العلامة السيد محمد حسين فضل الله:
الزواج في الأفلام والمسلسلات يفتقد الصفة الجديّة للزواج
أثارت الفتوى التي أصدرها الشيخ فرحات العيد المنجي، وعدد من علماء الأزهر، عبر الصحف والمواقع الإلكترونية، جدلاً واسعاً، خصوصاً أنها تقضي برفض مشاهد الزواج والطلاق في المسلسلات، بحجة أن هذا الزواج يقع شرعاً، ما يعني أن الممثلة المتزوجة حقيقةً وتعقد قرانها تمثيلاً تكون قد تزوّجت مرتين. وتستند الفتوى إلى أن إجراءات الزواج والطلاق لا "هزل" فيها، بناءً على الحديث النبوي الذي يقول: "ثلاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ؛ النكاح، والعتق، والطلاق"، ولا يجوز الاستخفاف بهذه الأمور الثلاثة.
وتخلص الفتوى إلى أن ظهور ممثل وممثلة وبينهما مأذون على الشاشة، ثمّ عقد القران بالطريقة الشرعية، اعتماداً على العبارات المتفق عليها شرعاً، يعني أن الزواج قد تمّ بينهما، وإذا كانت الممثلة متزوجةً في الحقيقة، فهي بذلك تجمع بين زوجين.
بعد الاطّلاع على مواقف الفنانين من الفتوى، كان لا بدّ من الاطّلاع على موقف الدين، لذلك التقيت العلامة، السيد محمد حسين فضل الله، الذي ردّ على بعض تساؤلات الفنانين، كما أبدى موقفه من الفتوى كرجل دين، وكان لنا معه هذا الحوار:
س: أصدر أحد أعضاء لجنة الفتوى في الأزهر، الشيخ فرحات العيد المنجي، فتوى رأى فيها أنه لا يجوز التعامل مع مشاهد الزواج على أنها تمثيل وهزل؟
ج: إنّ الكلام الذي يترتّب عليه الأثر القانوني والشرعي، لا بد من أن يعبِّر عن إرادة جدية في المضمون والمعنى، في ما يقصدانه من العقد.
س: وما رأيك في ما اعتبره الشيخ المنجي، استناداً إلى حديث الرسول(ص): "ثلاث جدهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ؛ النكاح، والعتق، والطلاق"؟
ج: نحن نعتبر، استناداً إلى الروايات الصحيحة والقواعد الفقهية، أن أي عقد لا يقصد فيه الطرفان الجدية في إنشاء العلاقة الزوجية القانونية، كما لو انطلق في حال هزل أو غضب شديد يُفقد الإنسان توازنه وقصده، فإنه لا يملك أيّ قيمة شرعية، كذلك الحال في الطلاق؛ فلو توجّه الرجل بنطق لفظ الطلاق لزوجته على نحو الهزل والمزاح، فإن المرأة تبقى زوجةً له وتبقى العلاقة الزوجية قائمةً بينهما، لأن الإرادة التي يقصد بها الطرفان إقامة العلاقة الزوجية أو إنهاءها، هي شرط من شروط الصيغة، ولذا لا بد من أن يتحرك الجانب الإنشائي في الصيغة القانونية، على أساس قصد المضمون.
س: هل هذا يعني أن المرأة لا تطلق من الناحية الشرعية من زوجها، حتى لو ردّد أمامها عبارة "أنت طالق بالثلاثة"، إذا لم يكن قاصداً الطلاق على نحو الجدّ؟
ج: للطلاق في المذهب الشيعي شروط: أوّلها؛ أن تكون المرأة في طهر لم يواقعها فيه زوجها، بمعنى أن لا تكون قد أقامت علاقة جنسية أثناء الطهر مع زوجها، وعلى هذا، فإنّ الطلاق في حالة الدورة الشهرية، أو إذا كانت المرأة طاهرة، ولكن واقعها زوجها في هذا الطهر، يكون باطلاً. والشرط الثاني؛ لا بد من أن يكون هناك شاهدان عادلان، إذ لا يمكن لأي شاهدين أن يشهدا على الطلاق ما لم تتوفّر عندهم ملكة العدالة. الشرط الثالث؛ أن يكون قاصداً مختاراً، فلا قيمة لطلاق الهازل أو المكره. كما أن الطلاق بالثلاث لا يقع إلا طلقة واحدة، كما هو ثابت في الأحاديث النبوية وكذلك المروية عن أئمة أهل البيت(ع).
س: بما أنك تؤكد أهمية النيّة في الزواج، فهل هذا يعني أن الزواج الحقيقي إذا لم يكن مستنداً إلى نية حقيقية، لا يعد زواجاً شرعياً، حتى لو عقده المأذون الشرعي؟
ج: هناك نوع من الخلاف الفقهي بين المذاهب السنية والمذهب الشيعي حول هذا الموضوع، المذاهب السنية تشترط وجود شاهدين يشهدان على عقد الزواج، أما عند الشيعة فلا يشترط وجود الشاهدين ليكون الزواج شرعياً، بل يمكن أن ينشىء الرجل والمرأة عقد الزواج جدياً، من دون توسيط كاتب العقد، أو من دون وجود شاهدين، بل يعتبرون أن دوره في الزواج هو لإثبات العقد وتوثيقه من الناحية القانونية.
وفي رأيي، أن التشريع الإسلامي أراد أن يسهّل أمر العلاقات الزوجية، لذلك فهو لم يشترط توسّط رجل دين لإنشاء عقد الزواج، لأن الزواج يمثّل علاقةً شخصيةً وخاصةً جداً ينشئها الرجل والمرأة بإرادتهما.
س: وإذا تدخّلت المصلحة المادية في الزواج؛ فهل يكون باطلاً؟
ج: هناك نقطة أخرى في الزواج تتجاوز المسألة القانونية المادية، إذا صحّ التعبير، وهي مسألة الهدف من الزواج، فقد يكون الهدف منه الحاجة الجنسية، وقد يكون الهدف هو الرغبة في استغلال أحدهما للآخر مالياً، وقد يكون سياسياً أو خدماتياً، كما هي الحال في زواج الرجل الكبير في السنّ الذي يحتاج إلى رعاية، دون أن تكون له حاجة جنسية، وتكون للمرأة رغبة في الزواج من رجل مماثل، لتكفل عيشها وتستر نفسها. وهذا لا يقتصر على الوسط الإسلامي أو الشرقي، لأننا نجد أنّ هذا الأمر يحصل كثيراً في أوساط الممثلات والمغنّيات، إذ قد تتزوّج إحداهنّ شخصاً يكبرها في السنّ كثيراً لأنه غنيّ.
إنّ الزواج يمثل علاقةً بين شخصين، تنطلق خلفياتها بحسب الأهداف التي يسعى إليها الطرفان من إنشاء هذه العلاقة، ونحن لا نستطيع الحكم ببطلان الزواج الذي ينطلق من المصالح المادية، ولكنّ العلاقة الزوجية لا بد من أن تقوم على أساس المودة والمحبة كما نصّت عليه الآية الكريمة.
س: ما هي مواصفات رجل الدين الذي يحقّ له إصدار الفتاوى، وخصوصاً أن عدداً كبيراً من الفنانين المصريين اعتبروا أنه لا يحقّ لأي رجل دين أن يصدر الفتاوى؟
ج: إن من يملك حقّ إصدار الفتوى على قسمين: فهناك شخص يملك إمكانية إصدار الفتوى من ناحية علمه، بحيث يكون لديه المستوى العلمي الذي يمكّنه من استخراج الحكم الشرعي من الكتاب والسنّة، وقد لا يملك صفةً رسميةً، وهناك شخص مفتٍ يملك صفة رسمية لجهة تعيينه من قِبَل الجهات الرسمية الحكومية لهذه المهمة. ومن الطبيعي جداً أن يكون الشخص الذي يحقّ له إصدار الفتوى، مجتهداً عادلاً، يملك الثقافة الإسلامية الاجتهادية، وإلا لا تكون لفتواه قيمه. لذلك نحن نرى أن الكثيرين ممن يتصدون للفتوى لا تنفذ فتواهم... كما أن مجرد الصفة الرسمية للمفتي من قِبَل الدولة، لا قيمة لها من الناحية الشرعية، إذا لم يكن هذا المفتي المعيّن رسمياً، مجتهداً أو مثقفاً بثقافةٍ اجتهادية.
س: بعض الفنانين المصريين ربط بين هذه الفتوى وبين السياسة، من جانبكم، كيف تفسّرون توقيت صدور هذه الفتوى وفي هذه المرحلة تحديداً؟
ج: نحن نعتقد أن السياسة ما دخلت شيئاً إلا أفسدته، ولعلّ المشكلة أن بعض الحكّام يتدخلون في المسائل الدينية، وبعض علماء الدين يخضعون لرغبات الحاكم، إمّا للحفاظ على مواقعهم الرسمية، أو رغبةً في الجانب المادي. لذلك، لا بد من أن يكون الإنسان الذي يصدر الفتاوى ورعاً تقياً يخاف الله في نفسه وفي الناس.
س: هل تتوقّع أن تظلّ هذه الفتوى حبراً على ورق؟
ج: أنا لم أطّلع على تفاصيلها، ولكن إذا كانت الفتوى بالشكل الذي يطرحه السؤال فلا قيمة لها.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 27 شوال 1428 هـ الموافق: 07/11/2007 م