من وصيَّة أستاذ العرفاء السيِّد علي القاضي(قده)

من وصيَّة أستاذ العرفاء السيِّد علي القاضي(قده)

هو أستاذ العرفاء، آيةَ الله السيّد علي القاضي الطّباطبائي التّبريزي(قده) (1285 - 1365 للهجرة)، أحد أبرز الفُقهاء العُرفاء والفلاسفة وأساتذة الأخلاق في تاريخ الحوزة العلميّة في النّجف الأشرف وقمّ المقدَّسة.

هذا العالم الكبير والعرفاني الجليل الّذي ترك أثراً جليلاً في أخلاقه وسيرته وسلوكه، كانت له وصايا سجَّلها قبل وفاته، نستحضر بعضاً مما ورد فيها. ففي الفصل الثّاني من وصيّة السيّد القاضي(رض) ، والتي حرّرها قبَيل أشهرٍ من وفاته في النّجف الأشرف، يركّز على التوحيد كأساس تقوم عليه العقيدة، وتنشط فيه الروح، ويستلهم منه الفكر، ويشحذ منه الشّعور ، وهذا هو دأب العلماء في تربية الناس على معرفة الله عبر باب التّوحيد الذي يربطهم بخالقهم، ويفتح لهم الطّريق أمام السّير والانجذاب الواعي إليه.

بعد التّذكير بالتّوحيد، يأتي التذكير بالشهادة لمحمد بأنّه المبعوث رحمةً ورسولاً للعالمين، وما جاء به من الحقّ والصّدق من عند ربّه، ثم أوصيائه وأهل عترته الّذين تابعوا رسالته وحفظوها وأدّوا الأمانة للناس، ثم تأتي الشّهادة على أحقيّة البعث والنّشور، كتذكير للناس باليوم الذي يقفون فيه بين يديه تعالى للسؤال، إنه الموقف العظيم، حيث الجميع سيسأل، من علماء وغيرهم، عما قاموا به في دار البلاء والفناء.

فالإنسان المؤمن من يسعى للإعداد الصّالح لهذا السؤال الكبير من قبل الله تعالى، وهو في حالة التوكّل عليه وفي غاية الثقة به.

ثم يركز السيد القاضي(قده) على عنصر أساس وميزان دقيق نترجم من خلاله عمق توحيدنا وارتباطنا بالله تعالى، ألا وهو الصّلاة التي لا بدّ وأن نتزوّد بدروسها، ونستهدي بمعانيها بكلّ صدق وإخلاص وخشية لله وخضوع لإرادته بوعي وتسليم.

يركز السيد القاضي على إقامة المجالس الحسينية وإحيائها، بالنّظر إلى أهميتها التي تعكس روح التضحية وروح النهوض بالنفس في مواجهتها للأنا وللذّاتيات. وبطبيعة الحال، فإنّ السيد القاضي يتطلّع كغيره من العلماء الكبار إلى مجالس حسينيّة تستنفر وعي الإنسان وتثقّفه ثقافة الإسلام الأصيلة، تؤكّد روح الالتزام بما في دين الله من معان سامية.

يضيف السيّد القاضي تأكيد جملةٍ من الوصايا الأخلاقيّة التي تبني مشاعر الإنسان، وتنهض بروحه من الغفلة، وتعيدها إلى غاية النّشاط والفعل الإنسانيّ الأصيل، ومن تلك الوصايا، برّ الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما، والتخلّق بأخلاق الله، والتزام الصّدق بالكلمة والعمل والموقف والحركة والسّلوك، وموافقة الظّاهر للباطن، كذلك التواضع للناس والإحسان إليهم، ونشر التحيّة والسّلام، وعدم التسبّب بالأذى للنّاس والحياة، لما لذلك كله من انعكاس على علاقات العباد وأوضاعهم خيراً وأنساً وطمأنينةً وشعوراً بالتّضامن والتّكافل والتّعاون، بما يبرز الهويّة الإنسانية الصافية.

جاء في وصيّته: "بسم الله الرّحمن الرّحيم: يقول الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النّساء: 48].

... إحمِلوا عنّي - على وجه العَجل- هذه الشَّهادة:

أشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وَحْدَه لا شَريكَ لَه، كما شَهِد اللهُ لِنفْسِه وملائكَتُه‏ وأُولو العِلم مِن خَلقِه، لا إلهَ إلّا هو العزيزُ الحَكيم، إلهاً واحداً أحداً صمداً لم يَتَّخِذ صاحِبةً ولا وَلداً. لا شَريكَ لَه في الوجودِ ولا في الأُلوهيَّة ولا في العُبوديَّة، وأُشهِدُ اللهَ سُبحانَه وملائكَتَه وأنبياءَه وسماءَه وأرضَه ومَن حَضَرني مِن خَلقِه، وما يُرى وما لا يُرى، وأُشهِدُكم يا أهلي وإخواني علَى هَذه الشّهادَة، بَل كلَّ مَن قَرأ هذا الكتابَ وبَلغَتْه شهادتي، وأتَّخِذُكم جميعاً شاهداً وكفَى باللهِ شَهيداً. وأَشهَدُ أنّ مُحمّداً عَبدُه ورَسولُه، جاءَ بالحَقِّ مِن عِندِه وصَدَّق المُرسَلينَ، وأنَّ أوصياءَه مِن عِترَتِه اثنَا عشَر رجُلاً، أَوَّلُهم أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي ‏طالب، وآخِرُهم الإمامُ المُنتظَرُ القائمُ بالحقِّ، وأنّه سوف يَظهرُ ويُظهِرُ نورَ الحقّ، صلّى اللهُ عليهِ وعلَيهم أجمَعين.

وأشهَد أنّ البَعثَ حقٌّ، والنُّشورَ حَقٌّ، وكلَّ ما جاءَ به رَسولُ اللهِ أو قالَه أوصياؤهُ (صلّى اللهُ علَيه وعلَيهم) حَقٌّ لا ريبَ فيهِ. أسألُ اللهَ المَوتَ علَى هَذه الشَّهادَةِ، وهو حَسبُنا جَميعاً ونِعْمَ الوَكيلُ، والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين.

أمّا الوصايا الأُخرى، فعمدتُها الصّلاة، لا تتّخذوا الصّلاةَ [شأناً] سوقيّاً. أَدّوها في أوّلِ وقتِها بخضوعٍ وخشوع. إذا حافظتُم على الصّلاة، فسوف تُحفَظ جميعُ شؤونِكم. لا يُترَك تسبيحُ الصِّدّيقة الكبرى سلام الله عليها و[قراءة] آية الكرسيّ في تَعقيب الصّلاة... هذه هي الواجبات.

وفي المستحبّات، لا تَتهاونوا في إقامة العزاء، وزيارة مولانا سيّد الشهداء(ع)، ومجلسُ العزاء الأسبوعيّ -ولو حضره شخصان أو ثلاثة- سببُ تسهيلِ الأمور (من دواعي الفَرَج). وإذا أمضيتُم العمرَ من أوّلِه إلى آخرِه في خدمة الإمام الحسين(ع) بإقامةِ العزاء والزّيارة وغيرهما، فإنّ حقَّه ـ سلام الله عليه ـ لن يُؤدَّى أبداً. وإذا لم يتيسَّر ذلك بنحوٍ أسبوعيّ، فلا يُترَك في عشرة محرّم الأولى.

وبعد، وَلَو أنَّ هذه الكلمات بمَنزلة الضَّربِ على الحديد البارد، ولكن لزاماً عليّ (أنا العبد) أن أقولها: طاعة الوالدَين، حُسْنُ الخُلُق، ملازمةُ الصِّدق، موافقةُ الظّاهرِ للباطن، ترْكُ الخدعةِ والحيلة، المبادرةُ والسَّبقُ إلى السَّلام [التّحيّة]، الإحسانُ إلى كلِّ بَرٍّ أو فاجر، إلّا في المواردِ التي نَهى اللهُ تعالى عنها. هذه [العناوين] ذكرتُها، فَلْتَتعاهدوا نظائرَها. الله الله الله في أن تُؤذوا أحداً (قلبَ أَحَد)".

ندعو الله تعالى أن يوفّقنا للسّير كما أوصانا العلماء الأتقياء، الذين تركوا لنا الكثير مما نستفيده منهم بعد رحيلهم عنّا جسداً، واستلهام وصاياهم، والانفتاح على ما فيها من مسؤوليّاتنا ومسؤوليّة كلّ من يهمّه ذلك من علماء وغير علماء.

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

هو أستاذ العرفاء، آيةَ الله السيّد علي القاضي الطّباطبائي التّبريزي(قده) (1285 - 1365 للهجرة)، أحد أبرز الفُقهاء العُرفاء والفلاسفة وأساتذة الأخلاق في تاريخ الحوزة العلميّة في النّجف الأشرف وقمّ المقدَّسة.

هذا العالم الكبير والعرفاني الجليل الّذي ترك أثراً جليلاً في أخلاقه وسيرته وسلوكه، كانت له وصايا سجَّلها قبل وفاته، نستحضر بعضاً مما ورد فيها. ففي الفصل الثّاني من وصيّة السيّد القاضي(رض) ، والتي حرّرها قبَيل أشهرٍ من وفاته في النّجف الأشرف، يركّز على التوحيد كأساس تقوم عليه العقيدة، وتنشط فيه الروح، ويستلهم منه الفكر، ويشحذ منه الشّعور ، وهذا هو دأب العلماء في تربية الناس على معرفة الله عبر باب التّوحيد الذي يربطهم بخالقهم، ويفتح لهم الطّريق أمام السّير والانجذاب الواعي إليه.

بعد التّذكير بالتّوحيد، يأتي التذكير بالشهادة لمحمد بأنّه المبعوث رحمةً ورسولاً للعالمين، وما جاء به من الحقّ والصّدق من عند ربّه، ثم أوصيائه وأهل عترته الّذين تابعوا رسالته وحفظوها وأدّوا الأمانة للناس، ثم تأتي الشّهادة على أحقيّة البعث والنّشور، كتذكير للناس باليوم الذي يقفون فيه بين يديه تعالى للسؤال، إنه الموقف العظيم، حيث الجميع سيسأل، من علماء وغيرهم، عما قاموا به في دار البلاء والفناء.

فالإنسان المؤمن من يسعى للإعداد الصّالح لهذا السؤال الكبير من قبل الله تعالى، وهو في حالة التوكّل عليه وفي غاية الثقة به.

ثم يركز السيد القاضي(قده) على عنصر أساس وميزان دقيق نترجم من خلاله عمق توحيدنا وارتباطنا بالله تعالى، ألا وهو الصّلاة التي لا بدّ وأن نتزوّد بدروسها، ونستهدي بمعانيها بكلّ صدق وإخلاص وخشية لله وخضوع لإرادته بوعي وتسليم.

يركز السيد القاضي على إقامة المجالس الحسينية وإحيائها، بالنّظر إلى أهميتها التي تعكس روح التضحية وروح النهوض بالنفس في مواجهتها للأنا وللذّاتيات. وبطبيعة الحال، فإنّ السيد القاضي يتطلّع كغيره من العلماء الكبار إلى مجالس حسينيّة تستنفر وعي الإنسان وتثقّفه ثقافة الإسلام الأصيلة، تؤكّد روح الالتزام بما في دين الله من معان سامية.

يضيف السيّد القاضي تأكيد جملةٍ من الوصايا الأخلاقيّة التي تبني مشاعر الإنسان، وتنهض بروحه من الغفلة، وتعيدها إلى غاية النّشاط والفعل الإنسانيّ الأصيل، ومن تلك الوصايا، برّ الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما، والتخلّق بأخلاق الله، والتزام الصّدق بالكلمة والعمل والموقف والحركة والسّلوك، وموافقة الظّاهر للباطن، كذلك التواضع للناس والإحسان إليهم، ونشر التحيّة والسّلام، وعدم التسبّب بالأذى للنّاس والحياة، لما لذلك كله من انعكاس على علاقات العباد وأوضاعهم خيراً وأنساً وطمأنينةً وشعوراً بالتّضامن والتّكافل والتّعاون، بما يبرز الهويّة الإنسانية الصافية.

جاء في وصيّته: "بسم الله الرّحمن الرّحيم: يقول الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النّساء: 48].

... إحمِلوا عنّي - على وجه العَجل- هذه الشَّهادة:

أشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وَحْدَه لا شَريكَ لَه، كما شَهِد اللهُ لِنفْسِه وملائكَتُه‏ وأُولو العِلم مِن خَلقِه، لا إلهَ إلّا هو العزيزُ الحَكيم، إلهاً واحداً أحداً صمداً لم يَتَّخِذ صاحِبةً ولا وَلداً. لا شَريكَ لَه في الوجودِ ولا في الأُلوهيَّة ولا في العُبوديَّة، وأُشهِدُ اللهَ سُبحانَه وملائكَتَه وأنبياءَه وسماءَه وأرضَه ومَن حَضَرني مِن خَلقِه، وما يُرى وما لا يُرى، وأُشهِدُكم يا أهلي وإخواني علَى هَذه الشّهادَة، بَل كلَّ مَن قَرأ هذا الكتابَ وبَلغَتْه شهادتي، وأتَّخِذُكم جميعاً شاهداً وكفَى باللهِ شَهيداً. وأَشهَدُ أنّ مُحمّداً عَبدُه ورَسولُه، جاءَ بالحَقِّ مِن عِندِه وصَدَّق المُرسَلينَ، وأنَّ أوصياءَه مِن عِترَتِه اثنَا عشَر رجُلاً، أَوَّلُهم أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي ‏طالب، وآخِرُهم الإمامُ المُنتظَرُ القائمُ بالحقِّ، وأنّه سوف يَظهرُ ويُظهِرُ نورَ الحقّ، صلّى اللهُ عليهِ وعلَيهم أجمَعين.

وأشهَد أنّ البَعثَ حقٌّ، والنُّشورَ حَقٌّ، وكلَّ ما جاءَ به رَسولُ اللهِ أو قالَه أوصياؤهُ (صلّى اللهُ علَيه وعلَيهم) حَقٌّ لا ريبَ فيهِ. أسألُ اللهَ المَوتَ علَى هَذه الشَّهادَةِ، وهو حَسبُنا جَميعاً ونِعْمَ الوَكيلُ، والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين.

أمّا الوصايا الأُخرى، فعمدتُها الصّلاة، لا تتّخذوا الصّلاةَ [شأناً] سوقيّاً. أَدّوها في أوّلِ وقتِها بخضوعٍ وخشوع. إذا حافظتُم على الصّلاة، فسوف تُحفَظ جميعُ شؤونِكم. لا يُترَك تسبيحُ الصِّدّيقة الكبرى سلام الله عليها و[قراءة] آية الكرسيّ في تَعقيب الصّلاة... هذه هي الواجبات.

وفي المستحبّات، لا تَتهاونوا في إقامة العزاء، وزيارة مولانا سيّد الشهداء(ع)، ومجلسُ العزاء الأسبوعيّ -ولو حضره شخصان أو ثلاثة- سببُ تسهيلِ الأمور (من دواعي الفَرَج). وإذا أمضيتُم العمرَ من أوّلِه إلى آخرِه في خدمة الإمام الحسين(ع) بإقامةِ العزاء والزّيارة وغيرهما، فإنّ حقَّه ـ سلام الله عليه ـ لن يُؤدَّى أبداً. وإذا لم يتيسَّر ذلك بنحوٍ أسبوعيّ، فلا يُترَك في عشرة محرّم الأولى.

وبعد، وَلَو أنَّ هذه الكلمات بمَنزلة الضَّربِ على الحديد البارد، ولكن لزاماً عليّ (أنا العبد) أن أقولها: طاعة الوالدَين، حُسْنُ الخُلُق، ملازمةُ الصِّدق، موافقةُ الظّاهرِ للباطن، ترْكُ الخدعةِ والحيلة، المبادرةُ والسَّبقُ إلى السَّلام [التّحيّة]، الإحسانُ إلى كلِّ بَرٍّ أو فاجر، إلّا في المواردِ التي نَهى اللهُ تعالى عنها. هذه [العناوين] ذكرتُها، فَلْتَتعاهدوا نظائرَها. الله الله الله في أن تُؤذوا أحداً (قلبَ أَحَد)".

ندعو الله تعالى أن يوفّقنا للسّير كما أوصانا العلماء الأتقياء، الذين تركوا لنا الكثير مما نستفيده منهم بعد رحيلهم عنّا جسداً، واستلهام وصاياهم، والانفتاح على ما فيها من مسؤوليّاتنا ومسؤوليّة كلّ من يهمّه ذلك من علماء وغير علماء.

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية