التوحيد وملاحقة الأفكار المنحرفة

التوحيد وملاحقة الأفكار المنحرفة

كلماته في التوحيد

ونحاول هنا إثارة بعض الكلمات التي وردت عن الإمام الحسن العسكري(ع) في شؤون العقيدة والتفسير والأخلاق، لأنّ علاقتنا بالأئمة(ع)، كما ذكرنا أكثر من مرة، هي علاقة السير على منهاجهم والانفتاح على علمهم، والتحرّك في الواقع الذي يصنعونه ويديرونه ويقودونه.

ففي باب التوحيد، هناك عدة أحاديث في جانب العقيدة بالله سبحانه وتعالى، حيث كان الجدل يدور في المراحل التي عاش فيها الأئمة من أهل البيت(ع)، منذ عهد الإمام الباقر(ع) حتى عهد الإمام العسكري(ع)، في صفات الله، فكان بعضهم يتحدّث عن أن الله جسم، والبعض يتحدث عنه أنه صورة وما إلى ذلك، وكان الأئمة(ع) يتّبعون في توجيه الناس منهجاً يعتمد لغة القرآن بأسلوبه ومفرداته في العقيدة، ليوجّهوا الناس إلى الأخذ بالعناوين الكبرى في العقيدة من القرآن، وأن لا ينطلقوا من خلال أسلوب الفلسفة، لأنّ هذا الأسلوب بالرغم مما يحمله من إيجابيات، إلا أنه لا يملك أن يتحدّث عن الله سبحانه وتعالى كما هو الحديث عن صفاء العقيدة، لأن التعقيدات الفلسفية قد تردّ الشبهات، ولكنها لا تستطيع أن تبني العقيدة.

فعن يعقوب بن إسحاق قال: "كتبت إلى أبي محمد(ع) أسأله: كيف يعبد العبد ربّه وهو لا يراه؟ فوقّع(ع): يا أبا يوسف، جلّ سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى ابائي أن يُرى {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام:103]، {ليس كمثله شي‏ء} [الشورى:11] قال: وسألته: هل رأى رسول الله(ص) ربه؟ فوقّع(ع): إنّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبّ"(1).

فلقد رأى رسول الله(ص) ربّه، ولكنّه لم يره بالعين الباصرة، بل بعين قلبه، لأنّ القلوب تبصر من الحقائق ما لا تستطيع العيون أن تبصره {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج:46]. فمشكلة بعض الناس أنهم يملكون العيون المفتوحة والقلوب العمياء، والخطورة كلّ الخطورة أن يكون القلب أعمى.

وعن الكليني عن سهل: (والراوي هنا قد لا يكون موثوقاً، ولكنّ الرواية موثوقة لأنها تتفق مع روايات صحيحة، ولأنها لا تشتمل على ما يدعو إلى الكذب) "قال: كتبت إلى أبي محمد(ع) سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد ـ وهذا يدلّ على أن الجدل الكلامي في التوحيد كان يدور حتى في أوساط أتباع أهل البيت(ع) ـ فمنهم من يقول هو جسم، ومنهم من يقول هو صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطوّلاً على عبدك ـ والعبودية هنا من باب التواضع ـ فوقّع بخطّه(ع): سألت عن التوحيد وهذا منكم معزول، الله واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم، ويصوّر ما يشاء وليس بصورة، جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه أن يكون له شبه، هو لا غيره وليس كمثله شي‏ء وهو السميع البصير"(2).

فلقد أراد الإمام العسكري(ع) أن يقول للسائل أن لا يستغرق في الجدل الكلامي والتعقيدات الفلسفية عندما يتحدث عن الله سبحانه وتعالى، ولكن طلب إليه أن يقرأ كتاب الله في ما أنزله من آياته، فهو أعرف بنفسه من مخلوقاته كلها، لأنَّ المخلوق لا يستطيع أن يعرف من ربّه إلاَّ ما عرّفه ربه، وإلاّ ما يمكن أن يدركه العقل من صفاته، فهو ليس بجسم لأنه خالق الأجسام، وهو ليس بصورة لأنه خالق الصورة ومبدعها.

وقد جاء عن المسعودي في (إثبات الوصية) بإسناده عن أبي هاشم الجعفري، قال: سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد(ع) عن قول الله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويُثبت وعنده أمّ الكتاب} [الرعد:39]. فقال: "هل يمحو إلا ما كان، وهل يثبت إلا ما لم يكن"؟ فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقول (هشام القوطي) إنّه لا يعلم الشي‏ء حتى يكون. فالله سبحانه وتعالى ـ حسب هذا القول ـ إنما يعلم الأشياء بعد أن تتكوّن، والإمام(ع) يقول إنّ الله يعلم بالأشياء قبل وجودها ـ فنظر إليّ شزراً ـ فكأن الإمام(ع) عرف ما في نفسه.

وهناك أحاديث كثيرة عن الإمام العسكري وعن الأئمة(ع) تذكر أنّ بعض الناس كان يسمع الجواب من الإمام عما كان يدور في ذهنه وهو يفكّر، أي لم يطرح السؤال بعد، حيث إن الملكة القدسية تجعله(ع) يعرف ما يضمر هؤلاء من قبل أن يتحدّثوا به ـ فقال(ع): تعالى الجبّار العالم بالشي‏ء قبل كونه، الخالق إذ لا مخلوق، والربّ إذ لا مربوب، والقادر قبل المقدور عليه"، فقلت: أشهد أنّك وليّ الله وحجّته والقائم بقسطه، وأنك على منهاج أمير المؤمنين"(3). فلقد أكّد له أنَّ المخلوقين يحتاجون إلى معرفة الأشياء في صورتها الوجودية، أما الله فهو الذي يخلق الوجود، فهو يعرف ما يريد أن يخلقه قبل أن يخلقه.

ملاحقة الأفكار المنحرفة

وهناك قصة ينقلها ابن شهرآشوب في (المناقب) عن أبي القاسم الكوفي في كتاب (التبديل) تدلّ على أن الإمام العسكري(ع) كان يلاحق التطوّر الثقافي في مواجهة الفكر الإسلامي، بحيث كان يلاحق المفكرين في زمانه، وخصوصاً الذين يعملون على تهديم الأسس العقيدية والثقافية للإسلام، ومنهم فيلسوف العراق، ويُقال أيضاً فيلسوف العرب (يعقوب بن إسحاق الكندي)، فيروي ابن شهرآشوب عن الكندي: "أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منزله، وإن بعض تلامذته دخل يوماً على الحسن العسكري، فقال له أبو محمد(ع): "أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟ فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منّا الإعتراض عليه في هذا أو في غيره؟ فقال له أبو محمد(ع): أتؤدي إليه ما ألقيه إليك؟ قال: نعم، قال: فَصِرْ إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله ـ فالشرط الأول أن تدخل قلبه لتستطيع أن تدخل عقله، وهذا أسلوب من أساليب الحوار في القران، وهو أنك إذا أردت أن تدخل في حوار فكري مع شخص آخر تختلف معه لتقنعه بما أنت فيه، أو لتناقشه فيما هو فيه، فعليك أولاً أن تفتح قلبه بالكلمة الحلوة والإطلالة الحلوة والأسلوب الحلو، لا أن تكفّره وتزندقه وتجهّله {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل:125]، {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [الإسراء:53].

ـ فإذا وقعت الأنسة في ذلك، فقل: قد حضرني مسألة أسألك عنها، فإنه يستدعي ذلك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بالقرآن (أي الذي يوحي لك بهذه الأفكار)، هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم به غير المعاني التي قد ظننت أنّك قد ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول: إنه من الجائز، لأنّه رجل يفهم إذا سمع ـ وعظمة أهل البيت(ع) أنهم لا ينكرون على الذين يختلفون معهم صفاتهم الإيجابية، خلافاً لما هو دائر بيننا، فإذا اختلفنا مع شخص فلا نتحدّث عنه بخير ولو بنسبة واحد بالمائة، فمع أن الكندي ألّف كتاباً في تناقض القرآن وهو أمر خطير، لكن الإمام(ع) يقول لتلميذه إنه سيقول لك من الجائز، لأنه رجل مفكّر، ولأنه رجل منسجم مع نفسه، فإذا جئته بفكرة معقولة، فإنها سوف تدخل عقله ولا يتعصّب في رفضها ويتشبّث بقناعاته ـ فإذا أوجب ذلك ـ فإذا رأيته استجاب للمسألة ـ فقل له: فما يدريك، لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فيكون واضعاً لغير معانيه.

فصار الرجل إلى الكندي، وتلطّف إلى أن ألقى هذه المسألة، فقال له: أعد عليّ، فأعاد عليه، فتفكّر في نفسه، ورأى أنّ ذلك محتملٌ في اللغة وسائغٌ في النظر ـ فاللغة العربية مرنة متحرّكة، فقد يفهم بعض الناس الكلام على أنه الحقيقة وهو من المجاز، وقد يفهم أن المراد هو المعنى اللغوي والمقصود هو المعنى الكنائي.

فقال: أقسمت عليك إلا أخبرتني من أين لك؟ فقال: إنه شي‏ء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلاّ، ما مثلك من اهتدى إلى هذا، ولا من بلغ هذه المنزلة، فعرّفني من أين لك هذا؟ فقال: أمرني به أبو محمد(ع)، فقال: الآن جئت به، وما كان ليخرج مثل هذا الأمر إلا من ذلك البيت "الذي زقّ أهله العلم زقاً ـ والذين يعيشون صفاء الحقيقة واستقامة التفكير والجدل من أجل الوصول إلى الحقيقة ـ ثم إنه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه"(4).

فالإمام العسكري(ع) كان يتابع بدقّة ما يجري على الساحة الفكرية في عهده، ويناقش الأفكار المنحرفة التي تُطرح هنا وهناك، وكان يواجهها بالحجّة وبالأسلوب العلمي، لأنه يعرف أنّ شخصاً مثل الكندي الذي هو فيلسوف العراق، لا يمكن أن تردّه عمّا هو فيه بالأساليب السلبية كالشتائم والتكفير والتضليل وما إلى ذلك، مما يستخدمه المتفلسفون الذين لا يملكون الحجّة على ما يواجهون به الذين يختلفون معهم.

وهناك حديث آخر أيضاً يحاول الإمام(ع) أن يردّ فيه بعض الشبهات. فعن الكليني بإسناده عن إسحاق بن محمد النخعي، قال: "سأل الفهفكي أبا محمد(ع) السؤال المطروح دائماً: {للذكر مثل حظّ الأنثيين} [النساء:11]، فلماذا جعل الله المرأة الطرف الضعيف وأنقص من حقها وجعل الرجل الطرف القويّ وجعل له الحظّ الأوفر، ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟! فقال أبو محمد(ع): "إنّ المرأة ليس عليها جهاد ـ بينما الرجل عليه جهاد، وكان الرجل في الجهاد يأخذ سلاحه، فلم تكن الدولة تعطي المقاتل سلاحاً، بل يشتريه ويحمل معه مؤونته وراحلته ـ ولا نفقة للمرأة ـ فلا يجب عليها أن تنفق على الرجل ولا على أولادها، بل الرجل هو الذي ينفق عليها ـ ولا عليها معقلة" ـ فإذا قتل شخص إنساناً خطأ، فإنّ الدية تتحملها العاقلة، وهي الرجال من الأقرباء، أما النساء فلا يدفعن الدية، فالله عندما أعطى الرجل أعطاه بمقدار ما أخذ منه، فقد حمّله مسؤولية الجهاد ونفقة العائلة ونفقة الزوجة، وجعله مشاركاً في الدية التي تكون على العائلة، أما المرأة فإنه لم يلزمها بذلك، ومعنى ذلك أنّ حصة المرأة أصبحت أكثر من حصة الرجل، وكأنَّ الإمام(ع) يريد أن يقول له: ليست المسألة هي أنه كم أعطاك، لكن كم أخذ منك، فَمَنِ الرابح في الطرفين في المحصّلة؟ إنَّ المرأة إذا تزوجت تأخذ مهراً وتأخذ النفقة، فلا تنفق من مالها، ثم إنَّ نفقة الأولاد على الرجل أيضاً، فمالها يبقى ثابتاً لا يتحرّك.

يقول ـ فقلت في نفسي قد قيل لي إن ابن أبي العوجاء قد سأل أبا عبد الله(ع) فأجابه بهذا الجواب ـ والإمام العسكري(ع) التقط ما في نفسه قبل أن يتحدّث به ـ فأقبل أبو محمد(ع)، فقال: »نعم، هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منّا واحد ـ فنحن لا نختلف والإمام الصادق(ع)، فجوابنا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً ـ جرى لآخرنا ما جرى لأولنا؛ وأوّلنا وآخرنا في العلم سواء ـ ليس هناك إمام أفضل من إمام ـ ولرسول الله(ص) ولأمير المؤمنين(ع) فضلهما"(5).

وهذه حقيقة إيمانية لا بدّ أن ننتبه إليها، وهي أن الإمام(ع) يؤكد في هذه الرواية أنَّ الأئمة(ع) حتى لو صدر من بعضهم ولم يصدر من البعض الآخر إلا أقل من ذلك بسبب الظروف التي تتسع لبعض وتضيق عن آخر، إلا أن قاعدة العلم واحدة للأول وللآخر.

وقفةٌ مع الأحاديث المأثورة

وقد روى المجلسي عن الصدوق عن الدقاق عن الأسدي عن سهل بن عبد العظيم الحسني، قال: "كتبت إلى أبي جعفر الثاني(ع) أسأله عن ذي الكفل ما اسمه؟ وهل كان من المرسلين؟ فكتب صلوات الله وسلامه عليه: بعث الله تعالى جلَّ ذكره مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّاً، المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وإنَّ ذا الكفل منهم، صلوات الله عليهم، وكان بعد سليمان بن داود(ع)، وكان يقضي بين النّاس كما كان يقضي داود، ولم يغضب إلا لله عزَّ وجلّ، وكان اسمه عويديا، وهو الذي ذكره الله تعالى جلّت عظمته في كتابه، حيث قال: {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلٌّ من الأخيار} [ص:48] (5).

وفي الخصال عن الصدوق بسنده عن عبد الله بن المغيرة عن أبي جعفر محمد بن عبد الله الثاني أنَّه سمعه يقول: "علّم رسول الله(ص) عليّاً(ع) ألف كلمة، كلّ كلمة يفتح ألف كلمة"(6).

وعن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسنده عن عبد العظيم الحسني عن أبيه عن أبيه موسى عن ابائه عن عليّ، قال: "بعثني النبيّ(ص) إلى اليمن، فقال لي وهو يوصيني: يا عليّ، ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، يا علي عليك بالدُلجة، فالأرض تطوي في الليل ما لا تطوي بالنهار.. يا عليّ اغدُ بسم الله، فإنَّ الله بارك لأمتي في بكورها"(7).

وفي هذا الحديث دلالةٌ على أنَّ العلم الذي علّمه رسول الله(ص) لعليٍّ(ع) كان علماً ينفتح على أكثر من أفق لأكثر من علم، ما يوحي بأنَّ الإمام عليّاً(ع) كان التلميذ الذي يحرّك ما يتعلّمه من رسول الله(ص) في إنتاج علمٍ جديد. وهذا الحديث يتفق مع الحديث المأثور عن الإمام(ع): "علّمني رسول الله ألف بابٍ من العلم فتح لي من كلِّ باب ألف باب".

وعن الصدوق بسنده عن عمرو بن أبي المقدام قال: "سمعت أبا الحسن أو أبا جعفر(ع) يقول في هذه الاية: {ولا يعصينك في معروف} [الممتحنة:12] قال: إنَّ رسول الله(ص) قال لفاطمة(ع): إذا أنا متُّ، فلا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا ترخي عليَّ شعراً، ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة. ثم قال: هذا المعروف الذي قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه: {ولا يعصينك في معروف}"(8).

ونستوحي من هذا الحديث التحفّظ عما يُنسب إلى سيدتنا فاطمة الزهراء(ع) من الحزن الذي يقرب من الجزع، لأنَّ هذه الوصيّة تدلُّ على أنَّ النبيَّ(ص) أراد لها أن تبتعد عن مظاهر الحزن الذي يسقط الإنسان أمامه.

وعن الحافظ أبي نعيم بسنده عن جعفر بن محمد بن مزيد، قال: "كنت ببغداد فقال لي محمد بن منده بن مهر بزد: هل لك أن أدخلك على ابن الرضا؟ قلت: نعم، قال: فأدخلني فسلّمنا عليه وجلسنا، فقال له حديث النبيّ(ص) أنَّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريّتها على النار، قال: خاص للحسن والحسين رضي الله عنهما"(9).

وفي تحف العقول: كتب إلى بعض أوليائه: "أمَّا هذه الدنيا، فإنَّا فيها مغترفون، ولكن من كان هواه هوى صاحبه، ودان بدينه، فهو معه حيث كان، والآخرة دار القرار".

إنَّ هذا الكتاب يدلُّ على أنَّ الانتماء الشعوري والفكري لأيِّ إنسان يجعله في الموقع الذي يُحشر فيه في يوم القيامة الذي يستوي فيه النّاس بحسب مشاعرهم وعقائدهم.

وقال(ع): "كانت مبايعة رسول الله(ص) النساء أن يغمس يده في إناءٍ فيه ماء، ثم يخرجها وتغمس النساء بأيديهنَّ في ذلك الإناء بالإقرار والإيمان بالله والتصديق برسوله على ما أخذ عليهنّ"(10).

ولعلَّ هذا الأسلوب النبويّ ناشى‏ءٌ من حرمة مصافحة الرجل للنساء الأجنبيّات. وقد رُويَ عن النبيّ(ص) أنَّه قال عند مبايعته للنساء: "إنّي لا أصافح النساء"، وعن محمد ابن يعقوب عن محمد بن أبي عبد الله رفعه إلى أبي هاشم الجعفري، ورواه الصدوق في كتاب التوحيد مسنداً قال: حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، حدّثني محمد بن بشير عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي جعفر الثاني(ع)، فسأله رجل فقال: أخبرني عن الربّ تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه، وأسماؤه وصفاته هي هي؟. "المراد بالأسماء، ما دلَّ على ذاته المقدسة مثل الله ولفظ هو الدال على الهوية المطلقة الصرفة الحقّة، وبالصفات ما دل على الذات الملحوظة معها صفة مخصوصة مثل الرحمن والرحيم والعالم والعليم والقادر والقدير وأمثال ذلك".

أما طبيعة السؤال فهي، هل هذه الأسماء والصفات هي الله؟

وكان الجواب هو أن السؤال يحتمل معنيين، "قال أبو جعفر(ع) إن لهذا الكلام وجهين، "إن كنت تقول هي هو أنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك ـ لأنَّ مرجع هذا الكلام إلى القول بتعدّد الإله، فإذا كان الاسم هو المسمى كان كل اسم إلهاً.. وهذا ضد عقيدة التوحيد التي تنفي أيَّ تعدّد أو كثرة في الله ـ وإن كنت تقول هذه الصفات لم تزل فإنّ "لم تزل" تحتمل معنيين، فإن قلت: لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها فنعم ـ لأن ذلك لا ينافي التوحيد، فهو الله الواحد الذي يعلم الأشياء، بما فيها الأسماء والصفات قبل وجودها وبعد وجودها، وهو مستحق لإطلاق تلك الأسماء عليه في مرتبة ذاته الأحدية، فلا تعدد في ذاته وصفاته، وليس معه شي‏ء في الأزل..

ـ وإن كنت تقول لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها، فمعاذ الله أن يكون معه شي‏ء اخر غيره، بل كان الله ولا خلق ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ويعبدونه، وهي ذكره، وكان الله ولا ذكر والمذكور بالذكر وهو الله القديم الذي لم يزل، والأسماء والصفات مخلوقات والمعاني والمعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف، وإنما يختلف ويأتلف المتجزى‏ء، فلا يقال الله مؤتلف ولا الله قليل ولا كثير، ولكنه القديم في ذاته، لأنَّ ما سوى الواحد متجزى‏ء، والله واحد لا متجزى‏ء ولا متوهّم بالقلة والكثرة، وكل متجزى‏ء أو متوهم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دالّ على خالق له، فقولك إن الله قدير خبرت أنه لا يعجزه شي‏ء، فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه، وكذلك قولك عالم، إنَّما نفيت بالكلمة الجهل وجعلت الجهل سواه، وإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع، ولا يزال مَنْ لم يزل عالماً".

إن الإمام يؤكد أن الأسماء والصفات بوجودها المادي مخلوقة لله، لتكون الوسيلة التي يتعرّف فيها الناس إلى ربهم، لئلا يجهلوه ولا يسمّوه من عند أنفسهم بما لا يليق به من الأسماء، وليس دور الأسماء والصفات إلا أنها تشير بحسب مدلولها إلى المسمى من دون أن يكون لها وجود ذاتي إلى جانب وجوده. وهكذا كانت هذه الأسماء والصفات في معناها تدل على الله الواحد الذي لا يقترب منه ائتلاف حال بحال، والاختلاف من حال إلى حال، فهو هو لا شي‏ء معه في الداخل والخارج. وقد ضرب الإمام مثلاً لدلالة الصفات، فإن كلمة قدير نفيٌ للعجز عنه مطلق، لا أنها صفة زائدة عليه قائمة به، أما قدرة غيره فإنها صفة قائمة به وبينها وبين العجز نوع مصاحبة وملائمة، فإن الممكن وإن كان ذا قدرة موصوف بالعجز قطعاً.

كما أن كلمة عالم نفيٌ للجهل، فكان الجهل غيره.. وهو العالم في الأزل، فلا ابتداء لعلمه ولا انتهاء.. أما الصفات والأسماء بوجودها المادي فإنه يطرأ عليها العدم والفناء "فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعاً؟ فقال: لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع ولا تصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سميناه بصيراً لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك، ولم نصفه ببصر لحظة العين، وكذلك سميناه لطيفاً لعلمه بالشي‏ء اللطيف، مثل البعوضة وأخفى من ذلك، وموضع النشوء منها والعقل والشهوة للفساد والحدب على نسلها وإقام بعضها على بعض ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمغاور والأودية والقفار، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، وإنما الكيفية للمخلوق المكيف، وكذلك سمينا ربنا قوياً، لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصا كان غير قديم وما كان غير قديم كان عاجزاً، فربنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضد ولا ند ولا كيف ولا نهاية ولا ببصّار بصر، ومحّرم على القلوب أن تمثله، وعلى الأوهام أن تحدّه، وعلى الضمائر أن تكوّنه، جلّ وعزّ عن أداة خلقه وسمات بريّته وتعالى عن ذلك علواً كبيراً".

إن الإمام الجواد(ع) يؤكد في هذا الفصل من الحديث على المنهج القراني الذي تؤصّله مدرسة أهل البيت(ع) في إبعاد صفة الله عن أية إشارة أو أيّ إيحاءٍ للصفات المختصة بالمخلوقين، من الجسمية والمحدودية، في كل التفاصيل التي تتمثل في صفاته وأسمائه الحسنى’ التي مهما تنوعت فإنها تلتقي في أنه ليس كمثله شي‏ء.

وعن علي بن إبراهيم عن العباس بن معروف عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلى أبي جعفر "محمد الجواد" أو قلت له: جعلني الله فداك، نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟ قال: فقال: "إنّ مَن عبد الاسم دون المسمّى فقد أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً، بل اعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمّى بهذه الأسماء دون الأسماء، إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه".

إن هذا الحديث يؤكد الدقة في عقيدة التوحيد، فلا بد للمؤمن من أن يتجاوز الاسم إلى المسمى، وهو المضمون الذي يعبّر عنه، فلا يستغرق في الاسم فيقدّسه في حروفه كما لو كان هو المعبود، فالأسماء هي صفات وصف بها نفسه وليست نفسه، وربما كان الاستغراق في عبادة الأسماء شركاً بالله من خلال تعدّدها.. ونستوحي من ذلك مدى الحساسية العبادية في عبادة الله الواحد التي لا تسمح بالاتجاه إلى غيره في حركة العبادة، حتى الاسم والصفة في وجودهما اللفظي.

وعن محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح عن الحسين بن سعيد قال: سُئل أبو جعفر الثاني(ع): يجوز أن يقال لله إنه شي‏ء؟ قال: "نعم، يخرجه من الحدّين: حدّ التعطيل وحدّ التشبيه".

وفي كتابه مرآة العقول أنّ المقصود من حدّ التعطيل ـ هو عدم إثبات الوجود والصفات الكمالية والفعلية والإضافية له تعالى، وحد التشبيه الحكم بالاشتراك مع الممكنات في حقيقة الصفات وعوارض الممكنات(18).

المصادر:

(1) الكافي، ج:1، ص:95.

(2) الكافي، ج:1، ص:103.

(3) إثبات الوصية، ص:341.

(4)المناقب، ج:3، ص:459.

(5)الكافي، ج:7، ص:114.

(6)بحار الأنوار، ج:13، ص:405.

(7)الخصال، ص:600.

(8)تاريخ بغداد، ج:3، ص:54.

(9)معاني الأخبار، ص:39.

(10)تاريخ بغداد، ج:3، ص:54.

(11)تحف العقول، ص:336.

(12)تحف العقول، ص:361.

كلماته في التوحيد

ونحاول هنا إثارة بعض الكلمات التي وردت عن الإمام الحسن العسكري(ع) في شؤون العقيدة والتفسير والأخلاق، لأنّ علاقتنا بالأئمة(ع)، كما ذكرنا أكثر من مرة، هي علاقة السير على منهاجهم والانفتاح على علمهم، والتحرّك في الواقع الذي يصنعونه ويديرونه ويقودونه.

ففي باب التوحيد، هناك عدة أحاديث في جانب العقيدة بالله سبحانه وتعالى، حيث كان الجدل يدور في المراحل التي عاش فيها الأئمة من أهل البيت(ع)، منذ عهد الإمام الباقر(ع) حتى عهد الإمام العسكري(ع)، في صفات الله، فكان بعضهم يتحدّث عن أن الله جسم، والبعض يتحدث عنه أنه صورة وما إلى ذلك، وكان الأئمة(ع) يتّبعون في توجيه الناس منهجاً يعتمد لغة القرآن بأسلوبه ومفرداته في العقيدة، ليوجّهوا الناس إلى الأخذ بالعناوين الكبرى في العقيدة من القرآن، وأن لا ينطلقوا من خلال أسلوب الفلسفة، لأنّ هذا الأسلوب بالرغم مما يحمله من إيجابيات، إلا أنه لا يملك أن يتحدّث عن الله سبحانه وتعالى كما هو الحديث عن صفاء العقيدة، لأن التعقيدات الفلسفية قد تردّ الشبهات، ولكنها لا تستطيع أن تبني العقيدة.

فعن يعقوب بن إسحاق قال: "كتبت إلى أبي محمد(ع) أسأله: كيف يعبد العبد ربّه وهو لا يراه؟ فوقّع(ع): يا أبا يوسف، جلّ سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى ابائي أن يُرى {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام:103]، {ليس كمثله شي‏ء} [الشورى:11] قال: وسألته: هل رأى رسول الله(ص) ربه؟ فوقّع(ع): إنّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبّ"(1).

فلقد رأى رسول الله(ص) ربّه، ولكنّه لم يره بالعين الباصرة، بل بعين قلبه، لأنّ القلوب تبصر من الحقائق ما لا تستطيع العيون أن تبصره {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج:46]. فمشكلة بعض الناس أنهم يملكون العيون المفتوحة والقلوب العمياء، والخطورة كلّ الخطورة أن يكون القلب أعمى.

وعن الكليني عن سهل: (والراوي هنا قد لا يكون موثوقاً، ولكنّ الرواية موثوقة لأنها تتفق مع روايات صحيحة، ولأنها لا تشتمل على ما يدعو إلى الكذب) "قال: كتبت إلى أبي محمد(ع) سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد ـ وهذا يدلّ على أن الجدل الكلامي في التوحيد كان يدور حتى في أوساط أتباع أهل البيت(ع) ـ فمنهم من يقول هو جسم، ومنهم من يقول هو صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطوّلاً على عبدك ـ والعبودية هنا من باب التواضع ـ فوقّع بخطّه(ع): سألت عن التوحيد وهذا منكم معزول، الله واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم، ويصوّر ما يشاء وليس بصورة، جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه أن يكون له شبه، هو لا غيره وليس كمثله شي‏ء وهو السميع البصير"(2).

فلقد أراد الإمام العسكري(ع) أن يقول للسائل أن لا يستغرق في الجدل الكلامي والتعقيدات الفلسفية عندما يتحدث عن الله سبحانه وتعالى، ولكن طلب إليه أن يقرأ كتاب الله في ما أنزله من آياته، فهو أعرف بنفسه من مخلوقاته كلها، لأنَّ المخلوق لا يستطيع أن يعرف من ربّه إلاَّ ما عرّفه ربه، وإلاّ ما يمكن أن يدركه العقل من صفاته، فهو ليس بجسم لأنه خالق الأجسام، وهو ليس بصورة لأنه خالق الصورة ومبدعها.

وقد جاء عن المسعودي في (إثبات الوصية) بإسناده عن أبي هاشم الجعفري، قال: سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد(ع) عن قول الله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويُثبت وعنده أمّ الكتاب} [الرعد:39]. فقال: "هل يمحو إلا ما كان، وهل يثبت إلا ما لم يكن"؟ فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقول (هشام القوطي) إنّه لا يعلم الشي‏ء حتى يكون. فالله سبحانه وتعالى ـ حسب هذا القول ـ إنما يعلم الأشياء بعد أن تتكوّن، والإمام(ع) يقول إنّ الله يعلم بالأشياء قبل وجودها ـ فنظر إليّ شزراً ـ فكأن الإمام(ع) عرف ما في نفسه.

وهناك أحاديث كثيرة عن الإمام العسكري وعن الأئمة(ع) تذكر أنّ بعض الناس كان يسمع الجواب من الإمام عما كان يدور في ذهنه وهو يفكّر، أي لم يطرح السؤال بعد، حيث إن الملكة القدسية تجعله(ع) يعرف ما يضمر هؤلاء من قبل أن يتحدّثوا به ـ فقال(ع): تعالى الجبّار العالم بالشي‏ء قبل كونه، الخالق إذ لا مخلوق، والربّ إذ لا مربوب، والقادر قبل المقدور عليه"، فقلت: أشهد أنّك وليّ الله وحجّته والقائم بقسطه، وأنك على منهاج أمير المؤمنين"(3). فلقد أكّد له أنَّ المخلوقين يحتاجون إلى معرفة الأشياء في صورتها الوجودية، أما الله فهو الذي يخلق الوجود، فهو يعرف ما يريد أن يخلقه قبل أن يخلقه.

ملاحقة الأفكار المنحرفة

وهناك قصة ينقلها ابن شهرآشوب في (المناقب) عن أبي القاسم الكوفي في كتاب (التبديل) تدلّ على أن الإمام العسكري(ع) كان يلاحق التطوّر الثقافي في مواجهة الفكر الإسلامي، بحيث كان يلاحق المفكرين في زمانه، وخصوصاً الذين يعملون على تهديم الأسس العقيدية والثقافية للإسلام، ومنهم فيلسوف العراق، ويُقال أيضاً فيلسوف العرب (يعقوب بن إسحاق الكندي)، فيروي ابن شهرآشوب عن الكندي: "أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منزله، وإن بعض تلامذته دخل يوماً على الحسن العسكري، فقال له أبو محمد(ع): "أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟ فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منّا الإعتراض عليه في هذا أو في غيره؟ فقال له أبو محمد(ع): أتؤدي إليه ما ألقيه إليك؟ قال: نعم، قال: فَصِرْ إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله ـ فالشرط الأول أن تدخل قلبه لتستطيع أن تدخل عقله، وهذا أسلوب من أساليب الحوار في القران، وهو أنك إذا أردت أن تدخل في حوار فكري مع شخص آخر تختلف معه لتقنعه بما أنت فيه، أو لتناقشه فيما هو فيه، فعليك أولاً أن تفتح قلبه بالكلمة الحلوة والإطلالة الحلوة والأسلوب الحلو، لا أن تكفّره وتزندقه وتجهّله {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل:125]، {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [الإسراء:53].

ـ فإذا وقعت الأنسة في ذلك، فقل: قد حضرني مسألة أسألك عنها، فإنه يستدعي ذلك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بالقرآن (أي الذي يوحي لك بهذه الأفكار)، هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم به غير المعاني التي قد ظننت أنّك قد ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول: إنه من الجائز، لأنّه رجل يفهم إذا سمع ـ وعظمة أهل البيت(ع) أنهم لا ينكرون على الذين يختلفون معهم صفاتهم الإيجابية، خلافاً لما هو دائر بيننا، فإذا اختلفنا مع شخص فلا نتحدّث عنه بخير ولو بنسبة واحد بالمائة، فمع أن الكندي ألّف كتاباً في تناقض القرآن وهو أمر خطير، لكن الإمام(ع) يقول لتلميذه إنه سيقول لك من الجائز، لأنه رجل مفكّر، ولأنه رجل منسجم مع نفسه، فإذا جئته بفكرة معقولة، فإنها سوف تدخل عقله ولا يتعصّب في رفضها ويتشبّث بقناعاته ـ فإذا أوجب ذلك ـ فإذا رأيته استجاب للمسألة ـ فقل له: فما يدريك، لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فيكون واضعاً لغير معانيه.

فصار الرجل إلى الكندي، وتلطّف إلى أن ألقى هذه المسألة، فقال له: أعد عليّ، فأعاد عليه، فتفكّر في نفسه، ورأى أنّ ذلك محتملٌ في اللغة وسائغٌ في النظر ـ فاللغة العربية مرنة متحرّكة، فقد يفهم بعض الناس الكلام على أنه الحقيقة وهو من المجاز، وقد يفهم أن المراد هو المعنى اللغوي والمقصود هو المعنى الكنائي.

فقال: أقسمت عليك إلا أخبرتني من أين لك؟ فقال: إنه شي‏ء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلاّ، ما مثلك من اهتدى إلى هذا، ولا من بلغ هذه المنزلة، فعرّفني من أين لك هذا؟ فقال: أمرني به أبو محمد(ع)، فقال: الآن جئت به، وما كان ليخرج مثل هذا الأمر إلا من ذلك البيت "الذي زقّ أهله العلم زقاً ـ والذين يعيشون صفاء الحقيقة واستقامة التفكير والجدل من أجل الوصول إلى الحقيقة ـ ثم إنه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه"(4).

فالإمام العسكري(ع) كان يتابع بدقّة ما يجري على الساحة الفكرية في عهده، ويناقش الأفكار المنحرفة التي تُطرح هنا وهناك، وكان يواجهها بالحجّة وبالأسلوب العلمي، لأنه يعرف أنّ شخصاً مثل الكندي الذي هو فيلسوف العراق، لا يمكن أن تردّه عمّا هو فيه بالأساليب السلبية كالشتائم والتكفير والتضليل وما إلى ذلك، مما يستخدمه المتفلسفون الذين لا يملكون الحجّة على ما يواجهون به الذين يختلفون معهم.

وهناك حديث آخر أيضاً يحاول الإمام(ع) أن يردّ فيه بعض الشبهات. فعن الكليني بإسناده عن إسحاق بن محمد النخعي، قال: "سأل الفهفكي أبا محمد(ع) السؤال المطروح دائماً: {للذكر مثل حظّ الأنثيين} [النساء:11]، فلماذا جعل الله المرأة الطرف الضعيف وأنقص من حقها وجعل الرجل الطرف القويّ وجعل له الحظّ الأوفر، ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟! فقال أبو محمد(ع): "إنّ المرأة ليس عليها جهاد ـ بينما الرجل عليه جهاد، وكان الرجل في الجهاد يأخذ سلاحه، فلم تكن الدولة تعطي المقاتل سلاحاً، بل يشتريه ويحمل معه مؤونته وراحلته ـ ولا نفقة للمرأة ـ فلا يجب عليها أن تنفق على الرجل ولا على أولادها، بل الرجل هو الذي ينفق عليها ـ ولا عليها معقلة" ـ فإذا قتل شخص إنساناً خطأ، فإنّ الدية تتحملها العاقلة، وهي الرجال من الأقرباء، أما النساء فلا يدفعن الدية، فالله عندما أعطى الرجل أعطاه بمقدار ما أخذ منه، فقد حمّله مسؤولية الجهاد ونفقة العائلة ونفقة الزوجة، وجعله مشاركاً في الدية التي تكون على العائلة، أما المرأة فإنه لم يلزمها بذلك، ومعنى ذلك أنّ حصة المرأة أصبحت أكثر من حصة الرجل، وكأنَّ الإمام(ع) يريد أن يقول له: ليست المسألة هي أنه كم أعطاك، لكن كم أخذ منك، فَمَنِ الرابح في الطرفين في المحصّلة؟ إنَّ المرأة إذا تزوجت تأخذ مهراً وتأخذ النفقة، فلا تنفق من مالها، ثم إنَّ نفقة الأولاد على الرجل أيضاً، فمالها يبقى ثابتاً لا يتحرّك.

يقول ـ فقلت في نفسي قد قيل لي إن ابن أبي العوجاء قد سأل أبا عبد الله(ع) فأجابه بهذا الجواب ـ والإمام العسكري(ع) التقط ما في نفسه قبل أن يتحدّث به ـ فأقبل أبو محمد(ع)، فقال: »نعم، هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منّا واحد ـ فنحن لا نختلف والإمام الصادق(ع)، فجوابنا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً ـ جرى لآخرنا ما جرى لأولنا؛ وأوّلنا وآخرنا في العلم سواء ـ ليس هناك إمام أفضل من إمام ـ ولرسول الله(ص) ولأمير المؤمنين(ع) فضلهما"(5).

وهذه حقيقة إيمانية لا بدّ أن ننتبه إليها، وهي أن الإمام(ع) يؤكد في هذه الرواية أنَّ الأئمة(ع) حتى لو صدر من بعضهم ولم يصدر من البعض الآخر إلا أقل من ذلك بسبب الظروف التي تتسع لبعض وتضيق عن آخر، إلا أن قاعدة العلم واحدة للأول وللآخر.

وقفةٌ مع الأحاديث المأثورة

وقد روى المجلسي عن الصدوق عن الدقاق عن الأسدي عن سهل بن عبد العظيم الحسني، قال: "كتبت إلى أبي جعفر الثاني(ع) أسأله عن ذي الكفل ما اسمه؟ وهل كان من المرسلين؟ فكتب صلوات الله وسلامه عليه: بعث الله تعالى جلَّ ذكره مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّاً، المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وإنَّ ذا الكفل منهم، صلوات الله عليهم، وكان بعد سليمان بن داود(ع)، وكان يقضي بين النّاس كما كان يقضي داود، ولم يغضب إلا لله عزَّ وجلّ، وكان اسمه عويديا، وهو الذي ذكره الله تعالى جلّت عظمته في كتابه، حيث قال: {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلٌّ من الأخيار} [ص:48] (5).

وفي الخصال عن الصدوق بسنده عن عبد الله بن المغيرة عن أبي جعفر محمد بن عبد الله الثاني أنَّه سمعه يقول: "علّم رسول الله(ص) عليّاً(ع) ألف كلمة، كلّ كلمة يفتح ألف كلمة"(6).

وعن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسنده عن عبد العظيم الحسني عن أبيه عن أبيه موسى عن ابائه عن عليّ، قال: "بعثني النبيّ(ص) إلى اليمن، فقال لي وهو يوصيني: يا عليّ، ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، يا علي عليك بالدُلجة، فالأرض تطوي في الليل ما لا تطوي بالنهار.. يا عليّ اغدُ بسم الله، فإنَّ الله بارك لأمتي في بكورها"(7).

وفي هذا الحديث دلالةٌ على أنَّ العلم الذي علّمه رسول الله(ص) لعليٍّ(ع) كان علماً ينفتح على أكثر من أفق لأكثر من علم، ما يوحي بأنَّ الإمام عليّاً(ع) كان التلميذ الذي يحرّك ما يتعلّمه من رسول الله(ص) في إنتاج علمٍ جديد. وهذا الحديث يتفق مع الحديث المأثور عن الإمام(ع): "علّمني رسول الله ألف بابٍ من العلم فتح لي من كلِّ باب ألف باب".

وعن الصدوق بسنده عن عمرو بن أبي المقدام قال: "سمعت أبا الحسن أو أبا جعفر(ع) يقول في هذه الاية: {ولا يعصينك في معروف} [الممتحنة:12] قال: إنَّ رسول الله(ص) قال لفاطمة(ع): إذا أنا متُّ، فلا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا ترخي عليَّ شعراً، ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة. ثم قال: هذا المعروف الذي قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه: {ولا يعصينك في معروف}"(8).

ونستوحي من هذا الحديث التحفّظ عما يُنسب إلى سيدتنا فاطمة الزهراء(ع) من الحزن الذي يقرب من الجزع، لأنَّ هذه الوصيّة تدلُّ على أنَّ النبيَّ(ص) أراد لها أن تبتعد عن مظاهر الحزن الذي يسقط الإنسان أمامه.

وعن الحافظ أبي نعيم بسنده عن جعفر بن محمد بن مزيد، قال: "كنت ببغداد فقال لي محمد بن منده بن مهر بزد: هل لك أن أدخلك على ابن الرضا؟ قلت: نعم، قال: فأدخلني فسلّمنا عليه وجلسنا، فقال له حديث النبيّ(ص) أنَّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريّتها على النار، قال: خاص للحسن والحسين رضي الله عنهما"(9).

وفي تحف العقول: كتب إلى بعض أوليائه: "أمَّا هذه الدنيا، فإنَّا فيها مغترفون، ولكن من كان هواه هوى صاحبه، ودان بدينه، فهو معه حيث كان، والآخرة دار القرار".

إنَّ هذا الكتاب يدلُّ على أنَّ الانتماء الشعوري والفكري لأيِّ إنسان يجعله في الموقع الذي يُحشر فيه في يوم القيامة الذي يستوي فيه النّاس بحسب مشاعرهم وعقائدهم.

وقال(ع): "كانت مبايعة رسول الله(ص) النساء أن يغمس يده في إناءٍ فيه ماء، ثم يخرجها وتغمس النساء بأيديهنَّ في ذلك الإناء بالإقرار والإيمان بالله والتصديق برسوله على ما أخذ عليهنّ"(10).

ولعلَّ هذا الأسلوب النبويّ ناشى‏ءٌ من حرمة مصافحة الرجل للنساء الأجنبيّات. وقد رُويَ عن النبيّ(ص) أنَّه قال عند مبايعته للنساء: "إنّي لا أصافح النساء"، وعن محمد ابن يعقوب عن محمد بن أبي عبد الله رفعه إلى أبي هاشم الجعفري، ورواه الصدوق في كتاب التوحيد مسنداً قال: حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، حدّثني محمد بن بشير عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي جعفر الثاني(ع)، فسأله رجل فقال: أخبرني عن الربّ تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه، وأسماؤه وصفاته هي هي؟. "المراد بالأسماء، ما دلَّ على ذاته المقدسة مثل الله ولفظ هو الدال على الهوية المطلقة الصرفة الحقّة، وبالصفات ما دل على الذات الملحوظة معها صفة مخصوصة مثل الرحمن والرحيم والعالم والعليم والقادر والقدير وأمثال ذلك".

أما طبيعة السؤال فهي، هل هذه الأسماء والصفات هي الله؟

وكان الجواب هو أن السؤال يحتمل معنيين، "قال أبو جعفر(ع) إن لهذا الكلام وجهين، "إن كنت تقول هي هو أنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك ـ لأنَّ مرجع هذا الكلام إلى القول بتعدّد الإله، فإذا كان الاسم هو المسمى كان كل اسم إلهاً.. وهذا ضد عقيدة التوحيد التي تنفي أيَّ تعدّد أو كثرة في الله ـ وإن كنت تقول هذه الصفات لم تزل فإنّ "لم تزل" تحتمل معنيين، فإن قلت: لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها فنعم ـ لأن ذلك لا ينافي التوحيد، فهو الله الواحد الذي يعلم الأشياء، بما فيها الأسماء والصفات قبل وجودها وبعد وجودها، وهو مستحق لإطلاق تلك الأسماء عليه في مرتبة ذاته الأحدية، فلا تعدد في ذاته وصفاته، وليس معه شي‏ء في الأزل..

ـ وإن كنت تقول لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها، فمعاذ الله أن يكون معه شي‏ء اخر غيره، بل كان الله ولا خلق ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ويعبدونه، وهي ذكره، وكان الله ولا ذكر والمذكور بالذكر وهو الله القديم الذي لم يزل، والأسماء والصفات مخلوقات والمعاني والمعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف، وإنما يختلف ويأتلف المتجزى‏ء، فلا يقال الله مؤتلف ولا الله قليل ولا كثير، ولكنه القديم في ذاته، لأنَّ ما سوى الواحد متجزى‏ء، والله واحد لا متجزى‏ء ولا متوهّم بالقلة والكثرة، وكل متجزى‏ء أو متوهم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دالّ على خالق له، فقولك إن الله قدير خبرت أنه لا يعجزه شي‏ء، فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه، وكذلك قولك عالم، إنَّما نفيت بالكلمة الجهل وجعلت الجهل سواه، وإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع، ولا يزال مَنْ لم يزل عالماً".

إن الإمام يؤكد أن الأسماء والصفات بوجودها المادي مخلوقة لله، لتكون الوسيلة التي يتعرّف فيها الناس إلى ربهم، لئلا يجهلوه ولا يسمّوه من عند أنفسهم بما لا يليق به من الأسماء، وليس دور الأسماء والصفات إلا أنها تشير بحسب مدلولها إلى المسمى من دون أن يكون لها وجود ذاتي إلى جانب وجوده. وهكذا كانت هذه الأسماء والصفات في معناها تدل على الله الواحد الذي لا يقترب منه ائتلاف حال بحال، والاختلاف من حال إلى حال، فهو هو لا شي‏ء معه في الداخل والخارج. وقد ضرب الإمام مثلاً لدلالة الصفات، فإن كلمة قدير نفيٌ للعجز عنه مطلق، لا أنها صفة زائدة عليه قائمة به، أما قدرة غيره فإنها صفة قائمة به وبينها وبين العجز نوع مصاحبة وملائمة، فإن الممكن وإن كان ذا قدرة موصوف بالعجز قطعاً.

كما أن كلمة عالم نفيٌ للجهل، فكان الجهل غيره.. وهو العالم في الأزل، فلا ابتداء لعلمه ولا انتهاء.. أما الصفات والأسماء بوجودها المادي فإنه يطرأ عليها العدم والفناء "فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعاً؟ فقال: لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع ولا تصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سميناه بصيراً لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك، ولم نصفه ببصر لحظة العين، وكذلك سميناه لطيفاً لعلمه بالشي‏ء اللطيف، مثل البعوضة وأخفى من ذلك، وموضع النشوء منها والعقل والشهوة للفساد والحدب على نسلها وإقام بعضها على بعض ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمغاور والأودية والقفار، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، وإنما الكيفية للمخلوق المكيف، وكذلك سمينا ربنا قوياً، لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصا كان غير قديم وما كان غير قديم كان عاجزاً، فربنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضد ولا ند ولا كيف ولا نهاية ولا ببصّار بصر، ومحّرم على القلوب أن تمثله، وعلى الأوهام أن تحدّه، وعلى الضمائر أن تكوّنه، جلّ وعزّ عن أداة خلقه وسمات بريّته وتعالى عن ذلك علواً كبيراً".

إن الإمام الجواد(ع) يؤكد في هذا الفصل من الحديث على المنهج القراني الذي تؤصّله مدرسة أهل البيت(ع) في إبعاد صفة الله عن أية إشارة أو أيّ إيحاءٍ للصفات المختصة بالمخلوقين، من الجسمية والمحدودية، في كل التفاصيل التي تتمثل في صفاته وأسمائه الحسنى’ التي مهما تنوعت فإنها تلتقي في أنه ليس كمثله شي‏ء.

وعن علي بن إبراهيم عن العباس بن معروف عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلى أبي جعفر "محمد الجواد" أو قلت له: جعلني الله فداك، نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟ قال: فقال: "إنّ مَن عبد الاسم دون المسمّى فقد أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً، بل اعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمّى بهذه الأسماء دون الأسماء، إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه".

إن هذا الحديث يؤكد الدقة في عقيدة التوحيد، فلا بد للمؤمن من أن يتجاوز الاسم إلى المسمى، وهو المضمون الذي يعبّر عنه، فلا يستغرق في الاسم فيقدّسه في حروفه كما لو كان هو المعبود، فالأسماء هي صفات وصف بها نفسه وليست نفسه، وربما كان الاستغراق في عبادة الأسماء شركاً بالله من خلال تعدّدها.. ونستوحي من ذلك مدى الحساسية العبادية في عبادة الله الواحد التي لا تسمح بالاتجاه إلى غيره في حركة العبادة، حتى الاسم والصفة في وجودهما اللفظي.

وعن محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح عن الحسين بن سعيد قال: سُئل أبو جعفر الثاني(ع): يجوز أن يقال لله إنه شي‏ء؟ قال: "نعم، يخرجه من الحدّين: حدّ التعطيل وحدّ التشبيه".

وفي كتابه مرآة العقول أنّ المقصود من حدّ التعطيل ـ هو عدم إثبات الوجود والصفات الكمالية والفعلية والإضافية له تعالى، وحد التشبيه الحكم بالاشتراك مع الممكنات في حقيقة الصفات وعوارض الممكنات(18).

المصادر:

(1) الكافي، ج:1، ص:95.

(2) الكافي، ج:1، ص:103.

(3) إثبات الوصية، ص:341.

(4)المناقب، ج:3، ص:459.

(5)الكافي، ج:7، ص:114.

(6)بحار الأنوار، ج:13، ص:405.

(7)الخصال، ص:600.

(8)تاريخ بغداد، ج:3، ص:54.

(9)معاني الأخبار، ص:39.

(10)تاريخ بغداد، ج:3، ص:54.

(11)تحف العقول، ص:336.

(12)تحف العقول، ص:361.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية