هناك أشخاص يموتون وينتهي ذكرهم ويندثر بعد وفاتهم، وهناك أشخاص أقوى من الموت والغياب، يزدادون حضوراً مع الزّمن، لأنهم يمتدّون من خلال ما يتركونه من فكرٍ وتراثٍ ونهج. هكذا هو السيّد فضل الله، يزداد حضوراً بعد وفاته، لأنّه يمثّل مدرسة فكرية واجتهادية تقدّم الصّورة الحضارية للإسلام؛ مدرسةً في الفقه والاجتماع والسياسة والفكر... المدرسة الّتي تقدّم خطّ أهل البيت للعالم بطريقة حضاريّة، لا بطريقة المتخلّفين والخرافيّين...
يشقّ السيِّد طريق الأمَّة إلى المستقبل، حتى تستطيع أن تأخذ مكانها في ريادة الأمم، حتى تعود خير أمَّة أخرجت للنَّاس، بعد أن شوَّه ديننا المتخلّفون المتعصّبون التّكفيريّون الّذين يغرقون في الماضي، وينبشون أبشع صفحات التّاريخ، ويثيرون العصبيّات والحساسيّات الّتي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمَّة..
يأتي السيّد، ليكون فكره سبيل النّجاة من السّقوط في أوحال التعصّب المذهبي الّذي ينهش جسد الأمّة.
هذا المرجع الّذي تحمَّل في حياته كلَّ صنوف الظّلم والافتراء والنّكران، لكنّه كان يمضي محدّقاً بالمستقبل الّذي يرسمه للأجيال القادمة، غير عابئ بكلّ ما يلحق به من أذى، دافعاً بكلّ رضا تلك الضّريبة الّتي لا بدّ من أن يدفعها المصلحون.
فقد تحمّلها في حياته راضياً، لأنّه كان يدرك أنّه يضيء عقول الأجيال ويواجه جحافل الظّلام، متأسّياً برسول الله في قوله: "اللّهمّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"...
هكذا هو السيّد، لا يفكّر الا في الاسلام، لا ينظر إلى الوراء، لذلك يمتدّ فكره حتى بعد غيابه، ليكون أكثر حضوراً، لأنّه الأكثر استجابةً لتحدّيات العصر، ولأنّه خرج بالفكر الإسلامي مع ثلّة من الرّموز إلى رحابة العصر، بدل أن يختنق في كهوف التّاريخ.
لذلك ما زال فكره ممتدّاً بعد الرّحيل، ولذلك فانّه ما زال يتلقّى السّهام والطّعنات والنّكران والبهتان والجحود...
لكنّ كلّ ذلك لا يمنع ضوء الشّمس من اجتياح حجب الظّلام..
ولأنَّ السيّد هو منهج فكري حضاري فإنه سيبقى ويمتدّ..
ولأنّه يخاطب عقول النّاس وقلوبهم لا غرائزهم، فانّه سيستمرّ..
ولن ينفع تكريم رموز الفتنة في النّيل منه، لأنّه يكبر في كلّ يوم من خلال ما يتركه في قلوب النّاس وعقولهم...
وقد قال الأوفياء كلمتهم قبل يومين في مسجد الإمامين الحسنين(ع)، حيث كان الحشد الشعبي الكبير استنكاراً لتكريم منهج الغلوّ والخرافة، وتأكيداً لاستمرار خطّ السيّد ونهجه...
ونحن نقول للسيّد: ما زلنا يا سيّدنا على العهد والوعد.. لن نجامل استكباراً ولو كان في حجم أمريكا وإسرائيل.. لن نجامل المتخلّفين.. لن نجامل التّكفيريّين..
سنخوض معركة الوعي، ولن نسقط تحت هجمات التخلّف، وكلّنا ثقة وإيمان بأنّ حركة الوعي ستنتصر ولو بعد حين...
نم هانئاً ومطمئنّاً يا فضل الله.. فقد أوقدت في نفوسنا شعلة الحقّ ونور الحقيقة...
وسيبقى ذكرك ممتدّاً في الأجيال، رمزاً للوعي، ونوراً يبدّد ظلمات التخلّف...
[إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها].