دراسات
14/05/2013

الهمُّ الإسلاميّ في شعر السيِّد

الهمُّ الإسلاميّ في شعر السيِّد
صلة السيِّد محمَّد حسين فضل الله بالعقيدة الإسلاميَّة صلة حميمة بدأت منذ نعومة أظافره، فهو من أسرة دين وعلم وأدب.

 رضع مفاهيم الإسلام وشبّ عليها، سواءٌ في بيئته اللبنانية الجنوبية، أو أثناء تحصيله العلمي في النَّجف الأشرف، وهي نشأة طالت آمادها، واستوعبت بعمق تيارات التحرك الفقهيّ والفكريّ والسياسيّ الَّتي كانت تتفاعل وتمور في تلك البيئة الَّتي امتازت بالحركة والحيويَّة المستمدة من تاريخها العريق في الصّراع والمعرفة، ومن حاضرها المحاصر والمتحدي.

وعلى الرغم من أن كلّ شيء في بيئته الأولى أو الثانية كان يستحثّه على التحصيل العلمي الديني بجهد ودأب، فقد كان يستجيب لدواعي موهبته الشعرية المبكرة، فكان يقرأ ويطّلع على القديم والجديد مما يُنشر ويطبع، وكان ـ كما يبدو من شعره ـ شديد الولع بالتّجارب الجديدة من الشّعر الرومانسيّ ومن الشّعر الحرّ بعد ذلك.

ومع تلك القراءات، كانت الكتابة والنشر في الصّحف والمجلات اللبنانيَّة والبغداديَّة والنجفيَّة، وكان له حضور شعري في المناسبات والحفلات الَّتي كانت تقام في بيئة النَّجف ذات الحساسيَّة الشعريَّة العالية، وهي مناسبات يغلب عليها الاهتمام بإثارة الوعي الديني منذ مراحله المبكرة الأولى في الخمسينيات.

وعلى الرّغم من عدم تبلور الوعي الديني السياسي في السنوات المبكرة من خمسينيات العقد الماضي، فإنّ شعر السيّد فضل الله كان يُنبئ بنباهة ووعي معمّق يصحبه حسّ شعري مرهف، لعلّ السيد اكتسبه من قراءاته في الاتجاه الرومانسي، ولا سيما في الوجه الإيجابي الثوري منه، فضلاً عن الظروف الشخصيَّة والسّمات الذاتيَّة لدى الشّاب آنذاك، وهي ظروف لا نملك الوثائق الَّتي تساعدنا على فهم التّجربة الشعريَّة الَّتي بين أيدينا، ولا نملك حتى المعرفة الشخصيَّة القريبة التي تساعد على هذا الفهم. وسيكون اعتمادنا على شعره ، وعلى فهمنا للظروف السياسيَّة والاجتماعيَّة العامَّة في بيئة العراق ولبنان، إضافةً إلى فهمنا لظروف الصّراع الحديث بين الإسلام وأعدائه في الخارج وفي الداخل من أبنائه والمنتمين إليه.

والذي يلفت انتباه الباحث في شعر السيد، هذا الحس الشعري الجديد الذي لم يُؤْلَف في البيئات الدينيَّة العلميَّة الَّتي غالباً ما تنشدُّ إلى التراث الشعري القديم. والذي يؤكد هذا التوجّه، ما نقرأه من شعر العلماء أو شعر الشعراء الذين نشأوا في بيئاتهم أو تأثروا بتوجيهاتهم، وإن لم يكن هذا الأمر عاماً، بل قد تشذُّ عنه بعض المواهب الَّتي تخضع لدواعٍ ذاتية أو لدواعي التأثر بالتيارات الشعرية المعاصرة. والظَّاهر أنَّ السيِّد، مع انتمائه إلى المؤسَّسة الدينيَّة، اتجه اتجاهاً فنياً يغاير ـ إلى حدٍ ما ـ الاتجاه الشعري الذي كان الجو الديني يباركه ويغذّيه، مثله مثل شاعر عراقي من معاصريه في بيئة النجف، وهو الشَّيخ علي الشرقي، الّذي غلبت على بعض أشعاره المسحة الوجدانيَّة، وكتابة المقطوعات ذات الطرافة والجدة بالنسبة إلى ما هو مألوف في البيئة العلمائية.

لقد استطاع السيِّد فضل الله بالشَّكل الشعري الَّذي كان يُعدّ من الحديث، أن يعبّر عن الهم الإسلامي في مرحلة مبكرة، كما أشرنا، على الرغم من أن هذا الشكل بلغته الشفافة وصوره المجنحة، غالباً ما يناسب الأجواء الذاتية، وبخاصة الطابع الحزين الذي يتغنى بالألم ويستمرئه وينعزل عن واقع الحياة ومشكلاتها إلى عالم الغاب والطبيعة والبحر والمرأة، وما يشب معها من عواطف وتأملات، بينما حرص شاعرنا على توظيف لغة الشعر الوجداني (الرومانسي) وصوره، لخدمة أغراضه وهمومه الإسلاميَّة...

على أنَّه من الملاحظ أنَّ هذه الهموم أخذت تتّسع مع التطوّر الفكريّ والسياسيّ للسيِّد، إذ إن الهم الإسلامي كان فيه شيء من الحسّ القومي العربي، ولا سيَّما في السنوات الأولى من الخمسينيات في أوج الثورة المصرية. ولا غرابة في أن يكون الهم الإسلامي ملتصقاً بالهم العربي، لولا أنّ الهم العربي اتّخذ ـ أو أُريد له أن يتخذ ـ وجهةً أعطت ظهرها لعقيدة الأمة ومقوّمات حضارتها.

المصدر: حدائق الشعر الإسلامي المعاصر
 
صلة السيِّد محمَّد حسين فضل الله بالعقيدة الإسلاميَّة صلة حميمة بدأت منذ نعومة أظافره، فهو من أسرة دين وعلم وأدب.

 رضع مفاهيم الإسلام وشبّ عليها، سواءٌ في بيئته اللبنانية الجنوبية، أو أثناء تحصيله العلمي في النَّجف الأشرف، وهي نشأة طالت آمادها، واستوعبت بعمق تيارات التحرك الفقهيّ والفكريّ والسياسيّ الَّتي كانت تتفاعل وتمور في تلك البيئة الَّتي امتازت بالحركة والحيويَّة المستمدة من تاريخها العريق في الصّراع والمعرفة، ومن حاضرها المحاصر والمتحدي.

وعلى الرغم من أن كلّ شيء في بيئته الأولى أو الثانية كان يستحثّه على التحصيل العلمي الديني بجهد ودأب، فقد كان يستجيب لدواعي موهبته الشعرية المبكرة، فكان يقرأ ويطّلع على القديم والجديد مما يُنشر ويطبع، وكان ـ كما يبدو من شعره ـ شديد الولع بالتّجارب الجديدة من الشّعر الرومانسيّ ومن الشّعر الحرّ بعد ذلك.

ومع تلك القراءات، كانت الكتابة والنشر في الصّحف والمجلات اللبنانيَّة والبغداديَّة والنجفيَّة، وكان له حضور شعري في المناسبات والحفلات الَّتي كانت تقام في بيئة النَّجف ذات الحساسيَّة الشعريَّة العالية، وهي مناسبات يغلب عليها الاهتمام بإثارة الوعي الديني منذ مراحله المبكرة الأولى في الخمسينيات.

وعلى الرّغم من عدم تبلور الوعي الديني السياسي في السنوات المبكرة من خمسينيات العقد الماضي، فإنّ شعر السيّد فضل الله كان يُنبئ بنباهة ووعي معمّق يصحبه حسّ شعري مرهف، لعلّ السيد اكتسبه من قراءاته في الاتجاه الرومانسي، ولا سيما في الوجه الإيجابي الثوري منه، فضلاً عن الظروف الشخصيَّة والسّمات الذاتيَّة لدى الشّاب آنذاك، وهي ظروف لا نملك الوثائق الَّتي تساعدنا على فهم التّجربة الشعريَّة الَّتي بين أيدينا، ولا نملك حتى المعرفة الشخصيَّة القريبة التي تساعد على هذا الفهم. وسيكون اعتمادنا على شعره ، وعلى فهمنا للظروف السياسيَّة والاجتماعيَّة العامَّة في بيئة العراق ولبنان، إضافةً إلى فهمنا لظروف الصّراع الحديث بين الإسلام وأعدائه في الخارج وفي الداخل من أبنائه والمنتمين إليه.

والذي يلفت انتباه الباحث في شعر السيد، هذا الحس الشعري الجديد الذي لم يُؤْلَف في البيئات الدينيَّة العلميَّة الَّتي غالباً ما تنشدُّ إلى التراث الشعري القديم. والذي يؤكد هذا التوجّه، ما نقرأه من شعر العلماء أو شعر الشعراء الذين نشأوا في بيئاتهم أو تأثروا بتوجيهاتهم، وإن لم يكن هذا الأمر عاماً، بل قد تشذُّ عنه بعض المواهب الَّتي تخضع لدواعٍ ذاتية أو لدواعي التأثر بالتيارات الشعرية المعاصرة. والظَّاهر أنَّ السيِّد، مع انتمائه إلى المؤسَّسة الدينيَّة، اتجه اتجاهاً فنياً يغاير ـ إلى حدٍ ما ـ الاتجاه الشعري الذي كان الجو الديني يباركه ويغذّيه، مثله مثل شاعر عراقي من معاصريه في بيئة النجف، وهو الشَّيخ علي الشرقي، الّذي غلبت على بعض أشعاره المسحة الوجدانيَّة، وكتابة المقطوعات ذات الطرافة والجدة بالنسبة إلى ما هو مألوف في البيئة العلمائية.

لقد استطاع السيِّد فضل الله بالشَّكل الشعري الَّذي كان يُعدّ من الحديث، أن يعبّر عن الهم الإسلامي في مرحلة مبكرة، كما أشرنا، على الرغم من أن هذا الشكل بلغته الشفافة وصوره المجنحة، غالباً ما يناسب الأجواء الذاتية، وبخاصة الطابع الحزين الذي يتغنى بالألم ويستمرئه وينعزل عن واقع الحياة ومشكلاتها إلى عالم الغاب والطبيعة والبحر والمرأة، وما يشب معها من عواطف وتأملات، بينما حرص شاعرنا على توظيف لغة الشعر الوجداني (الرومانسي) وصوره، لخدمة أغراضه وهمومه الإسلاميَّة...

على أنَّه من الملاحظ أنَّ هذه الهموم أخذت تتّسع مع التطوّر الفكريّ والسياسيّ للسيِّد، إذ إن الهم الإسلامي كان فيه شيء من الحسّ القومي العربي، ولا سيَّما في السنوات الأولى من الخمسينيات في أوج الثورة المصرية. ولا غرابة في أن يكون الهم الإسلامي ملتصقاً بالهم العربي، لولا أنّ الهم العربي اتّخذ ـ أو أُريد له أن يتخذ ـ وجهةً أعطت ظهرها لعقيدة الأمة ومقوّمات حضارتها.

المصدر: حدائق الشعر الإسلامي المعاصر
 
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية