كيف نبتعد عن القوم الظّالمين؟!

كيف نبتعد عن القوم الظّالمين؟!

يقول سبحانه: {قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون: 93 ــ 95].

(قل) يا محمّد، ويا مَنْ يتّبعُ محمّداً (ص) {رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} هؤلاء الكافرون المشركون الذين كفروا بك وبعبادتك، وانحرفوا عن خطِّك، وتوعّدتهم بأنَّك ستوقفهم موقف الخزي يوم القيامة، وستدخلهم نارَك، إنْ شئت أن تُريَنِي ما وعدتهم، فأعرف كيف يُحشرون.

الله تعالى يقول لنبيّه، اطلب هذا الطّلب، اطلبه لتعيشه في نفسِك قبل أن تطلبه منّي، لأنَّ الإنسان عندما يطلبُ شيئاً، فإنَّ من الطبيعي أن يكون راغباً فيما يطلبه، أو يطلبُ الابتعاد عن شيء، فمعنى ذلك أنَّه غير راغبٍ فيه. ولذلك، فإنَّ الدّعاء ليس مجرّد حالةٍ نفسيّةٍ روحيّةٍ يطلبُ الإنسان فيها شيئاً من ربِّه، كما يطلب أيَّ شيءٍ من غيره، لأنَّ الدعاء معنىً يعيش فيه الإنسان الطلبَ الذي يطلبه ليعمّقه في نفسه، ولا سيّما إذا كان من الأمور التي تتّصل باستقامته على الخطّ، وهو عندما يطلبُ من الله شيئاً، فكأنَّه يقول، أُحبّ يا ربِّ هذا الشّيء، لكنْ أُريدك أن تعاونني وتساعدَني في تحقيقه.

{رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. ما أُريده منك ـــ يا ربّ ـــ ألّا تجعلني جزءاً من هذا المجتمع، أو عنصراً يمتزج بِقِيَمِه وأفكاره وخُططه ومشاريعه وحركته، اجعلني مفصولاً عن هؤلاء وخارجَ نهجهم وتوجّهاتهم ومعتقداتهم.

وهو عندما يطلبُ ذلك من ربِّه، فليس على أساس أن يُبعده عن المنطقة الجغرافيّة التي يعيش فيها هؤلاء الظالمون، لأنَّ الإنسان المؤمن قد يعيش في منطقة جغرافيّة معيّنة يتواجد فيها الظالمون والمشركون والمنافقون، ولكنْ ما يطلبُه منه سبحانه، ألّا يجعله منهم فكراً، بحيث يكون فكرُه فكرَ الظّالمين، وألّا يجعله فيهم روحاً، كي لا تكونَ روحه روحَ المجرمين، وألّا يجعله فيهم أخلاقاً، حتّى لا تصيرَ أخلاقه أخلاق الكافرين، وألّا يجعله فيهم عملاً، فيصبح عمله عمل المنافقين، وفي الحديث: "بَايِنْ أهلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُم".

ولهذا، فإنَّ القضايا التي تتعلّق بالعقيدة والانتماء، لا تحتاجُ دائماً إلى الانفصال الجسدي والجغرافي عن الذين يرفضون هذه العقيدة، بل تحتاج إلى الانفصال الفكريّ والروحيّ والشعوريّ والعمليّ عنهم، ولذا، فإنَّ الإيمان لا بدَّ أن يُترجم في تولِّي أولياء الله، والتبرِّي من أعداء الله. والتبرِّي منهم لا يكون إلّا برفضِ قِيَمِهم ومعتقداتهم. وهذا ما يعلّمه الله تعالى لرسوله (ص)، وليس بصفتِهِ الذاتيّة، بل بصفتِه الرساليّة، حتّى يتعلّم ذلك كلُّ مَنْ أُرسل إليهم (ص)، فهذا التّعليم هو تعليم الرّسالة وليس تعليم الذّات.

إذاً، {رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، حتّى لا يكون مصيري مصيرَهم، لأنَّه يُقال: قل لي ما هو مجتمعك الذي تنفتح عليه وينفتح عليك، أقلْ لكَ مَنْ أنت؛ إنْ كان مجتمعك مجتمعَ الظالمين، فإنَّك ستُحشر مع الظّالمين في الآخرة، ومجتمعك في الدّنيا هو مجتمعُك في الآخرة.. فصداقات الدّنيا القائمة على التّقوى هي التي تبقى، أمّا الصّداقات القائمة على غير التقوى فهي تزول {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف: 67].

وبعد أن طلبَ رسول الله (ص) من الله سبحانه أن يريَه وعدَه بالظّالمين، يقول تعالى: {وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ}. نحن سوف نُرِيكَ غداً ما نعِدهم نتيجةً لظلمهم وكُفرهم وتمرّدهم من عذابٍ وعارٍ وخزي، لأنّنا قادرون على ذلك.

* من كتاب "من عرفان القرآن".

يقول سبحانه: {قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون: 93 ــ 95].

(قل) يا محمّد، ويا مَنْ يتّبعُ محمّداً (ص) {رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} هؤلاء الكافرون المشركون الذين كفروا بك وبعبادتك، وانحرفوا عن خطِّك، وتوعّدتهم بأنَّك ستوقفهم موقف الخزي يوم القيامة، وستدخلهم نارَك، إنْ شئت أن تُريَنِي ما وعدتهم، فأعرف كيف يُحشرون.

الله تعالى يقول لنبيّه، اطلب هذا الطّلب، اطلبه لتعيشه في نفسِك قبل أن تطلبه منّي، لأنَّ الإنسان عندما يطلبُ شيئاً، فإنَّ من الطبيعي أن يكون راغباً فيما يطلبه، أو يطلبُ الابتعاد عن شيء، فمعنى ذلك أنَّه غير راغبٍ فيه. ولذلك، فإنَّ الدّعاء ليس مجرّد حالةٍ نفسيّةٍ روحيّةٍ يطلبُ الإنسان فيها شيئاً من ربِّه، كما يطلب أيَّ شيءٍ من غيره، لأنَّ الدعاء معنىً يعيش فيه الإنسان الطلبَ الذي يطلبه ليعمّقه في نفسه، ولا سيّما إذا كان من الأمور التي تتّصل باستقامته على الخطّ، وهو عندما يطلبُ من الله شيئاً، فكأنَّه يقول، أُحبّ يا ربِّ هذا الشّيء، لكنْ أُريدك أن تعاونني وتساعدَني في تحقيقه.

{رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. ما أُريده منك ـــ يا ربّ ـــ ألّا تجعلني جزءاً من هذا المجتمع، أو عنصراً يمتزج بِقِيَمِه وأفكاره وخُططه ومشاريعه وحركته، اجعلني مفصولاً عن هؤلاء وخارجَ نهجهم وتوجّهاتهم ومعتقداتهم.

وهو عندما يطلبُ ذلك من ربِّه، فليس على أساس أن يُبعده عن المنطقة الجغرافيّة التي يعيش فيها هؤلاء الظالمون، لأنَّ الإنسان المؤمن قد يعيش في منطقة جغرافيّة معيّنة يتواجد فيها الظالمون والمشركون والمنافقون، ولكنْ ما يطلبُه منه سبحانه، ألّا يجعله منهم فكراً، بحيث يكون فكرُه فكرَ الظّالمين، وألّا يجعله فيهم روحاً، كي لا تكونَ روحه روحَ المجرمين، وألّا يجعله فيهم أخلاقاً، حتّى لا تصيرَ أخلاقه أخلاق الكافرين، وألّا يجعله فيهم عملاً، فيصبح عمله عمل المنافقين، وفي الحديث: "بَايِنْ أهلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُم".

ولهذا، فإنَّ القضايا التي تتعلّق بالعقيدة والانتماء، لا تحتاجُ دائماً إلى الانفصال الجسدي والجغرافي عن الذين يرفضون هذه العقيدة، بل تحتاج إلى الانفصال الفكريّ والروحيّ والشعوريّ والعمليّ عنهم، ولذا، فإنَّ الإيمان لا بدَّ أن يُترجم في تولِّي أولياء الله، والتبرِّي من أعداء الله. والتبرِّي منهم لا يكون إلّا برفضِ قِيَمِهم ومعتقداتهم. وهذا ما يعلّمه الله تعالى لرسوله (ص)، وليس بصفتِهِ الذاتيّة، بل بصفتِه الرساليّة، حتّى يتعلّم ذلك كلُّ مَنْ أُرسل إليهم (ص)، فهذا التّعليم هو تعليم الرّسالة وليس تعليم الذّات.

إذاً، {رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، حتّى لا يكون مصيري مصيرَهم، لأنَّه يُقال: قل لي ما هو مجتمعك الذي تنفتح عليه وينفتح عليك، أقلْ لكَ مَنْ أنت؛ إنْ كان مجتمعك مجتمعَ الظالمين، فإنَّك ستُحشر مع الظّالمين في الآخرة، ومجتمعك في الدّنيا هو مجتمعُك في الآخرة.. فصداقات الدّنيا القائمة على التّقوى هي التي تبقى، أمّا الصّداقات القائمة على غير التقوى فهي تزول {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف: 67].

وبعد أن طلبَ رسول الله (ص) من الله سبحانه أن يريَه وعدَه بالظّالمين، يقول تعالى: {وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ}. نحن سوف نُرِيكَ غداً ما نعِدهم نتيجةً لظلمهم وكُفرهم وتمرّدهم من عذابٍ وعارٍ وخزي، لأنّنا قادرون على ذلك.

* من كتاب "من عرفان القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية