حمد الله في البلاء والعافية

حمد الله في البلاء والعافية

[من دعاء الإمام زين العابدين(ع)، مما ورد في الصّحيفة السّجاديّة، دعاؤه إذا مرض أو نزل به كرب أو بليّة:]

"اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى مَا لم أزَلْ فِيهِ مِنْ سَلامةِ بَدَني، وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى مَا أَحْدَثْتَ بي مِنْ عِلَّةٍ في جَسَدِي، فما أدْرِي ـ يا إلهي ـ أيُّ الحالَيْنِ أَحقُّ بالشّكْرِ لَكَ، وأيُّ الوقْتَينِ أوْلى بالحَمْدِ لَكَ؟... أوَقْتُ الصِّحَّةِ التي هَنَّأتَني فيها طيِّبَاتِ رِزْقِكَ، ونشَّطتني بِهَا لابْتِغَاء مَرْضَاتِكِ وَفَضْلِكَ، وقَوّيْتَني مَعَهَا عَلَى مَا وفَّقْتني لَه مِنْ طَاعتِك، أمْ وَقْتُ العِلَّةِ الَّتي مَحَّصْتَني فِيها، والنِّعَمِ الَّتِي أتْحَفْتني بِهَا، تخفيفاً لِما ثَقُلَ بِه عَلَى ظَهري مِنَ الخطيئَاتِ، وتطْهيراً لِما انْغَمسْتُ فيه مِنْ السَّيِّئات، وتَنْبِيهاً لِتَنَاوُلِ التّوْبَة، وَتَذْكِيراً لِمَحْوِ الحَوْبَةِ بقديم النِّعْمَةِ، وفي خِلاَلِ ذَلكَ، مَا كَتَبَ لي الكاتِبَانِ مِنْ زَكيِّ الأعْمَال، مَا لا قلبٌ فكّرَ فيه، وَلاَ لِسَانٌ نطقَ بِهِ، وَلاَ جَارِحَةٌ تكَلَّفتهُ، بَلْ إفْضَالاً مِنْكَ عَلَيَّ، وَإحْسَاناً مِنْ صَنِيعِكَ إلَيَّ؟".

* * *

يا إلهي، يا ربّ الصحّة والمرض، يا وليّ الداء والدواء، يا إله البلاء والعافية، هل أحمدك، ليقف الحمد في دائرة ضيّقة تتحرّك فيها حاجاتي وتطوف بها رغباتي، لتكون المسألة هي أنّ للحمد دوراً في نطاق إحساس الذات بالنتائج الإيجابيّة على مستوى الحسّ، في ما ينفتح عليه من لذائذ ومطامع ومكاسب وشهوات، أو أنّ الحمد يمتدّ في كلّ مفردات الحياة صغيرها وكبيرها، فرحها وحزنها، مكروهها ومحبوبها، فلا تخلو دائرة في كلّ ظواهر الحياة من خصوصيّة تفرض الحمد لك، لتكون القضيّة أنّ الحمد لك يمثّل حالةً موضوعية تتصل بالعناصر الحيّة للقضايا، وللأشياء الخفيّة منها والظاهرة، لأنّك الحكيم الذي ينطلق في أفعاله كلّها من مصلحة الإنسان والحياة، في الآفاق الروحية والمادية.

ويبقى للإنسان أن يكتشف تفاصيلها في تفكيره وتجربته، وفي بحثه الدّائم عن الملامح الداخلية والخارجية للحدث وللوضع وللحالة، فإذا انفتحت له مغاليق الأمور، تحرك نحو الحمد في كلّ شيء: إنني أحمدك على كلّ شيء من موقع إيماني بعيداً من التفاصيل.

لقد خلقتني يا ربّ سليماً سوياً لا أشكو من أية مشكلة صحية في بدني، أو خللٍ مثيرِ في جسدي، وقد حسَّنتَ خلقي، ومنحتني الحيويّة في حركة الحياة في كلّ وجودي، فلك الحمد.

وقد ابتليتني بالعلّة التي حدثت في جسدي، فسبّبت لي بعض الألم في إحساسي، وبعض العجز في حركتي، وأثارت فيّ الكثير من الوساوس والهواجس، ومنحتني فرصة من الهدوء، فلك الحمد.

وأنا الآن حائر حيرة الذي لا يدرك عمق الأشياء في خفايا طبيعتها، ولا يعرف سرّ المصلحة في هذا أو ذاك، وأين تكون الغلبة لأعرف كيف أعبّر عن موقف العبودية تجاهك.

أيّ الحالين أحقّ بالشّكر لك، فتكون النعمة في هذا أو ذاك؟ وأيّ الوقتين أولى بالحمد لك، فيما هو الفضل هنا أو هناك؟

فقد كانت الصحّة ـ في إحساسي المادي ـ هناءةً لذيذة تدفعني إلى الاسترخاء في غفوة السرور الهادئ، وتهيّئ لي إشباع حاجاتي الجسدية من طيّبات رزقك، فألتذّ بالمأكول من الطعام، والمشروب من الشّراب.

وكانت طاقة حيّة تبعث فيّ النشاط والحيوية والقوّة، فأنشط فيها للقيام بكلّ مسؤوليّاتي العامة والخاصة، المتحركة في امتثال أوامرك ونواهيك التي أحصل ـ من خلالها ـ على مرضاتك بتوفيقك، فهل هي هذه النّعمة التي تستوجب الشّكر، لأنها تجمع لي الدنيا والآخرة في انفتاح الصحة والعافية على مواقع الطاعة في خطّ القوّة، وكان المرض ـ كما ورد في الحديث ـ تمحيصاً للذات، ونعمة جليلةً، تخفيفاً للأثقال الملقاة على ظهري من الذنوب، وتطهيراً لكل القذارات الروحية المنبعثة من أرجاس السيّئات، وتنبيهاً للنفس الغافلة لتلجأ إلى التوبة للحصول على رضاك، وتذكيراً لي بذلك الجهد الروحي والعملي لإزالة الصفحة السوداء عن تاريخ حياتي، بمحو الخطيئة، وذلك بالانفتاح الفكري على الطاعة كمقدمة للممارسة العملية لها.

وهكذا أجد ـ في هذا المرض ـ لوناً من ألوان اللّطف الإلهيّ في حركة الذات نحو الأفضل.

وهناك نقطة مهمّة قد لا تكون بارزة في الذهنيّة العامّة للمؤمنين، وهي أنّ الله يكتب لعبده المؤمن المريض الأعمال التي ربما كان يفكّر في القيام بها، لولا عروض المرض الذي منعه منها، تماماً كما لو كان قد قام بها، انطلاقاً من الروحية الإيمانية التي تتمثّل في فكر هذا الإنسان وشعوره، لأنّ مسألة العمل في نطاق علاقته بمواقع الرّضا الإلهيّ عن الإنسان وتكريمه له، تتّصل بالخطّ الفكريّ الداخليّ له، باعتبار ما يمثله ذلك من قربه لله، فالنيّة هي روح العمل، هذا إضافةً إلى النتائج الواقعية التي تتمثل فيه.

وهذه هي المفاجأة التي يواجهها الإنسان عندما يطّلع على صحيفة أعماله، فيجد ما كتب له من زكيّ الأعمال، رغم أنّه لم يبذل أيّ جهد يستحقّ عليه ثواباً، فلا العقل ولا اللّسان ولا أعضاؤه الأخرى تحرّكت للدعوة أو الموعظة أو الإصلاح، أو بأيّ عمل آخر، لكنّه فضلك وإحسانك ولطفك ورحمتك، وهذا ما جاء عن أبي عبد الله(ع): "إذا مرض المؤمن، أوحى الله عزّ وجلّ إلى صاحب الشمال: لا تكتب على عبدي مادام في حبسي ووثاقي ذنباً، ويوحي إلى صاحب اليمين، أن أكتب لعبدي ما كنت تكتبه في صحته من الحسنات".

وهكذا، أجد في هذا المرض فرصةً للقرب إليك، بما يتيحه لي من لحظات التأمّل الهادئ، والروحانيّة المنطلقة من حالات الصفاء، والتضرّع إليك في حالة التعب والألم، والفيوضات المتنوّعة التي تغدقها عليَّ، فلك الحمد.

*من كتاب "آفاق الروح، ج 1".

[من دعاء الإمام زين العابدين(ع)، مما ورد في الصّحيفة السّجاديّة، دعاؤه إذا مرض أو نزل به كرب أو بليّة:]

"اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى مَا لم أزَلْ فِيهِ مِنْ سَلامةِ بَدَني، وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى مَا أَحْدَثْتَ بي مِنْ عِلَّةٍ في جَسَدِي، فما أدْرِي ـ يا إلهي ـ أيُّ الحالَيْنِ أَحقُّ بالشّكْرِ لَكَ، وأيُّ الوقْتَينِ أوْلى بالحَمْدِ لَكَ؟... أوَقْتُ الصِّحَّةِ التي هَنَّأتَني فيها طيِّبَاتِ رِزْقِكَ، ونشَّطتني بِهَا لابْتِغَاء مَرْضَاتِكِ وَفَضْلِكَ، وقَوّيْتَني مَعَهَا عَلَى مَا وفَّقْتني لَه مِنْ طَاعتِك، أمْ وَقْتُ العِلَّةِ الَّتي مَحَّصْتَني فِيها، والنِّعَمِ الَّتِي أتْحَفْتني بِهَا، تخفيفاً لِما ثَقُلَ بِه عَلَى ظَهري مِنَ الخطيئَاتِ، وتطْهيراً لِما انْغَمسْتُ فيه مِنْ السَّيِّئات، وتَنْبِيهاً لِتَنَاوُلِ التّوْبَة، وَتَذْكِيراً لِمَحْوِ الحَوْبَةِ بقديم النِّعْمَةِ، وفي خِلاَلِ ذَلكَ، مَا كَتَبَ لي الكاتِبَانِ مِنْ زَكيِّ الأعْمَال، مَا لا قلبٌ فكّرَ فيه، وَلاَ لِسَانٌ نطقَ بِهِ، وَلاَ جَارِحَةٌ تكَلَّفتهُ، بَلْ إفْضَالاً مِنْكَ عَلَيَّ، وَإحْسَاناً مِنْ صَنِيعِكَ إلَيَّ؟".

* * *

يا إلهي، يا ربّ الصحّة والمرض، يا وليّ الداء والدواء، يا إله البلاء والعافية، هل أحمدك، ليقف الحمد في دائرة ضيّقة تتحرّك فيها حاجاتي وتطوف بها رغباتي، لتكون المسألة هي أنّ للحمد دوراً في نطاق إحساس الذات بالنتائج الإيجابيّة على مستوى الحسّ، في ما ينفتح عليه من لذائذ ومطامع ومكاسب وشهوات، أو أنّ الحمد يمتدّ في كلّ مفردات الحياة صغيرها وكبيرها، فرحها وحزنها، مكروهها ومحبوبها، فلا تخلو دائرة في كلّ ظواهر الحياة من خصوصيّة تفرض الحمد لك، لتكون القضيّة أنّ الحمد لك يمثّل حالةً موضوعية تتصل بالعناصر الحيّة للقضايا، وللأشياء الخفيّة منها والظاهرة، لأنّك الحكيم الذي ينطلق في أفعاله كلّها من مصلحة الإنسان والحياة، في الآفاق الروحية والمادية.

ويبقى للإنسان أن يكتشف تفاصيلها في تفكيره وتجربته، وفي بحثه الدّائم عن الملامح الداخلية والخارجية للحدث وللوضع وللحالة، فإذا انفتحت له مغاليق الأمور، تحرك نحو الحمد في كلّ شيء: إنني أحمدك على كلّ شيء من موقع إيماني بعيداً من التفاصيل.

لقد خلقتني يا ربّ سليماً سوياً لا أشكو من أية مشكلة صحية في بدني، أو خللٍ مثيرِ في جسدي، وقد حسَّنتَ خلقي، ومنحتني الحيويّة في حركة الحياة في كلّ وجودي، فلك الحمد.

وقد ابتليتني بالعلّة التي حدثت في جسدي، فسبّبت لي بعض الألم في إحساسي، وبعض العجز في حركتي، وأثارت فيّ الكثير من الوساوس والهواجس، ومنحتني فرصة من الهدوء، فلك الحمد.

وأنا الآن حائر حيرة الذي لا يدرك عمق الأشياء في خفايا طبيعتها، ولا يعرف سرّ المصلحة في هذا أو ذاك، وأين تكون الغلبة لأعرف كيف أعبّر عن موقف العبودية تجاهك.

أيّ الحالين أحقّ بالشّكر لك، فتكون النعمة في هذا أو ذاك؟ وأيّ الوقتين أولى بالحمد لك، فيما هو الفضل هنا أو هناك؟

فقد كانت الصحّة ـ في إحساسي المادي ـ هناءةً لذيذة تدفعني إلى الاسترخاء في غفوة السرور الهادئ، وتهيّئ لي إشباع حاجاتي الجسدية من طيّبات رزقك، فألتذّ بالمأكول من الطعام، والمشروب من الشّراب.

وكانت طاقة حيّة تبعث فيّ النشاط والحيوية والقوّة، فأنشط فيها للقيام بكلّ مسؤوليّاتي العامة والخاصة، المتحركة في امتثال أوامرك ونواهيك التي أحصل ـ من خلالها ـ على مرضاتك بتوفيقك، فهل هي هذه النّعمة التي تستوجب الشّكر، لأنها تجمع لي الدنيا والآخرة في انفتاح الصحة والعافية على مواقع الطاعة في خطّ القوّة، وكان المرض ـ كما ورد في الحديث ـ تمحيصاً للذات، ونعمة جليلةً، تخفيفاً للأثقال الملقاة على ظهري من الذنوب، وتطهيراً لكل القذارات الروحية المنبعثة من أرجاس السيّئات، وتنبيهاً للنفس الغافلة لتلجأ إلى التوبة للحصول على رضاك، وتذكيراً لي بذلك الجهد الروحي والعملي لإزالة الصفحة السوداء عن تاريخ حياتي، بمحو الخطيئة، وذلك بالانفتاح الفكري على الطاعة كمقدمة للممارسة العملية لها.

وهكذا أجد ـ في هذا المرض ـ لوناً من ألوان اللّطف الإلهيّ في حركة الذات نحو الأفضل.

وهناك نقطة مهمّة قد لا تكون بارزة في الذهنيّة العامّة للمؤمنين، وهي أنّ الله يكتب لعبده المؤمن المريض الأعمال التي ربما كان يفكّر في القيام بها، لولا عروض المرض الذي منعه منها، تماماً كما لو كان قد قام بها، انطلاقاً من الروحية الإيمانية التي تتمثّل في فكر هذا الإنسان وشعوره، لأنّ مسألة العمل في نطاق علاقته بمواقع الرّضا الإلهيّ عن الإنسان وتكريمه له، تتّصل بالخطّ الفكريّ الداخليّ له، باعتبار ما يمثله ذلك من قربه لله، فالنيّة هي روح العمل، هذا إضافةً إلى النتائج الواقعية التي تتمثل فيه.

وهذه هي المفاجأة التي يواجهها الإنسان عندما يطّلع على صحيفة أعماله، فيجد ما كتب له من زكيّ الأعمال، رغم أنّه لم يبذل أيّ جهد يستحقّ عليه ثواباً، فلا العقل ولا اللّسان ولا أعضاؤه الأخرى تحرّكت للدعوة أو الموعظة أو الإصلاح، أو بأيّ عمل آخر، لكنّه فضلك وإحسانك ولطفك ورحمتك، وهذا ما جاء عن أبي عبد الله(ع): "إذا مرض المؤمن، أوحى الله عزّ وجلّ إلى صاحب الشمال: لا تكتب على عبدي مادام في حبسي ووثاقي ذنباً، ويوحي إلى صاحب اليمين، أن أكتب لعبدي ما كنت تكتبه في صحته من الحسنات".

وهكذا، أجد في هذا المرض فرصةً للقرب إليك، بما يتيحه لي من لحظات التأمّل الهادئ، والروحانيّة المنطلقة من حالات الصفاء، والتضرّع إليك في حالة التعب والألم، والفيوضات المتنوّعة التي تغدقها عليَّ، فلك الحمد.

*من كتاب "آفاق الروح، ج 1".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية