المجيب عن الاستشارة: الشَّيخ يوسف سبيتي، عالم دين وباحث، عضو المكتب الشَّرعي في مؤسَّسة العلامة المرجع السيِّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
استشارة..
أنا طالب جامعيّ، أبلغ من العمر 20 سنة. أعاني منذ فترة فراغاً عاطفيّاً، يجعلني مشتّت الذّهن والتفكير أثناء العبادة، إذ أشعر بأنّني لست مخلصاً في صلاتي من ناحية الخشوع والتوجّه إلى الله. وقد أدَّى هذا الفراغ أيضاً إلى تدنّي مستواي الدِّراسي، بعدما كنت من المتفوّقين، إضافةً إلى أنَّني أشعر بأنّني مقصِّر مع والديّ، من حيث التّواصل معهما وبرّهما، لأنَّ الفراغ العاطفيّ يسبِّب لي نوعاً من الاضطراب والقلق والانطوائيَّة، فلا أطيق مجالسة أحد كثيراً، فضلاً عن النّتائج السّلبيّة الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أنَّني بعيد كلَّ البعد عن الزّواج خلال هذه الفترة. وعلى أقلّ تقدير، لن أتمكَّن من الزّواج إلا بعد خمس سنوات، فكيف سأحتمل هذه السّنوات وأنا على هذه الحال؟ وكيف يمكنني التخلّص من الفراغ العاطفيّ؟
وجواب..
ولدي العزيز:
إنَّ ما تعانيه أستطيع أن أسمّيه "اضطرابات فترة المراهقة"، وقد يكون هذا الأمر طبيعيّاً في هذه المرحلة من العمر، نتيجة أسئلة كثيرة ترد إلى الذّهن، وقد لا تجد لها الجواب الكافي والشّافي، من قبيل الغاية من هذه الحياة، أو الخوف من الموت، أو الخوف من المستقبل المجهول...
وهذا الفراغ العاطفيّ الّذي تشعر به، لا بدَّ من البحث عن أسبابه الحقيقيّة، فربما يكون السبب افتقاد الأمان النفسيّ الأسريّ، لانشغال أبويك ربما بمعترك الحياة العمليَّة، أو ضعف الوازع الدّيني، لكن أقدّم لك بعض النّصائح التي قد تفيدك في هذا المجال:
1ـ ركِّز على النِّعم الّتي حباك الله بها، من صحَّةٍ وعافيةٍ وجمالٍ وذكاء، وكثيرٍ من الصِّفات الحسنة، واستثمرها ولا تلتفت إلى ما نقص منك وفاتَكَ.
2ـ كن متفائلاً، لأنَّ التفاؤل يمكن أن يكـــــون مصــــدراً للتّحفيز الذّاتي، ويجعلك تواجه المستقبل بجدارة.
3ـ قم بممارسة بعض الأنشطة الرياضيَّة والهوايات النّافعة والمسلية والمحبّبة إليك، مع القيام برحلات ونزهات في أحضان الطّبيعة بين فترةٍ وأخرى، وذلك لتجديد النّشاط والحيويّة.
4ـ اختر الأصدقاء الصَّالحين والخيّرين والعقلاء.
5ـ تردّد إلى المساجد لسماع الخطب والمواعظ من العلماء الواعين.
6ـ قوِّ ارتباطك بالله، وكن دائم التوكّل عليه عزَّ وجلَّ، وبذلك تحصل على الرّضا والطمأنينة في كلّ أمور حياتك.
قال عزَّ وجلّ: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرّعد : 28].
وفي موضوع العبادة، لا يشعر الإنسان دائماً بالخشوع فيها، وهذا أمر طبيعيّ، ولكن عليه أن لا يستسلم لوساوس الشَّيطان، فإذا حصل وصلّى من دون خشوع، فهذا لا يعني عدم صحّة العمل، ولا بدَّ من المحاولة دائماً.
أمّا بالنّسبة إلى العلاقة مع الوالدين، فلا أعلم طبيعة العلاقة مع والديك من الأساس، فهل حاولت الحديث معهما عن معاناتك ومشاكلك؟ وهل العلاقة معهما قائمة على أساس الاستماع إليك، وعلى أساس الحوار والتّفاهم؟ وهل يقيم والداك علاقة صداقة معك، أو أنَّ الأمر يقتصر على وضع القوانين والممنوعات وإصدار الأوامر؟ وهل العلاقة بين والديك مع بعضهما البعض علاقة مستقرّة؟
لن أطيل عليك في مقاربة الموضوع من جميع جوانبه، وإذا لم تنفعك النّصائح، فالأمر يحتاج إلى مرشد اجتماعيّ أو معالج نفسيّ.