بمناسبة ما يحدث في غزّة والأردن:
فتوى العلامة السيد محمد حسين فضل الله حول جرائم الشرف
انقلاب في المفاهيم القضائية!
كثيراً ما نسمع عن جرائم الشرف والأخذ بالثأر، وعن مسألة الانتقام لشرف العائلة وسمعتها، خصوصاً في الأنظمة العشائرية والقبلية، وهي على حد قول الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبـه الـدمُ
وهي مسألة لا يُستهان بها أبداً، خصوصاً أن جرائم عديدة حصلت بدافع إعادة شرف العائلة إلى العائلة.
فما هي علاقة هذه الجرائم بالشرف تحديداً؟ وكيف ينظر الشرع الإسلامي إليها من جهة، والقانون من جهة أخرى؟ وهل ما زالت هذه الجرائم تحصل في أيامنا هذه وفي مجتمعاتنا المتحضّرة؟ وهل يجوز إعدام المجرم الذي ينفّذ جريمة الشرف؟ هنا تتضارب الأحكام نوعاً ما، ما بين القانون الوضعي والقانون الشرعي. وللاستفسار أكثر عن الموضوع، كان لنا لقاء مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في دارته في منطقة حارة حريك، حيث فسّر لنا المسألة عن كثب، وشرح لنا أن السبب الرئيسي الذي دفعه إلى إصدار الفتوى المتعلقة بجرائم الشرف، هو ما يحدث من تصرفات وحشية يمارسها البعض ضد المرأة في العالم الإسلامي أو في العالم الشرقي الذي تغلب عليه تقاليد عشائرية، لا تتقبل فكرة الخطأ عند المرأة.
وهذا نصّ الحوار:
س: هل الدين ينسجم مع التقليد الداعي إلى ربط شرف العائلة بشرف الفرد عند ارتكاب أي خطأ؟
ج: من المعروف أنه إذا أساء فرد من العائلة، ولاسيما في ما يمكن أن يصدر عن المرأة من انحراف جنسي، فإنّه لا ينبغي للعائلة أن تعتبر ذلك إساءة إلى شرفها، ولا أن يجعلها تستنفر لاستعادة هذا الشرف بواسطة قتل المرأة التي تُتهم بهذا الانحراف الجنسي. فقضية الشرف ترجع بأصلها إلى التقاليد البالية التي تحمِّل المرأة ما لا يتحمَّله الرجل، إذ نجد أن العائلة لا تعتبر الرجل الذي يسيء إلى نساء الآخرين، بواسطة الاعتداء الجنسي أو بالاغتصاب أو بأي وسيلة كانت، مذنباً أو مسيئاً إلى شرف العائلة؛ وهنا المفارقة.
فالإسلام يعتبر أن شرف كل إنسان متصل بنفسه، فإذا أساء الإنسان إلى شرفه، فليس لذلك أيّ علاقة بشرف العائلة أو بشرف الطائفة أو بشرف البلد في هذا المجال. فالله سبحانه وتعالى يقول: {
ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} (الأنعام:164)، لذلك فإن الشخص يتحمّل مسؤولية عمله، ولا يشاركه غيره في ذلك مهما كان قريباً منه.
س: وماذا عن مسألة التدقيق بالجرم؟
ج: إن جرائم الشرف غالباً ما تحصل من خلال شباب العائلة، بحيث تُتَّهم المرأة بالفعل دون أن يدقّق في صحة التهمة بشكل قضائي أو بشكل موضوعي، بل إن مجرد إشاعة تكفي في تجريم هذه الفتاة أو هذه المرأة، ما يدفع شيوخ العائلة أو الأب أو الأخ أو الزوج إلى القيام بقتل هذه المرأة، وهذا ما لا يبرره عقل ولا دين. لذلك لا يجوز لنا أبداً أن نعاقب إنساناً على فعل لم يثبت قيامه به.
س: كيف يثبت الجرم إذاً؟ وما هي عقوبة هذا الجرم بحسب الشرع الإسلامي؟
ج: لو ثبت الجرم على المرأة، فإنّه لا يجوز لأحد قتلها، حتى لو كانت تعيش في دولة إسلامية، بل يجب أن تعاقب بعد ثبوت الجرم بالجلد 100 جلدة، ويطبَّق الأمر نفسه على الرجل: {
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة} (النور:2).
أما في خصوص مسألة الإثبات، فلا يجوز الحكم على المرأة بأنها مارست الزنى إلا بعد أن يكون شهد على ذلك أربعة شهود عدول في أرفع درجة من الاستقامة الدينية، ولا يكفي أن يرى الشهود مثلاً رجلاً على جسد امرأة في عملية توحي بالجنس، ولكن يجب أن يشاهدوا العمل الجنسي بتفاصيله، وإلا اعتبرت شهادتهم باطلة من الناحية الشرعية. وقد احتاط الإسلام لعملية الكذب والتلفيق، واعتبر أنه في حال انسحب شاهد من أصل الشهود الأربعة، يتم معاقبة الشهود الثلاثة، ويعتبر ذلك قذفاً للمرأة بالزنى.
س: وماذا لو تمّ تصوير العملية الجنسية كاملة؛ هل تنتفي بذلك الحاجة إلى شهود أربعة؟
ج: عملية التصوير ليست حجّة شرعية، لأنها قد تخضع لعمليات فنية تظهر المسألة كما لو أنها مسألة حقيقية، في ما يمكن أن لا تكون كذلك. فاللعبة الفنية في عملية التصوير قد تظهر ما هو باطل على أنه حقّ.
س: ماذا لو وجد رجل امرأته متلبّسة بالزنى مع شخص آخر؟
ج: هناك رأي يحترمه الكثيرون من الفقهاء، وهو أنه لا يجوز للرجل أن يقتل امرأته، بل عليه أن يرفع الأمر إلى الجهات القضائية المختصة في هذا المقام، لأن الله لم يسلِّط الرجل على تطبيق القانون، كما لم يسلطه على مسألة الحكم بالزنى. وقد ورد في كتب السيرة، أن بعض الصحابة كانوا يتحدثون عن هذه المسألة، وعندما سُئل أحدهم عما يفعل في حال وجد زوجته مع رجل آخر، أجاب بأنه يقتلها. ولكن عندما نُقل الخبر إلى النبي(ص)، دعا الرجل إليه وسأله السؤال نفسه، فأجابه الرجل بالجواب المعهود، فسأله النبي(ص): وأين الشهود الأربعة؟ وهذا ما يفسّر أنه لا يمكن إجراء العقاب على الزوجة وصاحبها ما لم يكن هناك أربعة شهود.
شهادة الزوج لا تكفي
س: ألا تكفي شهادة الزوج ما دام الأمر صحيحاً؟
ج: السلطات القضائية والشرعية لا تكتفي بشهادة الزوج، لأنه قد يكذب. فقد تكون عنده عقدة ضد زوجته أو ضد الشخص الآخر، فلا بد هنا من رفع الأمر إلى القضاء المختص مع وجود الشهود الأربعة الذين يشهدون على العملية الجنسية. وهكذا تقدّم القضية إلى السلطات القضائية ليكون الحكم بالأمر بعدها للسلطة التنفيذية.
س: من هي السلطة المرجع في هذه المسائل؟
ج: القاضي الذي يستمع إلى الشهود ويثبت الجريمة، أيّ القاضي الشرعي.
س: ما الذي دعاكم إلى إصدار الفتوى في هذا الوقت تحديداً؟
ج: ما دعانا حقاً إلى إصدار هذه الفتوى مؤخراً، هو ما ينقله لنا الإعلام أخبار عن ازدياد جرائم الشرف التي تحصل في غزة والأردن، أو حتى في لبنان والمناطق الأخرى التي تضمّ مجتمعات عشائرية، وقد تكون غير إسلامية. ونحن في فتوانا هذه، نعتبر أن قاتل المرأة، سواء كانت عزباء أو متزوجة، تحت تأثير إشاعة أو تحت تأثير مؤشرات لا تثبت الجرم بطبيعتها، مجرم كبقية المجرمين، ويعامل كأي قاتل آخر يقتل بدون حق، لأنه لا يملك حقّ تنفيذ الحكم على المرأة، بل السلطة التنفيذية فقط هي التي تملك هذا الحقّ، ولو كان حكمها الشرعي يقول بوجوب القتل.
كما أننا نرفض كل ما ذكرته القوانين في البلدان العربية من دراسة الظروف التي تؤدّي إلى القتل، ولا نؤمن بالظروف التخفيفية في هذه الحال. وندعو كل الدول التي قنّنت التخفيف عن القاتل في جرائم الشرف، إلى إبطال هذا التخفيف، لأنه حكم مخالف لله ولكتاب الله ولسنّة رسول الله، ومخالف للإنسانية أيضاً. القاتل بدون حق يُقتل، حتى لو كان من أقرباء هذه المرأة.
س: وهل يجب قتل المجرم أو إعدامه؟
ج: نعم، يجب إعدام القاتل من قِبَل وليّ الدم، لأنّه مجرم، ويجب أن يعاقب كبقية المجرمين، والحكم الشرعي هو القصاص {ومن قُتِل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً} (الإسراء:33)، وهذا يعني أنّ لوليّ الدم الحق في المطالبة بإعدام القاتل أو في إعفائه من ذلك. وإذا عفا وليّ الدم يعفى القاتل من القتل.
خلاصة الفتوى، السعي لعدم جعل المرأة ضحية في مجتمعاتنا، وأستشهد في هذا المقام بكلمة لأبي العلاء المعري عندما كان مريضاً ووصف له الطبيب أن يشرب ماء الفرّوج وكان نباتياً، فقال: "استضعفوك فوصفوك، هلا وصفوا شبل الأسد". وهكذا، فإن عملية استضعاف المرأة غير مقبولة في مجتمعاتنا الإسلامية والشرقية.
وبعد، فلعلّ الحكم الشرعي في هذه الحال قد يماثل التشريع المدني الذي لا يفرّق في حكمه بين رجل وامرأة، والذي لطالما دان عمليات جرائم الشرف واعتبرها متخلّفة بالية صادرة عن مجتمعات مغلقة وغير منفتحة.
إنها خطوة مهمة نحو الاعتراف بالمرأة وبحقوقها المدنية والإنسانية التي لطالما كانت مهدورة لفترة طويلة، خصوصاً في المجتمعات الشرقية.
عسى أن تنال المرأة الحرية المطلقة في التصرف والعمل، فتصبح فرداً فعّالاً في المجتمع الشرقي أكثر، ما دامت محصَّنةً، وتحافظ على شرفها وكرامتها.
جويس عقيقي ـ الأفكار، 27/8/2007م
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 14 شعبان 1428 هـ الموافق: 27/08/2007 م