كتابات
28/03/2014

الحجاب الشّرعيّ وحجاب الموضة

الحجاب الشّرعيّ وحجاب الموضة
يتحدَّث سماحة العلامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، في هذه المقابلة، عن موضوعات عديدة ترتبط بالمرأة، ومنها الحجاب الشّرعي، حدوده ومقاصده، والحجاب وفقاً للموضة الحديثة، والنّظرة الغربيّة إلى الحجاب، إضافةً إلى موضوعات أخرى في هذا السّياق...

وفيما يلي نصّ المقابلة:
معيار مشروعيّة الأزياء
هناك الكثيرون ممن يطرحون الإشكالات حول الأزياء والموضات الحديثة. ما هو المعيار الّذي يمكن اعتماده في مشروعيّة هذا الزّيّ أو ذاك؟
- إنّني أتصوَّر أن إقحام الشّرع في هذه الأمور، هو إقحام في المواقع الّتي لا يعطي فيها أيّ رأي سلبيّ، فعندما تتحرَّك الطَّريقة الّتي يعيشها النَّاس في حياتهم الاجتماعيَّة باللّباس بهذا الشَّكل أو ذاك، فإنَّ الإسلام لا يتعقّد من ذلك.
وربّما يتحدّث بعض النّاس عن أزياء الكفّار، وعن حرمة التزيّي بزيّ الكافرين، ولكنّنا عندما ندرس المسألة جيّداً، نرى أنّ هذه الفكرة انطلقت في مرحلةٍ زمنيّةٍ كان يراد فيها التّفريق بين المسلمين، أيّام كانوا قلّةً قليلةً، والكافرين عندما كانوا كثرةً كاثرةً، حيث نقرأ في حديثٍ للإمام عليّ(ع) في نهج البلاغة، أنّه سُئِل عن قول النبيّ(ص): "غيّروا الشّيب، ولا تشبّهوا باليهود": هل يجب علينا أن نغيّر الشّيب بالخضاب؟! فأجاب عليّ(ع): "كان ذلك والدّين قُلّ (يعني قليل)، فأمّا الآن، وقد اتّسع نطاقه، وضرب بجرانه، فامرؤ وما اختار" .
وربّما لاحظ بعض الفقهاء، أنَّ الحديث المرويَّ عن النبيِّ(ص): "حفّوا الشَّوارب، وعفّوا عن اللّحى، ولا تشبّهوا باليهود" ، لم ينطلق على أساس حكم شرعيّ ثابتٍ على مدى الزّمن، بل كان منطِلقاً من حالة مرحليّة أريد فيها التَّمييز بين المسلمين واليهود، بسبب بعض المصالح الاجتماعيّة. أمّا الآن، وبعد أن أصبح المسلمون كثرةً في العالم، فإنّ المسألة لم تعد مسألة التّشبّه باليهود أو المجوس، بل راحت تنطلق لتدخل في نطاق الاختيار العمليّ، الّذي يمكن للنّاس أن يختاروا فيه ما يشاؤون.

الحجاب الأفضل
بالنّسبة إلى حجاب المرأة (السّتر الشّرعيّ)، هناك من لا يرى الكفاية في أن تلبس المرأة الحجاب المعروف هذه الأيّام، ويقول إنّ الحجاب هو (الشّادور) أو (العباءة)؟
- إنّ الحجاب يمثّل مضموناً شرعيّاً يختزن في داخله نقطتين:
1 _ الجسد الّذي حرّم الله كشفه للأجنبيّ.
2 _ عدم التبرّج وخلق الإثارة.

أي يجب أن تكون ملابس المرأة بالشّكل الّذي إذا خرجت فيه إلى الواقع المختلط من الرّجال والنّساء، لا يظهر من جسدها شيء، وأن لا تكون طريقة اللّباس موحيةً بالإثارة الجنسيّة، الّتي تجعلها معرضاً للنّظرات غير الشّريفة. ولذا، فأيّ لونٍ من ألوان اللّباس الذي يجمع هاتين النّقطتين يعتبر شرعيّاً.
ولم يرد عندنا تأكيد على (الشّادور) أو (العباءة) أو غيرهما، لأنّ ذلك مما استحدثه النّاس، من خلال تقاليدهم الّتي قد تكون ناشئةً من أوضاع بيئيّة معيّنة، أو أوضاعٍ استحسانيّة معيّنة.
وعليه، فإنّ المسألة هي أن تخرج المرأة بطريقةٍ محتشمةٍ جامعةٍ للحدود الشّرعيّة من جهة، وأن تظهر بمظهر الإنسانة بدلاً من مظهر الأنثى، وليس هناك حجرٌ على أيّ شكلٍ من أشكال اللّباس في هذه الدائرة.

حجاب وفقاً للموضة
قد يكون اللّباس مستوفياً لشروط الحجاب، لكنّ بعض النّساء يحاولن أن يوفّقن بين الحجاب والموضات الحديثة للأزياء النّسويّة؟
- إنَّ هذا الاتّجاه قد يقود الأخوات إلى أن يتحوّل الحجاب عندهنّ إلى مجرّد زيّ للإثارة، بدلاً من أن يكون زيّاً للاحتشام، لأنّ الانفتاح على هذه الأجواء المعاصرة في شكل الأزياء، يوحي بأنّ هناك خلفيّةً نفسيَّةً لدى هذه المرأة أو تلك، في اجتذاب الأنظار إليها، من خلال الخروج بالشّكل الّذي يجعلها محلّ نظرات الشّباب. إنّ هذه الخلفيّة النّفسيّة والذّهنيّة، لا بدّ من أن تتطوّر إلى المستوى الّذي يتحوّل فيه الحجاب إلى ما يناقض فكرته، بدلاً من أن يتحرّك ليؤكّدها.

ثياب الشّهرة
ما المقصود بـ(ثياب الشّهرة)؟ ولماذا لا يجوز لبسها؟
- المقصود بثياب الشّهرة، الثّياب الّتي ليست من عادة الإنسان ـ بحسب وضعه الاجتماعيّ ـ أن يلبسها، كما لو لبس الرّجل ثياب المرأة، أو لبست المرأة ثياب الرّجل، فيما لم يكن معتاداً للرّجال والنّساء أن يلبسوه، فالبنطلون الآن لا يعتبر من ثياب الرّجال، بل أصبح معتاداً للرّجال والنّساء. أمّا إذا كان هناك من الثّياب ما يختصّ بالنّساء أو بالرّجال، فليس لأحدهما أن يلبسه، لوجود أحاديث تدلّ على أن لا يتزيّا الرّجال بزيّ النّساء، ولا النّساء بزيّ الرّجال.

ولو بحثنا عن الحكمة، فهي في تحقيق التّوازن الاجتماعيّ في عدم إرباك الأوضاع النفسيّة.

إشكاليّة العرف والشّرع
أحياناً يتقدّم العرف على الحكم الشّرعيّ!
- إنّ العرف لا يمكن أن يتقدّم على الأحكام الشّرعيّة في أيّ حالٍ من الأحوال، ودور العرف هو فهم النّصوص الدينيّة من الكتاب والسنّة في هذا المجال، وقد تكون المسألة في طبيعة اختلاف المواضيع باختلاف الأجواء العرفيّة. فمثلاً، هناك فتاوى تقول: لا يجوز للرّجال أن يتزيّوا بزيّ النساء، ولا يجوز للنّساء أن يتزييّن بزيّ الرّجال، فلو فرضنا أنّ زيّاً من الأزياء كان زيّاً رجاليّاً، ثم كثر استعماله فصار زيّاً مشتركاً، كما في البنطلون، فإنّ تقدّم العرف في تحويل هذا الزيّ الخاصّ إلى زيّ عام قد بدّل الموضوع، فأصبحت المرأة عندما تلبس البنطلون، لا تتزيّا بزيّ الرجال، لأنّ البنطلون أصبح زيّاً مشتركاً.
فالعرف قد يتصرّف فيغيّر موضوعات الأشياء، ولكنّ العرف لا يغيّر الحكم الشرعيّ ما دام موضوعه موجوداً.

النظرة الغربيّة إلى الحجاب
المجتمعات الغربيّة تتّهم الإسلام بالمغالاة في الحجاب، فالمرأة التي تخرج سافرة من غير تبرّج، لا تشكّل بالنّسبة إلى الرّجل عمليّة إثارة؟
- إنّ هذا المنطق قد لا يكون منطقاً دقيقاً واقعيّاً، لسببٍ واحد، وهو أنّنا نرى أنّ المرأة تجتذب الرّجل في أنوثتها، حتى بعيداً عن كلّ ألوان الزينة والتبرّج، كما أنّ الرجل يجذب المرأة، لأنّ طبيعة الغريزة المتأجّجة تجعل الرّجل يقبل على المرأة غرائزيّاً، وقد يختصر الكثير من العناصر التي يحبّها، عندما تنتهي غريزته للاندفاع والتعبير عن نفسها.
كما أنّنا نتصوّر أنّ طبيعة أنوثة المرأة تعطيها جمالاً طبيعيّاً، كما هي طبيعة ذكورة الرّجل، ولذلك، فإنّ الحديث عن أنّ المسألة لا تتّصل بالحجاب والسّفور، غير دقيق، لأنّنا نعتبر أنّ السّفور يعطي المرأة جمالاً يختلف عن الجمال الذي يعطيه الحجاب، لأنّ للشّعر جماله الذي يمكن أن يعطي للجسد جمالاً آخر، كما أنّ للأعضاء الأخرى، كالسّيقان، جمالها، فإنّها تعطي تأثيراً معيّناً للجسد، وهذا ما نلاحظه من سياسة الإعلان التي تحاول التّركيز على طبيعة الشّعر والسّيقان.

فهذه الطّريقة يخالفها الوجدان من جهة. ومن جهة ثانية، فإنّ القضيّة التي تفرض نفسها على الواقع الغربيّ، هي أنّه يتحرك من قاعدة فكريّة ترفض الحدود التي نؤمن بها، فالحريّة التي فرضت نفسها على الذهنيّة الغربيّة، هي الحريّة المطلقة التي تلتقي بحرية الجنس للمرأة والرّجل، مما لا يعني الحجاب عند ذلك شيئاً، لأنّه وسيلة من وسائل إيجاد الأجواء الملائمة للانضباط والتَّوازن ومنع العوامل الَّتي تؤدّي إلى الانحراف. أمَّا إذا انطلقنا من فكرة تقول: إنَّ الرَّجل حرّ في جسده، والمرأة حرَّة في جسدها، فالحجاب عند ذلك لا يشكّل إلا شيئاً مقيتاً في حياة المرأة والرَّجل، لأنَّ العُري عندها يكون الحالة الطّبيعيّة التي لا محرّمات فيها، من خلال القاعدة الفكريّة الفلسفيّة بالنّسبة إلى الحرّية.

أمّا بالنّسبة إلى المسلمين، فإنَّ القضيَّة عندهم تنطلق من قاعدة العفّة الّتي فرضها الإسلام على الرّجال والنّساء، والّتي يراد لها أن تتحرّك في دائرة الضّوابط الواقعيّة التي تمنع الرّجل من أن يسقط تحت تأثير الصَّدمة العنيفة للجوّ المحرق الذي يلهب غريزته، كما هي الحال بالنّسبة إلى المرأة.

والمسألة الأخرى التي يجب أن نتحدّث فيها عن الشّرق والغرب، هي: ما هي القاعدة الأخلاقيّة؟ وهل القاعدة الأخلاقية تمنح الرّجل والمرأة الحرّية فيما يفعلانه في جسديهما، أو أنها تضع لهما ضوابط؟ وهذا هو خطّ السفور وخطّ الحجاب.

ولعلَّ مشكلة الكثيرين من الشَّرقيّين، هي أنّهم لا يزالون يعيشون قيم العفّة والشّرف في أخلاقيّة العلاقات بين الرّجل والمرأة، وهم في الوقت نفسه، يأخذون بالتّقاليد الغربيّة في مسألة السّفور والتّزيّن وما إلى ذلك، الأمر الّذي يجعلهم يتحوّلون إلى حالةٍ من الازدواجيّة تدمّر حياتهم، عندما يصطدمون بانحراف المرأة والرّجل نتيجة الأجواء الّتي هيّأوها لهذا ولتلك، فيتحرّكون لحفظ الشّرف وغسل العار وما أشبه ذلك، وهنا ينطبق عليهم قول الشّاعر:

    ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له        إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء
الحجاب والكبت
ثمّة إشكالٌ آخر يُطرَح على هذا الصّعيد، وهو أنّ الحجاب يخلق حالة كبتٍ لدى الرَّجل، ما يُنتج حالات إثارةٍ شديدةٍ لأيِّ شيءٍ مهما كان بسيطاً؟
- عندما نريد أن نتحدَّث عن الكبت، فإنَّ الكبت لا ينطلق من خلال الحجاب، ولكنَّه ينطلق من عدم تلبية حاجات الرَّجل الغرائزيَّة، أي من الحالة الواقعيّة المضادّة للأجواء النَّفسيّة والغريزيّة الدّاخليّة الّتي تريد أن تعبّر عن نفسها بطريقةٍ أو بأخرى، فيصدمها الواقع ويمنعها من ذلك. ومن هنا، فقد يتحقّق الكبت في مسألة امتناع المرأة عن التّجاوب مع الرّجال، أو العكس بالنّسبة إلى المرأة.
إنّ القضيّة هي أنّ هناك فرقاً بين الكبت الّذي ينطلق من عقدة، والكبت الذي ينطلق من تنظيم الواقع في الحياة. إنّنا نعتقد أنّ كلّ الحدود الأخلاقيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، قد تتحوَّل إلى عقدةٍ في نفس الإنسان الّذي تمنعه حريّته من التّنفيس عمّا في داخله، فإذا كنّا نفهم حركة الكبت بطريقةٍ سلبيّةٍ للواقع الّذي يفرض الحدود، فإنّ علينا أن ندعو إلى الفوضى في الحياة، حتى لا يتعقّد إنسانٌ هنا وهناك.
إنّ أيّ مجتمع لا بدّ من أن يأخذ في نظامه بأخلاقيات معيّنة، قد لا تكون أخلاقيات الجنس، وإنما أخلاقيات الاقتصاد والاجتماع. ثم إنّ أخلاقيات الجنس لا تتّصل بما يلبسه الرجل أو المرأة، وإنما تتّصل بما يحتاجه الرّجل من المرأة، وما تحتاجه المرأة من الرّجل. وإذا كنّا نتحدث عن الحجاب بشكله الإسلامي من حيث إنّه يثير الكبت، فما هو الحديث عن السفور بشكله الاجتماعيّ العام؟ أفلا يثير الكبت؟ ألا يحبّ الشابّ أن يتطلّع إلى الأعضاء الجنسية للمرأة في صدرها والمناطق الأخرى من جسدها؟ ألا يحبّ الرّجل أن يستمتع بكلّ ما في هذا الجسد من جمالات وإثارات كما تريد المرأة ذلك؟!
فعندما نتجاوز مسألة العري، فإنّ الحديث – في الغرب – سيكون في قطع الثياب التي يجب على المرأة أن تلبسها، فالّذين يقولون بالحجاب، يضيفون قطعاً أخرى على التي يستغنون عنها في الغرب، والكبت هو الكبت، سواء بالجملة أو المفرّق.

الإكراه على الحجاب
أليس من حقّ الأب، مثلاً، أن يجبر ابنته على الحجاب؟
- لا بصفة كونه أباً أو زوجاً، ولكن بصفة كونه مسلماً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والفتاة حينما تطيع أباها في التزامها بالحجاب، لا تطيعه على أنّه أبوها، أو أنّ الأبوّة تفرض ذلك، ولكن بصفته واعظاً ومرشداً، علماً أنّ عمليّة الإجبار قد تخلق عقدةً تترك تأثيراتٍ سلبيّةً أكبر من المشكلة، ولكن تجب مراعاة الشّروط الشرعيّة في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
*المصدر: من كتاب "دنيا الشّباب"
يتحدَّث سماحة العلامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، في هذه المقابلة، عن موضوعات عديدة ترتبط بالمرأة، ومنها الحجاب الشّرعي، حدوده ومقاصده، والحجاب وفقاً للموضة الحديثة، والنّظرة الغربيّة إلى الحجاب، إضافةً إلى موضوعات أخرى في هذا السّياق...

وفيما يلي نصّ المقابلة:
معيار مشروعيّة الأزياء
هناك الكثيرون ممن يطرحون الإشكالات حول الأزياء والموضات الحديثة. ما هو المعيار الّذي يمكن اعتماده في مشروعيّة هذا الزّيّ أو ذاك؟
- إنّني أتصوَّر أن إقحام الشّرع في هذه الأمور، هو إقحام في المواقع الّتي لا يعطي فيها أيّ رأي سلبيّ، فعندما تتحرَّك الطَّريقة الّتي يعيشها النَّاس في حياتهم الاجتماعيَّة باللّباس بهذا الشَّكل أو ذاك، فإنَّ الإسلام لا يتعقّد من ذلك.
وربّما يتحدّث بعض النّاس عن أزياء الكفّار، وعن حرمة التزيّي بزيّ الكافرين، ولكنّنا عندما ندرس المسألة جيّداً، نرى أنّ هذه الفكرة انطلقت في مرحلةٍ زمنيّةٍ كان يراد فيها التّفريق بين المسلمين، أيّام كانوا قلّةً قليلةً، والكافرين عندما كانوا كثرةً كاثرةً، حيث نقرأ في حديثٍ للإمام عليّ(ع) في نهج البلاغة، أنّه سُئِل عن قول النبيّ(ص): "غيّروا الشّيب، ولا تشبّهوا باليهود": هل يجب علينا أن نغيّر الشّيب بالخضاب؟! فأجاب عليّ(ع): "كان ذلك والدّين قُلّ (يعني قليل)، فأمّا الآن، وقد اتّسع نطاقه، وضرب بجرانه، فامرؤ وما اختار" .
وربّما لاحظ بعض الفقهاء، أنَّ الحديث المرويَّ عن النبيِّ(ص): "حفّوا الشَّوارب، وعفّوا عن اللّحى، ولا تشبّهوا باليهود" ، لم ينطلق على أساس حكم شرعيّ ثابتٍ على مدى الزّمن، بل كان منطِلقاً من حالة مرحليّة أريد فيها التَّمييز بين المسلمين واليهود، بسبب بعض المصالح الاجتماعيّة. أمّا الآن، وبعد أن أصبح المسلمون كثرةً في العالم، فإنّ المسألة لم تعد مسألة التّشبّه باليهود أو المجوس، بل راحت تنطلق لتدخل في نطاق الاختيار العمليّ، الّذي يمكن للنّاس أن يختاروا فيه ما يشاؤون.

الحجاب الأفضل
بالنّسبة إلى حجاب المرأة (السّتر الشّرعيّ)، هناك من لا يرى الكفاية في أن تلبس المرأة الحجاب المعروف هذه الأيّام، ويقول إنّ الحجاب هو (الشّادور) أو (العباءة)؟
- إنّ الحجاب يمثّل مضموناً شرعيّاً يختزن في داخله نقطتين:
1 _ الجسد الّذي حرّم الله كشفه للأجنبيّ.
2 _ عدم التبرّج وخلق الإثارة.

أي يجب أن تكون ملابس المرأة بالشّكل الّذي إذا خرجت فيه إلى الواقع المختلط من الرّجال والنّساء، لا يظهر من جسدها شيء، وأن لا تكون طريقة اللّباس موحيةً بالإثارة الجنسيّة، الّتي تجعلها معرضاً للنّظرات غير الشّريفة. ولذا، فأيّ لونٍ من ألوان اللّباس الذي يجمع هاتين النّقطتين يعتبر شرعيّاً.
ولم يرد عندنا تأكيد على (الشّادور) أو (العباءة) أو غيرهما، لأنّ ذلك مما استحدثه النّاس، من خلال تقاليدهم الّتي قد تكون ناشئةً من أوضاع بيئيّة معيّنة، أو أوضاعٍ استحسانيّة معيّنة.
وعليه، فإنّ المسألة هي أن تخرج المرأة بطريقةٍ محتشمةٍ جامعةٍ للحدود الشّرعيّة من جهة، وأن تظهر بمظهر الإنسانة بدلاً من مظهر الأنثى، وليس هناك حجرٌ على أيّ شكلٍ من أشكال اللّباس في هذه الدائرة.

حجاب وفقاً للموضة
قد يكون اللّباس مستوفياً لشروط الحجاب، لكنّ بعض النّساء يحاولن أن يوفّقن بين الحجاب والموضات الحديثة للأزياء النّسويّة؟
- إنَّ هذا الاتّجاه قد يقود الأخوات إلى أن يتحوّل الحجاب عندهنّ إلى مجرّد زيّ للإثارة، بدلاً من أن يكون زيّاً للاحتشام، لأنّ الانفتاح على هذه الأجواء المعاصرة في شكل الأزياء، يوحي بأنّ هناك خلفيّةً نفسيَّةً لدى هذه المرأة أو تلك، في اجتذاب الأنظار إليها، من خلال الخروج بالشّكل الّذي يجعلها محلّ نظرات الشّباب. إنّ هذه الخلفيّة النّفسيّة والذّهنيّة، لا بدّ من أن تتطوّر إلى المستوى الّذي يتحوّل فيه الحجاب إلى ما يناقض فكرته، بدلاً من أن يتحرّك ليؤكّدها.

ثياب الشّهرة
ما المقصود بـ(ثياب الشّهرة)؟ ولماذا لا يجوز لبسها؟
- المقصود بثياب الشّهرة، الثّياب الّتي ليست من عادة الإنسان ـ بحسب وضعه الاجتماعيّ ـ أن يلبسها، كما لو لبس الرّجل ثياب المرأة، أو لبست المرأة ثياب الرّجل، فيما لم يكن معتاداً للرّجال والنّساء أن يلبسوه، فالبنطلون الآن لا يعتبر من ثياب الرّجال، بل أصبح معتاداً للرّجال والنّساء. أمّا إذا كان هناك من الثّياب ما يختصّ بالنّساء أو بالرّجال، فليس لأحدهما أن يلبسه، لوجود أحاديث تدلّ على أن لا يتزيّا الرّجال بزيّ النّساء، ولا النّساء بزيّ الرّجال.

ولو بحثنا عن الحكمة، فهي في تحقيق التّوازن الاجتماعيّ في عدم إرباك الأوضاع النفسيّة.

إشكاليّة العرف والشّرع
أحياناً يتقدّم العرف على الحكم الشّرعيّ!
- إنّ العرف لا يمكن أن يتقدّم على الأحكام الشّرعيّة في أيّ حالٍ من الأحوال، ودور العرف هو فهم النّصوص الدينيّة من الكتاب والسنّة في هذا المجال، وقد تكون المسألة في طبيعة اختلاف المواضيع باختلاف الأجواء العرفيّة. فمثلاً، هناك فتاوى تقول: لا يجوز للرّجال أن يتزيّوا بزيّ النساء، ولا يجوز للنّساء أن يتزييّن بزيّ الرّجال، فلو فرضنا أنّ زيّاً من الأزياء كان زيّاً رجاليّاً، ثم كثر استعماله فصار زيّاً مشتركاً، كما في البنطلون، فإنّ تقدّم العرف في تحويل هذا الزيّ الخاصّ إلى زيّ عام قد بدّل الموضوع، فأصبحت المرأة عندما تلبس البنطلون، لا تتزيّا بزيّ الرجال، لأنّ البنطلون أصبح زيّاً مشتركاً.
فالعرف قد يتصرّف فيغيّر موضوعات الأشياء، ولكنّ العرف لا يغيّر الحكم الشرعيّ ما دام موضوعه موجوداً.

النظرة الغربيّة إلى الحجاب
المجتمعات الغربيّة تتّهم الإسلام بالمغالاة في الحجاب، فالمرأة التي تخرج سافرة من غير تبرّج، لا تشكّل بالنّسبة إلى الرّجل عمليّة إثارة؟
- إنّ هذا المنطق قد لا يكون منطقاً دقيقاً واقعيّاً، لسببٍ واحد، وهو أنّنا نرى أنّ المرأة تجتذب الرّجل في أنوثتها، حتى بعيداً عن كلّ ألوان الزينة والتبرّج، كما أنّ الرجل يجذب المرأة، لأنّ طبيعة الغريزة المتأجّجة تجعل الرّجل يقبل على المرأة غرائزيّاً، وقد يختصر الكثير من العناصر التي يحبّها، عندما تنتهي غريزته للاندفاع والتعبير عن نفسها.
كما أنّنا نتصوّر أنّ طبيعة أنوثة المرأة تعطيها جمالاً طبيعيّاً، كما هي طبيعة ذكورة الرّجل، ولذلك، فإنّ الحديث عن أنّ المسألة لا تتّصل بالحجاب والسّفور، غير دقيق، لأنّنا نعتبر أنّ السّفور يعطي المرأة جمالاً يختلف عن الجمال الذي يعطيه الحجاب، لأنّ للشّعر جماله الذي يمكن أن يعطي للجسد جمالاً آخر، كما أنّ للأعضاء الأخرى، كالسّيقان، جمالها، فإنّها تعطي تأثيراً معيّناً للجسد، وهذا ما نلاحظه من سياسة الإعلان التي تحاول التّركيز على طبيعة الشّعر والسّيقان.

فهذه الطّريقة يخالفها الوجدان من جهة. ومن جهة ثانية، فإنّ القضيّة التي تفرض نفسها على الواقع الغربيّ، هي أنّه يتحرك من قاعدة فكريّة ترفض الحدود التي نؤمن بها، فالحريّة التي فرضت نفسها على الذهنيّة الغربيّة، هي الحريّة المطلقة التي تلتقي بحرية الجنس للمرأة والرّجل، مما لا يعني الحجاب عند ذلك شيئاً، لأنّه وسيلة من وسائل إيجاد الأجواء الملائمة للانضباط والتَّوازن ومنع العوامل الَّتي تؤدّي إلى الانحراف. أمَّا إذا انطلقنا من فكرة تقول: إنَّ الرَّجل حرّ في جسده، والمرأة حرَّة في جسدها، فالحجاب عند ذلك لا يشكّل إلا شيئاً مقيتاً في حياة المرأة والرَّجل، لأنَّ العُري عندها يكون الحالة الطّبيعيّة التي لا محرّمات فيها، من خلال القاعدة الفكريّة الفلسفيّة بالنّسبة إلى الحرّية.

أمّا بالنّسبة إلى المسلمين، فإنَّ القضيَّة عندهم تنطلق من قاعدة العفّة الّتي فرضها الإسلام على الرّجال والنّساء، والّتي يراد لها أن تتحرّك في دائرة الضّوابط الواقعيّة التي تمنع الرّجل من أن يسقط تحت تأثير الصَّدمة العنيفة للجوّ المحرق الذي يلهب غريزته، كما هي الحال بالنّسبة إلى المرأة.

والمسألة الأخرى التي يجب أن نتحدّث فيها عن الشّرق والغرب، هي: ما هي القاعدة الأخلاقيّة؟ وهل القاعدة الأخلاقية تمنح الرّجل والمرأة الحرّية فيما يفعلانه في جسديهما، أو أنها تضع لهما ضوابط؟ وهذا هو خطّ السفور وخطّ الحجاب.

ولعلَّ مشكلة الكثيرين من الشَّرقيّين، هي أنّهم لا يزالون يعيشون قيم العفّة والشّرف في أخلاقيّة العلاقات بين الرّجل والمرأة، وهم في الوقت نفسه، يأخذون بالتّقاليد الغربيّة في مسألة السّفور والتّزيّن وما إلى ذلك، الأمر الّذي يجعلهم يتحوّلون إلى حالةٍ من الازدواجيّة تدمّر حياتهم، عندما يصطدمون بانحراف المرأة والرّجل نتيجة الأجواء الّتي هيّأوها لهذا ولتلك، فيتحرّكون لحفظ الشّرف وغسل العار وما أشبه ذلك، وهنا ينطبق عليهم قول الشّاعر:

    ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له        إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء
الحجاب والكبت
ثمّة إشكالٌ آخر يُطرَح على هذا الصّعيد، وهو أنّ الحجاب يخلق حالة كبتٍ لدى الرَّجل، ما يُنتج حالات إثارةٍ شديدةٍ لأيِّ شيءٍ مهما كان بسيطاً؟
- عندما نريد أن نتحدَّث عن الكبت، فإنَّ الكبت لا ينطلق من خلال الحجاب، ولكنَّه ينطلق من عدم تلبية حاجات الرَّجل الغرائزيَّة، أي من الحالة الواقعيّة المضادّة للأجواء النَّفسيّة والغريزيّة الدّاخليّة الّتي تريد أن تعبّر عن نفسها بطريقةٍ أو بأخرى، فيصدمها الواقع ويمنعها من ذلك. ومن هنا، فقد يتحقّق الكبت في مسألة امتناع المرأة عن التّجاوب مع الرّجال، أو العكس بالنّسبة إلى المرأة.
إنّ القضيّة هي أنّ هناك فرقاً بين الكبت الّذي ينطلق من عقدة، والكبت الذي ينطلق من تنظيم الواقع في الحياة. إنّنا نعتقد أنّ كلّ الحدود الأخلاقيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، قد تتحوَّل إلى عقدةٍ في نفس الإنسان الّذي تمنعه حريّته من التّنفيس عمّا في داخله، فإذا كنّا نفهم حركة الكبت بطريقةٍ سلبيّةٍ للواقع الّذي يفرض الحدود، فإنّ علينا أن ندعو إلى الفوضى في الحياة، حتى لا يتعقّد إنسانٌ هنا وهناك.
إنّ أيّ مجتمع لا بدّ من أن يأخذ في نظامه بأخلاقيات معيّنة، قد لا تكون أخلاقيات الجنس، وإنما أخلاقيات الاقتصاد والاجتماع. ثم إنّ أخلاقيات الجنس لا تتّصل بما يلبسه الرجل أو المرأة، وإنما تتّصل بما يحتاجه الرّجل من المرأة، وما تحتاجه المرأة من الرّجل. وإذا كنّا نتحدث عن الحجاب بشكله الإسلامي من حيث إنّه يثير الكبت، فما هو الحديث عن السفور بشكله الاجتماعيّ العام؟ أفلا يثير الكبت؟ ألا يحبّ الشابّ أن يتطلّع إلى الأعضاء الجنسية للمرأة في صدرها والمناطق الأخرى من جسدها؟ ألا يحبّ الرّجل أن يستمتع بكلّ ما في هذا الجسد من جمالات وإثارات كما تريد المرأة ذلك؟!
فعندما نتجاوز مسألة العري، فإنّ الحديث – في الغرب – سيكون في قطع الثياب التي يجب على المرأة أن تلبسها، فالّذين يقولون بالحجاب، يضيفون قطعاً أخرى على التي يستغنون عنها في الغرب، والكبت هو الكبت، سواء بالجملة أو المفرّق.

الإكراه على الحجاب
أليس من حقّ الأب، مثلاً، أن يجبر ابنته على الحجاب؟
- لا بصفة كونه أباً أو زوجاً، ولكن بصفة كونه مسلماً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والفتاة حينما تطيع أباها في التزامها بالحجاب، لا تطيعه على أنّه أبوها، أو أنّ الأبوّة تفرض ذلك، ولكن بصفته واعظاً ومرشداً، علماً أنّ عمليّة الإجبار قد تخلق عقدةً تترك تأثيراتٍ سلبيّةً أكبر من المشكلة، ولكن تجب مراعاة الشّروط الشرعيّة في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
*المصدر: من كتاب "دنيا الشّباب"
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية