" اللَّهُمَّ فصَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِه، واحْمِلْني بكَرَمِكَ على التفضُّل،
ولاَ تحْملني بعدلك على الاسْتِحقاقِ، فما أنا بأوّلِ رَاغِبٍ رغِبَ إليْكَ
فأعطَيْتَهُ وهُوَ يسْتَحِقُّ المنْعَ، ولا بأوَّلِ سَائِلٍ سألَكَ فأفْضَلْتَ
علَيْهِ وهوَ يَسْتَوجِبُ الحِرْمانَ.
اللّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ وآله، وكُنْ لِدُعائِي مُجيباً، ومِنْ ندائِي قريباً،
وَلِتَضَرُّعي رِاحِماً، ولِصَوْتي سَامعاً، ولاَ تقْطعْ رَجَائي عَنْكَ، ولا تَبُتَّ
سَبَبي مِنْكَ، ولاَ تُوَجِّهْني في حَاجَتي هذهِ وغَيْرِها إلى سِواكَ، وتَوَلَّني
بِنُجْحِ طلِبَتي، وقضَاءِ حاجَتي، ونَيْلِ سُؤلي قبْلَ زَوَالي عنْ موقِفِي هذا،
بتيسيرك ليَ العسيرَ، وحُسْنِ تقْدِيرِكَ لي في جميع الأمورِ.
وصَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وآلِه صَلاةً دائِمةً نامِيَةً، لا انْقِطاعَ لأبَدِها، ولا
مُنْتَهى لأمَدِها، واجْعَلْ ذلِكَ عَوْناً لي وسبَباً لنجاحِ طلِبَتي، إنّكَ واسِعٌ
كريم".
* * *
اللَّهمّ احملني بكرمك لا بعدلك
يا ربّ، سأبقى في كلّ حياتي الإنسان الصارخ إليك بكلّ صرخة الخوف في عقله، وبكلّ
لهفة المحبة في قلبه، وستبقى كلماتي خاشعة لك خاضعة لربوبيّتك، وسأبحث عن المعاني
التي تجتذب حنانك إليّ وعطفك عليّ.
قد أكون ـ يا ربّ ـ العبد المسيء الذي يستحقّ المنع من عطائك، عندما تخضع الأمور
لحسابات العدل الدقيقة التي تضع لكلّ إحسان ثواباً، ولكل إساءة عقاباً.
ولكنك ـ يا رب ـ الإله المتفضل الذي تمنح العاصين فضلك كما تمنحه للمطيعين، وتعطي
العاملين لك أكثر مما يستحقون، فتضاعف لهم الثواب، كما تخفف عن المذنبين العقاب.
وهكذا تذوب السيئات وتتبخر في الهواء في آفاق عفوك، وتتضاعف الحسنات في ألطاف كرمك.
فإذا كنت أقف اليوم بين يديك في حاجتي هذه، فإني في الوقت الذي أشفق على نفسي من
عدلك الذي يجمّد لي حاجتي في دائرة المنع، أفكّر في الطمع بكرمك الذي تتفضّل
بمعطياته على عبادك الخاطئين، فتستجيب لهم طلباتهم، وتقضي لهم حاجاتهم، وتجيب لهم
دعواتهم.
فهل تتفضّل عليّ بكرمك؟
إنني أتطلع إلى المذنبين من قبلي، وهم كثيرون، قد حصلوا على عطائك بما رغبوا إليك
فيه، وعلى فضلك بما سألوك منه، ولم تمنعهم لذنبهم، ولم تحرمهم لعصيانهم، فهل أطمع ـ
يا ربّ ـ أن أكون واحداً من هؤلاء في ما جرت به سنّتك في العفو والعطاء؟
* * *
اللَّهمَّ كُن لدعائي مجيب
يا ربّ، لقد دعوتك بكلّ روحي وعقلي ومشاعري، فكن لدعائي مجيباً، ففي كلّ لهفة في
داخله معنى الإخلاص والخشوع، وقد ناديتك بكلّ كلماتي ولهائي وخفقان قلبي وعمق
إحساسي، فكن من ندائي قريباً، ليكون ندائي قريباً إلى مواقع الرحمة في ذاتك، وقد
تضرّعت إليك بكل ذلّي ومسكنتي وقلة حيلتي وضعفي وقلقي وحيرتي، فكن لتضرّعي راحماً،
لأن موقفي هذا يجتذب كل الرحمة منك، كما يستنزف كل الدموع من عينيّ.
وقد رفعت صوتي بكلّ ما فيه من صرخة المستغيث، ولهفة المحبّ، لتسمع دقات قلبي
الخانقة، وخفقات أنفاسي اللاهثة، وصيحات مشاعري المتعبة، فكن لصوتي سامعاً، لأحسّ
بأني وصلت إليك، وأنّك عانقت أحلامي برضاك.
إنّ لي يا ربّ كلّ الرجاء بك، فلا تقطع رجائي عنك، ولا تجعلني من اليائسين.
وإنني أطلقت كلّ الأسباب التي تصلني بك، وتقرّبني إليك، وتؤدّي إلى قضاء حاجتي، فلا
تسقطها في الفراغ، ولا تجعلني من الحائرين.
وقد قصدتك بحاجتي ـ هذه ـ انطلاقاً من توحيدي في السؤال في خطّ توحيدي في العقيدة
والعبادة والطاعة، فلا توجّهني في حاجتي هذه وغيرها إلى سواك، لأني لا أرجو لقضاء
حاجتي غيرك، فأنت وليّ كلّ حاجة، ومنتهى كلّ رغبة.
أعطني النجاح في حاجتي هذه سريعاً قبل زوالي من موقفي هذا، فإن كان هناك عسرٌ، فإني
أتوسّل إليك أن تيسّره، وإذا كانت هناك حواجز تحول دونها، فإني أرغب إليك أن تتفضّل
بإزالتها من خلال حسن تقديرك في جميع الأمور، لأنّك تقدّر الخير بقدرتك، وتصلح أمور
عبادك بتوفيقك في الدنيا والآخرة.
اللّهمّ إني أدعوك بالصلاة على محمد نبيك صلاةً دائمة مستمرة حتى الأبد، ممتدةً
امتداد الأبد، واجعل هذه الصلاة التي تعبّر عن حبنا له من خلال حبّنا لك، وإيماننا
به من خلال إيماننا برسالته، اجعلها ـ يا ربّ ـ عوناً لي على القرب منك، وسبباً في
نجاح طلبي عندك، لأنّه في الصلاة عليه بعض ما يفتح لنا أبواب رحمتك وكرمك، إنك واسع
كريم.
* * *
اللّهمَّ لا تردّني خائب
هذه حاجتي ـ يا ربّ ـ بكل تفاصيلها، أرفعها إليك، وأنت أعلم بها مني، فلست أذكر
شيئاً خفياً لتعلمه عندما أذكرها لك، ولكنك تحبّ لعبادك أن يسألوك حاجاتهم، وأن
يبثوا همومهم ليقربوا إلى آفاق ربوبيتك، وليعيشوا معنى عبوديتك، من خلال ذلك.
إنني ـ يا ربّ ـ أعيش السجود لك بكلّ كياني، فقد سجد لك عقلي وروحي وقلبي وحياتي
كلّها.
وإذا كنت أعيش الوحشة من خلال الجحود الذي ألقاه من بعض خلقك، فإني أنفتح دائماً
على الأنس الذي أحياه في فضلك، وإذا ضلّ بي الطريق، وضاعت عليَّ المسالك في كلّ
حاجاتي وقضاياي، فإني أجد الدّليل إليك في إحسانك الذي فاض على كلّ المخلوقين وعلى
الوجود كلّه.
وها أنذا في غمرة فضلك، وفي هدى إحسانك، أسألك بك وأنت منتهى كلّ شيء، وإليك يرجع
الأمر كله، وبمحمد وآله الذي بلّغ رسالتك إلى خلقك، وبلّغها آله من بعده، وأطاعوه
حقّ طاعتك، فكانوا في مواقع القرب إليك، فسمحت لخلقك أن يستشفعوا بهم إليك إكراماً
لهم.
أسألك ـ يا ربّ ـ أن لا تردّني خائباً، فإنك الكريم الذي لا يردّ صاحب حاجة عن
حاجته، يا أرحم الراحمين.
*من كتاب " آفاق الروح ، ج1".