شعر
18/11/2023

شاعرٌ في زَورق

شاعرٌ في زَورق

قصيدة نشرت في ديوان"على شاطئ الوجدان" كتبت في النّجف 1954/9/6م

أشـرقَ الـصّـبـحُ فـي الـحـياةِ فَرَقَّتْ بَسْمَةُ الفَجْرِ في ثغورِ الأَقاحِ 
وَهَــفَــا بُــرْعُــمٌ‌، فَــرَقْــرَقَــتِ الــأنـداءُ أوراقَـهُ بـفـيـضِ الـصَّـبـاحِ 
واطمأنَتْ على الرُّبى، وردةٌ سكرى، تثنَّتْ على عَزيفِ الرّياحِ‌(1) 
وجـرى الـشـاعـرُ الـمـرنَّـحُ‌، والـزّورقُ يـحـدوهُ‌، بـالـهـوى والـمِلاحِ 
وعـلـى الـنّـهـرِ - يـا لـنـهـرِ الـمـحـبِّـيـنَ - تـهـاوتْ عُـصَارةُ الأقداحِ 
فـكـأنّ الـأمـواجَ خَـفْـقُ قـلـوبٍ مَـسَـحَ الـحـبُّ‌، جَـفْـنَـهـا بـالجراحِ 
وحـفيفُ النخيلِ‌، في الشاطىءِ المسحورِ، همسُ الأرواحِ للأرواحِ 
والـضّـبـابُ الـنّـديـانُ‌، مـن فـوقِـهـا يـجري، فينهَلُّ بالنَّدى المِمْراحِ 
يَـمْـلـأُ الـأُفْـقَ‌، روعـةً فـيـمـوجُ الـكـونُ بـيـنَ الـإمـسـاءِ والـإصباحِ‌

وهنا، في الضِّفافِ والحُلُمُ السّادرُ يحنو على الضُّحى اللمَّاحِ 
مَـوكِـبٌ لـلـربـيـعِ‌، تـلـهـو بـه الـأطـيارُ، في غَمْرَةٍ مِنَ الأَفراحِ‌
 

شــاعــرٌ رنَّــحَ الــخـيـالُ جـنـاحـيـهِ بـأطـيـافِ عَـالـمٍ فَـيَّـاحِ 
جُـنَّ فـي روحِـهِ الـشَّـبَـابُ‌، وطـافتْ بلياليه خِفْقَةُ الأشباحِ 
أكـذا يـقـطـعُ الـحـيـاةَ بـدنـيـاهُ ولـمّـا يَـحِـنْ طـلـوعُ الـصّباحِ 
فَـتَّـحَـتْ عـيـنَـهُ عـلـى شـاطـىءِ الموتِ‌، تهاويلُ أنَّةٍ ونُواحِ 
لم يَجِدْ غيرَ قَفْرةٍ تحضُنُ الموتى.. وتمتَصُّ شُعْلَةَ المِصْبَاحِ 
لـيـس فـي أُفْـقِـهِ‌، صـدًى لـأمانيهِ‌، يناغي بهِ بناتَ الصُّداحِ 
كـلُّ مـا فـي حـيـاتِـهِ دَمْـعَـةٌ تـهـمـي، ودنـيـا تموجُ بالأَتْرَاحِ‌
 

هكذا.. وارتمى على فَجْرِهِ المِمْراحِ‌، حُلْمٌ‌، يطوفُ في الأرواحِ 
زورقٌ يــبــعــثُ الــنّــشــيـدَ ونـهـرٌ مـائـجٌ‌، بـيـنَ غَـدْوةٍ وَرَوَاحِ 
وشـراعٌ يـلـاعِـبُ النَسَمَ المخمورَ، في رَوْعَةِ الصَّباحِ الصّاحي 
ومِـرَاحٌ عـلـى الـضـفـافِ ومـوجـاتٌ‌، تهادى مَعَ الهوى والمِرَاحِ 
لـحـظـةً‌، ثـمَّ رفـرفَ الـحُـلْـمُ نـشـوانَ‌، وجُـنَّـتْ ملاعبُ الأَدواحِ 
فـإذا الـشّـاعِرُ المُدَلَّهُ‌(2) ، والأمواجُ تطغى، في زورقٍ مِمْراح 

يـحسَبُ النَّهْرُ عرشَهُ‌، ويرى الأمواجَ قبلاتِ عاشقٍ مرتاحِ 
ويـدُ الـفـنِّ تُـتْـرِعُ‌(3) الكأسَ ملأى بأناشيدِ شاعرٍ صَدَّاحِ 
وإذا الأفْقُ جوقةٌ‌، تبعَثُ الألحانَ‌، نجوى لقلبِهِ المُلْتاحِ‌(4) 
 

آهِ يـا شـاعـري، لـقـد نَـفَـضَ الـلـيـلُ تـهـاويـلَـهُ‌، لفجْرٍ صُراحِ 
غَـنِّ هـذي الـحـيـاةَ‌، أغـنـيـةَ الـنّـورِ، وَأَتْـرِعْ كـؤوسَـهَـا بالرَّاحِ 
وابتَسِمْ‌، إنَّ بسمةَ الشّاعرِ المخزونِ لَمْحٌ مِنَ السَّنا الوَضَّاحِ 
وإذا مـا اسـتـفـزَّ روحَـكَ جُـرْحٌ يَـتَـنَـزَّى بـمِـبْـضَعِ‌(5) الجرّاحِ 
وإذا مـا رأيـتَ ثـمَّـةَ أشـبـاحًـا تَـلَـوّى بـيـنَ الـأسـى والـنّـياحِ 
وإذا مـا سـمـعـتَ أنَّـةَ مـحزونٍ على مَشْرِقِ الضُّحى اللمَّاحِ 
وإذا لــوَّحــتْ أمـامَـكَ بـالـمـوتِ‌، وهـاجـتْ غـريـزةُ الـسـفَّـاحِ 
قـفْ وراءَ الـظّـلـال، تُبصرْ وراءَ الجُرْحِ‌، دنيا تَضْرى بروحِ الكِفَاحِ 
وتـأمَّـل هـنـاك، حـيـث خُطى الرَّكْبِ‌، تَشُقُّ الفضا بغيرِ جَنَاحِ 
لـتـرى كـيـفَ تـرتـمـي قـوَّةُ الـنُّـورِ، وراءَ الـجـراحِ والـأشـبـاحِ 
إنّــمــا هــذه الــحـيـاةُ صِـراعٌ يـتـجـلّـى بِـهِ شُـعَـاعُ الـنَّـجَـاحِ‌
 

وهنا أنتَ‌: تَحْسَبُ الكونَ حقلاً من طيوفٍ‌، وموجةً من سَمَاحِ 
وتـرى فـي مـلـاعبِ النَّهرِ ملهًى للأماني، ومسرحًا للصُّداحِ 
قِـف هـنـا، وانـظـرِ الـحياةَ ضَبَابًا يَمْلأُ الأُفْقَ بالضَّبابِ الماحي 
لـيـس يُـجـديكَ‌، أنْ تطوفَ خيالاتُكَ‌، في رَوْعَةِ النّهارِ الضَّاحي 
إنّـمـا أنـتَ مُـلْـكُ شـعـبِـكَ فـابـعـثْ مِـنْ حناياهُ ثورةَ الإِصلاحِ 
وتـوثَّـبْ إلـى الـحـيـاةِ فـلـم تَـحْـيَ لـتـشـدو في لوعةٍ ونُوَاحِ 
عُـدْ إلـى الـشّعبِ‌: إنَّ شعبَكَ أولى بأغانيكَ مِنْ ثُغورِ المِلاحِ 
فـالـحـيـاةُ الـحياةُ‌: أن تقطَعَ العُمْرَ مُجِدًّا في عِزَّةٍ وطِماحِ‌(6)

 (1) العزيف: صوت الرّمال إذا هبّت الرّياح.
(2) المُدَلّه: العاشق الولهان الذي ذهب عقله من الحُبّ‌.
(3) تترع: تملأ الكأس. 
(4) الملتاح: الظمآن. 
(5) المبضع: المِشْرَط. 
(6) الطِّماح: التَّطلّع إلى تحقيق هدف بعيد، الكِبر والفخر.







أشـرقَ الـصّـبـحُ فـي الـحـياةِ فَرَقَّتْ بَسْمَةُ الفَجْرِ في ثغورِ الأَقاحِ 
وَهَــفَــا بُــرْعُــمٌ‌، فَــرَقْــرَقَــتِ الــأنـداءُ أوراقَـهُ بـفـيـضِ الـصَّـبـاحِ 
واطمأنَتْ على الرُّبى، وردةٌ سكرى، تثنَّتْ على عَزيفِ الرّياحِ‌(1) 
وجـرى الـشـاعـرُ الـمـرنَّـحُ‌، والـزّورقُ يـحـدوهُ‌، بـالـهـوى والـمِلاحِ 
وعـلـى الـنّـهـرِ - يـا لـنـهـرِ الـمـحـبِّـيـنَ - تـهـاوتْ عُـصَارةُ الأقداحِ 
فـكـأنّ الـأمـواجَ خَـفْـقُ قـلـوبٍ مَـسَـحَ الـحـبُّ‌، جَـفْـنَـهـا بـالجراحِ 
وحـفيفُ النخيلِ‌، في الشاطىءِ المسحورِ، همسُ الأرواحِ للأرواحِ 
والـضّـبـابُ الـنّـديـانُ‌، مـن فـوقِـهـا يـجري، فينهَلُّ بالنَّدى المِمْراحِ 
يَـمْـلـأُ الـأُفْـقَ‌، روعـةً فـيـمـوجُ الـكـونُ بـيـنَ الـإمـسـاءِ والـإصباحِ‌

وهنا، في الضِّفافِ والحُلُمُ السّادرُ يحنو على الضُّحى اللمَّاحِ 
مَـوكِـبٌ لـلـربـيـعِ‌، تـلـهـو بـه الـأطـيارُ، في غَمْرَةٍ مِنَ الأَفراحِ‌
 

شــاعــرٌ رنَّــحَ الــخـيـالُ جـنـاحـيـهِ بـأطـيـافِ عَـالـمٍ فَـيَّـاحِ 
جُـنَّ فـي روحِـهِ الـشَّـبَـابُ‌، وطـافتْ بلياليه خِفْقَةُ الأشباحِ 
أكـذا يـقـطـعُ الـحـيـاةَ بـدنـيـاهُ ولـمّـا يَـحِـنْ طـلـوعُ الـصّباحِ 
فَـتَّـحَـتْ عـيـنَـهُ عـلـى شـاطـىءِ الموتِ‌، تهاويلُ أنَّةٍ ونُواحِ 
لم يَجِدْ غيرَ قَفْرةٍ تحضُنُ الموتى.. وتمتَصُّ شُعْلَةَ المِصْبَاحِ 
لـيـس فـي أُفْـقِـهِ‌، صـدًى لـأمانيهِ‌، يناغي بهِ بناتَ الصُّداحِ 
كـلُّ مـا فـي حـيـاتِـهِ دَمْـعَـةٌ تـهـمـي، ودنـيـا تموجُ بالأَتْرَاحِ‌
 

هكذا.. وارتمى على فَجْرِهِ المِمْراحِ‌، حُلْمٌ‌، يطوفُ في الأرواحِ 
زورقٌ يــبــعــثُ الــنّــشــيـدَ ونـهـرٌ مـائـجٌ‌، بـيـنَ غَـدْوةٍ وَرَوَاحِ 
وشـراعٌ يـلـاعِـبُ النَسَمَ المخمورَ، في رَوْعَةِ الصَّباحِ الصّاحي 
ومِـرَاحٌ عـلـى الـضـفـافِ ومـوجـاتٌ‌، تهادى مَعَ الهوى والمِرَاحِ 
لـحـظـةً‌، ثـمَّ رفـرفَ الـحُـلْـمُ نـشـوانَ‌، وجُـنَّـتْ ملاعبُ الأَدواحِ 
فـإذا الـشّـاعِرُ المُدَلَّهُ‌(2) ، والأمواجُ تطغى، في زورقٍ مِمْراح 

يـحسَبُ النَّهْرُ عرشَهُ‌، ويرى الأمواجَ قبلاتِ عاشقٍ مرتاحِ 
ويـدُ الـفـنِّ تُـتْـرِعُ‌(3) الكأسَ ملأى بأناشيدِ شاعرٍ صَدَّاحِ 
وإذا الأفْقُ جوقةٌ‌، تبعَثُ الألحانَ‌، نجوى لقلبِهِ المُلْتاحِ‌(4) 
 

آهِ يـا شـاعـري، لـقـد نَـفَـضَ الـلـيـلُ تـهـاويـلَـهُ‌، لفجْرٍ صُراحِ 
غَـنِّ هـذي الـحـيـاةَ‌، أغـنـيـةَ الـنّـورِ، وَأَتْـرِعْ كـؤوسَـهَـا بالرَّاحِ 
وابتَسِمْ‌، إنَّ بسمةَ الشّاعرِ المخزونِ لَمْحٌ مِنَ السَّنا الوَضَّاحِ 
وإذا مـا اسـتـفـزَّ روحَـكَ جُـرْحٌ يَـتَـنَـزَّى بـمِـبْـضَعِ‌(5) الجرّاحِ 
وإذا مـا رأيـتَ ثـمَّـةَ أشـبـاحًـا تَـلَـوّى بـيـنَ الـأسـى والـنّـياحِ 
وإذا مـا سـمـعـتَ أنَّـةَ مـحزونٍ على مَشْرِقِ الضُّحى اللمَّاحِ 
وإذا لــوَّحــتْ أمـامَـكَ بـالـمـوتِ‌، وهـاجـتْ غـريـزةُ الـسـفَّـاحِ 
قـفْ وراءَ الـظّـلـال، تُبصرْ وراءَ الجُرْحِ‌، دنيا تَضْرى بروحِ الكِفَاحِ 
وتـأمَّـل هـنـاك، حـيـث خُطى الرَّكْبِ‌، تَشُقُّ الفضا بغيرِ جَنَاحِ 
لـتـرى كـيـفَ تـرتـمـي قـوَّةُ الـنُّـورِ، وراءَ الـجـراحِ والـأشـبـاحِ 
إنّــمــا هــذه الــحـيـاةُ صِـراعٌ يـتـجـلّـى بِـهِ شُـعَـاعُ الـنَّـجَـاحِ‌
 

وهنا أنتَ‌: تَحْسَبُ الكونَ حقلاً من طيوفٍ‌، وموجةً من سَمَاحِ 
وتـرى فـي مـلـاعبِ النَّهرِ ملهًى للأماني، ومسرحًا للصُّداحِ 
قِـف هـنـا، وانـظـرِ الـحياةَ ضَبَابًا يَمْلأُ الأُفْقَ بالضَّبابِ الماحي 
لـيـس يُـجـديكَ‌، أنْ تطوفَ خيالاتُكَ‌، في رَوْعَةِ النّهارِ الضَّاحي 
إنّـمـا أنـتَ مُـلْـكُ شـعـبِـكَ فـابـعـثْ مِـنْ حناياهُ ثورةَ الإِصلاحِ 
وتـوثَّـبْ إلـى الـحـيـاةِ فـلـم تَـحْـيَ لـتـشـدو في لوعةٍ ونُوَاحِ 
عُـدْ إلـى الـشّعبِ‌: إنَّ شعبَكَ أولى بأغانيكَ مِنْ ثُغورِ المِلاحِ 
فـالـحـيـاةُ الـحياةُ‌: أن تقطَعَ العُمْرَ مُجِدًّا في عِزَّةٍ وطِماحِ‌(6)

 (1) العزيف: صوت الرّمال إذا هبّت الرّياح.
(2) المُدَلّه: العاشق الولهان الذي ذهب عقله من الحُبّ‌.
(3) تترع: تملأ الكأس. 
(4) الملتاح: الظمآن. 
(5) المبضع: المِشْرَط. 
(6) الطِّماح: التَّطلّع إلى تحقيق هدف بعيد، الكِبر والفخر.







اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية