استشارة..
ما هي حدود العلاقة بين الشّاب والفتاة المخطوبين (عقد زواج)، من الناحيتين الشرعيَّة والأخلاقيَّة، ومن ناحية التقاليد والمجتمع؟
وجواب..
تعتبر فترة الخطوبة فترة مهمّة وحسّاسة في رحلة زواج الخاطبين، فهي مهمّة لجهة حرص كلّ منهما على التعرف العميق والمباشر إلى الآخر، وحساسة لجهة أنّ كلاً منهما عرضة للرفض والمفارقة بسهولة ويسر عندما تظهر منه صفات أو تصرفات تزعج الآخر وتؤذيه، أو تجعله في خوف على نفسه منه في المستقبل.
لذا، فإننا نودّ أن نلفت نظر الخاطبين إلى ما يلي:
أولاً: أن يحرصا على أن يكون كلٌّ منهما واضحاً في تصرفاته وأفكاره وصفاته أمام الآخر، وذلك بأن يخبر الآخر بما يحب ويكره في لباسه وطعامه وسهره ونومه وصداقاته ومزحه وجدّه، وما أشبه ذلك من نشاطه العام وتصرفاته العادية، كما أنّ عليه أن يكون واضحاً في مستوى إيمانه وتدينه، وكذا في علمه وثقافته، وفي غناه وفقره وجاهه، فلا يتصنَّع أحدهما أمام الآخر ما ليس فيه من خصال الإيمان والتديّن، تمويهاً وخديعة له، ورغبة في إظهار نفسه على غير حقيقتها وواقعها، ولا يدعي أنه في مستوى علمي وثقافي جيد ومهم، أو أن حالته المادية يسيرة ومريحة، أو أنه يمتلك جاهاً ومقاماً اجتماعياً عالياً، وهو بخلاف ذلك، لأن ما يحدث كثيراً في هذه الفترة، حرص الفتى أو الفتاة وأهلهما على أن يبدوا حسناتهم وصفاتهم الحميدة، ويكتموا سيئاتهم وصفاتهم القبيحة، بهدف تمرير فترة الخطوبة وإتمام الزفاف، ثم لا يبالون بعد ذلك بما سينكشف منهم، مادام سيصعب على المتضرر التراجع وطلب الطلاق.
إنَّ الخاطبيْن وأهلهما مسؤولون جميعاً عن العديد من الانتكاسات التي تحدث في فترة الخطوبة، بسبب ما كان قد حدث من خلل في آلية التعارف ونوعه ودرجته، وما أحاط به من التباس وغموض، وخصوصاً في سلامة الخاطبين الجسدية والنفسية، أو في حالة الخاطب الاقتصادية والاجتماعية، وغير ذلك مما هو من هذا القبيل.
هنا، أود أن ألفت النظر إلى أن هذه التوصيات لا تشمل الماضي العاطفي والجنسي، فإن الأفضل بل اللازم عدم ذكره، وخصوصاً ما يكون منه عابراً وسطحياً، فمادام الفتى أو الفتاة على حالتهما الطبيعية بسبب تلك العلاقات، حيث لم يحدث حمل جراءها، ولازالت الفتاة بكراً، ولم تترك لديهما صدمة نفسية، فإن عليهما إبقاءها سراً مخزوناً في النفس، ولا يبديها أحدهما للآخر، وخصوصاً للخاطب، لأنها أمور حساسة، وقد تترك في نفس المستمع خوفاً أو غيرة أو نفوراً، وتتسبّب في انهيار الخطبة وحدوث الفراق.
ثانياً: على كلٍّ منهما أن يقدّر موقع أهل شريكه ورفيع مكانتهم في نفسه، وخصوصاً في نفس الفتاة وحياتها. لذا، فإن من الضروري أن تكون الخطوة الأولى هي التعرف إلى طبيعتهم من الناحية النفسية والاجتماعية، وخصوصاً نوع علاقتهم بولدهم، وذلك من أجل معرفة كيفية التعامل مع الأهل ومداراتهم، ومن أجل تفهم تصرفات الشريك التي قد تنطلق من مداراة الأهل ومراعاة وضعهم، كما أن من الضروري في الخطوة الثانية، العمل على كسب ثقة أهل الشريك، وإظهار الاحترام لهم، والتعاطف معهم. وأهم ما ينبغي من ذلك، هو غض النظر عن أخطائهم، والصفح عن إساءاتهم، وكتمان أسرارهم، واحترام رغباتهم.
ثالثاً: لا بدّ للخاطبين من أن يكونا واضحين وصريحين في المسائل المالية، فمن جهة المهر، على الفتاة وأهلها أن يجعلوه معلوماً ومعيناً لا غموض فيه ولا التباس، كي لا يكون مقداره ونوعه مثار نزاع واختلاف. ويفضل في فترة الخطوبة عدم تداخل أموال الخاطبين، وبقاء مال كل منهما منفصلاً عن مال الآخر، كما يفضل قدر الإمكان أن يتَّكل الخاطب على نفسه وأهله في تأمين متطلبات الزواج، وأن يبقى ما يساهم به أهل الفتاة واضحاً ومعتبراً لابنتهم، فقد شهدنا نزاعات مريرة حول هذه الأمور عند الاختلاف والرغبة في الطلاق، تسببت كثيراً بضياع حقوق أحد الطرفين أو كلاهما، وخصوصاً ما صار مألوفاً من تشارك الخاطبين في شراء منزل على الإسكان من نتاجهما إن كانا عاملين.
ومن جهة أخرى، فإنه لا نفقة للزوجة المعقود عليها في فترة الخطوبة، سوى ما هو متعارف من إعطائها مصروفاً شخصياً متناسباً مع حالتها الاجتماعية. وهنا، نلفت نظر الشاب إلى أن عليه أن لا يظهر حرصه على التوفير في الحالات والمناسبات التي تقتضي البذل والعطاء، كتقديم هدية لها في مناسباتها العزيزة عليها، أو تقديم هدية لأهلها عند زيارته لهم، أو في المناسبات التي يتهادى فيها الناس، فإن الفتاة وأهلها ينتظرون من الخاطب أن يفعل ذلك، لدلالته المعنوية عندهم أكثر من قيمته المادية.
رابعاً: تعتبر العلاقات العاطفية بين الخاطبين حقاً مشتركاً بينهما، إذ إنه بمجرد عقد الزواج بينهما، يصير كل منهما حلالاً على الآخر، ولكن فيما عدا الدخول، فإنه يجب على الفتاة أن تطيع خطبيها في ذلك، وعلى الشاب أن يكون حكيماً وصبوراً في التعاطي مع هذا الموضوع الحساس، وخصوصاً أن الكثير من الفتيات يكن ساذجات من هذه الجهة، أو يغلبهن الحياء، أو تقيدهن تحذيرات الأم ووصاياها. لذا، فإن مثل هذه الأمور العاطفية تحتاج في المرحلة الأولى إلى حدوث الانسجام بينهما والألفة، وارتفاع الحياء والخجل. ومن المهم أن لا يبدو الخاطب أنانياً ولجوجاً في مثل هذه الأمور الحساسة، خشية أن لا تصدم خطيبته بذلك، وتتفاجأ به، وتأخذ انطباعاً سيئاً عنه، وتنفر منه.
خامساً: رغم أنه لا يجب على الزوجة المخطوبة قبل زفافها إطاعة خطيبها فيما يطلبه منها في أي مجال من المجالات، سوى ما تقدم ذكره في حقه عليها، فإن عليهما معاً حفظاً للمودة، وتحقيقاً للانسجام، وتأسيساً لزيادة التفاهم، أن يحرص كل منهما على استرضاء الآخر ومطاوعته فيما يمكن من رغباته، وخصوصاً إن صدرت منه بطريقة التمني، أو أحسّ الآخر برغبته فيها، وخصوصاً الفتاة، حيث يتوقع خطيبها منها مطاوعته في ذلك، وبخاصة إن كانت رغباته مقبولة عرفاً أو شرعاً، وكانت موجبة لزيادة الكمال في الشخصية والعلاقات.
إننا لا نرى ضيراً على كلٍّ من الخاطبين أن يحرص على استرضاء شريكه في إطار المعقول والممكن والمشروع من المطالب، لأنه من حسن المعاشرة المطلوبة منهما معاً.
***
مرسلة الاستشارة: جنان.
المجيب عن الاستشارة: الشيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلّف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 13 كانون الأول 2013م.
نوع الاستشارة: اجتماعية.