يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155 - 157].
ويقول الله سبحانه وتعالى: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: 200].
ويقول سبحانه وتعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران: 186].
قيمة الصَّبر
الصَّبر هو أعلى قيمةٍ أخلاقيَّةٍ في الإسلام، لأنَّ أيَّة قيمة من القيم الرّوحيَّة والأخلاقيَّة، لا بدَّ لها من الصَّبر، فأنت لا تستطيع أن تكون تقيّاً، تطيع الله فيما تكرهه نفسك من الطَّاعة، وتمتنع عن المعصية فيما تحبّه نفسك من المعصية، إلَّا بالصَّبر، لأنَّ الإنسان بحسب طبيعته، يرفض أشياء ويحبُّ أشياء، والإنسان معنيّ بأن يحقّق لنفسه رغباتها ومشتهياتها، وقد يأمرنا الله بأن نفعل شيئاً لا نحبّه، أو أن نترك شيئاً نحبّه، ولا يمكن للإنسان في هذه الحالة إلَّا أن يجاهد نفسه، ليوجّهها ضدّ ما تحبّه إذا كان في ذلك معصية لله، أو يوجّهها لتفعل ما تكرهه إذا كان في ذلك طاعة لله سبحانه وتعالى.
وهكذا عندما يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالعفَّة؛ أن تعفَّ بطنك عن الحرام، فلا تدخل فيه حراماً من طعام وشراب، أو تعفّ فرجك عن الحرام، فلا تستعمله إلَّا فيما يرضي الله سبحانه وتعالى.. وهكذا أن تعفَّ يدك عن أيّ فعل حرام وأيّ مال حرام...
إنَّ العفَّة تتطلَّب الكثير من الصَّبر، لأنَّك تجاهد نفسك عندما تشتهي الطَّعام الحرام والشَّراب الحرام والشَّهوة الحرام والمال الحرام.
وقفة الأحرار
وهكذا عندما يواجهك البلاء في نفسك أو في أهلك أو مالك أو أمنك، وتقف أمام هذا البلاء، لتشعر بأنَّه يمكن أن يسقطك ويقودك إلى الجزع، ويبتعد بك عن التَّوازن، ويدفعك لتعطي بيدك إعطاء الذَّليل، ولتقرَّ إقرار العبيد، لأنَّ من يريد أن يأخذ أمنك، أو أن يستلب حرّيّتك، أو أن يظلمك، يخيّرك بين السّلَّة والذّلَّة، وهذا خيارٌ صعب؛ أن تقف ذليلاً أمامه لتنحني إرادتك أمام إرادته، وليسقط مصيرك أمام سياسته، أو تتحمَّل المشاكل في نفسك وأهلك ومالك..
وقد واجه الحسين (ع) هذا الخيار عندما خُيّر بين أن يواجه السَّيف المسلط ضدَّه، وبين أن يواجه الذّلّ الَّذي يفرض عليه، عندما طلب منه أن ينزل على حكم ابن زياد ويزيد بن معاوية، فقال كلمته المعروفة: "ألَا وَإِنَّ الدَّعِيَّ ابنَ الدَّعِيِّ، قدْ رَكَزَ بَيْنَ اثنَتَينِ: بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وهَيْهَاتَ منَّا الذِّلَّةُ! يأبَى اللهُ لَنَا ذَلِكَ ورَسُولُهُ والمؤمِنونَ، وحُجُورٌ طابَتْ وطَهُرتْ، وأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ، ونُفُوسٌ أبِيَّة،ٌ مِنْ أنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِّئامِ عَلَى مَصَارِعِ الكِرَامِ". وهكذا كان الحسين (ع) صابراً في مواجهة كلّ التَّحدّيات، ليحتفظ بموقف العزَّة في خطّ الحقّ.
وكذلك الحرّ بن يزيد الرّياحي (رض) عندما وقف أمام خيارين؛ بين أن يبقى مع بني أميَّة في مواجهة الحسين (ع)، ويربح الدّنيا الَّتي كانت مقبلة عليه في مستقبله، كما كانت مقبلة عليه في حاضره، وبين أن يذهب إلى الحسين خاضعاً خاشعاً تائباً، لأنَّه هو الَّذي أدَّى بأن يأتي بالحسين إلى كربلاء وجعجع به.. وفكَّر الحرّ وهو يعيش الزّلزال النَّفسيّ الّذي تحوَّل إلى زلزال في جسده، فأصبح يرتعد، وجاءه من أصحابه من أخذ عليه هذا الارتعاد، ليقول له إنَّ الأبطال لا يرتعدون في الحرب، وأنت في مقدَّم الأبطال، "والله لو قيل من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الَّذي أراه منك؟"، فقال له الحرّ: "إنّي واللهِ أُخيّرُ نَفْسي بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ - الدنيا أمامي ولكنَّ النَّار في نهايتها، والآخرة أمامي ولكنَّ الموت في بدايتها - فَوَاللهِ لَا أَخْتَارُ عَلَى الجَنَّةِ شَيْئاً وَلَوْ قُطّعْتُ وأُحْرِقْتُ". وهكذا كان يسترجع في ذاكرته قول النَّبيّ محمَّد (ص): "ما خيرٌ بخيرٍ بعدَهُ النَّار، ولا شرٌّ بشرٍّ بعدهُ الجنَّة، وَكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ، وَكُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَة"، وينطلق في نهاية قراره من قول الله سبحانه وتعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}[الحشر: 20].
وهكذا، اختار الصَّبر على كلّ الدّنيا الَّتي كانت في حوزته، وكانت مقبلة عليه، صَبَرَ صَبْرَ الأحرارِ، واستطاع أن يؤكّد حريَّته من خلال إرادته المستقلَّة القويَّة، وجاء إلى الحسين (ع)، رافضاً لكلّ دنيا بني أميَّة، ومقبلاً على آخرة أهل البيت (ع). وهكذا اختار حريَّته من خلال صبره، وقالها الحسين (ع) كلمةً خالدة: "أَنْتَ الحُرُّ كَمَا سَمَّتْكَ أُمُّكَ، وَأَنْتَ الحُرُّ في الدُّنْيَا، وَسَعِيدٌ في الآخِرَة".
وأعطانا الحسين (ع) بهذا معنى الحرّيَّة؛ فالحريَّة هي أن تملك إرادتك، وأن تملك قرارك، أن تضغط على نفسك لتكون حرّاً أمام شهواتك ومطامعك وما يحيط بك من جاهٍ ومالٍ وما إلى ذلك، أن لا تستعبدك شهواتك، ولكن أن تكون سيّد شهواتك، وبذلك تكون سيّد قرارك.
الصَّبر على البلاءات
ويحدّثنا الله سبحانه وتعالى عن مسألة الصَّبر وبشارة الصَّابرين من حيثما يحدّثنا عن الدّنيا، فالله سبحانه وتعالى لم يقدّم الدّنيا إلى أحد على طبق من ذهب، ولم يجعل الدّنيا فرصة لهو وعبث ولذَّة، ولكن جعل أفراحها تتحرَّك مع أحزانها، ولذَّاتها مع آلامها، فالله خلقنا، منذ خلقنا ونحن في أرحام أمَّهاتنا، خلقنا في كبد وجهد، فنحن نعيش الجهد والألم عندما نخرج إلى الدّنيا، وإذا واجهنا الدّنيا، فإنَّنا نواجهها بصرخة بكاء قد نبتسم بعدها، ولكن تبقى الحياة بكاءً من جهة، وسروراً وفرحاً من جهة أخرى، وهكذا تختنق اللّذَّة بالألم.
وهكذا، فإنّك لا تحصل على شيء من الدّنيا إلَّا إذا خسرت شيئاً منها، وجرّبوا ذلك في كلّ حياتكم؛ إنَّنا نحصل على المال، ولكن على حساب عيوننا الَّتي يضعف بصرها، وأجسادنا الَّتي تضعف قوَّتها، وراحتنا الَّتي تتبخَّر أمام التَّعب الَّذي نواجهه، وهكذا هي الدّنيا، لا تربح فيها شيئاً إلّا بعد أن تخسر منها شيئاً آخر.
ولذلك قال الله لنا إنَّ عليكم أن تستعدّوا للدّنيا بإرادتكم وصبركم، فلا تسقطوا أمام بلائها وأحزانها، ولكن لتكن لكم إرادة الصَّبر على كلّ هذا الحرمان الَّذي تعيشونه، لأنَّكم لا تستطيعون الحصول على النَّتائج الكبيرة إلَّا من خلال ذلك.
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ – والبلاء اختبار - بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ - من خلال ما يواجهكم من تحدّيات كبرى، فيما يريده لكم مَنْ يملكون القوَّة من اضطهادٍ وظلم، ومِنْ مصادرةٍ لحرَّيتكم، ولذلك يخوّفونكم لتقبلوا الظّلم، ولتقبلوا الاستعباد، وكلَّ ما يريدون أن ينفّذوه فيكم، ولذلك هذا بلاء.
– وَالْجُوعِ - سيفرض عليكم النَّاس حصاراً اقتصاديّاً بشكل مباشر وغير مباشر، من أجل أن تسقطوا أمام هذا الحصار، لتعطوا بأيديكم إعطاء الذَّليل، ولتقرّوا إقرار العبيد.
- وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ - فسوف تواجهون مشاكل كثيرة في أموالكم أمام الأزمات الاقتصاديَّة، وسوف تواجهون نقصاً في الثَّمرات، ونقصاً في الأنفس، من خلال من يموت منكم هنا وهناك، ستواجهون ذلك كلّه.
بشارةٌ للصَّابرين
- وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذين يصمدون ويصبرون ولا يسقطون أمام البلاء، بل يعتبرونه شيئاً من الحياة ومن طبيعتها، فيواجهونه بصبر ليرتفعوا فوقه، وليحصلوا على النَّتائج الكبرى من خلال ذلك كلّه. فالصَّابرون هم الَّذين يعيشون الصَّبر من خلال فهمهم للحياة ولأنفسهم ولربّهم.
- الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ - في أنفسهم وأموالهم وأهلهم، وفي كلّ ما يتعلَّق بهم - قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ - نحن ملكٌ لله، فالله يملكنا، ولذلك علينا أن نتقبَّل بلاء الله، وأن نتحرَّك فيه كما أمرنا، والله يتصرَّف في ملكه كما يشاء.
- وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - فنحن مهما عشنا في الحياة، فإنَّ قيمة حياتنا أن نطيع الله فيما أمر وفيما نهى، فنفعل ما أمر به، ونترك ما نهى عنه، وأن نواجه ذلك كلّه، ونعرف أنَّنا سنجد جزاء صبرنا وطاعتنا أمامنا عند الله سبحانه وتعالى.
- أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، هؤلاء الصَّابرون هم الَّذين يصلّي الله عليهم، والصَّلاة من الله مغفرة ورحمة، فالله يصلّي عليهم كما يصلّي على أنبيائه.
أيُّها الأحبَّة، هذا هو خطّ الصَّبر الَّذي يريدنا الله سبحانه وتعالى أن يكون خطَّنا في الحياة، وقد قال الله في آية أخرى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزّمر: 10].
في مواجهة المستكبرين
ونحن فيما نواجه من قضايا تتَّصل بحرّيَّتنا وبموقع العدالة في حياتنا، وبكلّ القضايا الَّتي تتَّصل بواقعنا، ولا سيَّما إذا كنَّا أمَّة تواجه أمماً، وإذا كنَّا شعباً يواجه شعباً آخر، وإذا كانت الأمم تنطلق لتسقط واقعنا كأمَّة لنكون على هامش الأمم الأخرى، أو ليتحرَّك شعب ليضغط علينا، لنكون تحت رحمته في اقتصادنا وسياستنا وأمننا وكلّ قضايانا...
إنَّه الواقع الَّذي يعيشه النَّاس في هذا العصر، والّذي يتحرَّك فيه المستكبرون بكلّ ما عندهم من قوَّة، من أجل أن يضغطوا على المستضعفين، ويسرقوا ثرواتهم، ويضطهدوا حرَّيتهم، إنَّهم يعملون بكلّ قوَّة من أجل تنمية رخائهم على حساب جوع الآخرين وعريهم، وهذا ما نلاحظه في كلّ حركة المستكبرين في العالم، الَّذين يستكبرون لأنَّهم يملكون مالاً أكثر، أو لأنَّهم يملكون سلاحاً أكثر، أو لأنَّهم يملكون سياسة أقوى، أو ما إلى ذلك مما يملكه النَّاس من قوَّة تعلو على قوَّة أخرى، إنَّهم يحاولون أن يمنعوا المستضعفين في الأرض من أن يأخذوا بأسباب القوَّة، أو أن يوظّفوا ما يملكون من قوَّة في سبيل أن ينمّوا قوَّتهم، ويعملون على إضعاف المستضعفين أكثر، وذلك من خلال إثارة المشاكل فيما بينهم، ومن خلال تمزيق وحدتهم بالفتن الَّتي يثيرونها في داخلهم، عندما يستغرق المستضعفون في فتن طائفيَّة أو مذهبيَّة أو حزبيَّة، أو فتن قوميَّة أو إقليميَّة وما إلى ذلك، ليستغرقوا في كلّ هذه التعقيدات الَّتي تعيش في داخلهم، حتَّى يسهل على الأقوياء المستكبرين أن يقهروهم ويسيطروا على مقدّراتهم بكلّ ما لديهم من قوَّة.
إنَّ هذا هو الواقع الذي نعيشه في العالم.. ونحن نعرف، أيُّها الأحبَّة، أنَّ الاستكبار كلَّه قد بدأ يتوحَّد ضدّ الإسلام كلّه، وضدَّ المسلمين كلّهم، تحت عدَّة عناوين، فقد يتحدَّثون في بعضها عن التَّطرّف، وقد يتحدَّثون في بعضها عن الإرهاب، والقضيَّة ليست أنَّ هؤلاء يريدون للحياة أن تعتدل، لأنَّ المستكبرين هم الَّذين يفرضون التَّطرّف على الحياة من خلال مصالحهم الّتي تجعلهم يظلمون المستضعفين، وليسوا هم الَّذين يعملون من أجل الأمن للنَّاس، لأنَّهم يمارسون إرهاب الدَّولة وإرهاب المحاور الدَّوليَّة ضدَّ المستضعفين.
لذلك، فإنَّ المستضعفين عندما يثورون ضدَّ المستكبرين، فإنَّهم يتحركون دفاعاً عن أنفسهم وعن حريَّتهم، ودفاعاً عن قضاياهم وأهلهم وثرواتهم... المستضعفون لا يستطيعون أن يكونوا إرهابيّين، بمعنى أن يعملوا من أجل إرهاب النَّاس من حولهم نتيجة عقدة وما إلى ذلك، إنَّ المستضعفين يتحركون من أجل أن يدافعوا عن أنفسهم وعن قضاياهم.
اتّحاد المستضعفين
ولذلك، لا بدَّ للمستضعفين أن يتَّحدوا، ولا بدَّ للمسلمين أن يتَّحدوا، ليس الوقت في هذه المرحلة أن نختلف كمستضعفين في أدياننا عندما تختلف أدياننا، أو في قوميَّاتنا عندما تختلف قوميَّاتنا، أو في أقاليمنا عندما تتنوَّع مصالح هذا الإقليم أو ذاك، لأنَّ أيَّ خلافٍ إقليميّ أو قوميّ أو طائفيّ دينيّ، لن نربح منه الكثير. إنَّنا قد نجد أنَّ لنا الحريَّة في أن نختلف، لأنَّ لكلّ إنسان وجهة نظر، ولكن علينا أن لا نجعل اختلافنا في وجهات النَّظر وسيلةً من وسائل ضعفنا أمام الَّذي يريد أن يثير الخلافات بيننا ليسقطنا تحت تأثير ضرباته وضغوطه.
وهكذا، علينا كمسلمين أن نجمّد خلافاتنا المذهبيَّة سنَّةً وشيعةً، لأنَّ هذه الخلافات هي الَّتي يحاول المستكبرون أن يحركوها من خلال مخابراتهم، ومن خلال عملائهم، ليشغلوا المسلمين بالمسلمين عن الاستعداد لمواجهة المستكبرين والمشركين. إنَّنا لن نستطيع أن نربح في أيّ قتال شيعيّ سنيّ، وفي أيّ خلاف سنّيّ أو شيعيّ، لأنَّ المسألة أنَّ هذه الخلافات يستغلّها الكفر العالميّ والاستكبار العالميّ لإسقاط قوَّتنا.
ولهذا، علينا أن نكون الحكماء في ذلك كلّه، أن نقف كمسلمين على كلمة سواء، وهي كلمة القرآن، وأن نقف كمتديّنين على كلمة سواء، وهي كلمة الرّسالات السماويَّة، وأن نقف كوطنيّين على كلمة سواء، وهي كلمة حماية الوطن كلّه من الَّذين يريدون بأهله سوءاً. وهكذا في كلّ موقع نقف فيه مع الآخر على موقع مشترك.
علينا أن نبحث، أيُّها الأحبَّة، في ساحات الصّراع، عن المواقف المشتركة بيننا وبين كلّ الَّذين يعانون صراع الاستكبار ضدَّ الاستضعاف.
إسرائيل مشكلة المنطقة
ونحن واجهنا منذ خمسين سنة في هذه المنطقة، الكثير من الخوف والجوع والنَّقص في الأموال والأنفس والثَّمرات، بفعل وجود هذه الدَّولة غير الشَّرعيَّة في فلسطين، الَّتي شرَّدت أهلها منها، واضطهدت أهلها الباقين فيها، وشرَّدت ما حول فلسطين، ولا تزال تشرّد.
إنَّ مشكلتنا مع هذه الدَّولة، أنَّها تدخل في حلف استراتيجيّ مع دول الاستكبار العالميّ، فقد وُلِدَت بفعل مساعدة دول الاستكبار العَالميّ في ذلك الوقت، على حساب شعبٍ كان يعيش في هذا البلد، فشُرِّدَ، ولم تقبل بأن يرجع إلى وطنه.
ونحن في هذا البلد في لبنان، لا نزال نعيش منذ زمن الـ 48 حتَّى الآن، النقص في الأموال والأنفس والثَّمرات أمام هذه الدَّولة الَّتي زُرِعَتْ في قلب هذه المنطقة، من أجل أن تفصل المنقطة بعضها عن بعض فلا تتوحَّد، ومن أجل أن تخضع لخطط الاستكبار العالميّ، ومن أجل أن تتمدَّد على حساب المستضعفين فيها.
بين الاستسلام والمواجهة
ونحن لا بدَّ لنا أن ننطلق لنفكّر: هل نستسلم؟! حاوِلُوا أن تواجهوا السّؤال بقوَّة، لأنَّ كثيراً من ضبابيَّة الإعلام، ومن اللَّفّ والدَّوران في وسائل الإعلام، ولأنَّ كثيراً من الكلمات غير المسؤولة الَّتي تتحدَّث عن لا جدّية المواجهة وعبثيَّة المقاومة، باعتبار أنَّ الكثيرين في هذا البلد وفي غيره لا يفكّرون إلَّا في مصالحهم الخاصَّة ولو على حساب شعوبهم.. فهل نستسلم للعدوّ، وهل نسقط تحت تأثيره؟ هل نترك السَّاحات له يعبث فيها كما يشاء، ونترك له الحريَّة في أن يقتل من يشاء من المدنيّين، وفي أن يدمّر ما يشاء من البيوت؟
إنَّ كلّ ما نواجهه الآن في المنطقة في المسألة الإسرائيليَّة، هو هذا الحلف العدوانيّ الاستكباريّ بين أمريكا وإسرائيل، فأمريكا تفكّر في التَّسوية، ولكن على أساس أن لا تتنازل إسرائيل عن شيء، وأن يقدّم كلّ العرب التَّنازلات من حرّيَّتهم واقتصادهم وسياستهم وأمنهم. القصَّة عند أمريكا هي أمن إسرائيل أوّلاً وثانياً وثالثاً، وأمَّا العرب، فإذا أحبّوا الأمن، فإنَّ عليهم أن يكون أمنهم على هامش أمن إسرائيل؛ هي الَّتي تقدم فتات الأمن على مائدة أمنها، وفتات السياسة على مائدة سياستها، وفتات الاقتصاد على مائدة اقتصادها.. إنَّ أمريكا لا تزال تقول إنَّها تعمل من أجل أن تبقى إسرائيل هي الأقوى في المنطقة كلّها.
وفي ضوء هذا، فإنَّ أمريكا ضغطت على الشَّعب الفلسطيني ليقبل باتّفاقٍ لا يمثّل أيّ حريَّة أو عدالة.. عندما يقتل الإسرائيليّون الفلسطينيّين، فإنَّ أمريكا إذا عاشت بعض المشاعر الإنسانيَّة، وأرادت أن تحفظ ماء وجهها في مسألة الحريَّات، فإنَّها تأسف، ولكن عندما يقتل الفلسطينيّون الإسرائيليّين حفاظاً على حرّيَّاتهم، ودفاعاً عن أرضهم، فإنَّ أمريكا تحشد دول العالم من أجل أن يجتمعوا في شرم الشيخ وغيرها لمكافحة الإرهاب. أن يقتل الإسرائيليّون كلّ العرب فلا مشكلة، فهناك أسف ولكن من دون إدانة، وإذا اشتكى العرب إلى مجلس الأمن، فإنَّ الفيتّو الأمريكي ينتظرهم إذا انطلق مجلس الأمن في قرار إدانة إسرائيل، ولكن عندما يتحرَّك العرب ليواجهوا الإسرائيليّين في أيّ موقع، فإنَّ أمريكا تقف مع إسرائيل، وتحاول أن تجعل العرب يتنازلون ويتنازلون.
وهذه قصَّتنا، أيُّها الأحبَّة، في الأحداث الأخيرة الَّتي وقعت في هذا البلد حتَّى يوم أمس. فما هي القضيّة؟
خطَّةُ إسرائيل في لبنان
القضيَّة هي أنَّ إسرائيل تريد أن تبقى في لبنان، تملك حريَّة أن تقتل من تشاء، حتَّى المدنيّين، لتعمل على إيجاد ثغرة بين المدنيّين والمقاومة، حتَّى يقول المدنيّون إنَّ سبب مشكلتهم هي المقاومة، فيحارب المدنيّون من الشَّعب اللّبنانيّ المقاومةَ باسم الدّفاع عن أنفسهم لحساب إسرائيل. لذلك هي تريد أن تأخذ حرَّيتها في قتل المدنيّين بطريقة وبأخرى، ومن أجل أن تنفّذ سياستها في الفصل بين المقاومة والشَّعب.
وهكذا تريد أن تبقى حرَّةً في أن تتحرَّك عسكريّاً لتقصف في أيّ وقتٍ تريد، وأمنيّاً لتفجّر ولتغتال في أيّ وقتٍ تريد. هذه هي المسألة، أن تكون لها حريَّة في احتلالها للأرض، بحيث لا يصادمها أحد.
وهكذا انضمَّت أمريكا إلى إسرائيل في هذه المسألة. فأمريكا لا تقف ضدَّ إسرائيل لتطلب منها الانسحاب من لبنان على أساس القرار 425 الَّذي صوَّتت أمريكا عليه عندما انطلق هذا القرار من مجلس الأمن، ولكنَّ أمريكا دولة لا مبادئ لها، ولذلك فهي تلحس توقيعها عندما تنطلق مصالحها في هذا الاتجاه.
إنَّ أمريكا تعتبر أنَّ وجود إسرائيل في لبنان هو وجود مبرَّر، لأنَّها تريد أن تحفظ أمنها في الحزام الأمنيّ، حتَّى إنَّ الحكومة اللّبنانيَّة كانت تقول: لينسحبوا ونحن نضمن الأمن في كلّ الأرض اللّبنانيّة، ولكنَّهم لا يريدون أن يسمعوا ذلك، إنَّهم يقولون تفاوضوا مع إسرائيل، لأنَّ القضيَّة هي أن تفرض إسرائيل شروطها الأمنيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة على لبنان، ليكون لبنان في موقع الضّعف.. إنَّها تقول للبنان فاوض إسرائيل بعيداً من سوريا، حتَّى لا يستطيع أن يأخذ أيَّ موقع قوَّة. هذه هي المسألة.
رَدُّ المجاهدين
ما الَّذي يفعله المجاهدون؟ إنّ كلَّ ما فعله المجاهدون بعد أن حصل التَّفاهم بالنّسبة إلى المدنيّين، أنَّهم قالوا نحن نلتزم بأن لا نقصف المدنيّين في مستوطنات اليهود في فلسطين، لكن بشرط أن لا تقصفوا مدنيّينا، وكانت المسألة هي هذه، وقد شعرت إسرائيل إزاء هذا التَّفاهم الذي اضطرَّت إليه تحت تأثير ضربات المقاومة الَّتي لم تستطع إلغاءها، بأنَّها فقدت حرّيَّتها في سياستها في الفصل بين المقاومة والمدنيّين، ولذلك حاولت أن تجرّب في أكثر من مرَّة، أن تخترق هذا الاتّفاق والتَّفاهم، لتقتل مدنيّاً هنا ومدنيّاً هناك، وكان المجاهدون الَّذين التزموا حماية شعبهم من خلال التزامهم بتحرير أرضهم، يضربون عندما تضرب إسرائيل، ويقصفون عندما تقصف، وفي كثير من الأوقات، تضرب إسرائيل المدنيّين وتقصف البيوت على رؤوسهم، ثمَّ تقول إنَّنا أخطأنا، كما عملت ذلك في قصف دير الزَّهراني سابقاً، وفي قصف ياطر أخيراً.
وهكذا رأينا كيف أنَّها زرعت العبوة في الطَّريق الَّتي يمرّ فيها النَّاس، لتتَّهم المقاومة بذلك، فقتلت شابّاً وجرحت أطفالاً، وعُرِفَت اللّعبةُ جيّداً، لأنَّ المقاومين لا يستطيعون أن يتحركوا في هذا الطَّريق، باعتبار أنَّه بمرأى ومسمع من العدوّ.
وعندما انطلق المجاهدون من أجل حماية أهلهم، ليقصفوا المدنيّين هناك كما قصفت إسرائيل المدنيّين هنا بواسطة العبوة، ثارت ثائرة إسرائيل وثائرة أمريكا. هل استمعتم بالأمس إلى وزير الخارجيَّة الأمريكيّ في مؤتمره الصّحفيّ، في قوله إنَّ المشكلة هي أنَّ الإسلاميّين هم الَّذين فجَّروا، وهم الَّذين أطلقوا الصَّواريخ الَّتي جرحت عدداً من الإسرائيليّين، ولذلك فإنَّ عمل إسرائيل مبرَّر، وأنهم هم الَّذين يتحمَّلون المسؤوليَّة، ولم يتحدَّث عن أنَّ إسرائيل عندما قصفت، قتلت مدنيّين في ياطر، وعندما تحركت في برعشيت، قتلت مدنيّين أطفالاً، وعندما سأله السَّائل عن المدنيّين اللّبنانيّين، تهرَّب من الإجابة عن ذلك كلّه.
الضّغط الأمريكيّ
إنَّ المسألة المطروحة في هذا الواقع، هي أنَّ أمريكا التزمت في هذه المرحلة بالذّات، أن ينجح حزب العمل ورئيسه في هذه الانتخابات. ولذلك، فإنَّها قالت للعرب جميعاً، إنَّ مسؤوليَّتكم هي أن تعملوا على إسكات كلّ حركة مقاومة في هذه المرحلة، على أن تمنحوا إسرائيل حرّيّة التحرّك في أيّ مجال، من أجل أن لا يسجّل اللّيكود على حزب العمل أيَّ شيء. إنَّ عليكم أن لا تحرجوا حزب العمل، وأن توقفوا إطلاق النَّار ضدّ اليهود المحتلّين حتَّى لو أطلقوا النَّار عليكم.
إنَّ المسألة أنَّ أمريكا تريد للعرب، وللّبنانيّين بالذّات، أن يتقبَّلوا قتل الإسرائيليّين لشبابهم وأطفالهم وتدمير بيوتهم من دون أن يحركوا ساكناً، لأنَّ المسألة هي أنّه لا بدَّ أن ينجح بيريز في الانتخابات.
وهكذا رأينا أنَّ أمريكا تتحرَّك مع حزب العمل الحاكم الآن، على أساس أن ينجح ولو على دماء اللّبنانيّين، لأنَّها تحاول أن تقنع العرب بأنَّ السَّلام إنَّما يتحقَّق لو نجح حزب العمل. ونحن نعرف أنَّ تاريخ الحروب العربيَّة، وتاريخ كلّ الاجتياحات، وتاريخ الواقع الوحشيّ الَّذي تعيشه المنطقة، هو تاريخ حزب العمل. نحن لا نفرّق أبداً بين حزب العمل وحزب اللّيكود، فهم يتَّفقون على قتلنا وعلى مواجهتنا.
معادلةٌ مرفوضةٌ
لذلك، فنحن عندما نريد أن نقف أمام هذا الموقف، عندما انطلقت إسرائيل لتردّ في الضَّاحية، ولتطرح معادلة جديدة، أنَّ الضَّاحية في مقابل كريات شمونا، وأنَّه إذا فرضنا أسيء إلى مدنيّين هناك، فالضَّاحية هي الثَّمن، وربما بيروت. هذه المعادلة لا يمكن أن يقبلها إنسان يحترم نفسه، لأنَّ إسرائيل من الممكن جداً في كثير من الحالات أن تعمل على إثارة بعض النَّاس ليقصفوا المستوطنات، لتقول إنَّ المجاهدين قصفوا وما إلى ذلك.
لذلك، لو قبل المجاهدون بهذه المعادلة، أنَّ الضَّاحية في مقابل كريات شمونا، فلن يستقرّ أيّ وضع في هذا البلد. فلا بدَّ أن يقال لهم إنَّ قصف الضَّاحية ليس نزهة، ولا يعني أنَّ المستضعفين فيها سوف يقبلون ويتنازلون.
لذلك، إذا أرادت أمريكا هدوءاً في المنطقة، وأن ترجع المسألة على حالها، فعليها أن لا تتوجَّه إلى سوريا أو إلى لبنان أو إلى الإسلاميّين من أجل أن يتوازنوا ويعتدلوا، إنَّ عليها أن تتوجَّه إلى العدوّ الصهيونيّ لتقول له: لا تعرض للمدنيّين في لبنان حتَّى لا يُعرَضَ للمدنيّين هناك، لا تقصف المدنيّين هنا حتّى لا يقصف المدنيّون هناك، لأنَّ القضيَّة لا يمكن أن تتمَّ إلَّا بهذه المعادلة.
لذلك، نحن نريد أن نقول إنَّنا لا نريد لمدنيّ أن يسقط هنا وهناك، ولا لطفل أن يسقط هنا وهناك، سواء كان الطّفل مسلماً أو مسيحيّاً أو يهوديّاً، لكنَّنا نريد أن نقول إنَّ أطفالنا ونساءنا وشيوخنا، ليسوا ساحةً لتجارب الأسلحة العسكريَّة الإسرائيليَّة أو الأمريكيَّة، لينطلق رئيس وزراء العدوّ في مؤتمره الصّحفي ليتحدَّث عن دقّة التّصويب، وكيف استطاعت التقنيَّة الإسرائيليَّة أن تقصف هذه الشّقَّة أو البناية بذلك. إنَّهم يتكلَّمون عن إبداع وسائل القتل الّتي يقتلوننا بها.
لقد تحدَّثوا أنَّهم يقصفون العسكريّين، وأنا لا أدري هل إنَّ الشَّهيدة الَّتي استشهدت في سيَّارة مدنيَّة مع زوجها الجريح، تمثّل شخصيَّة عسكريَّة؟ وهل إنَّ المطعم الَّذي قُصِفَ يمثّل موقعاً عسكريّاً؟ وهل إنَّ مستشفى السَّاحل يمثّل مستشفى عسكريّاً؟
إنَّ المسألة أنّهم يريدون أن يقتلوا المدنيّين باسم العسكريّين. لذلك، إذا سكت المجاهدون على هذا الواقع، فإنَّ معنى ذلك أنَّ إسرائيل ستبدأ من جديد الجولة الَّتي قامت بها سابقاً، في أن تقتل مدنيّاً في أيّ وقت تريد، وأن تقصف المدنيّين، لأنَّها عندما تعرف أنَّ النَّاس لا يردّون، فسوف تأخذ حريَّتها.
خيار مواجهة الاحتلال
أيُّها الأحبَّة، إذا لم نستطع أن نحرّر الأرض من إسرائيل، فإنَّ علينا - على الأقلّ - أن نربك الاحتلال الإسرائيليّ، أن نمنعه من حريَّة الحركة عسكريّاً وأمنيّاً، وفي أيّ مجالٍ من المجالات.
ليس هذا مجرَّد شعارٍ يطلق، ولكنَّ القضيَّة، أيُّها الأحبَّة، هي أنَّنا لا بدَّ أن نفكّر كشعبٍ يريد أن يعيش عزَّته وكرامته، وأن نفكّر كأمَّةٍ تريد أن تنطلق بكلّ حريَّة. القضيَّة أنَّنا لا نريد في مستقبلنا، أن يكون أولادنا تحت أحذية الإسرائيليّين، عندما يفرضون عليهم ما يريدون. قد نتحمَّل بعض الآلام، قد نُبتلَى بشيء من الخوف والجوع، وبشيء من النَّقص في الأموال والأنفس والثَّمرات، ولكن علينا أن نصبر صبر الأحرار، ونحن الحسينيّون. لماذا تقيمون كربلاء في كلّ سنة في عاشوراء؟ إنَّ كربلاء تريد لكم أن تتعمَّق في نفوسكم الكلمة الخالدة: "لَا وَاللهِ، لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إعْطَاءَ الذَّلِيلِ، وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ". هذه ليست كلمة تاريخيَّة، ولكنَّها كلمة الإنسان الحرّ في الحياة، وكلمة الحياة الحرّة الكريمة.
لذلك، عندما نواجه في هذا اليوم انطلاقة المجاهدين في قصفهم مستعمرات العدوّ ومستوطناته، فإنَّنا نقف معهم في هذا الموقف، نقف معهم ونحن نعرف أنَّ إسرائيل فتحت الحرب في كلّ السَّاحات، وعندما تفتح الحرب في كلّ السَّاحات، فلا بدَّ أن يقف النَّاس في كلّ هذه السَّاحات ليواجهوا حرباً بحرب.
إنَّنا لا ندعو إلى عشوائيّة أو انفعال ولا إلى أيَّة حالة فوضى، لأنَّ القضيَّة أنَّ الحرب كما تحتاج إلى عقل عسكريّ، فإنَّها تحتاج إلى عقل سياسيّ يرصد الواقع. ونحن نعتقد أنَّ القضيَّة لا تزال، بالرغم من كلّ تهويل مسؤولي العدوّ ومن كلام أمريكا، لا تزال في حالة التَّوازن السياسيّ في المنطقة. إنَّ هناك ضوابط كثيرة لا تملك إسرائيل ولا أمريكا أن تتجاوزاها، إلَّا على أساس أن ينهدم الهيكل على رؤوس الجميع.
مسؤوليَّة دعم المجاهدين
إنَّنا أمَّة تعوَّدنا كثيراً من تحدّيات الاستكبار الأمريكيّ، وعلينا أن لا نجلس وننتظر متى تعاقبنا أمريكا ومتى تحاصرنا أمريكا وإسرائيل، إنَّ علينا أن نشدَّ على أيدي هؤلاء المجاهدين من الشَّباب، لأنَّهم يملكون الرّشد السياسيَّ والرّشد الأمنيَّ والعسكريَّ، وهذا ما يغيظ إسرائيل، لأنها تريد عرباً بلا وعي ولا خبرة ولا رشد، وأمَّا أن ينطلق العرب ليقاوموا وليواجهوا، فإنَّها لا تقبل بوجود عرب من هذا القبيل.
فإذا أرادت أمريكا أن يهدأ الجوّ في لبنان، فإنَّ عليها أن تطلب من إسرائيل أن تخرج من لبنان، هذا هو الحلّ. أمَّا أن تبقى محتلَّة ضاغطة متعدّية محاربة، فليس من الطَّبيعي للنَّاس الَّذين يؤمنون بحرّيّتهم أن يتقبَّلوا ذلك، لأنَّ أمريكا، أساساً، لا تقبل لشعبها ذلك، ولأنَّ كلَّ دولة لا تقبل لشعبها ذلك.
إنَّنا نقول للشَّعب الأمريكيّ، إذا كنتم تحبّون حرّيتكم، ولذلك كنتم تواجهون الاتّحاد السوفياتي، لأنَّكم كنتم تشعرون بأنَّه خطر على حرّيتكم، فنحن أيضاً نحبّ حرّيتنا، ونشعر بخطر إسرائيل على كلّ حريتنا، وبخطر إدارتكم الأمريكيَّة على حرّيّتنا في كلّ مجالات الحريّة.
تحالفات ضدّ المسلمين!
إنَّ هذا التصرّف الإسرائيليّ، أيُّها الأحبَّة، كان متوقّعاً حتَّى قبل أن يأتي الردّ من المجاهدين بعد مجزرتي ياطر وبرعشيت، لأنَّ المسألة هي أنَّ أمريكا عندما أطلقت مؤتمر شرم الشَّيخ، فقد أرادت أن تنفّذه. ونحن نجد أنَّ إسرائيل بدعمٍ من أمريكا، وبضوءٍ أخضر أمريكيّ، تعمل على أساس تنفيذ قرارات مؤتمر شرم الشَّيخ، وهذا مما نلاحظه في كلّ هذه الجولة الجديدة الأمنيَّة السياسيَّة في المنطقة، ومن خلال التحالف العسكري بين تركيا وإسرائيل، وكلاهما عدوّ للعرب وللمسلمين، حتّى لو كانت تركيا عضواً في المؤتمر الإسلاميّ، لأنَّها منذ أتاتورك، وقفت لتعادي الإسلام والمسلمين، ولتعتبر أنَّها تقترب من الغرب بقدر ما تبتعد عن الشَّرق، لتحاصر تركيا وإسرائيل سوريا من جهة، لتنقل إسرائيلَ لتصير من جهة ثانية على حدود سوريا، لتكون سوريا بين فكَّي كمَّاشة، ولتقف إسرائيل على حدود العراق من جهة، وعلى حدود إيران من جهة، بفعل هذا التَّحالف التركيّ الإسرائيليّ.
وهكذا نجد أنَّ أمريكا أيضاً عملت في المناورات الأمريكيّة الأردنيّة في الأردن، أن تعطي الأردن دوراً ليقوم بدعم السياسة الإسرائيليَّة والأمريكيَّة ضدَّ سوريا والعراق وأكثر من دولة في المنطقة، ولتحجّم مصر وأكثر من دولة، على أساس أنَّها لا تريد لأيّ دولة عربيَّة كبرى أن تكون لها القوَّة في هذا المجال.
محاصرةٌ أمريكيَّةٌ للمنطقة
إنَّنا نلاحظ أنَّ أمريكا بدأت محاصرة المنطقة، وبدأت تعطي إسرائيل الحريَّة في أن تتصرَّف كما تشاء، وبدأت تعمل على الضَّغط على سوريا ولبنان، وعلى أكثر من دولة عربيَّة، من أجل أن تقدّم التَّنازلات لإسرائيل، من أجل السَّلام الإسرائيليّ لا السَّلام العربيّ، لأنَّ أمريكا تعمل على أن يكون السَّلام إسرائيليّاً على قياس مصالح إسرائيل، وأن لا يكون سلاماً عربيّاً في أيّ مجال من المجالات. إنَّنا نلاحظ في هذا المجال أنَّ المطلوب هو أن يسقط الواقع العربيّ كلّه تحت تأثير الواقع الإسرائيلي، تحت مظلّة أمريكيَّة.
ولذلك، نعرف أنَّ أمريكا كانت ولا تزال عدوَّ العرب والمسلمين، وقد استطاعت أن تضغط على بعض العرب الَّذين هرولوا إلى إسرائيل عندما اغتيل رابين، وهرولوا إلى إسرائيل عندما وقف مجاهدو حماس في عمليَّاتهم البطوليَّة ضدّ الاستكبار اليهوديّ، وهكذا دعا بعضهم رئيس وزراء العدوّ إلى زيارة هذه الدَّولة وتلك الدَّولة.
دعوةٌ إلى العرب
أيُّها الأحبَّة، لقد وصل الواقع العربيّ إلى مستوى أنَّنا الآن لا نطلب من العرب أن يؤيّدوا المجاهدين، ولكن نطلب منهم، على الأقلّ، أن لا يؤيّدوا إسرائيل في حصارها للبنان وفي عدوانها عليه، لأنَّنا نشعر من كلمات بعض العرب، أنَّهم فقدوا كلَّ حياءٍ عربيّ، وكلَّ قيمة عربيَّة، وقد فقدوا الإسلام منذ مدَّة طويلة. لذلك، كلّ ما نريده، بكلّ تواضع، أن لا يصدروا قراراً، ولو بكلمات تلفّ وتدور في دعم العدوان الإسرائيليّ.
الالتفافُ حولَ المقاومة
ونحن نتوجَّه إلى كلّ أهلنا في لبنان، إلى كلّ مواطنينا، مسيحيّين ومسلمين، من كلّ الأحزاب والتيَّارات، أن يرتفعوا إلى مستوى المرحلة وإلى مستوى التحدّي، فإنَّ المطلوب هنا أن تضغط إسرائيل على لبنان كلّه، فإذا كان هناك ذلّ، فإنَّه لن يكون على طائفة دون طائفة، وعلى موقع دون موقع، بل يكون على اللّبنانيّين جميعاً، وإذا كان هناك عار من الاحتلال الإسرائيليّ، فإنَّه يلحق اللّبنانيّين جميعاً.
لذلك، نريد من اللّبنانيّين جميعاً أن يقفوا مع المقاومة ومع المجاهدين، ليحموا ظهرها، وليؤيّدوها سياسيّاً واقتصاديّاً وعسكريّاً، لأنَّ المقاومة هي وحدها الَّتي تدافع عن حريَّة لبنان، وهي وحدها الَّتي تقف بكلّ تحدّ وعنفوان، لتعطي الأمَّة عنفوانها وقوَّتها وشرفها.
أيُّها اللّبنانيّون، إنَّ الموقف ليس موقف الجدل في كثير من الحالات، الجدل النّظريّ الاستهلاكيّ، إنَّ المسألة هي كيف نحفظ أرضنا وواقعنا وأهلنا، وأن نثبت للعالم أنَّنا مع الَّذين يدافعون عن الحريَّة، ليعرف العالم أنَّ اللّبنانيّين جميعاً يقفون مع وطنهم ومع شعبهم، بعيداً من كلّ طائفيَّاتهم وحزبيَّاتهم.
موقفٌ مهمٌّ للجيش
وإنَّنا في الوقت نفسه، نقدّر للجيش اللّبنانيّ موقفه في مواجهة العدوّ بما يملك من وسائل، وردّه على الجيش الإسرائيليّ الَّذي هدَّد الجيش اللّبنانيّ. ونحن قد سمعنا كلاماً جيّداً في هذا المعنى، وهو أنَّ الجيش اللّبنانيّ، بوسائله المحدودة، يقف من أجل أن يقبل التَّحدّي، ويحمي أهله والمقاومة.
هذا هو الَّذي نريده؛ أن يقف الجيش جنباً إلى جنب مع المقاومة، كما أنَّنا نريد للحكومة الَّتي أصدرت بياناً جيّداً، نريد لها أن تكون جادّة في الوقوف مع المقاومة، لينطلق الموقف جيشاً وحكومةً وشعباً ومقاومةً في مواجهة العدوّ كلّه، وذلك هو سبيل النَّصر والصّمود، والّذي يثبت للعالم أنَّ المسألة ليست مسألة حزب هنا وجماعة هناك وميليشيا هنالك، وإنما هي مسألة الشَّعب اللّبنانيّ كلّه من أجل الحريَّة كلّها.
والحمد لله ربّ العالمين.
*خطبة الجمعة، بتاريخ: 12/04/ 1996م.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155 - 157].
ويقول الله سبحانه وتعالى: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: 200].
ويقول سبحانه وتعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران: 186].
قيمة الصَّبر
الصَّبر هو أعلى قيمةٍ أخلاقيَّةٍ في الإسلام، لأنَّ أيَّة قيمة من القيم الرّوحيَّة والأخلاقيَّة، لا بدَّ لها من الصَّبر، فأنت لا تستطيع أن تكون تقيّاً، تطيع الله فيما تكرهه نفسك من الطَّاعة، وتمتنع عن المعصية فيما تحبّه نفسك من المعصية، إلَّا بالصَّبر، لأنَّ الإنسان بحسب طبيعته، يرفض أشياء ويحبُّ أشياء، والإنسان معنيّ بأن يحقّق لنفسه رغباتها ومشتهياتها، وقد يأمرنا الله بأن نفعل شيئاً لا نحبّه، أو أن نترك شيئاً نحبّه، ولا يمكن للإنسان في هذه الحالة إلَّا أن يجاهد نفسه، ليوجّهها ضدّ ما تحبّه إذا كان في ذلك معصية لله، أو يوجّهها لتفعل ما تكرهه إذا كان في ذلك طاعة لله سبحانه وتعالى.
وهكذا عندما يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالعفَّة؛ أن تعفَّ بطنك عن الحرام، فلا تدخل فيه حراماً من طعام وشراب، أو تعفّ فرجك عن الحرام، فلا تستعمله إلَّا فيما يرضي الله سبحانه وتعالى.. وهكذا أن تعفَّ يدك عن أيّ فعل حرام وأيّ مال حرام...
إنَّ العفَّة تتطلَّب الكثير من الصَّبر، لأنَّك تجاهد نفسك عندما تشتهي الطَّعام الحرام والشَّراب الحرام والشَّهوة الحرام والمال الحرام.
وقفة الأحرار
وهكذا عندما يواجهك البلاء في نفسك أو في أهلك أو مالك أو أمنك، وتقف أمام هذا البلاء، لتشعر بأنَّه يمكن أن يسقطك ويقودك إلى الجزع، ويبتعد بك عن التَّوازن، ويدفعك لتعطي بيدك إعطاء الذَّليل، ولتقرَّ إقرار العبيد، لأنَّ من يريد أن يأخذ أمنك، أو أن يستلب حرّيّتك، أو أن يظلمك، يخيّرك بين السّلَّة والذّلَّة، وهذا خيارٌ صعب؛ أن تقف ذليلاً أمامه لتنحني إرادتك أمام إرادته، وليسقط مصيرك أمام سياسته، أو تتحمَّل المشاكل في نفسك وأهلك ومالك..
وقد واجه الحسين (ع) هذا الخيار عندما خُيّر بين أن يواجه السَّيف المسلط ضدَّه، وبين أن يواجه الذّلّ الَّذي يفرض عليه، عندما طلب منه أن ينزل على حكم ابن زياد ويزيد بن معاوية، فقال كلمته المعروفة: "ألَا وَإِنَّ الدَّعِيَّ ابنَ الدَّعِيِّ، قدْ رَكَزَ بَيْنَ اثنَتَينِ: بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وهَيْهَاتَ منَّا الذِّلَّةُ! يأبَى اللهُ لَنَا ذَلِكَ ورَسُولُهُ والمؤمِنونَ، وحُجُورٌ طابَتْ وطَهُرتْ، وأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ، ونُفُوسٌ أبِيَّة،ٌ مِنْ أنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِّئامِ عَلَى مَصَارِعِ الكِرَامِ". وهكذا كان الحسين (ع) صابراً في مواجهة كلّ التَّحدّيات، ليحتفظ بموقف العزَّة في خطّ الحقّ.
وكذلك الحرّ بن يزيد الرّياحي (رض) عندما وقف أمام خيارين؛ بين أن يبقى مع بني أميَّة في مواجهة الحسين (ع)، ويربح الدّنيا الَّتي كانت مقبلة عليه في مستقبله، كما كانت مقبلة عليه في حاضره، وبين أن يذهب إلى الحسين خاضعاً خاشعاً تائباً، لأنَّه هو الَّذي أدَّى بأن يأتي بالحسين إلى كربلاء وجعجع به.. وفكَّر الحرّ وهو يعيش الزّلزال النَّفسيّ الّذي تحوَّل إلى زلزال في جسده، فأصبح يرتعد، وجاءه من أصحابه من أخذ عليه هذا الارتعاد، ليقول له إنَّ الأبطال لا يرتعدون في الحرب، وأنت في مقدَّم الأبطال، "والله لو قيل من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الَّذي أراه منك؟"، فقال له الحرّ: "إنّي واللهِ أُخيّرُ نَفْسي بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ - الدنيا أمامي ولكنَّ النَّار في نهايتها، والآخرة أمامي ولكنَّ الموت في بدايتها - فَوَاللهِ لَا أَخْتَارُ عَلَى الجَنَّةِ شَيْئاً وَلَوْ قُطّعْتُ وأُحْرِقْتُ". وهكذا كان يسترجع في ذاكرته قول النَّبيّ محمَّد (ص): "ما خيرٌ بخيرٍ بعدَهُ النَّار، ولا شرٌّ بشرٍّ بعدهُ الجنَّة، وَكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ، وَكُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَة"، وينطلق في نهاية قراره من قول الله سبحانه وتعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}[الحشر: 20].
وهكذا، اختار الصَّبر على كلّ الدّنيا الَّتي كانت في حوزته، وكانت مقبلة عليه، صَبَرَ صَبْرَ الأحرارِ، واستطاع أن يؤكّد حريَّته من خلال إرادته المستقلَّة القويَّة، وجاء إلى الحسين (ع)، رافضاً لكلّ دنيا بني أميَّة، ومقبلاً على آخرة أهل البيت (ع). وهكذا اختار حريَّته من خلال صبره، وقالها الحسين (ع) كلمةً خالدة: "أَنْتَ الحُرُّ كَمَا سَمَّتْكَ أُمُّكَ، وَأَنْتَ الحُرُّ في الدُّنْيَا، وَسَعِيدٌ في الآخِرَة".
وأعطانا الحسين (ع) بهذا معنى الحرّيَّة؛ فالحريَّة هي أن تملك إرادتك، وأن تملك قرارك، أن تضغط على نفسك لتكون حرّاً أمام شهواتك ومطامعك وما يحيط بك من جاهٍ ومالٍ وما إلى ذلك، أن لا تستعبدك شهواتك، ولكن أن تكون سيّد شهواتك، وبذلك تكون سيّد قرارك.
الصَّبر على البلاءات
ويحدّثنا الله سبحانه وتعالى عن مسألة الصَّبر وبشارة الصَّابرين من حيثما يحدّثنا عن الدّنيا، فالله سبحانه وتعالى لم يقدّم الدّنيا إلى أحد على طبق من ذهب، ولم يجعل الدّنيا فرصة لهو وعبث ولذَّة، ولكن جعل أفراحها تتحرَّك مع أحزانها، ولذَّاتها مع آلامها، فالله خلقنا، منذ خلقنا ونحن في أرحام أمَّهاتنا، خلقنا في كبد وجهد، فنحن نعيش الجهد والألم عندما نخرج إلى الدّنيا، وإذا واجهنا الدّنيا، فإنَّنا نواجهها بصرخة بكاء قد نبتسم بعدها، ولكن تبقى الحياة بكاءً من جهة، وسروراً وفرحاً من جهة أخرى، وهكذا تختنق اللّذَّة بالألم.
وهكذا، فإنّك لا تحصل على شيء من الدّنيا إلَّا إذا خسرت شيئاً منها، وجرّبوا ذلك في كلّ حياتكم؛ إنَّنا نحصل على المال، ولكن على حساب عيوننا الَّتي يضعف بصرها، وأجسادنا الَّتي تضعف قوَّتها، وراحتنا الَّتي تتبخَّر أمام التَّعب الَّذي نواجهه، وهكذا هي الدّنيا، لا تربح فيها شيئاً إلّا بعد أن تخسر منها شيئاً آخر.
ولذلك قال الله لنا إنَّ عليكم أن تستعدّوا للدّنيا بإرادتكم وصبركم، فلا تسقطوا أمام بلائها وأحزانها، ولكن لتكن لكم إرادة الصَّبر على كلّ هذا الحرمان الَّذي تعيشونه، لأنَّكم لا تستطيعون الحصول على النَّتائج الكبيرة إلَّا من خلال ذلك.
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ – والبلاء اختبار - بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ - من خلال ما يواجهكم من تحدّيات كبرى، فيما يريده لكم مَنْ يملكون القوَّة من اضطهادٍ وظلم، ومِنْ مصادرةٍ لحرَّيتكم، ولذلك يخوّفونكم لتقبلوا الظّلم، ولتقبلوا الاستعباد، وكلَّ ما يريدون أن ينفّذوه فيكم، ولذلك هذا بلاء.
– وَالْجُوعِ - سيفرض عليكم النَّاس حصاراً اقتصاديّاً بشكل مباشر وغير مباشر، من أجل أن تسقطوا أمام هذا الحصار، لتعطوا بأيديكم إعطاء الذَّليل، ولتقرّوا إقرار العبيد.
- وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ - فسوف تواجهون مشاكل كثيرة في أموالكم أمام الأزمات الاقتصاديَّة، وسوف تواجهون نقصاً في الثَّمرات، ونقصاً في الأنفس، من خلال من يموت منكم هنا وهناك، ستواجهون ذلك كلّه.
بشارةٌ للصَّابرين
- وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذين يصمدون ويصبرون ولا يسقطون أمام البلاء، بل يعتبرونه شيئاً من الحياة ومن طبيعتها، فيواجهونه بصبر ليرتفعوا فوقه، وليحصلوا على النَّتائج الكبرى من خلال ذلك كلّه. فالصَّابرون هم الَّذين يعيشون الصَّبر من خلال فهمهم للحياة ولأنفسهم ولربّهم.
- الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ - في أنفسهم وأموالهم وأهلهم، وفي كلّ ما يتعلَّق بهم - قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ - نحن ملكٌ لله، فالله يملكنا، ولذلك علينا أن نتقبَّل بلاء الله، وأن نتحرَّك فيه كما أمرنا، والله يتصرَّف في ملكه كما يشاء.
- وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - فنحن مهما عشنا في الحياة، فإنَّ قيمة حياتنا أن نطيع الله فيما أمر وفيما نهى، فنفعل ما أمر به، ونترك ما نهى عنه، وأن نواجه ذلك كلّه، ونعرف أنَّنا سنجد جزاء صبرنا وطاعتنا أمامنا عند الله سبحانه وتعالى.
- أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، هؤلاء الصَّابرون هم الَّذين يصلّي الله عليهم، والصَّلاة من الله مغفرة ورحمة، فالله يصلّي عليهم كما يصلّي على أنبيائه.
أيُّها الأحبَّة، هذا هو خطّ الصَّبر الَّذي يريدنا الله سبحانه وتعالى أن يكون خطَّنا في الحياة، وقد قال الله في آية أخرى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزّمر: 10].
في مواجهة المستكبرين
ونحن فيما نواجه من قضايا تتَّصل بحرّيَّتنا وبموقع العدالة في حياتنا، وبكلّ القضايا الَّتي تتَّصل بواقعنا، ولا سيَّما إذا كنَّا أمَّة تواجه أمماً، وإذا كنَّا شعباً يواجه شعباً آخر، وإذا كانت الأمم تنطلق لتسقط واقعنا كأمَّة لنكون على هامش الأمم الأخرى، أو ليتحرَّك شعب ليضغط علينا، لنكون تحت رحمته في اقتصادنا وسياستنا وأمننا وكلّ قضايانا...
إنَّه الواقع الَّذي يعيشه النَّاس في هذا العصر، والّذي يتحرَّك فيه المستكبرون بكلّ ما عندهم من قوَّة، من أجل أن يضغطوا على المستضعفين، ويسرقوا ثرواتهم، ويضطهدوا حرَّيتهم، إنَّهم يعملون بكلّ قوَّة من أجل تنمية رخائهم على حساب جوع الآخرين وعريهم، وهذا ما نلاحظه في كلّ حركة المستكبرين في العالم، الَّذين يستكبرون لأنَّهم يملكون مالاً أكثر، أو لأنَّهم يملكون سلاحاً أكثر، أو لأنَّهم يملكون سياسة أقوى، أو ما إلى ذلك مما يملكه النَّاس من قوَّة تعلو على قوَّة أخرى، إنَّهم يحاولون أن يمنعوا المستضعفين في الأرض من أن يأخذوا بأسباب القوَّة، أو أن يوظّفوا ما يملكون من قوَّة في سبيل أن ينمّوا قوَّتهم، ويعملون على إضعاف المستضعفين أكثر، وذلك من خلال إثارة المشاكل فيما بينهم، ومن خلال تمزيق وحدتهم بالفتن الَّتي يثيرونها في داخلهم، عندما يستغرق المستضعفون في فتن طائفيَّة أو مذهبيَّة أو حزبيَّة، أو فتن قوميَّة أو إقليميَّة وما إلى ذلك، ليستغرقوا في كلّ هذه التعقيدات الَّتي تعيش في داخلهم، حتَّى يسهل على الأقوياء المستكبرين أن يقهروهم ويسيطروا على مقدّراتهم بكلّ ما لديهم من قوَّة.
إنَّ هذا هو الواقع الذي نعيشه في العالم.. ونحن نعرف، أيُّها الأحبَّة، أنَّ الاستكبار كلَّه قد بدأ يتوحَّد ضدّ الإسلام كلّه، وضدَّ المسلمين كلّهم، تحت عدَّة عناوين، فقد يتحدَّثون في بعضها عن التَّطرّف، وقد يتحدَّثون في بعضها عن الإرهاب، والقضيَّة ليست أنَّ هؤلاء يريدون للحياة أن تعتدل، لأنَّ المستكبرين هم الَّذين يفرضون التَّطرّف على الحياة من خلال مصالحهم الّتي تجعلهم يظلمون المستضعفين، وليسوا هم الَّذين يعملون من أجل الأمن للنَّاس، لأنَّهم يمارسون إرهاب الدَّولة وإرهاب المحاور الدَّوليَّة ضدَّ المستضعفين.
لذلك، فإنَّ المستضعفين عندما يثورون ضدَّ المستكبرين، فإنَّهم يتحركون دفاعاً عن أنفسهم وعن حريَّتهم، ودفاعاً عن قضاياهم وأهلهم وثرواتهم... المستضعفون لا يستطيعون أن يكونوا إرهابيّين، بمعنى أن يعملوا من أجل إرهاب النَّاس من حولهم نتيجة عقدة وما إلى ذلك، إنَّ المستضعفين يتحركون من أجل أن يدافعوا عن أنفسهم وعن قضاياهم.
اتّحاد المستضعفين
ولذلك، لا بدَّ للمستضعفين أن يتَّحدوا، ولا بدَّ للمسلمين أن يتَّحدوا، ليس الوقت في هذه المرحلة أن نختلف كمستضعفين في أدياننا عندما تختلف أدياننا، أو في قوميَّاتنا عندما تختلف قوميَّاتنا، أو في أقاليمنا عندما تتنوَّع مصالح هذا الإقليم أو ذاك، لأنَّ أيَّ خلافٍ إقليميّ أو قوميّ أو طائفيّ دينيّ، لن نربح منه الكثير. إنَّنا قد نجد أنَّ لنا الحريَّة في أن نختلف، لأنَّ لكلّ إنسان وجهة نظر، ولكن علينا أن لا نجعل اختلافنا في وجهات النَّظر وسيلةً من وسائل ضعفنا أمام الَّذي يريد أن يثير الخلافات بيننا ليسقطنا تحت تأثير ضرباته وضغوطه.
وهكذا، علينا كمسلمين أن نجمّد خلافاتنا المذهبيَّة سنَّةً وشيعةً، لأنَّ هذه الخلافات هي الَّتي يحاول المستكبرون أن يحركوها من خلال مخابراتهم، ومن خلال عملائهم، ليشغلوا المسلمين بالمسلمين عن الاستعداد لمواجهة المستكبرين والمشركين. إنَّنا لن نستطيع أن نربح في أيّ قتال شيعيّ سنيّ، وفي أيّ خلاف سنّيّ أو شيعيّ، لأنَّ المسألة أنَّ هذه الخلافات يستغلّها الكفر العالميّ والاستكبار العالميّ لإسقاط قوَّتنا.
ولهذا، علينا أن نكون الحكماء في ذلك كلّه، أن نقف كمسلمين على كلمة سواء، وهي كلمة القرآن، وأن نقف كمتديّنين على كلمة سواء، وهي كلمة الرّسالات السماويَّة، وأن نقف كوطنيّين على كلمة سواء، وهي كلمة حماية الوطن كلّه من الَّذين يريدون بأهله سوءاً. وهكذا في كلّ موقع نقف فيه مع الآخر على موقع مشترك.
علينا أن نبحث، أيُّها الأحبَّة، في ساحات الصّراع، عن المواقف المشتركة بيننا وبين كلّ الَّذين يعانون صراع الاستكبار ضدَّ الاستضعاف.
إسرائيل مشكلة المنطقة
ونحن واجهنا منذ خمسين سنة في هذه المنطقة، الكثير من الخوف والجوع والنَّقص في الأموال والأنفس والثَّمرات، بفعل وجود هذه الدَّولة غير الشَّرعيَّة في فلسطين، الَّتي شرَّدت أهلها منها، واضطهدت أهلها الباقين فيها، وشرَّدت ما حول فلسطين، ولا تزال تشرّد.
إنَّ مشكلتنا مع هذه الدَّولة، أنَّها تدخل في حلف استراتيجيّ مع دول الاستكبار العالميّ، فقد وُلِدَت بفعل مساعدة دول الاستكبار العَالميّ في ذلك الوقت، على حساب شعبٍ كان يعيش في هذا البلد، فشُرِّدَ، ولم تقبل بأن يرجع إلى وطنه.
ونحن في هذا البلد في لبنان، لا نزال نعيش منذ زمن الـ 48 حتَّى الآن، النقص في الأموال والأنفس والثَّمرات أمام هذه الدَّولة الَّتي زُرِعَتْ في قلب هذه المنطقة، من أجل أن تفصل المنقطة بعضها عن بعض فلا تتوحَّد، ومن أجل أن تخضع لخطط الاستكبار العالميّ، ومن أجل أن تتمدَّد على حساب المستضعفين فيها.
بين الاستسلام والمواجهة
ونحن لا بدَّ لنا أن ننطلق لنفكّر: هل نستسلم؟! حاوِلُوا أن تواجهوا السّؤال بقوَّة، لأنَّ كثيراً من ضبابيَّة الإعلام، ومن اللَّفّ والدَّوران في وسائل الإعلام، ولأنَّ كثيراً من الكلمات غير المسؤولة الَّتي تتحدَّث عن لا جدّية المواجهة وعبثيَّة المقاومة، باعتبار أنَّ الكثيرين في هذا البلد وفي غيره لا يفكّرون إلَّا في مصالحهم الخاصَّة ولو على حساب شعوبهم.. فهل نستسلم للعدوّ، وهل نسقط تحت تأثيره؟ هل نترك السَّاحات له يعبث فيها كما يشاء، ونترك له الحريَّة في أن يقتل من يشاء من المدنيّين، وفي أن يدمّر ما يشاء من البيوت؟
إنَّ كلّ ما نواجهه الآن في المنطقة في المسألة الإسرائيليَّة، هو هذا الحلف العدوانيّ الاستكباريّ بين أمريكا وإسرائيل، فأمريكا تفكّر في التَّسوية، ولكن على أساس أن لا تتنازل إسرائيل عن شيء، وأن يقدّم كلّ العرب التَّنازلات من حرّيَّتهم واقتصادهم وسياستهم وأمنهم. القصَّة عند أمريكا هي أمن إسرائيل أوّلاً وثانياً وثالثاً، وأمَّا العرب، فإذا أحبّوا الأمن، فإنَّ عليهم أن يكون أمنهم على هامش أمن إسرائيل؛ هي الَّتي تقدم فتات الأمن على مائدة أمنها، وفتات السياسة على مائدة سياستها، وفتات الاقتصاد على مائدة اقتصادها.. إنَّ أمريكا لا تزال تقول إنَّها تعمل من أجل أن تبقى إسرائيل هي الأقوى في المنطقة كلّها.
وفي ضوء هذا، فإنَّ أمريكا ضغطت على الشَّعب الفلسطيني ليقبل باتّفاقٍ لا يمثّل أيّ حريَّة أو عدالة.. عندما يقتل الإسرائيليّون الفلسطينيّين، فإنَّ أمريكا إذا عاشت بعض المشاعر الإنسانيَّة، وأرادت أن تحفظ ماء وجهها في مسألة الحريَّات، فإنَّها تأسف، ولكن عندما يقتل الفلسطينيّون الإسرائيليّين حفاظاً على حرّيَّاتهم، ودفاعاً عن أرضهم، فإنَّ أمريكا تحشد دول العالم من أجل أن يجتمعوا في شرم الشيخ وغيرها لمكافحة الإرهاب. أن يقتل الإسرائيليّون كلّ العرب فلا مشكلة، فهناك أسف ولكن من دون إدانة، وإذا اشتكى العرب إلى مجلس الأمن، فإنَّ الفيتّو الأمريكي ينتظرهم إذا انطلق مجلس الأمن في قرار إدانة إسرائيل، ولكن عندما يتحرَّك العرب ليواجهوا الإسرائيليّين في أيّ موقع، فإنَّ أمريكا تقف مع إسرائيل، وتحاول أن تجعل العرب يتنازلون ويتنازلون.
وهذه قصَّتنا، أيُّها الأحبَّة، في الأحداث الأخيرة الَّتي وقعت في هذا البلد حتَّى يوم أمس. فما هي القضيّة؟
خطَّةُ إسرائيل في لبنان
القضيَّة هي أنَّ إسرائيل تريد أن تبقى في لبنان، تملك حريَّة أن تقتل من تشاء، حتَّى المدنيّين، لتعمل على إيجاد ثغرة بين المدنيّين والمقاومة، حتَّى يقول المدنيّون إنَّ سبب مشكلتهم هي المقاومة، فيحارب المدنيّون من الشَّعب اللّبنانيّ المقاومةَ باسم الدّفاع عن أنفسهم لحساب إسرائيل. لذلك هي تريد أن تأخذ حرَّيتها في قتل المدنيّين بطريقة وبأخرى، ومن أجل أن تنفّذ سياستها في الفصل بين المقاومة والشَّعب.
وهكذا تريد أن تبقى حرَّةً في أن تتحرَّك عسكريّاً لتقصف في أيّ وقتٍ تريد، وأمنيّاً لتفجّر ولتغتال في أيّ وقتٍ تريد. هذه هي المسألة، أن تكون لها حريَّة في احتلالها للأرض، بحيث لا يصادمها أحد.
وهكذا انضمَّت أمريكا إلى إسرائيل في هذه المسألة. فأمريكا لا تقف ضدَّ إسرائيل لتطلب منها الانسحاب من لبنان على أساس القرار 425 الَّذي صوَّتت أمريكا عليه عندما انطلق هذا القرار من مجلس الأمن، ولكنَّ أمريكا دولة لا مبادئ لها، ولذلك فهي تلحس توقيعها عندما تنطلق مصالحها في هذا الاتجاه.
إنَّ أمريكا تعتبر أنَّ وجود إسرائيل في لبنان هو وجود مبرَّر، لأنَّها تريد أن تحفظ أمنها في الحزام الأمنيّ، حتَّى إنَّ الحكومة اللّبنانيَّة كانت تقول: لينسحبوا ونحن نضمن الأمن في كلّ الأرض اللّبنانيّة، ولكنَّهم لا يريدون أن يسمعوا ذلك، إنَّهم يقولون تفاوضوا مع إسرائيل، لأنَّ القضيَّة هي أن تفرض إسرائيل شروطها الأمنيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة على لبنان، ليكون لبنان في موقع الضّعف.. إنَّها تقول للبنان فاوض إسرائيل بعيداً من سوريا، حتَّى لا يستطيع أن يأخذ أيَّ موقع قوَّة. هذه هي المسألة.
رَدُّ المجاهدين
ما الَّذي يفعله المجاهدون؟ إنّ كلَّ ما فعله المجاهدون بعد أن حصل التَّفاهم بالنّسبة إلى المدنيّين، أنَّهم قالوا نحن نلتزم بأن لا نقصف المدنيّين في مستوطنات اليهود في فلسطين، لكن بشرط أن لا تقصفوا مدنيّينا، وكانت المسألة هي هذه، وقد شعرت إسرائيل إزاء هذا التَّفاهم الذي اضطرَّت إليه تحت تأثير ضربات المقاومة الَّتي لم تستطع إلغاءها، بأنَّها فقدت حرّيَّتها في سياستها في الفصل بين المقاومة والمدنيّين، ولذلك حاولت أن تجرّب في أكثر من مرَّة، أن تخترق هذا الاتّفاق والتَّفاهم، لتقتل مدنيّاً هنا ومدنيّاً هناك، وكان المجاهدون الَّذين التزموا حماية شعبهم من خلال التزامهم بتحرير أرضهم، يضربون عندما تضرب إسرائيل، ويقصفون عندما تقصف، وفي كثير من الأوقات، تضرب إسرائيل المدنيّين وتقصف البيوت على رؤوسهم، ثمَّ تقول إنَّنا أخطأنا، كما عملت ذلك في قصف دير الزَّهراني سابقاً، وفي قصف ياطر أخيراً.
وهكذا رأينا كيف أنَّها زرعت العبوة في الطَّريق الَّتي يمرّ فيها النَّاس، لتتَّهم المقاومة بذلك، فقتلت شابّاً وجرحت أطفالاً، وعُرِفَت اللّعبةُ جيّداً، لأنَّ المقاومين لا يستطيعون أن يتحركوا في هذا الطَّريق، باعتبار أنَّه بمرأى ومسمع من العدوّ.
وعندما انطلق المجاهدون من أجل حماية أهلهم، ليقصفوا المدنيّين هناك كما قصفت إسرائيل المدنيّين هنا بواسطة العبوة، ثارت ثائرة إسرائيل وثائرة أمريكا. هل استمعتم بالأمس إلى وزير الخارجيَّة الأمريكيّ في مؤتمره الصّحفيّ، في قوله إنَّ المشكلة هي أنَّ الإسلاميّين هم الَّذين فجَّروا، وهم الَّذين أطلقوا الصَّواريخ الَّتي جرحت عدداً من الإسرائيليّين، ولذلك فإنَّ عمل إسرائيل مبرَّر، وأنهم هم الَّذين يتحمَّلون المسؤوليَّة، ولم يتحدَّث عن أنَّ إسرائيل عندما قصفت، قتلت مدنيّين في ياطر، وعندما تحركت في برعشيت، قتلت مدنيّين أطفالاً، وعندما سأله السَّائل عن المدنيّين اللّبنانيّين، تهرَّب من الإجابة عن ذلك كلّه.
الضّغط الأمريكيّ
إنَّ المسألة المطروحة في هذا الواقع، هي أنَّ أمريكا التزمت في هذه المرحلة بالذّات، أن ينجح حزب العمل ورئيسه في هذه الانتخابات. ولذلك، فإنَّها قالت للعرب جميعاً، إنَّ مسؤوليَّتكم هي أن تعملوا على إسكات كلّ حركة مقاومة في هذه المرحلة، على أن تمنحوا إسرائيل حرّيّة التحرّك في أيّ مجال، من أجل أن لا يسجّل اللّيكود على حزب العمل أيَّ شيء. إنَّ عليكم أن لا تحرجوا حزب العمل، وأن توقفوا إطلاق النَّار ضدّ اليهود المحتلّين حتَّى لو أطلقوا النَّار عليكم.
إنَّ المسألة أنَّ أمريكا تريد للعرب، وللّبنانيّين بالذّات، أن يتقبَّلوا قتل الإسرائيليّين لشبابهم وأطفالهم وتدمير بيوتهم من دون أن يحركوا ساكناً، لأنَّ المسألة هي أنّه لا بدَّ أن ينجح بيريز في الانتخابات.
وهكذا رأينا أنَّ أمريكا تتحرَّك مع حزب العمل الحاكم الآن، على أساس أن ينجح ولو على دماء اللّبنانيّين، لأنَّها تحاول أن تقنع العرب بأنَّ السَّلام إنَّما يتحقَّق لو نجح حزب العمل. ونحن نعرف أنَّ تاريخ الحروب العربيَّة، وتاريخ كلّ الاجتياحات، وتاريخ الواقع الوحشيّ الَّذي تعيشه المنطقة، هو تاريخ حزب العمل. نحن لا نفرّق أبداً بين حزب العمل وحزب اللّيكود، فهم يتَّفقون على قتلنا وعلى مواجهتنا.
معادلةٌ مرفوضةٌ
لذلك، فنحن عندما نريد أن نقف أمام هذا الموقف، عندما انطلقت إسرائيل لتردّ في الضَّاحية، ولتطرح معادلة جديدة، أنَّ الضَّاحية في مقابل كريات شمونا، وأنَّه إذا فرضنا أسيء إلى مدنيّين هناك، فالضَّاحية هي الثَّمن، وربما بيروت. هذه المعادلة لا يمكن أن يقبلها إنسان يحترم نفسه، لأنَّ إسرائيل من الممكن جداً في كثير من الحالات أن تعمل على إثارة بعض النَّاس ليقصفوا المستوطنات، لتقول إنَّ المجاهدين قصفوا وما إلى ذلك.
لذلك، لو قبل المجاهدون بهذه المعادلة، أنَّ الضَّاحية في مقابل كريات شمونا، فلن يستقرّ أيّ وضع في هذا البلد. فلا بدَّ أن يقال لهم إنَّ قصف الضَّاحية ليس نزهة، ولا يعني أنَّ المستضعفين فيها سوف يقبلون ويتنازلون.
لذلك، إذا أرادت أمريكا هدوءاً في المنطقة، وأن ترجع المسألة على حالها، فعليها أن لا تتوجَّه إلى سوريا أو إلى لبنان أو إلى الإسلاميّين من أجل أن يتوازنوا ويعتدلوا، إنَّ عليها أن تتوجَّه إلى العدوّ الصهيونيّ لتقول له: لا تعرض للمدنيّين في لبنان حتَّى لا يُعرَضَ للمدنيّين هناك، لا تقصف المدنيّين هنا حتّى لا يقصف المدنيّون هناك، لأنَّ القضيَّة لا يمكن أن تتمَّ إلَّا بهذه المعادلة.
لذلك، نحن نريد أن نقول إنَّنا لا نريد لمدنيّ أن يسقط هنا وهناك، ولا لطفل أن يسقط هنا وهناك، سواء كان الطّفل مسلماً أو مسيحيّاً أو يهوديّاً، لكنَّنا نريد أن نقول إنَّ أطفالنا ونساءنا وشيوخنا، ليسوا ساحةً لتجارب الأسلحة العسكريَّة الإسرائيليَّة أو الأمريكيَّة، لينطلق رئيس وزراء العدوّ في مؤتمره الصّحفي ليتحدَّث عن دقّة التّصويب، وكيف استطاعت التقنيَّة الإسرائيليَّة أن تقصف هذه الشّقَّة أو البناية بذلك. إنَّهم يتكلَّمون عن إبداع وسائل القتل الّتي يقتلوننا بها.
لقد تحدَّثوا أنَّهم يقصفون العسكريّين، وأنا لا أدري هل إنَّ الشَّهيدة الَّتي استشهدت في سيَّارة مدنيَّة مع زوجها الجريح، تمثّل شخصيَّة عسكريَّة؟ وهل إنَّ المطعم الَّذي قُصِفَ يمثّل موقعاً عسكريّاً؟ وهل إنَّ مستشفى السَّاحل يمثّل مستشفى عسكريّاً؟
إنَّ المسألة أنّهم يريدون أن يقتلوا المدنيّين باسم العسكريّين. لذلك، إذا سكت المجاهدون على هذا الواقع، فإنَّ معنى ذلك أنَّ إسرائيل ستبدأ من جديد الجولة الَّتي قامت بها سابقاً، في أن تقتل مدنيّاً في أيّ وقت تريد، وأن تقصف المدنيّين، لأنَّها عندما تعرف أنَّ النَّاس لا يردّون، فسوف تأخذ حريَّتها.
خيار مواجهة الاحتلال
أيُّها الأحبَّة، إذا لم نستطع أن نحرّر الأرض من إسرائيل، فإنَّ علينا - على الأقلّ - أن نربك الاحتلال الإسرائيليّ، أن نمنعه من حريَّة الحركة عسكريّاً وأمنيّاً، وفي أيّ مجالٍ من المجالات.
ليس هذا مجرَّد شعارٍ يطلق، ولكنَّ القضيَّة، أيُّها الأحبَّة، هي أنَّنا لا بدَّ أن نفكّر كشعبٍ يريد أن يعيش عزَّته وكرامته، وأن نفكّر كأمَّةٍ تريد أن تنطلق بكلّ حريَّة. القضيَّة أنَّنا لا نريد في مستقبلنا، أن يكون أولادنا تحت أحذية الإسرائيليّين، عندما يفرضون عليهم ما يريدون. قد نتحمَّل بعض الآلام، قد نُبتلَى بشيء من الخوف والجوع، وبشيء من النَّقص في الأموال والأنفس والثَّمرات، ولكن علينا أن نصبر صبر الأحرار، ونحن الحسينيّون. لماذا تقيمون كربلاء في كلّ سنة في عاشوراء؟ إنَّ كربلاء تريد لكم أن تتعمَّق في نفوسكم الكلمة الخالدة: "لَا وَاللهِ، لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إعْطَاءَ الذَّلِيلِ، وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ". هذه ليست كلمة تاريخيَّة، ولكنَّها كلمة الإنسان الحرّ في الحياة، وكلمة الحياة الحرّة الكريمة.
لذلك، عندما نواجه في هذا اليوم انطلاقة المجاهدين في قصفهم مستعمرات العدوّ ومستوطناته، فإنَّنا نقف معهم في هذا الموقف، نقف معهم ونحن نعرف أنَّ إسرائيل فتحت الحرب في كلّ السَّاحات، وعندما تفتح الحرب في كلّ السَّاحات، فلا بدَّ أن يقف النَّاس في كلّ هذه السَّاحات ليواجهوا حرباً بحرب.
إنَّنا لا ندعو إلى عشوائيّة أو انفعال ولا إلى أيَّة حالة فوضى، لأنَّ القضيَّة أنَّ الحرب كما تحتاج إلى عقل عسكريّ، فإنَّها تحتاج إلى عقل سياسيّ يرصد الواقع. ونحن نعتقد أنَّ القضيَّة لا تزال، بالرغم من كلّ تهويل مسؤولي العدوّ ومن كلام أمريكا، لا تزال في حالة التَّوازن السياسيّ في المنطقة. إنَّ هناك ضوابط كثيرة لا تملك إسرائيل ولا أمريكا أن تتجاوزاها، إلَّا على أساس أن ينهدم الهيكل على رؤوس الجميع.
مسؤوليَّة دعم المجاهدين
إنَّنا أمَّة تعوَّدنا كثيراً من تحدّيات الاستكبار الأمريكيّ، وعلينا أن لا نجلس وننتظر متى تعاقبنا أمريكا ومتى تحاصرنا أمريكا وإسرائيل، إنَّ علينا أن نشدَّ على أيدي هؤلاء المجاهدين من الشَّباب، لأنَّهم يملكون الرّشد السياسيَّ والرّشد الأمنيَّ والعسكريَّ، وهذا ما يغيظ إسرائيل، لأنها تريد عرباً بلا وعي ولا خبرة ولا رشد، وأمَّا أن ينطلق العرب ليقاوموا وليواجهوا، فإنَّها لا تقبل بوجود عرب من هذا القبيل.
فإذا أرادت أمريكا أن يهدأ الجوّ في لبنان، فإنَّ عليها أن تطلب من إسرائيل أن تخرج من لبنان، هذا هو الحلّ. أمَّا أن تبقى محتلَّة ضاغطة متعدّية محاربة، فليس من الطَّبيعي للنَّاس الَّذين يؤمنون بحرّيّتهم أن يتقبَّلوا ذلك، لأنَّ أمريكا، أساساً، لا تقبل لشعبها ذلك، ولأنَّ كلَّ دولة لا تقبل لشعبها ذلك.
إنَّنا نقول للشَّعب الأمريكيّ، إذا كنتم تحبّون حرّيتكم، ولذلك كنتم تواجهون الاتّحاد السوفياتي، لأنَّكم كنتم تشعرون بأنَّه خطر على حرّيتكم، فنحن أيضاً نحبّ حرّيتنا، ونشعر بخطر إسرائيل على كلّ حريتنا، وبخطر إدارتكم الأمريكيَّة على حرّيّتنا في كلّ مجالات الحريّة.
تحالفات ضدّ المسلمين!
إنَّ هذا التصرّف الإسرائيليّ، أيُّها الأحبَّة، كان متوقّعاً حتَّى قبل أن يأتي الردّ من المجاهدين بعد مجزرتي ياطر وبرعشيت، لأنَّ المسألة هي أنَّ أمريكا عندما أطلقت مؤتمر شرم الشَّيخ، فقد أرادت أن تنفّذه. ونحن نجد أنَّ إسرائيل بدعمٍ من أمريكا، وبضوءٍ أخضر أمريكيّ، تعمل على أساس تنفيذ قرارات مؤتمر شرم الشَّيخ، وهذا مما نلاحظه في كلّ هذه الجولة الجديدة الأمنيَّة السياسيَّة في المنطقة، ومن خلال التحالف العسكري بين تركيا وإسرائيل، وكلاهما عدوّ للعرب وللمسلمين، حتّى لو كانت تركيا عضواً في المؤتمر الإسلاميّ، لأنَّها منذ أتاتورك، وقفت لتعادي الإسلام والمسلمين، ولتعتبر أنَّها تقترب من الغرب بقدر ما تبتعد عن الشَّرق، لتحاصر تركيا وإسرائيل سوريا من جهة، لتنقل إسرائيلَ لتصير من جهة ثانية على حدود سوريا، لتكون سوريا بين فكَّي كمَّاشة، ولتقف إسرائيل على حدود العراق من جهة، وعلى حدود إيران من جهة، بفعل هذا التَّحالف التركيّ الإسرائيليّ.
وهكذا نجد أنَّ أمريكا أيضاً عملت في المناورات الأمريكيّة الأردنيّة في الأردن، أن تعطي الأردن دوراً ليقوم بدعم السياسة الإسرائيليَّة والأمريكيَّة ضدَّ سوريا والعراق وأكثر من دولة في المنطقة، ولتحجّم مصر وأكثر من دولة، على أساس أنَّها لا تريد لأيّ دولة عربيَّة كبرى أن تكون لها القوَّة في هذا المجال.
محاصرةٌ أمريكيَّةٌ للمنطقة
إنَّنا نلاحظ أنَّ أمريكا بدأت محاصرة المنطقة، وبدأت تعطي إسرائيل الحريَّة في أن تتصرَّف كما تشاء، وبدأت تعمل على الضَّغط على سوريا ولبنان، وعلى أكثر من دولة عربيَّة، من أجل أن تقدّم التَّنازلات لإسرائيل، من أجل السَّلام الإسرائيليّ لا السَّلام العربيّ، لأنَّ أمريكا تعمل على أن يكون السَّلام إسرائيليّاً على قياس مصالح إسرائيل، وأن لا يكون سلاماً عربيّاً في أيّ مجال من المجالات. إنَّنا نلاحظ في هذا المجال أنَّ المطلوب هو أن يسقط الواقع العربيّ كلّه تحت تأثير الواقع الإسرائيلي، تحت مظلّة أمريكيَّة.
ولذلك، نعرف أنَّ أمريكا كانت ولا تزال عدوَّ العرب والمسلمين، وقد استطاعت أن تضغط على بعض العرب الَّذين هرولوا إلى إسرائيل عندما اغتيل رابين، وهرولوا إلى إسرائيل عندما وقف مجاهدو حماس في عمليَّاتهم البطوليَّة ضدّ الاستكبار اليهوديّ، وهكذا دعا بعضهم رئيس وزراء العدوّ إلى زيارة هذه الدَّولة وتلك الدَّولة.
دعوةٌ إلى العرب
أيُّها الأحبَّة، لقد وصل الواقع العربيّ إلى مستوى أنَّنا الآن لا نطلب من العرب أن يؤيّدوا المجاهدين، ولكن نطلب منهم، على الأقلّ، أن لا يؤيّدوا إسرائيل في حصارها للبنان وفي عدوانها عليه، لأنَّنا نشعر من كلمات بعض العرب، أنَّهم فقدوا كلَّ حياءٍ عربيّ، وكلَّ قيمة عربيَّة، وقد فقدوا الإسلام منذ مدَّة طويلة. لذلك، كلّ ما نريده، بكلّ تواضع، أن لا يصدروا قراراً، ولو بكلمات تلفّ وتدور في دعم العدوان الإسرائيليّ.
الالتفافُ حولَ المقاومة
ونحن نتوجَّه إلى كلّ أهلنا في لبنان، إلى كلّ مواطنينا، مسيحيّين ومسلمين، من كلّ الأحزاب والتيَّارات، أن يرتفعوا إلى مستوى المرحلة وإلى مستوى التحدّي، فإنَّ المطلوب هنا أن تضغط إسرائيل على لبنان كلّه، فإذا كان هناك ذلّ، فإنَّه لن يكون على طائفة دون طائفة، وعلى موقع دون موقع، بل يكون على اللّبنانيّين جميعاً، وإذا كان هناك عار من الاحتلال الإسرائيليّ، فإنَّه يلحق اللّبنانيّين جميعاً.
لذلك، نريد من اللّبنانيّين جميعاً أن يقفوا مع المقاومة ومع المجاهدين، ليحموا ظهرها، وليؤيّدوها سياسيّاً واقتصاديّاً وعسكريّاً، لأنَّ المقاومة هي وحدها الَّتي تدافع عن حريَّة لبنان، وهي وحدها الَّتي تقف بكلّ تحدّ وعنفوان، لتعطي الأمَّة عنفوانها وقوَّتها وشرفها.
أيُّها اللّبنانيّون، إنَّ الموقف ليس موقف الجدل في كثير من الحالات، الجدل النّظريّ الاستهلاكيّ، إنَّ المسألة هي كيف نحفظ أرضنا وواقعنا وأهلنا، وأن نثبت للعالم أنَّنا مع الَّذين يدافعون عن الحريَّة، ليعرف العالم أنَّ اللّبنانيّين جميعاً يقفون مع وطنهم ومع شعبهم، بعيداً من كلّ طائفيَّاتهم وحزبيَّاتهم.
موقفٌ مهمٌّ للجيش
وإنَّنا في الوقت نفسه، نقدّر للجيش اللّبنانيّ موقفه في مواجهة العدوّ بما يملك من وسائل، وردّه على الجيش الإسرائيليّ الَّذي هدَّد الجيش اللّبنانيّ. ونحن قد سمعنا كلاماً جيّداً في هذا المعنى، وهو أنَّ الجيش اللّبنانيّ، بوسائله المحدودة، يقف من أجل أن يقبل التَّحدّي، ويحمي أهله والمقاومة.
هذا هو الَّذي نريده؛ أن يقف الجيش جنباً إلى جنب مع المقاومة، كما أنَّنا نريد للحكومة الَّتي أصدرت بياناً جيّداً، نريد لها أن تكون جادّة في الوقوف مع المقاومة، لينطلق الموقف جيشاً وحكومةً وشعباً ومقاومةً في مواجهة العدوّ كلّه، وذلك هو سبيل النَّصر والصّمود، والّذي يثبت للعالم أنَّ المسألة ليست مسألة حزب هنا وجماعة هناك وميليشيا هنالك، وإنما هي مسألة الشَّعب اللّبنانيّ كلّه من أجل الحريَّة كلّها.
والحمد لله ربّ العالمين.
*خطبة الجمعة، بتاريخ: 12/04/ 1996م.