[يسأل البعض: لماذا يتضايق الشّيعة من فكرة اجتهاد النبيّ وهو بشر؟ وأنَّ فهمه قابل للخطأ؟]
هذا السّؤال يمكن أن يصاغ بأسلوبٍ آخر، فكأنَّ السّائل يريد أن يقول إنَّ النبيّ (ص) معصوم في التّبليغ، ولكن لماذا تريدون أن تقولوا إنّه معصوم في فهم ما بلَّغه، فهو ينقل الرّسالة ـ كما يرى السَّائل ـ مثلما أنزلها الله، ولكنّه بشرٌ وفهمه فهم بشريّ، فيمكن أن يخطئ ويمكن أن يصيب؟!
لكنّنا نقول إنَّ هذه الرؤية الاعتقادية هي ليست رؤية الشّيعة فقط، بل نظرة الرأي العام الإسلاميّ أيضاً، وهي أنّ النبيّ (ص) معصوم في فهمه للقرآن ولما أوحى به الله، فهو لا يخطئ. والسّبب في ذلك، هو أنّ الله سبحانه عندما أنزل الرّسالة على النبيّ (ص)، وهي القرآن الكريم، أراد له أن يبلِّغ القرآن في المبنى وفي المعنى، لأنه مبلّغ رسالة لا مجرّد كلمات، حيث لم يُرد له الله أن يبلّغ كلامه فقط ويترك للناس الحريّة في أن يفهموه كيفما يريدون، بل أراد الله له أن يبلِّغ الرسالة كلّها، وأن يشرحها وأن يفصِّلها وأن يفرعها، وأن يحرص حتى على تطبيقاتها الواقعيّة، أي أنه سبحانه وتعالى أراد للنبيّ (ص) أن يبلِّغ الرسالة فكرياً في الخطّ الفكريّ للرّسالة، وعملياً في الخطّ التطبيقي للرسالة. ولهذا، فإن الله سبحانه وتعالى أكّد أنّ كلّ ما يأتي به الرسول من كلام ومن فكر هو ما يجب على الناس أن يأخذوه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُو}[الحشر:7]. وكلمة {وَمَا آتَاكُمُ} تعني ما جاءكم به من القرآن والسنّة في القول أو العمل أو التقرير، والله تعالى يقول أيضاً: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: 21]. ويقول سبحانه: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}[النساء:80].
لذلك، لا يمكن أن نقول إنّ رسول الله كان مجتهداً كبقيّة المجتهدين الذين قد يخطئون وقد يصيبون، إنما كان معصوماً بكلّه، حتى إنّنا لا نوافق من يقول إنّه كان معصوماً في التبليغ وحسب ولم يكن معصوماً في أمور الحياة، بل نقول إنّه معصوم بكلّه، إن في التبليغ أو في شؤون الحياة المختلفة، لأنّ عمله كله وحركته في الحياة كلها هي رسالة.
ولذلك، فلا تجزيئية في شخصية النبيّ (ص)، بحيث نقول إنه معصوم بهذا الجانب وليس معصوماً بذاك الجانب، فالعصمة سرّ عقله وقلبه وإحساسه وشعوره وحركته في الحياة. وما نقوله عن رسول الله (ص)، نقوله أيضاً عن خلفاء رسول الله الأئمّة (ع). ولذا، فلسنا نوافق على التسمية التي يطلقها البعض "المذهب الجعفري"، لأنّ الإمام جعفر الصّادق (ع) ليس له مذهب اجتهد فيه كالمذاهب الأخرى، فلقد كان يقول: "حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدّي وحديث جدّي حديث رسول الله". فهم (ع) يأخذونها من عين صافية، ولا يجتهدون في فهم كلام رسول الله (ص) كما يجتهد الآخرون.
*من كتاب "مسائل عقيدية".