كيف نواجه الابتلاء عمليّاً؟

كيف نواجه الابتلاء عمليّاً؟

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ...}.

تؤكّد الآية على أهل الكتاب وعلى المشركين، في ما يثيرونه في هذا الاتجاه، باعتبارهم من الفئات البارزة التي تمثِّل التحدّي الصّارخ في التصوّر والعمل للخطّ الإيماني السليم الذي يتمثّل في الإسلام والمسلمين، {أَذًى كَثِيراً}، فقد يتحرّكون في اتجاه إثارة الأذى الكثير في وجه المؤمنين من خلال مسيرتهم الإيمانيَّة، والشّكوك التي يحرّكونها في الأذهان، والاتهامات التي يطلقونها في السّاحة، والتحريفات التي يشوِّهون بها وجه الحقيقة الأصيل، في ما يبتعدون به عن صفاء الوحي وطهر التَّنـزيل، مما يستهدفون من خلاله إبعاد المسلمين عن الخطّ المستقيم في الإسلام، وإبعاد الآخرين عن الدخول في الدِّين الجديد؛ لتبقى لهم حريّة اللّعب والعبث بمقدِّرات أمور النَّاس في قضاياهم العامّة والخاصّة...

{وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}. ويريد القرآن للمؤمنين أن يواجهوا ذلك بالصبر والتَّقوى، هذان العنصران اللذان يكون أحدهما نتيجةً للآخر، فلا معنى للتَّقوى بدون صبر، لأنَّها تعني الإرادة الصلبة في حركة الإيمان نحو الله أمام اهتزازات الإغراءات الكثيرة المتنوّعة التي تعمل على أن تهزَّ مشاعر الإنسان وأعماقه بطريقةٍ شهوانيَّة متحرّكة، ولا بُدَّ في ذلك كلّه من الصّبر الذي يتجسَّد في داخل الإنسان كقوّة رائدة تمثِّل العزم الكبير في الأمور...

ولا معنى للصبر بدون التَّقوى، لأنَّه يعني الخطّ الإيماني الروحي الذي ينطلق في الفكر والشعور، ليُثير في الإنسان الفكر الذي يهدي، والعاطفة التي تحرّك، والخشوع الذي يهزّ، ويوحي بانطلاقة العبوديّة الخاضعة في آفاق الربوبيّة الواسعة، فيتحوّل الصبر إلى تقوى تتحرّك في مواقع الإرادة، وتطوف التَّقوى بالرّوح وبالفكر وبالنفس، لتزرع في أعماقها غراس الصبر التي تنتج الحركة المنطلقة أبداً في اتجاه الحرية الداخلية في ما تريده من خيرٍ وبركةٍ وإيمان.

أمّا كيف نتمثّل الصبر والتَّقوى في الخطّ التطبيقي العملي للفكرة المطروحة في الآية، فهذا ما نواجهه في نظرة سريعة إلى واقع الحركة من خلال واقع التحدّي؛ فقد نجد ذلك في ما يعيشه الإنسان من المشاعر السلبيّة الذاتية إزاء حالات البلاء الصعبة التي يمرّ بها في حياته العمليّة، فربَّما تُساهم هذه الحالات لدى بعض النَّاس في هزيمتهم النفسيّة، لأنَّهم لا يطيقون الصبر على ذلك كلّه، من خلال الآلام المتنوّعة التي تتحدّى طاقتهم الروحيّة والجسديّة، وقد نواجه ذلك في المواقف الانفعاليّة التي يقفها الإنسان في مواجهة الكلمات المؤذية التي يسمعها من القوى المضادّة، سواء في ذلك ما يتعلَّق منها بشخصه أو برسالته، أو بالنَّاس الذين يشاركونه خطوات الرسالة... وقد يخيَّل إليه أنَّ الصبر على هذا أو ذاك يمثِّل موقف ضعفٍ لا يجوز للمؤمن أن يقفه، وقد يتصوَّر أنَّ التَّقوى تتحرّك في اتجاه الحركة الانفعاليّة لا في اتجاه الحركة الصابرة العاقلة؛ فكانت هذه الآية إعلاناً بأنَّ المسيرة تفرض على المؤمن الصبر على الأذى بإيجابيّة ووعي وانفتاح، وتوحي له بأنَّ ذلك سبيل من سُبُل التَّقوى، لأنَّ القضيّة التي تحكم تصرّفات الإنسان المؤمن ومواقفه، هي مصلحة الإسلام والمسلمين، من خلال ما يثيره الإنسان من ردود الفعل السلبيّة والإيجابيّة في مواقف التحدّي العمليّة.

وفي ضوء ذلك، يستطيع الإنسان أن يعرف كيف يكون الصّبر والتَّقوى من عزم الأمور التي ترتكز على الأسس القويّة الثابتة في شخصية الإنسان المسلم، وذلك من خلال الحسابات الدقيقة المنطلقة من مواجهة النتائج الحاسمة للأشياء، ما يبعد المسألة عن أجواء الضعف والانفعال المتحرّك من ملاحظة بدايات الأمور والغفلة عن نهاياتها.

وهذا ما ينبغي للعاملين في سبيل الله والدُّعاة إليه أن يواجهوه في مسيرتهم العمليّة، في ما يلتقون به من الأذى في القول والعمل من قِبَل الكافرين من أيّة فئة كانوا، ومن البلاء في أموالهم وأنفسهم، بأن لا يخضعوا للانفعالات الذاتيّة الطارئة، ما يجعل من تحرّكهم ذلك سبيلاً للدخول في معارك متنوّعة خاضعةٍ لتخطيط الأعداء ـ في وقتها ومكانها ـ على أساس ما يتوقّعونه من انفعالات العاملين.

* من كتاب "تفسير من وحي القرآن".

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ...}.

تؤكّد الآية على أهل الكتاب وعلى المشركين، في ما يثيرونه في هذا الاتجاه، باعتبارهم من الفئات البارزة التي تمثِّل التحدّي الصّارخ في التصوّر والعمل للخطّ الإيماني السليم الذي يتمثّل في الإسلام والمسلمين، {أَذًى كَثِيراً}، فقد يتحرّكون في اتجاه إثارة الأذى الكثير في وجه المؤمنين من خلال مسيرتهم الإيمانيَّة، والشّكوك التي يحرّكونها في الأذهان، والاتهامات التي يطلقونها في السّاحة، والتحريفات التي يشوِّهون بها وجه الحقيقة الأصيل، في ما يبتعدون به عن صفاء الوحي وطهر التَّنـزيل، مما يستهدفون من خلاله إبعاد المسلمين عن الخطّ المستقيم في الإسلام، وإبعاد الآخرين عن الدخول في الدِّين الجديد؛ لتبقى لهم حريّة اللّعب والعبث بمقدِّرات أمور النَّاس في قضاياهم العامّة والخاصّة...

{وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}. ويريد القرآن للمؤمنين أن يواجهوا ذلك بالصبر والتَّقوى، هذان العنصران اللذان يكون أحدهما نتيجةً للآخر، فلا معنى للتَّقوى بدون صبر، لأنَّها تعني الإرادة الصلبة في حركة الإيمان نحو الله أمام اهتزازات الإغراءات الكثيرة المتنوّعة التي تعمل على أن تهزَّ مشاعر الإنسان وأعماقه بطريقةٍ شهوانيَّة متحرّكة، ولا بُدَّ في ذلك كلّه من الصّبر الذي يتجسَّد في داخل الإنسان كقوّة رائدة تمثِّل العزم الكبير في الأمور...

ولا معنى للصبر بدون التَّقوى، لأنَّه يعني الخطّ الإيماني الروحي الذي ينطلق في الفكر والشعور، ليُثير في الإنسان الفكر الذي يهدي، والعاطفة التي تحرّك، والخشوع الذي يهزّ، ويوحي بانطلاقة العبوديّة الخاضعة في آفاق الربوبيّة الواسعة، فيتحوّل الصبر إلى تقوى تتحرّك في مواقع الإرادة، وتطوف التَّقوى بالرّوح وبالفكر وبالنفس، لتزرع في أعماقها غراس الصبر التي تنتج الحركة المنطلقة أبداً في اتجاه الحرية الداخلية في ما تريده من خيرٍ وبركةٍ وإيمان.

أمّا كيف نتمثّل الصبر والتَّقوى في الخطّ التطبيقي العملي للفكرة المطروحة في الآية، فهذا ما نواجهه في نظرة سريعة إلى واقع الحركة من خلال واقع التحدّي؛ فقد نجد ذلك في ما يعيشه الإنسان من المشاعر السلبيّة الذاتية إزاء حالات البلاء الصعبة التي يمرّ بها في حياته العمليّة، فربَّما تُساهم هذه الحالات لدى بعض النَّاس في هزيمتهم النفسيّة، لأنَّهم لا يطيقون الصبر على ذلك كلّه، من خلال الآلام المتنوّعة التي تتحدّى طاقتهم الروحيّة والجسديّة، وقد نواجه ذلك في المواقف الانفعاليّة التي يقفها الإنسان في مواجهة الكلمات المؤذية التي يسمعها من القوى المضادّة، سواء في ذلك ما يتعلَّق منها بشخصه أو برسالته، أو بالنَّاس الذين يشاركونه خطوات الرسالة... وقد يخيَّل إليه أنَّ الصبر على هذا أو ذاك يمثِّل موقف ضعفٍ لا يجوز للمؤمن أن يقفه، وقد يتصوَّر أنَّ التَّقوى تتحرّك في اتجاه الحركة الانفعاليّة لا في اتجاه الحركة الصابرة العاقلة؛ فكانت هذه الآية إعلاناً بأنَّ المسيرة تفرض على المؤمن الصبر على الأذى بإيجابيّة ووعي وانفتاح، وتوحي له بأنَّ ذلك سبيل من سُبُل التَّقوى، لأنَّ القضيّة التي تحكم تصرّفات الإنسان المؤمن ومواقفه، هي مصلحة الإسلام والمسلمين، من خلال ما يثيره الإنسان من ردود الفعل السلبيّة والإيجابيّة في مواقف التحدّي العمليّة.

وفي ضوء ذلك، يستطيع الإنسان أن يعرف كيف يكون الصّبر والتَّقوى من عزم الأمور التي ترتكز على الأسس القويّة الثابتة في شخصية الإنسان المسلم، وذلك من خلال الحسابات الدقيقة المنطلقة من مواجهة النتائج الحاسمة للأشياء، ما يبعد المسألة عن أجواء الضعف والانفعال المتحرّك من ملاحظة بدايات الأمور والغفلة عن نهاياتها.

وهذا ما ينبغي للعاملين في سبيل الله والدُّعاة إليه أن يواجهوه في مسيرتهم العمليّة، في ما يلتقون به من الأذى في القول والعمل من قِبَل الكافرين من أيّة فئة كانوا، ومن البلاء في أموالهم وأنفسهم، بأن لا يخضعوا للانفعالات الذاتيّة الطارئة، ما يجعل من تحرّكهم ذلك سبيلاً للدخول في معارك متنوّعة خاضعةٍ لتخطيط الأعداء ـ في وقتها ومكانها ـ على أساس ما يتوقّعونه من انفعالات العاملين.

* من كتاب "تفسير من وحي القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية