يمثّل كتاب "الإنسان في القرآن" للدكتور محمَّد خليل طرّاف، محاولة تفسيريَّة تربويَّة تسعى إلى إعادة اكتشاف صورة الإنسان في القرآن الكريم، بعيدًا من التَّعقيدات الكلاميَّة أو السّجالات الفقهيَّة، معتمدًا في ذلك على تفسير "من وحي القرآن" للعلَّامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله.
والكتاب بذلك ينطلق من فكرة محوريَّة، وهي أنَّ القرآن يقوم على ثنائيَّة كبرى: الله، والإنسان، وأنَّ كلَّ علاقة دينيَّة، هي في حقيقتها عمليَّة تصحيح وتأصيل لهذه العلاقة بين الخالق والمخلوق.
يناقش المؤلّف بدايةً خلق الإنسان من العدم إلى الوجود، مستندًا إلى قوله تعالى: {هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}[الإنسان: 1]، ويرى أنَّ أصل الإنسان ليس مجرَّد نتاج تطور بيولوجيّ، كما تقول النظريات الماديَّة، وعلى رأسها نظريَّة داروين، بل هو خلق إلهيّ مباشر من طين، مُكرَّم بنفخة الرّوح. فالإنسان وُجد كامل الإنسانيَّة منذ البداية، عاقلًا مدركًا مسؤولًا عن أفعاله، وليس حلقة عابرة في سلسلة حيوانيَّة.
بعد ذلك، يتناول طبيعة الإنسان من خلال النصوص القرآنيَّة الَّتي ترسم ملامحه المزدوجة؛ فهو عقل وإرادة من جهة، وضعف وجدال وكفران من جهة أخرى. فالإنسان قادر على التَّفكير، وعلى الاختيار الحرّ، لكنَّه في الوقت نفسه أكثر شيء جدلًا، سريع النسيان، ميّال إلى الغرور. ومع ذلك، يمنحه القرآن إمكانيَّة تجاوز هذه السلبيَّات عبر الإيمان والصَّبر والعمل الصَّالح، ليحقّق التَّوازن بين مادَّته وروحه، وبين ضعفه وقوَّته.
ويبرز الكتاب وظيفة الإنسان في الحياة بوصفه خليفة الله في الأرض. فالخلافة هنا ليست منصبًا شرفيًّا، بل مسؤوليَّة عمليَّة تتمثّل في عمارة الأرض على خطّ منهج الله. ومن أجل ذلك، جعل الله الابتلاء جزءًا من مسيرة الإنسان: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان: 2]. فالاختبار ملازم للوجود الإنسانيّ، والحريَّة الَّتي يتمتَّع بها هي شرط أساس للتَّكليف والجزاء.
كما لا يغفل الكتاب البعد الكونيَّ والاجتماعيَّ للإنسان، فهو جزء من هذا الكون، مدعوّ للتفكّر في آياته، وللتواصل مع الآخرين، عبر ما أودع الله فيه من قدرة البيان والتَّعبير. فالإنسان بهذا المعنى ليس كائنًا فرديًّا منغلقًا، بل هو كائن رساليّ منفتح على الكون والنَّاس، يعيش إنسانيَّته في شبكة من العلاقات المتبادلة، ويؤكّد حضوره من خلال قيم العدل والرَّحمة.
أمَّا عن المصير، فيرسم الكتاب مسيرة الإنسان من ولادته إلى موته، ومن بعْثه إلى حشْره، وصولًا إلى الجزاء العادل. فالحياة الدّنيا ليست إلّا مجالًا للاختبار، أمَّا الآخرة، فهي ميدان الجزاء، حيث تُكشف حقيقة الإنسان وتُوزن أعماله. ومن هنا، تكتمل صورة الإنسان في القرآن: مخلوق مكرّم، ضعيف في تكوينه، مسؤول في حرّيته، ومصيره بيد الله العادل.
إنَّ القيمة الكبرى لهذا الكتاب تكمن في منهجه الحركيّ والتربويّ، فهو لا يقدّم القرآن ككتاب تاريخ أو جدل نظريّ، بل يجعله حاضرًا في حياة القارئ، يخاطب واقعه وتحدّياته اليوميَّة. وهو أيضًا يقدّم رؤية إنسانيَّة شاملة، فالإنسان هنا هو "إنسان الله" قبل أن يكون منتميًا إلى دين أو طائفة أو عِرق، ما يجعل هذه القراءة للقرآن ذات أفق عالميّ يتجاوز الحدود الضيّقة.
وبهذا المعنى، فإنّ كتاب "الإنسان في القرآن" ليس مجرَّد دراسة تفسيريَّة، بل هو دعوة إلى أن يستعيد الإنسان وعيه بذاته وبموقعه في الكون، وأن يعيش مسؤوليَّته كخليفة لله في الأرض، عاملًا على تحقيق قيم الخير والعدل، ومستعدًّا ليوم يلقى فيه ربَّه.
صدر الكتاب حديثاً عن مركز الدّراسات الاستراتيجيَّة، وهو يقع في 288 صفحة من الحجم الوسط.
يمثّل كتاب "الإنسان في القرآن" للدكتور محمَّد خليل طرّاف، محاولة تفسيريَّة تربويَّة تسعى إلى إعادة اكتشاف صورة الإنسان في القرآن الكريم، بعيدًا من التَّعقيدات الكلاميَّة أو السّجالات الفقهيَّة، معتمدًا في ذلك على تفسير "من وحي القرآن" للعلَّامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله.
والكتاب بذلك ينطلق من فكرة محوريَّة، وهي أنَّ القرآن يقوم على ثنائيَّة كبرى: الله، والإنسان، وأنَّ كلَّ علاقة دينيَّة، هي في حقيقتها عمليَّة تصحيح وتأصيل لهذه العلاقة بين الخالق والمخلوق.
يناقش المؤلّف بدايةً خلق الإنسان من العدم إلى الوجود، مستندًا إلى قوله تعالى: {هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}[الإنسان: 1]، ويرى أنَّ أصل الإنسان ليس مجرَّد نتاج تطور بيولوجيّ، كما تقول النظريات الماديَّة، وعلى رأسها نظريَّة داروين، بل هو خلق إلهيّ مباشر من طين، مُكرَّم بنفخة الرّوح. فالإنسان وُجد كامل الإنسانيَّة منذ البداية، عاقلًا مدركًا مسؤولًا عن أفعاله، وليس حلقة عابرة في سلسلة حيوانيَّة.
بعد ذلك، يتناول طبيعة الإنسان من خلال النصوص القرآنيَّة الَّتي ترسم ملامحه المزدوجة؛ فهو عقل وإرادة من جهة، وضعف وجدال وكفران من جهة أخرى. فالإنسان قادر على التَّفكير، وعلى الاختيار الحرّ، لكنَّه في الوقت نفسه أكثر شيء جدلًا، سريع النسيان، ميّال إلى الغرور. ومع ذلك، يمنحه القرآن إمكانيَّة تجاوز هذه السلبيَّات عبر الإيمان والصَّبر والعمل الصَّالح، ليحقّق التَّوازن بين مادَّته وروحه، وبين ضعفه وقوَّته.
ويبرز الكتاب وظيفة الإنسان في الحياة بوصفه خليفة الله في الأرض. فالخلافة هنا ليست منصبًا شرفيًّا، بل مسؤوليَّة عمليَّة تتمثّل في عمارة الأرض على خطّ منهج الله. ومن أجل ذلك، جعل الله الابتلاء جزءًا من مسيرة الإنسان: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان: 2]. فالاختبار ملازم للوجود الإنسانيّ، والحريَّة الَّتي يتمتَّع بها هي شرط أساس للتَّكليف والجزاء.
كما لا يغفل الكتاب البعد الكونيَّ والاجتماعيَّ للإنسان، فهو جزء من هذا الكون، مدعوّ للتفكّر في آياته، وللتواصل مع الآخرين، عبر ما أودع الله فيه من قدرة البيان والتَّعبير. فالإنسان بهذا المعنى ليس كائنًا فرديًّا منغلقًا، بل هو كائن رساليّ منفتح على الكون والنَّاس، يعيش إنسانيَّته في شبكة من العلاقات المتبادلة، ويؤكّد حضوره من خلال قيم العدل والرَّحمة.
أمَّا عن المصير، فيرسم الكتاب مسيرة الإنسان من ولادته إلى موته، ومن بعْثه إلى حشْره، وصولًا إلى الجزاء العادل. فالحياة الدّنيا ليست إلّا مجالًا للاختبار، أمَّا الآخرة، فهي ميدان الجزاء، حيث تُكشف حقيقة الإنسان وتُوزن أعماله. ومن هنا، تكتمل صورة الإنسان في القرآن: مخلوق مكرّم، ضعيف في تكوينه، مسؤول في حرّيته، ومصيره بيد الله العادل.
إنَّ القيمة الكبرى لهذا الكتاب تكمن في منهجه الحركيّ والتربويّ، فهو لا يقدّم القرآن ككتاب تاريخ أو جدل نظريّ، بل يجعله حاضرًا في حياة القارئ، يخاطب واقعه وتحدّياته اليوميَّة. وهو أيضًا يقدّم رؤية إنسانيَّة شاملة، فالإنسان هنا هو "إنسان الله" قبل أن يكون منتميًا إلى دين أو طائفة أو عِرق، ما يجعل هذه القراءة للقرآن ذات أفق عالميّ يتجاوز الحدود الضيّقة.
وبهذا المعنى، فإنّ كتاب "الإنسان في القرآن" ليس مجرَّد دراسة تفسيريَّة، بل هو دعوة إلى أن يستعيد الإنسان وعيه بذاته وبموقعه في الكون، وأن يعيش مسؤوليَّته كخليفة لله في الأرض، عاملًا على تحقيق قيم الخير والعدل، ومستعدًّا ليوم يلقى فيه ربَّه.
صدر الكتاب حديثاً عن مركز الدّراسات الاستراتيجيَّة، وهو يقع في 288 صفحة من الحجم الوسط.