متفرقات
20/09/2019

ما الغرض من إغفال آراء الأئمّة (ع)؟

ما الغرض من إغفال آراء الأئمّة (ع)؟

هناك نقطة يهمّني التعرّض لها، وهي الإغفال الذي لا يخلو من غرض لأئمة أهل البيت عند أصحاب المذاهب الأخرى، في مقام عرض الآراء والبرهنة عليها.

ونراهم في الوقت نفسه يعرضون للروايات الواردة عن طريق الصحابة وتابعيهم وغيرهم، ولآرائهم الخاصّة، ويستندون إليها في مقام الاستدلال والاختيار، بل وربما يفترضون أنّ عملهم الخارجي سنّة يؤخذ بها.

أمّا أئمّة أهل البيت، فنراهم يتوقفون عن التعرض لآرائهم والروايات التي وردت عن طريقهم وعنهم، رغم أنّ أرباب المذاهب، كأبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري، وأبي أيوب السجستاني وغيرهم، ممن يعتبرون الطليعة المبدعة والانطلاقة الأولى لتلك المذاهب، كانوا من خرّيجي مدرسة الإمام الصادق أحد أئمّة أهل البيت، حتى إنّ أبا حنيفة كان يرى أن السبب في تقدّمه على أقرانه، هو تتلمذه على الإمام الصادق، وقد حفظ له التاريخ قولته المشهورة: "لولا السنتان لهلك النعمان"، ويقصد بهما الفترة الزمنية التي عاشها في مدرسة الإمام، وقولته الأخرى حين سئل عن أفقه من رأيت فقال: جعفر بن محمد..

وقد حفظ التاريخ كثيراً من أقوال الأئمة والأعلام من أهل السنّة في حقّ الإمام الصادق (ع) وغيره من أئمة أهل البيت، ما يشعر بتقدّمهم على الجميع وافتقارهم إليهم.

ورغم هذا كلّه، نرى البخاري في صحيحه يتورّع عن إثبات رواية تنتهي سلسلة سندها بالإمام الصّادق (ع)، لأن في نفسه ريباً منه.

وقد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب، أنّ صعوبة التمييز بين ما هو صحيح وغير صحيح، حملت البخاري على أن لا يروي شيئاً من حديثه.

ولم يذكر لنا ابن حجر، كيف ميّز البخاري بين ما هو صحيح وغير صحيح مما رواه أبو هريرة وأمثاله من واضعي الحديث ومخترعيه، ولعلّه يعتلّ بأن الصحابة عدول، وهو عذر أقبح من ذنب، بعد ما ثبت كذب ذلك بسلوك الصحابة بعضهم مع بعض، وتفسيق البعض منهم للبعض الآخر.

ولا نفهم تفسيراً لهذه الظاهرة الغريبة، غير التعصّب، والتأثر بالأجواء المذهبية القاتمة، التي تعبأت بسموم الحقد والبغض المريرين لأهل هذا البيت، والتي هي امتداد للجهود المستميتة التي بذلها معاوية وعماله، وخلفاء الجور من بعده، في سبيل تعميق الفجوة التي افتعلوها بين الأمة وأهل البيت النبوي، وعزلهم بعيداً عن الواقع العملي للحياة العامّة، التي لا يستقيم خطّ سيره إلا بهم، بتصريح من جدّهم الرّسول الأعظم (ص) في الحديث السّابق وغيره من الأحاديث التي امتلأت بها كتب الحديث والسنّة من الفريقين.

وإلا، فبماذا يفسّر إعراض البخاري الغريب عن الرّواية عن الإمام الصادق، مع أنّه في الوقت نفسه، لا يتورع عن الرواية عن أمثال معاوية بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم، وعمران بن حطّان مادح ابن ملجم، قاتل الإمام أمير المؤمنين (ع)، وعمر بن سعد قاتل الإمام الحسين (ع)، وغيرهم من منبوذي الأمّة وفسّاقها.

وبماذا يفسّر قول السيوطي عن الإمام الحسن العسكري بأنّه ليس بشيء، إلا أنه روى فضيلة للزّهراء، لم تنسجم مع مزاجه العلمي؟ ولهذا يعتبر الحديث موضوعاً.

وقد كُتب لخطة إبعاد أئمة أهل البيت عن المجالات العامّة النجاح التام في جميع أدوار الحكم الأموي والعباسي، إلا في ظروف ضئيلة، اقتضتها عوامل سياسيّة معيّنة، تمكَّن فيها بعض الأئمة من إرواء ظمأ تلامذتهم علمياً وفكرياً.

ورغم ضآلة تلك الظروف وضيقها زمنيّاً، فقد أفادوا فيها الأمّة كثيراً من أسرار العلوم، ودقائق الفنون، ما أتخموا به بطون الكتب وأسفار التّاريخ.

والسبب الأقوى الذي دفع بالحكم إلى الوقوف موقفاً سلبيّاً من أئمة أهل البيت، هو عدم اقتناعهم وعدم اقتناع أتباعهم بشرعيّة الحكم وصلاحية القائمين عليه؛ لتسلّم المركز القيادي للأمّة، لأنهم لا يمثّلون في خطّ سيرهم العملي السلوك الرّسالي الصحيح، الذي يفترض بالحاكم أن يتقيّد به؛ لتسير على هديه الأمّة، وتصحح به انحرافها حين يلتوي بها الخطو عن المنطلق السليم.

وقد سبّب لهم عدم اقتناعهم هذا متاعب كثيرة في حياتهم، رغم مهادنتهم الحكم، ولم تقتصر تلك المتاعب عليهم فقط، بل كان لشيعتهم وأتباعهم النصيب الأوفر منها أيضاً.

ومن المهمّ أن نشير هنا إلى مدى تأثير ذلك الموقف السلبي للحكم من الأئمّة وأتباعهم على حملة الحديث ومدوّنيه، حيث تسمّمت أقلامهم بدوافع الحكم ونواياه ، فنراهم يطرحون الروايات والأحاديث التي يقع في سلسلة سندها أحد رواة الشيعة أو محدثيهم، ولو كان في أعلى درجات الوثاقة والصحة، ولا عذر لهم في ذلك سوى أنّه شيعي، فيقولون بأن الرواية ساقطة؛ لأن في طريقها فلاناً، وهو شيعي أو يبطن التشيع، أو رافضي خبيث، وغير ذلك من النعوت التي تنمّ عن تعصب مذهبي يقلب مقاييس التّحقيق الواعي والنظر السّليم.

وعلى خلاف ذلك، كانت مقاييس الشيعة من أتباع الأئمّة، حيث كان الميزان في صحة الرواية وسقمها عندهم، هو التوثق من صدق الراوي وكذبه، من دون نظر إلى مذهبه ونحلته، وعلى هذا الأساس، يبنى على صحة الرواية وعدم صحّتها، وما أكثر الروايات التي وقع في سلسلة سندها رواة من غير الشيعة، ومع ذلك، فقد عمل بها الشيعة، وبنوا عليها أحكامهم، ولست هنا في معرض سرد الأمثلة على ذلك.

وعلى من أراد أن يعرف مدى صحة هذه الحقيقة، أن يرجع إلى كتب الرّجال عندهم؛ ليقف بنفسه عليها.

ومن هذا، يظهر لنا واضحاً أنّ سلوك السنّة إزاء إخوانهم الشّيعة في الأخذ والعطاء علمياً، لم يكن يخضع في زمن الأئمة للتأثرات المذهبيّة والعصبات السياسية، ولكنّها حدثت في الفترات الزمنية المتأخرة عن تلك الفترة، حين ظهر الجدل في المذاهب، والتوسع في مباحث الكلام، وأثار العنف بين أصحاب المذاهب، حتى انتهى الأمر إلى التّفسيق والتكفير، وإباحة الدماء مما نقله التاريخ لنا بمرارة.

يضاف إلى ذلك، تعمّد الحكم لإثارة تلك النعرات الخبيثة، وإفساحه المجال لأصحاب الأغراض الحاقدة، كي ينفثوا سمومهم، ويغذّوا عوامل الفرقة، إلهاءً للأمّة عن أن تخوض في شؤون الحكم الفاسد وشجونه وأباطيله، ولتبقى متعه وشهواته في معزل عن الحساب.

*من كتاب "الإمام الرضا" (ع)

هناك نقطة يهمّني التعرّض لها، وهي الإغفال الذي لا يخلو من غرض لأئمة أهل البيت عند أصحاب المذاهب الأخرى، في مقام عرض الآراء والبرهنة عليها.

ونراهم في الوقت نفسه يعرضون للروايات الواردة عن طريق الصحابة وتابعيهم وغيرهم، ولآرائهم الخاصّة، ويستندون إليها في مقام الاستدلال والاختيار، بل وربما يفترضون أنّ عملهم الخارجي سنّة يؤخذ بها.

أمّا أئمّة أهل البيت، فنراهم يتوقفون عن التعرض لآرائهم والروايات التي وردت عن طريقهم وعنهم، رغم أنّ أرباب المذاهب، كأبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري، وأبي أيوب السجستاني وغيرهم، ممن يعتبرون الطليعة المبدعة والانطلاقة الأولى لتلك المذاهب، كانوا من خرّيجي مدرسة الإمام الصادق أحد أئمّة أهل البيت، حتى إنّ أبا حنيفة كان يرى أن السبب في تقدّمه على أقرانه، هو تتلمذه على الإمام الصادق، وقد حفظ له التاريخ قولته المشهورة: "لولا السنتان لهلك النعمان"، ويقصد بهما الفترة الزمنية التي عاشها في مدرسة الإمام، وقولته الأخرى حين سئل عن أفقه من رأيت فقال: جعفر بن محمد..

وقد حفظ التاريخ كثيراً من أقوال الأئمة والأعلام من أهل السنّة في حقّ الإمام الصادق (ع) وغيره من أئمة أهل البيت، ما يشعر بتقدّمهم على الجميع وافتقارهم إليهم.

ورغم هذا كلّه، نرى البخاري في صحيحه يتورّع عن إثبات رواية تنتهي سلسلة سندها بالإمام الصّادق (ع)، لأن في نفسه ريباً منه.

وقد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب، أنّ صعوبة التمييز بين ما هو صحيح وغير صحيح، حملت البخاري على أن لا يروي شيئاً من حديثه.

ولم يذكر لنا ابن حجر، كيف ميّز البخاري بين ما هو صحيح وغير صحيح مما رواه أبو هريرة وأمثاله من واضعي الحديث ومخترعيه، ولعلّه يعتلّ بأن الصحابة عدول، وهو عذر أقبح من ذنب، بعد ما ثبت كذب ذلك بسلوك الصحابة بعضهم مع بعض، وتفسيق البعض منهم للبعض الآخر.

ولا نفهم تفسيراً لهذه الظاهرة الغريبة، غير التعصّب، والتأثر بالأجواء المذهبية القاتمة، التي تعبأت بسموم الحقد والبغض المريرين لأهل هذا البيت، والتي هي امتداد للجهود المستميتة التي بذلها معاوية وعماله، وخلفاء الجور من بعده، في سبيل تعميق الفجوة التي افتعلوها بين الأمة وأهل البيت النبوي، وعزلهم بعيداً عن الواقع العملي للحياة العامّة، التي لا يستقيم خطّ سيره إلا بهم، بتصريح من جدّهم الرّسول الأعظم (ص) في الحديث السّابق وغيره من الأحاديث التي امتلأت بها كتب الحديث والسنّة من الفريقين.

وإلا، فبماذا يفسّر إعراض البخاري الغريب عن الرّواية عن الإمام الصادق، مع أنّه في الوقت نفسه، لا يتورع عن الرواية عن أمثال معاوية بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم، وعمران بن حطّان مادح ابن ملجم، قاتل الإمام أمير المؤمنين (ع)، وعمر بن سعد قاتل الإمام الحسين (ع)، وغيرهم من منبوذي الأمّة وفسّاقها.

وبماذا يفسّر قول السيوطي عن الإمام الحسن العسكري بأنّه ليس بشيء، إلا أنه روى فضيلة للزّهراء، لم تنسجم مع مزاجه العلمي؟ ولهذا يعتبر الحديث موضوعاً.

وقد كُتب لخطة إبعاد أئمة أهل البيت عن المجالات العامّة النجاح التام في جميع أدوار الحكم الأموي والعباسي، إلا في ظروف ضئيلة، اقتضتها عوامل سياسيّة معيّنة، تمكَّن فيها بعض الأئمة من إرواء ظمأ تلامذتهم علمياً وفكرياً.

ورغم ضآلة تلك الظروف وضيقها زمنيّاً، فقد أفادوا فيها الأمّة كثيراً من أسرار العلوم، ودقائق الفنون، ما أتخموا به بطون الكتب وأسفار التّاريخ.

والسبب الأقوى الذي دفع بالحكم إلى الوقوف موقفاً سلبيّاً من أئمة أهل البيت، هو عدم اقتناعهم وعدم اقتناع أتباعهم بشرعيّة الحكم وصلاحية القائمين عليه؛ لتسلّم المركز القيادي للأمّة، لأنهم لا يمثّلون في خطّ سيرهم العملي السلوك الرّسالي الصحيح، الذي يفترض بالحاكم أن يتقيّد به؛ لتسير على هديه الأمّة، وتصحح به انحرافها حين يلتوي بها الخطو عن المنطلق السليم.

وقد سبّب لهم عدم اقتناعهم هذا متاعب كثيرة في حياتهم، رغم مهادنتهم الحكم، ولم تقتصر تلك المتاعب عليهم فقط، بل كان لشيعتهم وأتباعهم النصيب الأوفر منها أيضاً.

ومن المهمّ أن نشير هنا إلى مدى تأثير ذلك الموقف السلبي للحكم من الأئمّة وأتباعهم على حملة الحديث ومدوّنيه، حيث تسمّمت أقلامهم بدوافع الحكم ونواياه ، فنراهم يطرحون الروايات والأحاديث التي يقع في سلسلة سندها أحد رواة الشيعة أو محدثيهم، ولو كان في أعلى درجات الوثاقة والصحة، ولا عذر لهم في ذلك سوى أنّه شيعي، فيقولون بأن الرواية ساقطة؛ لأن في طريقها فلاناً، وهو شيعي أو يبطن التشيع، أو رافضي خبيث، وغير ذلك من النعوت التي تنمّ عن تعصب مذهبي يقلب مقاييس التّحقيق الواعي والنظر السّليم.

وعلى خلاف ذلك، كانت مقاييس الشيعة من أتباع الأئمّة، حيث كان الميزان في صحة الرواية وسقمها عندهم، هو التوثق من صدق الراوي وكذبه، من دون نظر إلى مذهبه ونحلته، وعلى هذا الأساس، يبنى على صحة الرواية وعدم صحّتها، وما أكثر الروايات التي وقع في سلسلة سندها رواة من غير الشيعة، ومع ذلك، فقد عمل بها الشيعة، وبنوا عليها أحكامهم، ولست هنا في معرض سرد الأمثلة على ذلك.

وعلى من أراد أن يعرف مدى صحة هذه الحقيقة، أن يرجع إلى كتب الرّجال عندهم؛ ليقف بنفسه عليها.

ومن هذا، يظهر لنا واضحاً أنّ سلوك السنّة إزاء إخوانهم الشّيعة في الأخذ والعطاء علمياً، لم يكن يخضع في زمن الأئمة للتأثرات المذهبيّة والعصبات السياسية، ولكنّها حدثت في الفترات الزمنية المتأخرة عن تلك الفترة، حين ظهر الجدل في المذاهب، والتوسع في مباحث الكلام، وأثار العنف بين أصحاب المذاهب، حتى انتهى الأمر إلى التّفسيق والتكفير، وإباحة الدماء مما نقله التاريخ لنا بمرارة.

يضاف إلى ذلك، تعمّد الحكم لإثارة تلك النعرات الخبيثة، وإفساحه المجال لأصحاب الأغراض الحاقدة، كي ينفثوا سمومهم، ويغذّوا عوامل الفرقة، إلهاءً للأمّة عن أن تخوض في شؤون الحكم الفاسد وشجونه وأباطيله، ولتبقى متعه وشهواته في معزل عن الحساب.

*من كتاب "الإمام الرضا" (ع)

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية