عظّم الله اجورنا وأجور المسلمين بهذا المصاب الجلل الذي استهدف عالماً كبيراً مجاهداً عاش حياته منذ شبابه وهو يدافع عن الإسلام ، فقد كنّا في مجلة "الأضواء" في سنة 1380هجرية في النجف الأشرف نستقبل شاباً طاهراً طيباً تفيض منه الطهارة وتشعر بالروح الإسلامية تتحرّك في كلّ مواقفه ، كان يأتي بكلماته في "الأضواء" ليعالج قضايا لم يكن مجتمع النجف يعالجها آنذاك .
إنطلق وهو تلميذ لابن عمه الشهيد السعيد محمد باقر الصدر وعاش حياته معه وكان الشهيد الصدر في مقدمة كتابه "موسوعة الإمام المهدي (ع)" يتنبأ بأنه سوف يكون له شأن كبير في حركة العلم والبحث. وعاش آلام شهادة الشهيد السعيد الصدر وآلام شهادة أخته العلوية بنت الهدى وعاش مأساة العراق ودخل السجن وعاش الإضطهاد وانطلق في خط المرجعية، وظلمه الكثيرون ولا يزالون يظلمونه عندما قالوا عنه "انه مرجع السلطة" وقالوا عنه كلمات أخرى كنا نرى منذ البداية أنه يأثم صاحبها، انني اعتقد أن هؤلاء لو كانوا في زمن أئمة أهل البيت (ع) لاتهموهم بولائهم للسلطة لأن الذهنية هي الذهنية، وانني اتصور أنه كان يرى - سواء ناقشته فيما يرى أو لم تناقشه - أنه يستطيع أن يقوم بخدمة الإسلام باعتبار ما يعتقد من تقية أو ما أشبه ذلك.. لم ينقل عنه في كل حركة مرجعيته أنه قال كلمة في السلطة بالطريقة التي توحي أنه يؤيدها ، من الممكن انه كانت هناك بعض المداراة التي كان يرى من خلال اجتهاده أنها مشروعة لا سيما في عالَم كالعالَم الذي عاشه في العراق مع اكثر الانظمة شراسة في الجريمة ، لذلك، ان تكون خارج العراق لتعلق على بعض المواقف شيء وان تكون في داخل الزنزانة حتى وانت تتحرك في داخل مدينتك شيء آخر.
عندما نتمثل هذا الرجل الذي ملأ الثقافة الإسلامية علماً وفقهاً فعلينا أن ندرس الظروف التي عاشها والواقع الذي أحاط به وظروف الساحة كلها. نحن نقرأ في أحاديث اهل البيت(ع) كيف كانوا يواجهون الظروف الصعبة التي تحيط بهم - بما كانوا يواجهون - بكثير من المداراة حفظاً للخط وحماية للمعارضة والجهات الممانعة.
إننا عندما ندرس ممارسته الثورية في صلاة الجمعة التي استطاعت ان تعيد هذه الروح الإسلامية التي غابت عن الشارع الإسلامي جراء الضغوط التي حصلت من قبل النظام هناك في إلغاء مجالس العزاء والمواكب الحسينيّة وإلغاء كل الحريات.. كان الناس يتنفسّون بالذهاب إلى زيارة الائمة (ع)، كانت الزيارة المكثفة التي لم يعرفها الناس في تاريخهم هي المتنفس الوحيد حتى أن بعض الناس يسيرون من البصرة إلى كربلاء ، كان هذا هو المعارضة والثورة الصامتة ، وعندما جاءت صلاة الجمعة استطاعت ان تكون المتنفس للكلمة الدينية والموعظة الإسلامية، ولذلك أيدناه ( المرجع الشهيد ) بكل بقوة لأن صلاة الجمعة هي الصلاة التي حُرمنا منها في مدى القرون ولأنها المحطة التي تجمع المسلمين في كل منطقة ليلتقوا في أجوائها وليسمعوا الكلمات التي تتصل بحياتهم ، وقد لاحظنا في المدة الأخيرة كيف بدأ يخرج عن هذا الطوق ويتكلم بكلمات فيها المعارضة وفيها الكثير من النقد للسلطة، وقد أثار في هذه الكلمات قضية ائمة الجمعة الذين سجنهم النظام العراقي ودعا لإطلاق سراحهم، وانني اتصور ان هذا الموقف كان قمة في اطلاق كلمة الحق ولعل السلطة لم تصبر على ذلك لانها لا تتحمل ان تُقال كلمة قوية في وجهها، ولم تكن تتصوّر ان الوضع سوف يمتد الى هذا الإلتفاف الجماهيري. ولذلك خططت لاغتيال الشهيد ربما من موقع رصدها لتأثيراته ولو في المستقبل، لأن هناك صلاة تجمع الناس ، وعندما يجتمع الناس في صلاة واعية فان من الطبيعي ان ينفتح هذا الوعي ويتحرك ويعبّر عن نفسه، لا سيما في هذه الظروف السياسية التي تحاصر السلطة هناك عربياً ودولياً كما تحاصرها محلياً.
لقد ظُلم هذا العالِم من قِبل طاغية العراق فلا تضيفوا الى ظلامته ظلامة أخرى، لقد اغتاله النظام الطاغي جسدياً فلا تغتالوه معنوياً.. اننا نشعر بخسارة فادحة جداً وبظلامة كبيرة جداً ونشعر بالمأزق الذي يعيشه هذا الشعب الذي عُذّب كثيراً من حاكمه ومن الواقع الدولي ولا يزال يُعذب جوعاً وتشريداً وقتلاً وما الى ذلك ، ولعل من اشد عذاباته هو ما يعانيه الآن من هذه الجريمة ونحن نعرف ان العراق كله يعيش في سجن كبير وفي بلد تحكمه المخابرات بالحديد والنار .
وخلص الى القول: ليكن الصوت واحداً ضد هذه الجريمة النكراء ، لا تتركوا للخطوط هنا وهناك ان تتحرك بين من يشمت ومن يأثم في كلماته. لقد عاش هذا الرجل من اجل الإسلام ومات من اجل الإسلام وعلينا ان نعمل بكل قوة في سبيل حفظ البقية الباقية من الحوزة العلمية في النجف الأشرف التي عمل النظام على اغتيالها وتصفية علمائها ومراجعها ، فهي المستهدفة في كل جريمة اغتيال حدثت لعلمائها في الماضي والحاضر وربما في المستقبل، وعلينا ان نكون كمسلمين كلمةً واحدة لنمنع حدوث الجريمة الكبرى في المستقبل .
* من محاضرة لسماحته في مجلس فاتحة عن روح المرجع الشَّهيد السيد محمد صادق الصدر في حوزة المرتضى - دمشق بتاريخ 19-2-1999 م
عظّم الله اجورنا وأجور المسلمين بهذا المصاب الجلل الذي استهدف عالماً كبيراً مجاهداً عاش حياته منذ شبابه وهو يدافع عن الإسلام ، فقد كنّا في مجلة "الأضواء" في سنة 1380هجرية في النجف الأشرف نستقبل شاباً طاهراً طيباً تفيض منه الطهارة وتشعر بالروح الإسلامية تتحرّك في كلّ مواقفه ، كان يأتي بكلماته في "الأضواء" ليعالج قضايا لم يكن مجتمع النجف يعالجها آنذاك .
إنطلق وهو تلميذ لابن عمه الشهيد السعيد محمد باقر الصدر وعاش حياته معه وكان الشهيد الصدر في مقدمة كتابه "موسوعة الإمام المهدي (ع)" يتنبأ بأنه سوف يكون له شأن كبير في حركة العلم والبحث. وعاش آلام شهادة الشهيد السعيد الصدر وآلام شهادة أخته العلوية بنت الهدى وعاش مأساة العراق ودخل السجن وعاش الإضطهاد وانطلق في خط المرجعية، وظلمه الكثيرون ولا يزالون يظلمونه عندما قالوا عنه "انه مرجع السلطة" وقالوا عنه كلمات أخرى كنا نرى منذ البداية أنه يأثم صاحبها، انني اعتقد أن هؤلاء لو كانوا في زمن أئمة أهل البيت (ع) لاتهموهم بولائهم للسلطة لأن الذهنية هي الذهنية، وانني اتصور أنه كان يرى - سواء ناقشته فيما يرى أو لم تناقشه - أنه يستطيع أن يقوم بخدمة الإسلام باعتبار ما يعتقد من تقية أو ما أشبه ذلك.. لم ينقل عنه في كل حركة مرجعيته أنه قال كلمة في السلطة بالطريقة التي توحي أنه يؤيدها ، من الممكن انه كانت هناك بعض المداراة التي كان يرى من خلال اجتهاده أنها مشروعة لا سيما في عالَم كالعالَم الذي عاشه في العراق مع اكثر الانظمة شراسة في الجريمة ، لذلك، ان تكون خارج العراق لتعلق على بعض المواقف شيء وان تكون في داخل الزنزانة حتى وانت تتحرك في داخل مدينتك شيء آخر.
عندما نتمثل هذا الرجل الذي ملأ الثقافة الإسلامية علماً وفقهاً فعلينا أن ندرس الظروف التي عاشها والواقع الذي أحاط به وظروف الساحة كلها. نحن نقرأ في أحاديث اهل البيت(ع) كيف كانوا يواجهون الظروف الصعبة التي تحيط بهم - بما كانوا يواجهون - بكثير من المداراة حفظاً للخط وحماية للمعارضة والجهات الممانعة.
إننا عندما ندرس ممارسته الثورية في صلاة الجمعة التي استطاعت ان تعيد هذه الروح الإسلامية التي غابت عن الشارع الإسلامي جراء الضغوط التي حصلت من قبل النظام هناك في إلغاء مجالس العزاء والمواكب الحسينيّة وإلغاء كل الحريات.. كان الناس يتنفسّون بالذهاب إلى زيارة الائمة (ع)، كانت الزيارة المكثفة التي لم يعرفها الناس في تاريخهم هي المتنفس الوحيد حتى أن بعض الناس يسيرون من البصرة إلى كربلاء ، كان هذا هو المعارضة والثورة الصامتة ، وعندما جاءت صلاة الجمعة استطاعت ان تكون المتنفس للكلمة الدينية والموعظة الإسلامية، ولذلك أيدناه ( المرجع الشهيد ) بكل بقوة لأن صلاة الجمعة هي الصلاة التي حُرمنا منها في مدى القرون ولأنها المحطة التي تجمع المسلمين في كل منطقة ليلتقوا في أجوائها وليسمعوا الكلمات التي تتصل بحياتهم ، وقد لاحظنا في المدة الأخيرة كيف بدأ يخرج عن هذا الطوق ويتكلم بكلمات فيها المعارضة وفيها الكثير من النقد للسلطة، وقد أثار في هذه الكلمات قضية ائمة الجمعة الذين سجنهم النظام العراقي ودعا لإطلاق سراحهم، وانني اتصور ان هذا الموقف كان قمة في اطلاق كلمة الحق ولعل السلطة لم تصبر على ذلك لانها لا تتحمل ان تُقال كلمة قوية في وجهها، ولم تكن تتصوّر ان الوضع سوف يمتد الى هذا الإلتفاف الجماهيري. ولذلك خططت لاغتيال الشهيد ربما من موقع رصدها لتأثيراته ولو في المستقبل، لأن هناك صلاة تجمع الناس ، وعندما يجتمع الناس في صلاة واعية فان من الطبيعي ان ينفتح هذا الوعي ويتحرك ويعبّر عن نفسه، لا سيما في هذه الظروف السياسية التي تحاصر السلطة هناك عربياً ودولياً كما تحاصرها محلياً.
لقد ظُلم هذا العالِم من قِبل طاغية العراق فلا تضيفوا الى ظلامته ظلامة أخرى، لقد اغتاله النظام الطاغي جسدياً فلا تغتالوه معنوياً.. اننا نشعر بخسارة فادحة جداً وبظلامة كبيرة جداً ونشعر بالمأزق الذي يعيشه هذا الشعب الذي عُذّب كثيراً من حاكمه ومن الواقع الدولي ولا يزال يُعذب جوعاً وتشريداً وقتلاً وما الى ذلك ، ولعل من اشد عذاباته هو ما يعانيه الآن من هذه الجريمة ونحن نعرف ان العراق كله يعيش في سجن كبير وفي بلد تحكمه المخابرات بالحديد والنار .
وخلص الى القول: ليكن الصوت واحداً ضد هذه الجريمة النكراء ، لا تتركوا للخطوط هنا وهناك ان تتحرك بين من يشمت ومن يأثم في كلماته. لقد عاش هذا الرجل من اجل الإسلام ومات من اجل الإسلام وعلينا ان نعمل بكل قوة في سبيل حفظ البقية الباقية من الحوزة العلمية في النجف الأشرف التي عمل النظام على اغتيالها وتصفية علمائها ومراجعها ، فهي المستهدفة في كل جريمة اغتيال حدثت لعلمائها في الماضي والحاضر وربما في المستقبل، وعلينا ان نكون كمسلمين كلمةً واحدة لنمنع حدوث الجريمة الكبرى في المستقبل .
* من محاضرة لسماحته في مجلس فاتحة عن روح المرجع الشَّهيد السيد محمد صادق الصدر في حوزة المرتضى - دمشق بتاريخ 19-2-1999 م