إلهي أنت أهلٌ للطاعة لا المعصية

إلهي أنت أهلٌ للطاعة لا المعصية

[من دعاء الإمام زين العابدين (ع) إذا استقالَ من ذنوبه أو تضرَّعَ في طلبِ العفو عن عيوبه]:

"وَأنا ـ يَا إلهِي ـ عَبْدُكَ الَّذِي أمَرْتَه بالدُّعاءِ فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، هَا أنَا ذا يَا رَبِّ مَطْرُوحٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، أنا الَّذِي أوقَرَتِ الخَطَايَا ظَهْرَهُ، وَأَنَا الَّذِي أفْنَتِ الذُّنُوبُ عُمْرَهُ، وَأَنَا الَّذِي بِجَهْلِهِ عَصَاكَ وَلَمْ تكُنْ أهْلاً مِنْهُ لِذَاكَ".

وحول هذا المقطع من الدّعاء، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض): "ما هي صورتي ـ يا ربّ ـ في حالتي هذه الّتي أعيش فيها تحت ثقل الذّنب الذي أريد أن أستقيل منه، وأتخلّص من نتائجه؟... ما هي مشاعري الروحيّة؟ وما هي استجاباتي اللاهثة لإرادتك في الاستسلام إليك؟

أنا عبدك، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى التّسليم المطلق لك بكلِّ شيء، والاستسلام المفتوح على كلّ مواقع أمرك ونهيك، فقد سلّمت لك كلّ أمري، واستسلمت لكلّ ما تحكم به عليّ.

لقد كانت إرادتك الربوبية لعبادك، أن يعبروا لك عن إحساسهم العملي بعبوديتهم لك، بالدعاء الخاشع الذي يثيرون فيه كل مشاكلهم، ويقدّمون فيه - بين يديك - كلّ حاجاتهم، ويرتفعون إليك بكلّ ابتهالاتهم، ويستغفرونك - فيه - من كل خطاياهم، لأن الدعاء يمثّل الإعلان الروحي بالارتباط الوثيق بك من خلال الحاجة الملحّة في كلّ الأشياء إليك، ويحفظ للإنسان خطّ التّوازن الدقيق بين ضعفه أمامك، ليحميه ذلك من الاستسلام للآخرين في عصيانك، وبين قوّته بك، ليؤكّد له ذلك مسؤوليّته الفاعلة عن الحياة وعن الإنسان، تقرّباً إليك.

أنا عبدك الذي أمرته بالدّعاء فاستجاب لك، ولكنّها ليست الاستجابة الجامدة التي تنطلق من حالة خوف راعش بعيد عن معنى الحركة في نطاق الوعي، بل هي الاستجابة الواعية للإله الحبيب الّذي أهفو إلى أن أحصل على محبته بالتحرّر من كلّ ما يوجب سخطه، وأذوّب روحي في لحظات الخشوع بين يديه، حتى يمنحني روحاً جديدة، لا أثر فيها لليأس، ولا معنى للسقوط.

ها أنا ـ يا ربّ ـ مطروح بين يديك، لا أشعر بذاتي ولا بعنفواني الذي قد ينتصب شامخاً في لحظات الإحساس بإنسانيتي في الوجود، ولكنه ينحني وينحني ويتضاءل، ويلامس التراب، في خضوعه لك، ليجد، بعد ذلك، أن ذلك هو معناه عندك، فكلما ازداد الإنسان خضوعاً لك، ازداد سموّاً في المعنى الرفيع لإنسانيّته، وكلما انطلق في كبريائه وعنفوانه الذّاتي أمامك، ازداد سقوطاً وابتعاداً عن معنى الإنسان فيه، لأنّ معنى السموّ، هو أن يكون الإنسان إنسان الله لا إنسان الذات، فذلك هو الذي يمنحه المدد الرّوحيّ من الينبوع الصافي الذي لا ينتهي جريانه، بينما تجمده الذّات في الزوايا الضيقة الجامدة التي تغلق عنه كلّ مسارب الهواء، وتحبس عنه كل نقطة ماء.

إنني مثقل، تضغط عليّ أثقال الخطايا حتى ينحني ظهري تحت تأثير ثقلها، بحيث أحسّ بالحياة تتحرك في كياني بجهد ثقيل.

وأنا ـ يا رب ـ الذي أفنت الذنوب عمره، فاستهلكت كل طاقته، وعبّأت كل فراغاته، واستغلّت كل شهواته، وأغرت كل نقاط ضعفه بالاستسلام لشيطان الهوى، حتى مرّ العمر به مروراً عابراً، تماماً كما هو الحلم الغارق في الأوهام.

إن مشكلتي هي هذا الجهل بحقائق الأشياء، وبنتائج الأعمال وبمقام الربوبيّة بما يجب على العبد تجاه ربّه، ولذلك، فقد عصيتك من موقع جهلي للغرق في الغفلة والوهم، ولولا ذلك، لانتبهت إلى الحقيقة الصارخة، أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، والذي أسبغ عليّ نعمه كلّها، فمن الحقارة أن أعامله بهذه الطريقة التي لا تتناسب مع فضله وإحسانه إليّ، الأمر الذي يجعله أهلاً للطاعة لا للمعصية"...

*من كتاب "آفاق الرّوح، ج1".

[من دعاء الإمام زين العابدين (ع) إذا استقالَ من ذنوبه أو تضرَّعَ في طلبِ العفو عن عيوبه]:

"وَأنا ـ يَا إلهِي ـ عَبْدُكَ الَّذِي أمَرْتَه بالدُّعاءِ فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، هَا أنَا ذا يَا رَبِّ مَطْرُوحٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، أنا الَّذِي أوقَرَتِ الخَطَايَا ظَهْرَهُ، وَأَنَا الَّذِي أفْنَتِ الذُّنُوبُ عُمْرَهُ، وَأَنَا الَّذِي بِجَهْلِهِ عَصَاكَ وَلَمْ تكُنْ أهْلاً مِنْهُ لِذَاكَ".

وحول هذا المقطع من الدّعاء، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض): "ما هي صورتي ـ يا ربّ ـ في حالتي هذه الّتي أعيش فيها تحت ثقل الذّنب الذي أريد أن أستقيل منه، وأتخلّص من نتائجه؟... ما هي مشاعري الروحيّة؟ وما هي استجاباتي اللاهثة لإرادتك في الاستسلام إليك؟

أنا عبدك، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى التّسليم المطلق لك بكلِّ شيء، والاستسلام المفتوح على كلّ مواقع أمرك ونهيك، فقد سلّمت لك كلّ أمري، واستسلمت لكلّ ما تحكم به عليّ.

لقد كانت إرادتك الربوبية لعبادك، أن يعبروا لك عن إحساسهم العملي بعبوديتهم لك، بالدعاء الخاشع الذي يثيرون فيه كل مشاكلهم، ويقدّمون فيه - بين يديك - كلّ حاجاتهم، ويرتفعون إليك بكلّ ابتهالاتهم، ويستغفرونك - فيه - من كل خطاياهم، لأن الدعاء يمثّل الإعلان الروحي بالارتباط الوثيق بك من خلال الحاجة الملحّة في كلّ الأشياء إليك، ويحفظ للإنسان خطّ التّوازن الدقيق بين ضعفه أمامك، ليحميه ذلك من الاستسلام للآخرين في عصيانك، وبين قوّته بك، ليؤكّد له ذلك مسؤوليّته الفاعلة عن الحياة وعن الإنسان، تقرّباً إليك.

أنا عبدك الذي أمرته بالدّعاء فاستجاب لك، ولكنّها ليست الاستجابة الجامدة التي تنطلق من حالة خوف راعش بعيد عن معنى الحركة في نطاق الوعي، بل هي الاستجابة الواعية للإله الحبيب الّذي أهفو إلى أن أحصل على محبته بالتحرّر من كلّ ما يوجب سخطه، وأذوّب روحي في لحظات الخشوع بين يديه، حتى يمنحني روحاً جديدة، لا أثر فيها لليأس، ولا معنى للسقوط.

ها أنا ـ يا ربّ ـ مطروح بين يديك، لا أشعر بذاتي ولا بعنفواني الذي قد ينتصب شامخاً في لحظات الإحساس بإنسانيتي في الوجود، ولكنه ينحني وينحني ويتضاءل، ويلامس التراب، في خضوعه لك، ليجد، بعد ذلك، أن ذلك هو معناه عندك، فكلما ازداد الإنسان خضوعاً لك، ازداد سموّاً في المعنى الرفيع لإنسانيّته، وكلما انطلق في كبريائه وعنفوانه الذّاتي أمامك، ازداد سقوطاً وابتعاداً عن معنى الإنسان فيه، لأنّ معنى السموّ، هو أن يكون الإنسان إنسان الله لا إنسان الذات، فذلك هو الذي يمنحه المدد الرّوحيّ من الينبوع الصافي الذي لا ينتهي جريانه، بينما تجمده الذّات في الزوايا الضيقة الجامدة التي تغلق عنه كلّ مسارب الهواء، وتحبس عنه كل نقطة ماء.

إنني مثقل، تضغط عليّ أثقال الخطايا حتى ينحني ظهري تحت تأثير ثقلها، بحيث أحسّ بالحياة تتحرك في كياني بجهد ثقيل.

وأنا ـ يا رب ـ الذي أفنت الذنوب عمره، فاستهلكت كل طاقته، وعبّأت كل فراغاته، واستغلّت كل شهواته، وأغرت كل نقاط ضعفه بالاستسلام لشيطان الهوى، حتى مرّ العمر به مروراً عابراً، تماماً كما هو الحلم الغارق في الأوهام.

إن مشكلتي هي هذا الجهل بحقائق الأشياء، وبنتائج الأعمال وبمقام الربوبيّة بما يجب على العبد تجاه ربّه، ولذلك، فقد عصيتك من موقع جهلي للغرق في الغفلة والوهم، ولولا ذلك، لانتبهت إلى الحقيقة الصارخة، أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، والذي أسبغ عليّ نعمه كلّها، فمن الحقارة أن أعامله بهذه الطريقة التي لا تتناسب مع فضله وإحسانه إليّ، الأمر الذي يجعله أهلاً للطاعة لا للمعصية"...

*من كتاب "آفاق الرّوح، ج1".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية