ما يبقى وما يفنى

ما يبقى وما يفنى

ندخل إلى الدّنيا، هذه الّتي نتنازع عليها، نتحاسد ونتباغض.. فما هو مثَلُها وما هي قيمتها؟ {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِر}[الكهف: 45]، فهذه الدّنيا أمامك، يختصرها خريف وشتاء، ربيعٌ وصيف، هي {كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ}، وينزل الماء من السّماء إلى الأرض، تختلط البذور به، فتخضرّ وتتزيّن، ثمّ تصفرّ وتتساقط وتموت {فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}، تتكسَّر أوراقها اليابسة، فتحملها الرّيح في كلِّ الاتجاهات. وهكذا، هي أعمارنا، نبدأ أجنّةً، فنولد، ثمّ بعد الطّفولة نصير شباباً، فشيوخاً وكهولاً {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئ}[النّحل: 70]، ومن ثمَّ إلى القبر، هي الصّورة نفسها في الكون بين المخلوقات في البدايات والنّهايات {وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِر}[الكهف: 45]، فهو القادر على أن يعطيك الحياة، وأن يسلبها منك، هو الّذي يُحيي ويميت، والقادر على كلِّ شيء، وهو الثِّقة والأمل، وليس الأملُ بما يفنى ولا يبقى.

وبعد ذلك، يعطينا القرآن وصفاً لما هي عليه الحياة، وما هو الأفضل والأبقى فيها {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَل}[الكهف: 46]. المال زينةٌ تتمثّلها في لباسك وجسدك وبيتك وفي كلِّ ما تتحرّك فيه، والبنون زينةٌ، تزهو بهم، يمشون معك، يلعبون أمام ناظريك، وتشعر بأنّ الدنيا لن تسعك فرحاً بهم.. ولكنّ المال يزول عنك وأنتَ في الحياة، وتزول عنه في لحظة الموت، وأبناؤك قد يرحلون إلى الله قبلك، وقد ترحل قبلهم، موتٌ هنا، وموتٌ هناك.. كلّ شيءٍ يفنى، تُطفأ عيناك ولا ضوء فيهما، تتجمَّد أذناك ولسانك عن السّمع والنطق، وتتوقّف يداك عن الحركة، ورجلاك عن الانطلاق، وتجفُّ خضرة الحياة ونضرتها فيك، وتصبح مجرَّد لحم وعظم يدفع على الاشمئزاز من رائحته إذا لم تُدفن، وبعد ذلك تتحوَّل إلى تراب.

وماذا يبقى منك؟ يبقى العمل وحده {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ}، فالأعمال الصّالحة، وما قدّمت من عمل في عبادة ربِّك، وفي نصرة المظلومين في حياتك، ومساعدة المحرومين ممّا رزقك الله، ومن رفع مستوى الأُمَّة بعلمك وخبرتك، ومن تعزيز مواقعها بجهدك وجهادك، هو الّذي يبقى {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاب}، فيما يعطيك ربُّكَ من ثواب، {وَخَيْرٌ أَمَل}، فليس الأمل مالَك وولدَك، بل هو عملُك الذي ينجيك، فانظر كيف تُحسن عمَلك وتُتقِنُه، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[التّوبة: 105].

*من كتاب "من عرفان القرآن".

ندخل إلى الدّنيا، هذه الّتي نتنازع عليها، نتحاسد ونتباغض.. فما هو مثَلُها وما هي قيمتها؟ {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِر}[الكهف: 45]، فهذه الدّنيا أمامك، يختصرها خريف وشتاء، ربيعٌ وصيف، هي {كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ}، وينزل الماء من السّماء إلى الأرض، تختلط البذور به، فتخضرّ وتتزيّن، ثمّ تصفرّ وتتساقط وتموت {فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}، تتكسَّر أوراقها اليابسة، فتحملها الرّيح في كلِّ الاتجاهات. وهكذا، هي أعمارنا، نبدأ أجنّةً، فنولد، ثمّ بعد الطّفولة نصير شباباً، فشيوخاً وكهولاً {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئ}[النّحل: 70]، ومن ثمَّ إلى القبر، هي الصّورة نفسها في الكون بين المخلوقات في البدايات والنّهايات {وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِر}[الكهف: 45]، فهو القادر على أن يعطيك الحياة، وأن يسلبها منك، هو الّذي يُحيي ويميت، والقادر على كلِّ شيء، وهو الثِّقة والأمل، وليس الأملُ بما يفنى ولا يبقى.

وبعد ذلك، يعطينا القرآن وصفاً لما هي عليه الحياة، وما هو الأفضل والأبقى فيها {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَل}[الكهف: 46]. المال زينةٌ تتمثّلها في لباسك وجسدك وبيتك وفي كلِّ ما تتحرّك فيه، والبنون زينةٌ، تزهو بهم، يمشون معك، يلعبون أمام ناظريك، وتشعر بأنّ الدنيا لن تسعك فرحاً بهم.. ولكنّ المال يزول عنك وأنتَ في الحياة، وتزول عنه في لحظة الموت، وأبناؤك قد يرحلون إلى الله قبلك، وقد ترحل قبلهم، موتٌ هنا، وموتٌ هناك.. كلّ شيءٍ يفنى، تُطفأ عيناك ولا ضوء فيهما، تتجمَّد أذناك ولسانك عن السّمع والنطق، وتتوقّف يداك عن الحركة، ورجلاك عن الانطلاق، وتجفُّ خضرة الحياة ونضرتها فيك، وتصبح مجرَّد لحم وعظم يدفع على الاشمئزاز من رائحته إذا لم تُدفن، وبعد ذلك تتحوَّل إلى تراب.

وماذا يبقى منك؟ يبقى العمل وحده {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ}، فالأعمال الصّالحة، وما قدّمت من عمل في عبادة ربِّك، وفي نصرة المظلومين في حياتك، ومساعدة المحرومين ممّا رزقك الله، ومن رفع مستوى الأُمَّة بعلمك وخبرتك، ومن تعزيز مواقعها بجهدك وجهادك، هو الّذي يبقى {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاب}، فيما يعطيك ربُّكَ من ثواب، {وَخَيْرٌ أَمَل}، فليس الأمل مالَك وولدَك، بل هو عملُك الذي ينجيك، فانظر كيف تُحسن عمَلك وتُتقِنُه، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[التّوبة: 105].

*من كتاب "من عرفان القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية