للجار في النصوص الدينية قربى في الخطّ الأخلاقي الذي يربط الإنسان بالإنسان على مستوى الحقوق اللازمة حيناً، والمستحبّة حيناً آخر، حتى ورد الحديث عن رسول الله (ص): "ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيوَرّثه". وعنه (ص) في صلة الجار المسلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع". ثم قال (ص): "ما زال جبرائيل (ع) يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه". وقد جاءت النصوص الحديثية عن ضرورة الإحسان إلى الجار بالدّرجة العليا، بحيث إنَّ المطلوب هو تحمّل الأذى منه، والاكتفاء بعدم إيذائه.
وربما كان الأساس في ذلك، أنَّ هذا القرب في البيت أو المحلّة، يجعل النّاس الذين يعيشون في دائرته في حالة تواصل دائم، وقد يؤدّي إلى مشاكل دائمةٍ، من خلال تصادم الحاجات والمصالح والأوضاع، واختلاف الطّباع، وتنوّع العلاقات، وتنافر المشاعر، الأمر الذي قد يثير التّعقيدات اليوميّة بين هؤلاء النّاس، إذا بقيت العلاقات في نطاقها المادّي الذي يخضع لحساب الأرباح والخسائر الذاتيّة، فتتحوّل الحياة إلى جحيم لا يطاق، من دون أن يكون هناك مجال للتخلّص منه بطريقة واقعيّة، لأنَّ من الصّعب على الإنسان أن ينتقل من بيته إلى بيتٍ آخر في محلّة أخرى، وقد يعيش المشكلة نفسها في المنطقة الأخرى مع أناس آخرين، فتتجدّد السلبيّات عنده.
لذلك، كانت التعاليم الإسلاميّة الأخلاقية تعمل على تعميق العلاقة بين الجيران، بحيث يدخل فيها العنصر الروحي الذي يدفع بالإنسان إلى الإحساس بالقرابة الروحية التي يرعاها الله، وبالالتزامات الإلهيّة الشرعيّة التي يحبّها لعباده، كما يعدهم بالقرب منه بقدر التزامهم بها، فينطلق الإنسان معها من روحيّة التقرب إلى الله مع هؤلاء النّاس، بحيث يعيش التضحية بمزاجه وبمصالحه وبراحته وببعض أوضاعه لمصلحة جيرانه، طلباً لما عند الله، وتقرّباً إليه، فلا يتعقّد من مشكلة يثيرها هذا معه أو مع عياله، ولا يشعر بالإثارة إذا أثارته كلمة من هنا أو حركة من هناك.
وإذا اختزن الإنسان هذا الشّعور تجاه جيرانه، في داخل نفسه، فإنّه يتحوّل إلى طبيعة أخلاقيّة ثانية، تتغيّر بها أخلاقه، وتتبدّل بها مشاعره، ما قد يثير الأجواء الحميمة في ذاته، إضافةً إلى الأجواء الطبيعية التي توحي بالألفة والانفتاح.
وهكذا نلاحظ أنّ المنهج الإسلامي يؤكّد الخط الروحي في تخفيف التعقيدات الاجتماعيّة، كما في مجتمع العائلة والأرحام والجيران ونحوه من المجتمعات التي يلتقي أفرادها على عناصر من القربى الماديّة التي تؤدّي إلى اللقاءات الكثيرة بين الأفراد، والتشابك الدّائم في حركة المصالح والنّوازع والطّباع في العلاقات، فيرفع درجة الثّواب كلّما كان التّواصل أكثر، والخدمات أفضل، والإحساس أكثر مودّة ورحمةً، والتضحية أكبر، كما يرفع درجة العقاب في القطيعة والإساءة والإهمال والمشاعر المضادّة، والحركة السلبيّة.
* من كتاب "آفاق الروح".

للجار في النصوص الدينية قربى في الخطّ الأخلاقي الذي يربط الإنسان بالإنسان على مستوى الحقوق اللازمة حيناً، والمستحبّة حيناً آخر، حتى ورد الحديث عن رسول الله (ص): "ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيوَرّثه". وعنه (ص) في صلة الجار المسلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع". ثم قال (ص): "ما زال جبرائيل (ع) يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه". وقد جاءت النصوص الحديثية عن ضرورة الإحسان إلى الجار بالدّرجة العليا، بحيث إنَّ المطلوب هو تحمّل الأذى منه، والاكتفاء بعدم إيذائه.
وربما كان الأساس في ذلك، أنَّ هذا القرب في البيت أو المحلّة، يجعل النّاس الذين يعيشون في دائرته في حالة تواصل دائم، وقد يؤدّي إلى مشاكل دائمةٍ، من خلال تصادم الحاجات والمصالح والأوضاع، واختلاف الطّباع، وتنوّع العلاقات، وتنافر المشاعر، الأمر الذي قد يثير التّعقيدات اليوميّة بين هؤلاء النّاس، إذا بقيت العلاقات في نطاقها المادّي الذي يخضع لحساب الأرباح والخسائر الذاتيّة، فتتحوّل الحياة إلى جحيم لا يطاق، من دون أن يكون هناك مجال للتخلّص منه بطريقة واقعيّة، لأنَّ من الصّعب على الإنسان أن ينتقل من بيته إلى بيتٍ آخر في محلّة أخرى، وقد يعيش المشكلة نفسها في المنطقة الأخرى مع أناس آخرين، فتتجدّد السلبيّات عنده.
لذلك، كانت التعاليم الإسلاميّة الأخلاقية تعمل على تعميق العلاقة بين الجيران، بحيث يدخل فيها العنصر الروحي الذي يدفع بالإنسان إلى الإحساس بالقرابة الروحية التي يرعاها الله، وبالالتزامات الإلهيّة الشرعيّة التي يحبّها لعباده، كما يعدهم بالقرب منه بقدر التزامهم بها، فينطلق الإنسان معها من روحيّة التقرب إلى الله مع هؤلاء النّاس، بحيث يعيش التضحية بمزاجه وبمصالحه وبراحته وببعض أوضاعه لمصلحة جيرانه، طلباً لما عند الله، وتقرّباً إليه، فلا يتعقّد من مشكلة يثيرها هذا معه أو مع عياله، ولا يشعر بالإثارة إذا أثارته كلمة من هنا أو حركة من هناك.
وإذا اختزن الإنسان هذا الشّعور تجاه جيرانه، في داخل نفسه، فإنّه يتحوّل إلى طبيعة أخلاقيّة ثانية، تتغيّر بها أخلاقه، وتتبدّل بها مشاعره، ما قد يثير الأجواء الحميمة في ذاته، إضافةً إلى الأجواء الطبيعية التي توحي بالألفة والانفتاح.
وهكذا نلاحظ أنّ المنهج الإسلامي يؤكّد الخط الروحي في تخفيف التعقيدات الاجتماعيّة، كما في مجتمع العائلة والأرحام والجيران ونحوه من المجتمعات التي يلتقي أفرادها على عناصر من القربى الماديّة التي تؤدّي إلى اللقاءات الكثيرة بين الأفراد، والتشابك الدّائم في حركة المصالح والنّوازع والطّباع في العلاقات، فيرفع درجة الثّواب كلّما كان التّواصل أكثر، والخدمات أفضل، والإحساس أكثر مودّة ورحمةً، والتضحية أكبر، كما يرفع درجة العقاب في القطيعة والإساءة والإهمال والمشاعر المضادّة، والحركة السلبيّة.
* من كتاب "آفاق الروح".