كتابات
04/05/2014

الواقع الإنساني وسنّة التّغيير

الواقع الإنساني وسنّة التّغيير

أراد الله للواقع الإنساني أن يتمرَّد على كلّ عوامل الانحراف وأدواته، بمختلف الوسائل التي تملكها حركة التّغيير، ولا سيما الوسائل الفكريّة، التي تنبعث منها الصورة الواقعية والعملية للحياة الإنسانيّة، في الجانبين السلبي والإيجابي، فالواقع هو صورة الإنسان في الخير والشّرّ على مستوى النتائج، الأمر الّذي يجعل التغيير في صورة الحياة خاضعاً لتغيير الإنسان نفسه فكريّاً وروحيّاً، وذلك هو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}[1]، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}[2].

إنّ هذه القاعدة سنّة من سنن التّاريخ الإنساني المتحرّكة داخل الوجود الإنساني في عناصره المؤثّرة في الواقع، حتى إنّ الآلام التي تعرض للإنسان، تمثل النتيجة العميقة لأعماله، فليست مجرّد قضاء وقدر مفصولين عنه، بل هي واقع منبثق عنه، وهذا ما جاء في قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[3]، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[4].

وقد نستوحي من الآيتين، أن سنّة الله تقضي أن تؤدّي حالات الانحراف الإنساني إلى نتائج سلبيّة تفترس وجود الإنسان في أمنه وراحته وطمأنينته، ليكون ذلك حافزاً مؤثّراً في انطلاق إرادة التّغيير لديه، ما قد يؤدّي إلى الخروج من دائرة الاهتزاز إلى دائرة الاستقرار، ومن ساحة الانحراف إلى ساحة الاستقامة، بطريقة ذاتيّة على مستوى الفرد والمجتمع، من خلال وعي النّتائج في حركة المقدّمات.

هذا كلّه، إضافةً إلى الحوافز الأخرى الّتي تدفع الإنسان إلى التّغيير الإيجابي، وهي مسألة العقاب والثّواب على مستوى الدّنيا والآخرة، في نطاق رضوان الله وسخطه، وفي أجواء الجنّة حيث النّعيم الخالد، وفي أجواء النّار حيث العذاب الخالد، فإنّ الإنسان يبقى في حركته سائراً في خطّ التّرغيب والتّرهيب، بحيث يكفل له ذلك إمكانيّة الثّبات على قاعدة الاستقامة والبعد عن الانحراف، بما يمثّله "الوازع الدّيني" أو "الضّمير الرّوحيّ" من عنصر ضاغط على اختيارات الإنسان الإيجابيّة في اتجاه التقوى التي تمثل الانضباط في طاعة الله، فلا يفقده الله حيث أمره، ولا يجده حيث نهاه، سواء كان ذلك في علاقته بنفسه أو بالناس، أو في ارتباطه بالله في مواقع رضاه.

وهذا هو ما يتمثّل في كلّ الآيات القرآنية التي تتحدث عن النتائج السلبية والإيجابية في الدار الآخرة، يوم يقوم الناس لربّ العالمين، فلا تملك نفس لنفس شيئاً، والأمر يومئذ لله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[5]، {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ}[6]، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ}[7].

فإذا تجاوزنا الإنسان في ذاته إلى الواقع الاجتماعيّ في حركة المسؤوليّة، فإنّنا نرى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، كعنوانين كبيرين شاملين لكلّ خطوط الاستقامة والانحراف في القضايا العامّة والخاصّة، ووسيلتين من وسائل إيجاد الرّقابة الاجتماعيّة في كلّ مجالات الواقع، ولا سيّما في قضايا الحقّ والباطل، والعدل والظّلم، على صعيد الحكم والحاكم والقانون، وفي ساحة النّاس الذين يتحمّلون مسؤوليّاتهم في سلوكهم الذاتي، وفي موقفهم من الشّأن العام، فيكون المجتمع رقيباً على بعضه البعض، في نطاق الإحساس بالمسؤوليّة، بالطريقة التي لا تتحوّل فيها الأمور إلى ما يشبه الفوضى، لأنها تخضع لضوابط الشرعيّة الّتي لا تخلّ بنظام الناس العام، لأنّ حفظ النظام الذي تستقيم به أمور الناس، واجب على الجميع، فلا يجوز لأيّ فرد أو جماعة ممارسة الحريّة الذاتية بما يؤدّي إلى اختلال النظام، فإنّ ذلك قد يكون في موقع الخطيئة الكبرى.

[كتاب "الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل"].


[1]  [الرّعد: 11].

[2] [الأنفال: 53].

[3] [النّحل: 112].

[4] [الرّوم: 41].

[5]  [الزلزلة: 7، 8].

[6]  [القارعة: 6-11].

[7]  [آل عمران: 30].


أراد الله للواقع الإنساني أن يتمرَّد على كلّ عوامل الانحراف وأدواته، بمختلف الوسائل التي تملكها حركة التّغيير، ولا سيما الوسائل الفكريّة، التي تنبعث منها الصورة الواقعية والعملية للحياة الإنسانيّة، في الجانبين السلبي والإيجابي، فالواقع هو صورة الإنسان في الخير والشّرّ على مستوى النتائج، الأمر الّذي يجعل التغيير في صورة الحياة خاضعاً لتغيير الإنسان نفسه فكريّاً وروحيّاً، وذلك هو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}[1]، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}[2].

إنّ هذه القاعدة سنّة من سنن التّاريخ الإنساني المتحرّكة داخل الوجود الإنساني في عناصره المؤثّرة في الواقع، حتى إنّ الآلام التي تعرض للإنسان، تمثل النتيجة العميقة لأعماله، فليست مجرّد قضاء وقدر مفصولين عنه، بل هي واقع منبثق عنه، وهذا ما جاء في قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[3]، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[4].

وقد نستوحي من الآيتين، أن سنّة الله تقضي أن تؤدّي حالات الانحراف الإنساني إلى نتائج سلبيّة تفترس وجود الإنسان في أمنه وراحته وطمأنينته، ليكون ذلك حافزاً مؤثّراً في انطلاق إرادة التّغيير لديه، ما قد يؤدّي إلى الخروج من دائرة الاهتزاز إلى دائرة الاستقرار، ومن ساحة الانحراف إلى ساحة الاستقامة، بطريقة ذاتيّة على مستوى الفرد والمجتمع، من خلال وعي النّتائج في حركة المقدّمات.

هذا كلّه، إضافةً إلى الحوافز الأخرى الّتي تدفع الإنسان إلى التّغيير الإيجابي، وهي مسألة العقاب والثّواب على مستوى الدّنيا والآخرة، في نطاق رضوان الله وسخطه، وفي أجواء الجنّة حيث النّعيم الخالد، وفي أجواء النّار حيث العذاب الخالد، فإنّ الإنسان يبقى في حركته سائراً في خطّ التّرغيب والتّرهيب، بحيث يكفل له ذلك إمكانيّة الثّبات على قاعدة الاستقامة والبعد عن الانحراف، بما يمثّله "الوازع الدّيني" أو "الضّمير الرّوحيّ" من عنصر ضاغط على اختيارات الإنسان الإيجابيّة في اتجاه التقوى التي تمثل الانضباط في طاعة الله، فلا يفقده الله حيث أمره، ولا يجده حيث نهاه، سواء كان ذلك في علاقته بنفسه أو بالناس، أو في ارتباطه بالله في مواقع رضاه.

وهذا هو ما يتمثّل في كلّ الآيات القرآنية التي تتحدث عن النتائج السلبية والإيجابية في الدار الآخرة، يوم يقوم الناس لربّ العالمين، فلا تملك نفس لنفس شيئاً، والأمر يومئذ لله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[5]، {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ}[6]، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ}[7].

فإذا تجاوزنا الإنسان في ذاته إلى الواقع الاجتماعيّ في حركة المسؤوليّة، فإنّنا نرى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، كعنوانين كبيرين شاملين لكلّ خطوط الاستقامة والانحراف في القضايا العامّة والخاصّة، ووسيلتين من وسائل إيجاد الرّقابة الاجتماعيّة في كلّ مجالات الواقع، ولا سيّما في قضايا الحقّ والباطل، والعدل والظّلم، على صعيد الحكم والحاكم والقانون، وفي ساحة النّاس الذين يتحمّلون مسؤوليّاتهم في سلوكهم الذاتي، وفي موقفهم من الشّأن العام، فيكون المجتمع رقيباً على بعضه البعض، في نطاق الإحساس بالمسؤوليّة، بالطريقة التي لا تتحوّل فيها الأمور إلى ما يشبه الفوضى، لأنها تخضع لضوابط الشرعيّة الّتي لا تخلّ بنظام الناس العام، لأنّ حفظ النظام الذي تستقيم به أمور الناس، واجب على الجميع، فلا يجوز لأيّ فرد أو جماعة ممارسة الحريّة الذاتية بما يؤدّي إلى اختلال النظام، فإنّ ذلك قد يكون في موقع الخطيئة الكبرى.

[كتاب "الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل"].


[1]  [الرّعد: 11].

[2] [الأنفال: 53].

[3] [النّحل: 112].

[4] [الرّوم: 41].

[5]  [الزلزلة: 7، 8].

[6]  [القارعة: 6-11].

[7]  [آل عمران: 30].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية