{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}. هذا الدّين الَّذي تكامل من خلال نزوله منجّماً على النبيّ (ص)، حاملاً مع كلّ آية من آياته المفاهيم العامّة للكون والإنسان والحياة.
ولنا أن نتساءل عمَّا أنزله الله على رسوله فكمل به الدّين، ورضيه للمسلمين ديناً، وتمت به النّعمة؟
لقد اختلف المفسّرون في ذلك، فمنهم من قال: إنَّه فرائض الله وحدوده وحلاله وحرامه، الّتي أكملها الله للمسلمين في ذلك الوقت بتنزيل آخر حكم شرعيّ، ومنهم من قال: إنَّه إكمال الحجّ وتخصيصهم بالبلد الحرام، بعد أن كان مشتركاً بينهم وبين المشركين، ومنهم من قال: إنَّه إكمال الدّين بإكمال قوته وسلطته وكفايته الأعداء.. والمرويّ عن الإمام الصادق (ع) أنَّه قال: «آخر فريضة أنزلها الله تعالى الولاية، ثُمَّ لم ينزل بعدها فريضة، ثُمَّ نزل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بكراع الغميم، فأقامها رسول الله بالجحفة، فلم ينزل بعدها فريضة».
وروى صاحب «مجمع البيان» عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، كما نقلها الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتاب «نزول القرآن»، «أنَّ النبيّ (ص) أعطى في غدير خمّ عليّاً منصب الولاية، وأنَّ النّاس في ذلك اليوم لم يكادوا ليتفرّقوا حتّى نزلت آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فقال له النبيّ (ص) في تلك اللّحظة: الله أكبر على إكمال الدّين، وإتمام النعمة، ورضى الرّب برسالتي، وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدي، وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله».
وما يجاري صدقيّة هذه الرِّوايات، ما رواه ابن جرير الطبري في كتاب الولاية عن زيد بن أرقم ـ الصحابي المعروف ـ أنَّ هذه الآية نزلت في يوم غدير خمّ بشأن علي بن أبي طالب. وكذلك روى الخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي هريرة، نقلاً عن تفسير الأمثل، «عن النبيّ (ص)، أنَّ آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} نزلت عقيب حادثة (غدير خمّ) والعهد بالولاية لعليّ (ع)، وفي هذه المناسبة، قال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم».
وجاء في كتاب "الغدير"، إضافةً إلى الرِّوايات الثّلاث المذكورة، ثلاث عشرة رواية أخرى في هذا المجال.
وورد في تفسير البرهان وتفسير نور الثّقلين، عشر روايات مختلفة حول نزول الآية في حقّ عليّ (ع).
وهكذا نلاحظ استفاضة هذه الرِّوايات، بحيث لا يمكن تجاهلها، أو اعتبارها أخبار آحاد، كما يحاول البعض مناقشة المسألة في هذا الاتجاه...
ومن هنا، اعتبرت قضيّة الولاية من القضايا المهمّة المصيريّة في مستقبل الإسلام وقوّته، ما يؤكّد ويؤيّد اعتبارها إكمالاً للدّين الَّذي يحتاج إلى الرّعاية من الشّخص الَّذي عاش فكره وشعوره وجهاده للإسلام، حتّى لم يعد هناك ـ في داخل ذاته ـ أيّ نوعٍ من الفراغ الَّذي يحتضن اهتمامات غير إسلاميّة. وقد يمكن للإنسان أن يفكّر في أنَّ النبيّ (ص) لا يمكن له ترك قضيّة الولاية من بعده للاجتهادات المختلفة الّتي قد تختلف على أسس ذاتيّة أو تقليديّة، باعتبار أنَّها لا تخضع لبرنامج إسلاميّ تشريعيٍّ محدَّد. فالدين الَّذي قد تعرّض لكلّ شيءٍ في أحكامه وتشريعاته حتّى أدق التفاصيل، لا يتصوّر فيه أن يترك أمر الخلافة الكبير في أهميّته ونتائجه، ولا سيّما لجهة استمرار خطّ الرّسالة والنبوّة، حيث، وكما هو معلوم تاريخيّاً، لم يكن الوضع الإسلامي قد وصل إلى مستوى النضوج الكامل بفعل الأحداث الصّعبة، ما يجعل تركيز مسألة الخلافة والولاية وتأكيدها أمراً أساسياً في حركة التّشريع.
وعلى أيّ حال، فإنَّنا نثير هذه الأفكار انطلاقاً من وعينا لأهميّة القيادة في حياة الأمّة، ليكون هذا الاتجاه في التفكير أساساً للبحث من أجل مواجهة الموقف بجديّةٍ ومسؤوليّةٍ من ناحية المبدأ والمنطلق.
ويبقى للأدلّة والحجج والنصوص الشرعيّة الدور الأكبر الأساس في الحكم على ما حدث بعيداً من كل اجتهادٍ ذاتي، أو انتماءٍ مذهبي، لأنَّ القضيّة قضيّة إيمان وعلم، فلا بُدَّ للمسلمين من الارتفاع في خلافاتهم إلى هذا المستوى الَّذي يقودهم إلى الحقيقة الدينيّة والتاريخيّة من أقرب طريق، ويعلّمهم كيف يمارسون هذا الخلاف بالأسلوب الإسلامي للحوار الَّذي يعتمد على الإخلاص للحقيقة من خلال الإخلاص لله، ومواجهة المواقف من موقع الفكر العميق المنفتح المتأمّل، والله من وراء القصد.
*من كتاب تفسير "من وحي القرآن".

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}. هذا الدّين الَّذي تكامل من خلال نزوله منجّماً على النبيّ (ص)، حاملاً مع كلّ آية من آياته المفاهيم العامّة للكون والإنسان والحياة.
ولنا أن نتساءل عمَّا أنزله الله على رسوله فكمل به الدّين، ورضيه للمسلمين ديناً، وتمت به النّعمة؟
لقد اختلف المفسّرون في ذلك، فمنهم من قال: إنَّه فرائض الله وحدوده وحلاله وحرامه، الّتي أكملها الله للمسلمين في ذلك الوقت بتنزيل آخر حكم شرعيّ، ومنهم من قال: إنَّه إكمال الحجّ وتخصيصهم بالبلد الحرام، بعد أن كان مشتركاً بينهم وبين المشركين، ومنهم من قال: إنَّه إكمال الدّين بإكمال قوته وسلطته وكفايته الأعداء.. والمرويّ عن الإمام الصادق (ع) أنَّه قال: «آخر فريضة أنزلها الله تعالى الولاية، ثُمَّ لم ينزل بعدها فريضة، ثُمَّ نزل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بكراع الغميم، فأقامها رسول الله بالجحفة، فلم ينزل بعدها فريضة».
وروى صاحب «مجمع البيان» عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، كما نقلها الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتاب «نزول القرآن»، «أنَّ النبيّ (ص) أعطى في غدير خمّ عليّاً منصب الولاية، وأنَّ النّاس في ذلك اليوم لم يكادوا ليتفرّقوا حتّى نزلت آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فقال له النبيّ (ص) في تلك اللّحظة: الله أكبر على إكمال الدّين، وإتمام النعمة، ورضى الرّب برسالتي، وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدي، وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله».
وما يجاري صدقيّة هذه الرِّوايات، ما رواه ابن جرير الطبري في كتاب الولاية عن زيد بن أرقم ـ الصحابي المعروف ـ أنَّ هذه الآية نزلت في يوم غدير خمّ بشأن علي بن أبي طالب. وكذلك روى الخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي هريرة، نقلاً عن تفسير الأمثل، «عن النبيّ (ص)، أنَّ آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} نزلت عقيب حادثة (غدير خمّ) والعهد بالولاية لعليّ (ع)، وفي هذه المناسبة، قال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم».
وجاء في كتاب "الغدير"، إضافةً إلى الرِّوايات الثّلاث المذكورة، ثلاث عشرة رواية أخرى في هذا المجال.
وورد في تفسير البرهان وتفسير نور الثّقلين، عشر روايات مختلفة حول نزول الآية في حقّ عليّ (ع).
وهكذا نلاحظ استفاضة هذه الرِّوايات، بحيث لا يمكن تجاهلها، أو اعتبارها أخبار آحاد، كما يحاول البعض مناقشة المسألة في هذا الاتجاه...
ومن هنا، اعتبرت قضيّة الولاية من القضايا المهمّة المصيريّة في مستقبل الإسلام وقوّته، ما يؤكّد ويؤيّد اعتبارها إكمالاً للدّين الَّذي يحتاج إلى الرّعاية من الشّخص الَّذي عاش فكره وشعوره وجهاده للإسلام، حتّى لم يعد هناك ـ في داخل ذاته ـ أيّ نوعٍ من الفراغ الَّذي يحتضن اهتمامات غير إسلاميّة. وقد يمكن للإنسان أن يفكّر في أنَّ النبيّ (ص) لا يمكن له ترك قضيّة الولاية من بعده للاجتهادات المختلفة الّتي قد تختلف على أسس ذاتيّة أو تقليديّة، باعتبار أنَّها لا تخضع لبرنامج إسلاميّ تشريعيٍّ محدَّد. فالدين الَّذي قد تعرّض لكلّ شيءٍ في أحكامه وتشريعاته حتّى أدق التفاصيل، لا يتصوّر فيه أن يترك أمر الخلافة الكبير في أهميّته ونتائجه، ولا سيّما لجهة استمرار خطّ الرّسالة والنبوّة، حيث، وكما هو معلوم تاريخيّاً، لم يكن الوضع الإسلامي قد وصل إلى مستوى النضوج الكامل بفعل الأحداث الصّعبة، ما يجعل تركيز مسألة الخلافة والولاية وتأكيدها أمراً أساسياً في حركة التّشريع.
وعلى أيّ حال، فإنَّنا نثير هذه الأفكار انطلاقاً من وعينا لأهميّة القيادة في حياة الأمّة، ليكون هذا الاتجاه في التفكير أساساً للبحث من أجل مواجهة الموقف بجديّةٍ ومسؤوليّةٍ من ناحية المبدأ والمنطلق.
ويبقى للأدلّة والحجج والنصوص الشرعيّة الدور الأكبر الأساس في الحكم على ما حدث بعيداً من كل اجتهادٍ ذاتي، أو انتماءٍ مذهبي، لأنَّ القضيّة قضيّة إيمان وعلم، فلا بُدَّ للمسلمين من الارتفاع في خلافاتهم إلى هذا المستوى الَّذي يقودهم إلى الحقيقة الدينيّة والتاريخيّة من أقرب طريق، ويعلّمهم كيف يمارسون هذا الخلاف بالأسلوب الإسلامي للحوار الَّذي يعتمد على الإخلاص للحقيقة من خلال الإخلاص لله، ومواجهة المواقف من موقع الفكر العميق المنفتح المتأمّل، والله من وراء القصد.
*من كتاب تفسير "من وحي القرآن".