يفرض على الإنسان أن يعدل مع كلِّ النّاس، والظّلم لا دين له أيضاً، وعلى الإنسان أن لا يظلم أحداً، وهناك حديث عن أهل البيت(ع) يقول: «إنّ الله أوحى إلى نبيّ في مملكة جبّار من الجبّارين، إنّي إنما استعملتك لتكفّ عنّي أصوات المظلومين ـ حتى تنشر العدل، فلا يبقى في مملكتك أيّ مظلوم يدعوني أن أنتصف له من ظالمه ـ فإني لن أدع ظلامتهم ولو كانوا كفّاراً»، فحتّى لو كان هؤلاء كفّاراً، أنا سوف أنتصف لهم من ظالمهم.
ونفهم من هذا كلّه، أنه لا يجوز ظلم الكافر، كما لا يجوز ظلم المؤمن، وهذا ما يعطي الإسلام هذه الصّورة المشرقة. ثم هناك شيء يجب أن نفهمه، وخصوصاً نحن الشّيعة الإماميّة الإثني عشريّة، نحن ننتظر الإمام الحجّة(عج) الذي تتمثّل رسالته وبرنامجه بإقامة العدل، والّذي «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»، يعني رسالته هي العدل الشّامل في الكون كلّه، فإذا كنّا نحن لا نعدل، فهل نكون من أنصاره؟! بعض النّاس يظلم زوجته أو أمّه وأباه وابنه وجيرانه، ويقول أنا غداً سأكون من أنصاره، ولكنّك بظلمك هذا قد تكون في الجانب المضادّ.

لذلك، لا بدَّ لنا من أن نكون أمّة العدل، لأنّ ديننا هو دين العدل، يأمر بالعدل والإحسان، وهذه الأمور تتعلَّق نتائجها بالدّنيا والآخرة، ولا بدّ لنا من أن نعيش ذلك في أنفسنا، وأن ننفتح من خلاله على الواقع كلّه، سواء في المسألة السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو الأمنيّة أو العائليّة، وفي الحديث: «اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها».
درس التّفسير القرآني: (17/8/2004).
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية