يجيب سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، عن مجموعة من الأسئلة تدور حول قيمة العلم في الإسلام ودوره، وشؤون تربويّة عديدة، من بينها حدود سلطة المدرسة على الطلاب، ومسألة الضّرب كوسيلة لفرض النّظام، والمواصفات الضّروريّة الّتي يجب أن تتوافر في المعلّم...
النظام المدرسيّ في الإسلام
ـ هل يوجد في الإسلام نظام تربويّ متكامل، يمكن أن نسترشد به في فهم دور المدرسة؟
ـ لا نجد في النصوص الإسلاميّة حديثاً مفصّلاً عن النظام التّربوي والمدرسة، بل توجد أحاديث متفرّقة عن المعلّم والعلم وضرورته وقيمته، مما يمكّننا من رسم بعض الخطوط العامّة للنظام التربويّ الإسلاميّ المرغوب، فالإسلام يعتبر العلم قيمة، بحيث يميّز الواجد لهذه القيمة عن غيره. يقول تعالى في القرآن الكريم: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[1]، ويقول: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[2]، وكذلك، يعتبر القرآن مشكلة الكفر مشكلة جهل.
وتؤكّد الأحاديث ضرورة التعلّم في الصّغر، باعتبار أنّه كالنقش في الحجر، وأن التعلم في الكبر كالنقش على الماء، وما إلى هنالك من أحاديث تشدّد على ضرورة الاهتمام بالعلم. لكن الإسلام يترك قضية وضع النظام التربوي كمفردات تفصيليّة، لجهة أسلوب التعليم ومناهج التعلم وما إلى ذلك، للإنسان، باعتبار أنّ هذه الأمور تختلف من شعب إلى شعب، ومن زمن إلى زمن. لذلك، لم يضع له أيّ تشريع تفصيلي، بل ترك أمر اكتشافه لخبرات الإنسان ذاته. ولكنّ القاعدة الأساس في هذا النظام، هي إعلاء قيمة العلم أوّلاً، وتنظيم العلاقة بين العالِم والمتعلّم، والّتي يجب أن تقوم على الاحترام الشّديد.
ـ لماذا هذا القصور الّذي نلاحظه اليوم في استنباط النظم التربويّة، أو إدخالها في التخطيط للمناهج؟
ـ تحتاج عملية التخطيط التربوي إلى تطوّر ثقافي عام، لأنّ العلوم تدعم بعضها بعضاً، ويفتح بعضها أمام البعض آفاقاً جديدة، وهو أمر غير متوافر اليوم، بينما كان تطوّر النظريات التربوية قد انطلق من التطور الثقافي العام الذي عاشه الإسلام خلال المرحلة الّتي عاشها، سواء في المشرق أو في المغرب.
إنّ الإسلام قدّم لنا الخطّ العام الّذي يفترض أن نستهدي به للوصول إلى أسلوب تربوي يتفق مع ذهنية الطفل ومع تطوّر الوسائل والمناهج الموجودة، لننتقل من التلقين الساذج، إلى الانفتاح بعقل الطفل على الإبداع.
ـ تعتمد معظم المدارس العربية، وحتى الإسلامية، على المناهج الأجنبية في التعليم. هل ترون ضرراً في ذلك؟
ـ في مناهج التربية وأساليبها ووسائلها وحقولها، لا عقدة لنا من الأخذ عن الآخرين. إن الإسلام يؤمن بالتفاعل الحضاري الذي لا يتنافى مع القاعدة التي ينطلق منها كدين. ولكن علينا أن ندرس ما يقدّم الغرب من وسائل وتقنيات تعليميّة، ونأخذ ما يتناسب معنا، ويخدم أهدافنا التعليميّة.
أهميّة العلم في الإسلام
ـ ما هو المقصود في الأحاديث الشّريفة الّتي تحضّ على العلم؛ هل المقصود العلوم العصريّة أو الدّينيّة؟
ـ عندما ندرس النصوص، نجد أنّ المقصود منها العلم كلّه، فالقرآن عندما يقول: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} أو {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، لم يفرّق بين علم وعلم. وكذلك بالنّسبة إلى ما ورد عن أمير المؤمنين(ع): "قيمة كلّ امرئ ما يحسنه"[3]، وحديث "اطلب العلم ولو بالصّين"[4]... فهو لم يُرد منها علم الأديان. وقد ورد في بعض الأحاديث المأثورة: "العلم علمان؛ علم الأديان، وعلم الأبدان"[5].
وعندما ندرس القرآن، نجد أنّ الله يحثّنا على التّفكير في خلق السموات والأرض، والتفكير في خلق الإنسان. إنّ علوم الطبيعة والحيوان والنبات، هي وسائل لتحصيل المعرفة بالله، ما يعني أنّ الإنسان لا بدّ من أن يعرف الكون في كلّ ظواهره وموجوداته، ليعرف علم الدّين في هذا المقام، لأنّ الإنسان يعرف الله من خلال التّفكير والعقل. لهذا، فإنّ المراد بالعلم في هذه الأحاديث، هو علم الحياة بكلّ أبعاده، غاية ما هناك، أنّ الإسلام يؤكّد العلم النافع للناس، الذي يمكن أن ينتج شيئاً للإنسان، لا العلم التجريديّ الّذي يحشو ذهن الإنسان بالمعلومات، دون أن يعطيه أيّة نتيجة عقلية تتّصل بوجوده في هذه الحياة وبحركته فيها.
التجربة أساس العلم
ـ هل نفهم من هذه الإضاءات بخصوص التفكير، أن الإسلام يرى أن ندفع بالأطفال ليفكّروا وليبدعوا، دون أن يتمّ تلقينهم المعارف تلقيناً أو حشوهم بها؟
ـ إنّ الحثّ على اكتساب العلم، لا يعني حشو ذهن الطّفل بالمعلومات، ليردّدها آلياً دون أن تتحوّل إلى مظاهر سلوكيّة، أو تدفع إلى ابتكارات إبداعيّة، بل يعني أمرين:
1 ـ تنمية قدراته العقلية، كي يصبح مؤهّلاً ليثقّف نفسه ويكتشف الحقائق بجهده.
2 ـ تزويده بالمعارف المناسبة الّتي تكون حركة في تنمية عقله. ومن الطبيعي أنَّ تنمية العقل تتأكّد في تقوية الإدراك، وتفعيل الطاقة الذهنيّة، بحيث تصبح المعلومات المعطاة للطفل، جزءاً من شخصيّته، لا مجرّد كتب، يشكّل عقل الطّفل وعاءً لها.
إنّ تعليم الطّفل يعني أن تؤصّل المعلومات داخل شخصيّته، ليفهمها، ويقتنع بها، وينتج منها شيئاً جديداً، بحيث توسّع مداركه، وتنمّي حسّه الداخلي. إنّ قيمة العلم هي بمقدار ما يتحول إلى حركة في عقل الإنسان وقلبه وحياته.
وهنا نؤكّد شيئاً أساسياً، وهو أنّ العلم في الإسلام يتحرك في خطين؛ خط التأمل، وخط التجربة.
وقد كان خطّ التأمل الوسيلة الأساس للمعرفة، وجاء الإسلام ليؤكد التجربة كمصدر أساسي ثانٍ للمعرفة، وهذا ما نلاحظه في توجيه القرآن الكريم بالآيات: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}[6]، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}[7].
حتى إنّ الغرب اقتبس من خلال احتكاكه بالحضارة الإسلامية في الأندلس، مسألة اعتبار التجربة وسيلةً للمعرفة من الإسلام (ابن رشد وغيره)، فقد سبق الإسلام الغرب، باعتبار التجربة أساساً لتقدّم العلم، وطريقاً لاكتشاف المعرفة، وهذا كان من الأسباب الرّئيسة للتقدم الحضاري التقني الذي نشهد انفجاره اليوم.
التكامل بين البيت والمدرسة
ـ بسبب كثافة المادة التعليمية المقدّمة للولد، نلاحظ أن ساعات الراحة المفترضة، تتحوّل لديه إلى ساعات درس، ويتحوّل البيت إلى مدرسة مسائيّة. ألا ترون في ذلك ظلماً للولد؟
ـ قد لا يكون الاكتفاء بالتعليم المدرسي ضمن جدران المدرسة أمراً ممكناً، إذ إنّ ساعات الدراسة ونظام المدرسة لا يسمحان بذلك، فلا بُدَّ إذاً من التكامل بين البيت والمدرسة، فيساهم الأهل في مساعدة المدرسة بتركيز المعلومات والأفكار في ذهن التلميذ.
لكن هذا لا يعني أن يستوعب الدرس كلّ أوقات الطفل، فنمنع عليه لهوه وعبثه وحرّيته وحاجته للانفتاح والانطلاق، فيكون الدرس في ساعة محدودة تضاف إلى ساعة المدرسة، دون أن تكون الدّراسة على حساب كلّ الساعات التي يخلو فيها الطفل للهوه ولعبه وممارسة هواياته الطفولية الخاصّة، لأنّ هذا الجو الدراسي المتّصل في البيت والمدرسة، قد يعقّد الطفل، لأنه يؤدي إلى نوع من أنواع القهر الذهني، الذي لا يعود معه قادراً على التفكير والملاحظة.
نحن نحمِّل المسؤولية للمدرسة أوّلاً، باعتبار أن عليها أن توصل التلميذ إلى استيعاب المادّة التعليمية، بحيث لا يحتاج إلى أن يدرس على يد مدرِّس خصوصيّ أو ما إلى ذلك، لأنّ الحاجة إلى المدرّس الخصوصي تتأتّى عن قصور المدرسة في دورها التعليمي. أمّا الأهل، فيفترض بهم أن يعملوا على التّخطيط للوقت الفائض عن المدرسة، بما لا يُثقل على الأطفال ويرهق ذهنيّاتهم، مما يمكن أن يؤدّي بهم إلى التبلّد أو النقمة على المدرسة وعلى الحياة.
إنَّ مهمّة المدرسة أن تستخدم الأساليب التعليمية المشوّقة التي تساعد التلميذ على اكتشاف المفاهيم بنفسه، بحيث يسهّل عليه عملية الحفظ والفهم، دون جهد في البيت، فلا يستوعب كلّ وقته، مما ينقلب لديه حباً للعلم والمدرسة والمعلّم.
سياسة تقويم النجاح
ـ يعتمد التقويم المدرسي على العلامات التي تشكّل عقدة بالنّسبة إلى الأهل والتلاميذ، ومصدر ضغط كبير على الطّفل. كيف يفترض أن يتعامل الأهل مع سياسة التقويم المدرسي المرتكز على العلامات؟
ـ إن المشكلة الأساسيّة لا تكمن في العلامة، بل في مقياس النّجاح الّذي درج الناس على تحديده في الشّرق خاصّة، فهي التي تشكّل مقياس التقدم والتأخر والنجاح والرسوب، وهي التي تقرّر مصير الطّالب في امتحانات دخول الجامعة، أو التقدّم إلى أيّة وظيفة رسميّة محدّدة. إنّ العلامة بشكل عام، لا يمكن أن تكون مقياساً حقيقيّاً لمستوى الطفل الدراسي، فالطالب قد يستوعب ما قرأه وما درسه استيعاباً كاملاً، ولكنّ رهبة الامتحان، قد تصيبه بنسيان مفاجئ، لا يستطيع معه أن يعبّر عن مستوى استيعابه لما يطلب منه في الامتحان.
ولهذا، فإنّ العلامة لا تُمثّل تقييماً دقيقاً لدى عدد من الطلاب، فقد ينجح من لا مستوى له، وقد يفشل من هو في المستوى، لذا، لا بدّ من البحث عن وسيلة أخرى يمكن أن نقوّم من خلالها المستوى الذهني لهذا الطفل أو لهذا الشابّ، بعيداً عن العلامة.
إنّ المنهج التقليدي يتحرّك على إيقاع الأرقام المادية في التقويم، لذا، عمدت بعض الاتجاهات إلى اعتماد تصوّر حديث يأخذ بعين الاعتبار مدى تحقّق الأهداف التعليميّة المرسومة، ومدى نشاط التلميذ وفعاليته طوال السنة الدراسية، مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف الظروف التي تحيط بالولد، وبهذا، يمكن تحديد مواطن الضعف ومواقع القوة، لتتم بالتالي عملية المعالجة وأخذ القرار بأساليب دعم مناسبة.
بالنّسبة إلى الأهل، عليهم أن لا يصابوا بصدمة في حال حصول ولدهم على علامات متدنّية، بل عليهم أن يقرأوا ما وراء العلامة المتدنّية، ويحدّدوا قابليّات الطفل، فربّما كان عاجزاً عن استيعاب الدّروس النظرية التي يأخذها، فتكون المصلحة آنذاك في توجيهه إلى التعليم المهني، أو إلى سوق العمل مباشرة، أو إلى أيّ خيار مفيد للطفل أكثر من الاستمرار في المدرسة. لذلك، لا بُدّ للأهل من أن يدرسوا وضع ابنهم بدقّة، وأن يختاروا ما هو أنسب له ولمستقبله.
ـ أمام التأخّر الدّراسي الّذي يعانيه بعض الأطفال، هناك من الآباء من يستخدم العنف، ومنهم من يعمد إلى ترغيب الطّفل بالهدايا، أو يلجأ إلى الدروس الخصوصية، في حين يعتبر البعض ذلك التأخر جزءاً من تكوين الطفل، باعتبار أنّه غبيّ منذ ولادته. أيّ المواقف أسلم في رأيك؟
ـ إنّ مثل هذه الأحكام المطلقة، ليست ناشئة من دراسة، بل هي ردّ فعل أمام مشكلة يحاول الآباء أن يتجاوزوها بشكل سريع. لذلك، لا بدّ لنا من دراسة سبب التأخر الدراسي: هل هو عدم الرغبة في الدراسة، وانشغال الولد باللعب، أو أنه نتيجة أسلوب التدريس الذي لا يمكّن الولد من الاستيعاب، أو أنه ناشئ من تدنٍّ في مستوى الذكاء بفعل الوراثة وما إلى ذلك؟! على الأهل أن يدقّقوا في سبب المشكلة، ليختاروا الأسلوب الأفضل لمعالجتها، فقد يكون الولد بحاجة إلى مدرّس خصوصي يعوّض النقص الذي يتركه أسلوب الأستاذ غير الناجح في إيصال المعلومات، أو أنه بحاجة إلى بعض العنف المبرّر شرعاً، باعتبار أنّ ميله إلى الكسل والراحة قد يتغلّب عليه، فيهدّد مستقبله، الأمر الذي يفرض استعمال القسوة المرنة، كي يرجع إلى نفسه وإلى طبيعته.
إن الحالات التي يرجع فيها التخلف إلى غباء الطفل وقصوره العقلي، حالات قليلة جداً، فمن النادر أن يُخلق الولد غبياً، ولكن الغباء قد ينشأ عن مؤثرات خارجية قابلة للمعالجة.
مواصفات المعلّم القدوة
ـ للمعلّم تأثير كبير في الطالب، فهو يتأثّر به سلباً وإيجاباً. في رأيكم، ما هي المواصفات الضّرورية التي يجب أن تتوافر في المعلّم؟
ـ إنَّ ما نطلبه من الصّفات كثير لا نستطيع حصره، فأية صفة حميدة يجب أن تفلت منها شخصيّة المعلّم! وهو القدوة بالنّسبة إلى طلابه: الرساليّة، الكفاءة العلميّة، الصّدق، الأمانة، الاستقامة، العدالة، الصّبر، سعة الصّدر، التواضع، الهدوء، حسن الإعداد والتدريب؟!
ولعلّ أهمّ ما نتوقّعه منه، الرهافة الإنسانية التي تطبع أسلوبه بطابع المحبة، فيكون المعلم أباً لتلاميذه، والمعلمة أماً لهم. وبذلك، يعيش الولد في جو حميمي مفعم بالمودة والحنان، يثير فيه الولع بالدرس والتحصيل، ويدفعه برغبة إلى الالتزام بكل الإرشادات والتوجيهات. أمّا بالنّسبة إلى المعلّمة التي تدرّس أطفالاً في سنّ المراهقة، فيفترض بها أن تكون محتشمة، وأن تتعامل مع طلابها المراهقين والشباب بطريقة حكيمة لا تستثير غرائزهم، وهو الشيء نفسه الذي يفترض أن يتوافر في المعلِّم عندما يدرّس فتيات مراهقات، لأنّ بعض الفتيات قد تقع في حبّ المعلّم الذي قد تجد فيه أباها...
حدود سلطة المدرسة
ـ ما هي حدود سلطة المدرسة على الطلاب؟
ـ إنّ حدود سلطة المدرسة تتحدّد من خلال سياسة الثواب والعقاب الّتي تضبط السلوك، وتقوّم الانحراف، وتعزّز الاستقامة، والّتي تتمّ في جوّ من المحبّة والاحترام وحفظ الكرامة. على هذا الأساس، لا بدّ للمدرسة من توفير جوّ عائليّ لا يعيش الولد فيه الغربة، ولا يرسّخ في شخصيَّته العُقد... وفي الوقت الّذي تفرض المدرسة بعض القيود لحفظ النّظام، وتوفير مناخ تعليميّ ملائم، لا بدّ من تأمين ساعات للّعب والتّرفيه، تكون عوناً للتّلميذ على ما تتطلّبه الدّراسة من جهد وتعب.
الضّرب وسيلة تربية!
ـ ما زالت الكثير من المدارس تعتمد الضّرب وسيلة لفرض النّظام، فهل يجوز ضرب الولد وتعنيفه جسديّاً؟
ـ الأصل في التربية السليمة، أن لا يكون فيها عقاب جسديّ، وإن كان لا بدّ من العقاب الجسديّ، فلا بدّ من أن يأتي ذلك بعد استنفاد مختلف الوسائل السليمة، وتيقّن العجز عن الوصول إلى أيّ نتيجة بغيره، كما لو كان عمليّة جراحيّة. وعند اللّجوء إلى الضّرب كحلّ أخير، لا بدّ من دراسة مستوى هذا العقاب ومدى تأثيره السلبي في نفسيّة الطالب، لأنّ استخدام هذا النوع من العقاب قد يعطي نتيجة إيجابيّة من جانب، ولكنّه ربما يؤثّر تأثيراً سلبياً في جانب آخر من شخصيّة الطّفل، بحيث يختلّ التّوازن في جوانب أخرى. إنّ حال المربي هنا كحال الطبيب، فكما يتوجّب على الطّبيب عندما يُعطي الدواء للمريض أن يدرس تفاعلاته الإيجابية والسلبية فيه، على المربي أن يفعل الشيء نفسه مع الطفل.
التوازن في التأديب
ـ ورد في الحديث، أنّ أمير المؤمنين(ع) ألقى صبيان الكتّاب ألواحهم بين يديه ليخير بينهم، فقال: أما إنها حكومة، والجور فيها كالجور في الحكم، أبلغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب، اقتصّ منه. إلامَ كان الإمام عليّ(ع) يهدف؟
ـ الظّاهر، أنَّ مقصود الإمام(ع) من ذلك، هو ملاحظة التقويم للفرض الّذي قدّمه الصغير في لوحه بطريقة عادلة، بحيث لا يحابي أحداً عن آخر لقرابة أو صداقة أو لأيّ شيء آخر، من دون أساس من الجودة والكفاءة، ثم التنبيه إلى أنّه ليس للمعلّم أن يبتعد عن التّوازن في التأديب، ويكون ذكر الضّربات الثلاث من باب المثل، لا من باب التّحديد.
* دنيا الطّفل
[1] [الزمر: 9].
[2] [طه: 114].
[3] نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ(ع)، ج 4، ص 18.
[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 1، ص 177.
[5] المصدر نفسه، ج 1، ص 220.
[6] [الحشر: 2].
[7] [الملك: 5].