استشارة..
كيف أتجنَّب الوقوع في اللغو، وحيث أن أكثر الَّذين أعمل معهم أو أزورهم من الأهل والأصدقاء، لا يستطيعون الصَّبر عن الثرثرة وذكر الأشياء الَّتي لا فائدة منها، حتى إنهم أحياناً يكونون سبباً في تأخري عن أداء واجباتي المهنية والاجتماعية المفيدة، بسبب خوضي في اللغو معهم من حيث لا أشعر، فأنتبه إلى ذلك متأخراً عندما أرى طاقاتي قد استنزفت في غير مكانها الصحيح.
ربما مشكلتي أنني لا أستطيع أن أقول لهم إنني مشغول في العمل أو المذاكرة أو أداء واجباتي، وكأنني لا أجد الكلمات المناسبة التي من شأنها أن توصل الرسالة إليهم بأن لدي التزامات تجاه عملي ومجتمعي، وأنني غير مستعد لأن أصغي إلى مواضيعهم إذا كانت مجرد لغو، كما أخشى دائماً من أن تؤذي هذه المصارحة مشاعرهم أو تجرحها. فما هو الحل؟
وجواب..
إنَّ اهتمامك بالأمور الجادة هو أمر جيد وتوجه حكيم، ولا شكَّ في أنّ الأدب الإسلامي الرفيع يقضي علينا بالاهتمام بالأمور الجادة والأعمال النافعة، والبعد عن اللغو في القول، أو صرف الوقت في أعمال عابثة وغير مفيدة، ولكن لا يتنافى مع الشرع الإسلامي الحنيف مجالسة الأهل والأصدقاء ومبادلتهم المزاح المهذب وملاطفتهم، وذلك في إطار المجاملات، وفي المناسبات التي يفضل لنا الانسجام فيها مع عادات المجتمع وتقاليده، لأن الجدية المفرطة، واعتزال حركة المجتمع العادية، هو أمر يؤذي النفس ويؤذي المحيطين من أهل وأصدقاء وزملاء.
فإنَّ من حق النفس علينا أن نرفّهها لتقوى على القيام بالأمور الجادة، كما أن من حق المحيطين بنا أن يروا منا البسمة والاهتمام والانفتاح عليهم. نعم، ثمة أنواع من اللغو محرمة، مثل المزاح بالسباب أو الضرب، ومثل السخرية من الآخر أو غيبته، ومثل نقد آراء علماء أو خبراء من قبل أشخاص لا يملكون الكفاءة، وما أشبه ذلك، فإنَّ مثل هذه الأعمال هي من اللغو الذي يجب تجنبه وترك الخوض فيه ونهي القائمين به عنه، وذلك حيث يمكن نهيهم، وإلا فلا يجب شيء تجاههم سوى الانسحاب بشكل مناسب.
وعلى العموم، علينا أن لا نعيش حالة الانزعاج من محيطنا العائلي أو المدرسي أو المهني في أوضاعه المتعارفة التي يعيشها الناس، وعلينا أن نقدر الناس في مثل هذه الحالات، ما دام في نطاقه المقبول شرعاً وعرفاً. وحيث ننزعج من بعض الحالات، فإن علينا أن نكون حكماء في التصرف، وسنجد خيارات عديدة لتجنب المواقف المحرجة، مثل المطالعة في المكتبات العامة، أو تخير الوقت الذي لا تجتمع فيه العائلة عادة...
صاحب الاستشارة: ع. ح.
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلّف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض).