لطالما كان الجنّ مدار تناقل ألسن النّاس في مجالسهم وحياتهم، ينسجون حوله الكثير من القصص الّتي تضجّ بالمبالغة إلى درجة الأسطرة. ومنذ القدم، كان النّاس يتحدَّثون عن الجنِّ كما لو أنّه يشاركهم حياتهم ويؤثّر فيها، فالبعض يصل به الأمر إلى القول بأنَّ الجنَّ يمسّ الإنسان ويسبِّب له نوعاً من الهذيان والأمراض، والبعض الآخر يبرِّر تصرّفاته الغريبة بأنّ جنّاً معيّناً يتلبّسه على الدّوام.
ويبدأ النّاس بتناقل القصص والرّوايات عن الجنّ، حتى أضحت وكأنّها حقيقة مرتكزة في وجدانهم العام. ولقد عالج القرآن الكريم مفهوم الجنّ، كما جاء في سورة الجنِّ المباركة، فتحدَّث عنهم كمخلوقاتٍ حيَّةٍ عاقلةٍ مسؤولةٍ كما الإنسان، وكلَّفهما معاً بعبادة الله تعالى، وحذَّرهما من الكفر به والانحراف عن خطِّ الطّاعة، وتلك هي الصّورة الّتي يمكن لنا أن نؤمن بها على أساس الحقيقة القرآنيَّة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
ويلفت سماحة السيّد فضل الله(رض) إلى نقطة هامَّة متعلّقة بتأثير الجنّ في عقائد النّاس بقوله: "أمّا العقائد الشعبيَّة الَّتي تتحدَّث عن الجنِّ بما يشبه الخرافة، وترى لهم تأثيراً في الحياة العمليّة للنّاس، في ما قد يحدث لهم من حالات غير طبيعيَّة، أو في تسخيرهم وإيجاد علاقات معيّنة بهم مما قد يتحدَّث به البعض، فلم يثبت لنا ذلك بطريقٍ صحيح. ولذا، فإنّنا لا نستطيع أن نجد فيه أيَّ أساسٍ للحقيقة، ونحذِّر المؤمنين من أن يخضعوا لمثل هذه الأحاديث الَّتي قد يحركها الكثيرون من الجاهلين، أو من الَّذين يعملون على استغلال جهل النَّاس للإيحاء لهم بالجوّ الخفيّ للجنِّ بادّعاء علاقتهم بأمراضهم وأحلامهم وآلامهم وقضاياهم الحياتيَّة المتنوّعة".[تفسير من وحي القرآن، ج 23، ص 143-144].
وقد يسأل البعض من النّاس: البعض يدَّعي أنَّ جنًّا قد دخل أجسادهم، وبالتّالي هو يسبّب لهم المرض والأذى، فهل الجنّ ـ يا ترى ـ قادر على كلّ ذلك؟ يجيب السيّد فضل الله: "إنَّ للجنِّ قدرات معيّنة تتناسب مع طبيعة خلقه وطينته، وكذلك للإنسان قدرات معيَّنة تتناسب مع طبيعة خلقه وطينته، والله لم يسلِّط الجنَّ على الإنسان بنحوٍ مطلق، بحيث يسلب كلَّ قدرات الإنسان وإمكانات المقاومة. ولذلك، فإنَّ المسألة تبقى في دائرة الإمكان، والَّتي تكون خاضعةً لقوانين الغلبة، كما إذا انتصر القويّ على الضّعيف من خلال موازين القوّة في الخارج، والله العالم".
وعن مسِّ الجنِّ للإنسان، وهو ما نسمع به كثيراً في أوساط النَّاس، يوضح سماحته: "لم يثبت واقعيَّة ذلك، والله تعالى لم يسلِّط الجنَّ على الإنس بهذا المعنى، بل غاية ما أعطاه، أن أنظره إلى يوم يبعثون مع قدرة الوسوسة، سعياً لإغوائه، ولكنَّ الله تعالى حذَّر الإنسان من الشّيطان وحبائله ومكره وخداعه ووسوسته، وحصَّنه من خلال الفطرة والعقل والرّسالات".
كما أنَّ البعض من النّاس يدَّعي أنَّ باستطاعته تحضير الجنّ، وأنّه يقرأ قراءات معيَّنة لأجل ذلك، فيقول سماحته: "الجنّ موجود، وهذا ثابت في القرآن الكريم، إلا أنّه لم يُسلَّط على الناس ليتدخَّل في شؤون حياتهم سلباً أو إيجاباً، وكلّ ما يدَّعيه البعض من استحضار الجنِّ واستعماله هو غير صحيح، ولا أساس شرعيّاً له". [استفتاءات].
من هنا، نعرف أنَّ للجنّ عالمه الخاصّ به، ولم يسلِّطه الله تعالى على حياة الناس ليؤثِّر فيها أو يتلاعب بمصيرهم، وعلينا بالتّالي أن نكون المؤمنين الواعين الَّذين لا يعطون الأمور أكثر من حجمها الطّبيعيّ، وأن نبتعد عن الغلوِّ والمغالاة، وبخاصَّة في أمور لا نعرف عن طبيعتها وأوصافها، إلا ما أخبرنا به القرآن من خطوط عامَّة دون التّفاصيل.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

لطالما كان الجنّ مدار تناقل ألسن النّاس في مجالسهم وحياتهم، ينسجون حوله الكثير من القصص الّتي تضجّ بالمبالغة إلى درجة الأسطرة. ومنذ القدم، كان النّاس يتحدَّثون عن الجنِّ كما لو أنّه يشاركهم حياتهم ويؤثّر فيها، فالبعض يصل به الأمر إلى القول بأنَّ الجنَّ يمسّ الإنسان ويسبِّب له نوعاً من الهذيان والأمراض، والبعض الآخر يبرِّر تصرّفاته الغريبة بأنّ جنّاً معيّناً يتلبّسه على الدّوام.
ويبدأ النّاس بتناقل القصص والرّوايات عن الجنّ، حتى أضحت وكأنّها حقيقة مرتكزة في وجدانهم العام. ولقد عالج القرآن الكريم مفهوم الجنّ، كما جاء في سورة الجنِّ المباركة، فتحدَّث عنهم كمخلوقاتٍ حيَّةٍ عاقلةٍ مسؤولةٍ كما الإنسان، وكلَّفهما معاً بعبادة الله تعالى، وحذَّرهما من الكفر به والانحراف عن خطِّ الطّاعة، وتلك هي الصّورة الّتي يمكن لنا أن نؤمن بها على أساس الحقيقة القرآنيَّة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
ويلفت سماحة السيّد فضل الله(رض) إلى نقطة هامَّة متعلّقة بتأثير الجنّ في عقائد النّاس بقوله: "أمّا العقائد الشعبيَّة الَّتي تتحدَّث عن الجنِّ بما يشبه الخرافة، وترى لهم تأثيراً في الحياة العمليّة للنّاس، في ما قد يحدث لهم من حالات غير طبيعيَّة، أو في تسخيرهم وإيجاد علاقات معيّنة بهم مما قد يتحدَّث به البعض، فلم يثبت لنا ذلك بطريقٍ صحيح. ولذا، فإنّنا لا نستطيع أن نجد فيه أيَّ أساسٍ للحقيقة، ونحذِّر المؤمنين من أن يخضعوا لمثل هذه الأحاديث الَّتي قد يحركها الكثيرون من الجاهلين، أو من الَّذين يعملون على استغلال جهل النَّاس للإيحاء لهم بالجوّ الخفيّ للجنِّ بادّعاء علاقتهم بأمراضهم وأحلامهم وآلامهم وقضاياهم الحياتيَّة المتنوّعة".[تفسير من وحي القرآن، ج 23، ص 143-144].
وقد يسأل البعض من النّاس: البعض يدَّعي أنَّ جنًّا قد دخل أجسادهم، وبالتّالي هو يسبّب لهم المرض والأذى، فهل الجنّ ـ يا ترى ـ قادر على كلّ ذلك؟ يجيب السيّد فضل الله: "إنَّ للجنِّ قدرات معيّنة تتناسب مع طبيعة خلقه وطينته، وكذلك للإنسان قدرات معيَّنة تتناسب مع طبيعة خلقه وطينته، والله لم يسلِّط الجنَّ على الإنسان بنحوٍ مطلق، بحيث يسلب كلَّ قدرات الإنسان وإمكانات المقاومة. ولذلك، فإنَّ المسألة تبقى في دائرة الإمكان، والَّتي تكون خاضعةً لقوانين الغلبة، كما إذا انتصر القويّ على الضّعيف من خلال موازين القوّة في الخارج، والله العالم".
وعن مسِّ الجنِّ للإنسان، وهو ما نسمع به كثيراً في أوساط النَّاس، يوضح سماحته: "لم يثبت واقعيَّة ذلك، والله تعالى لم يسلِّط الجنَّ على الإنس بهذا المعنى، بل غاية ما أعطاه، أن أنظره إلى يوم يبعثون مع قدرة الوسوسة، سعياً لإغوائه، ولكنَّ الله تعالى حذَّر الإنسان من الشّيطان وحبائله ومكره وخداعه ووسوسته، وحصَّنه من خلال الفطرة والعقل والرّسالات".
كما أنَّ البعض من النّاس يدَّعي أنَّ باستطاعته تحضير الجنّ، وأنّه يقرأ قراءات معيَّنة لأجل ذلك، فيقول سماحته: "الجنّ موجود، وهذا ثابت في القرآن الكريم، إلا أنّه لم يُسلَّط على الناس ليتدخَّل في شؤون حياتهم سلباً أو إيجاباً، وكلّ ما يدَّعيه البعض من استحضار الجنِّ واستعماله هو غير صحيح، ولا أساس شرعيّاً له". [استفتاءات].
من هنا، نعرف أنَّ للجنّ عالمه الخاصّ به، ولم يسلِّطه الله تعالى على حياة الناس ليؤثِّر فيها أو يتلاعب بمصيرهم، وعلينا بالتّالي أن نكون المؤمنين الواعين الَّذين لا يعطون الأمور أكثر من حجمها الطّبيعيّ، وأن نبتعد عن الغلوِّ والمغالاة، وبخاصَّة في أمور لا نعرف عن طبيعتها وأوصافها، إلا ما أخبرنا به القرآن من خطوط عامَّة دون التّفاصيل.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.