كتابات
03/08/2014

المرجع فضل الله(رض): العصبيّة العمياء ليست من الإسلام

المرجع فضل الله(رض): العصبيّة العمياء ليست من الإسلام

في قراءة سريعة لما عليه واقع الأمّة العربيَّة والإسلاميَّة اليوم، تجد، للأسف، أنَّ مساحة العصبيَّة الَّتي ينبذها الإسلام طاغية على مساحة لغة الانفتاح والوعي، وتحكيم صوت العقل، وتفعيل دور الأخلاقيات الحقيقية للإسلام، لجهة رفض كلّ ما يثير الفتنة والفوضى في العلاقات والحياة، وكلّ ما يؤدّي إلى إفسادها.

فالعصبيَّة الخانقة المتمثّلة بالتعصّب لمذهب معيٱن أو طائفة معيّنة، دون وعي ومسؤوليّة، بل مجرّد التعصّب الأعمى والطائش، يؤدّي حتماً إلى تغليب الانشداد الانفعالي والعاطفي، دون النظر إلى المصلحة العليا في حفظ الواقع، وهو ما يبرز أجواءً نفسية حاقدة، ويولّد البغضاء ويزرع الكراهية، ويصل الأمر بالبعض إلى إلغاء الآخر بشكل مادي ومعنوي مباشر، بغضّ النظر عما يسبّبه ذلك من دمار للعلاقات الإنسانيّة والاجتماعيّة، ينعكس على الحياة بأسرها.

وحول هذه النقطة، يقول سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض): "إنَّ العصبيَّة تمثّل حالة جاهليَّة يتحرّك فيها الناس من خلال الذهنية الجاهلية التي لا تنظر في خلافاتها مع الآخر إلى الجانب القيمي أو الجانب المضموني، بل تنظر إلى الجانب الذاتي في مقابل الذات الأخرى، وإلى التجمع البشري في مقابل تجمع بشري آخر، وهذا ما جعل التراث الإسلامي يؤكّد أنّ العصبية في النار".

إنَّ العصبية العمياء في تقديس ما تحمله الذات، والانغلاق على كلّ ذلك، وصولاً إلى رفض الآخر بالمطلق، وعدم الانفتاح عليه، والتواصل معه، نتيجة عقدة نفسية أو مزاج عام تخلقه العصبية الجاهلية، هي سلوك مقيت ينبذه الإسلام تماماً، ويعتبره سلوكاً غريباً ومرفوضاً لا يعبِّر البتّة عن مفاهيم الإسلام السمحاء.

في المقابل، فإنَّ التعصّب الذي يدعو إليه الإسلام ويشجّع عليه ويرضاه، هو العصبيّة للحقّ والأخلاق الحميدة التي تظهر أصالة الهوية الإنسانية والذات البشرية في سعيها إلى تثبيت دعائم الحقيقة، بالأسلوب الواعي والمسؤول الَّذي لا يثير الغرائز، ولا يثير الأحقاد والضّغائن، بل يعمل على تهدئة النفوس، واستعمال لغة الوعي والعقل والحكمة، التي تفترض إنساناً راقياً يرتفع إلى مستوى المسؤوليّة، لجهة نشر ثقافة التقارب والتسامح والانفتاح والوعي بين الناس، بغضّ النظر عن الاختلاف المذهبي والطائفي والعرقي، الذي من المفترض أن يكون حافزاً للفرد والجماعة للإفادة في إغناء الواقع لا إفساده..

فالقاعدة الصّالحة التي يجب أن ينطلق منها الإنسان في تعصّبه لفكره أو حاله أو موقفه، لا بدّ من أن تكون على أساس حفظ الحقّ وصونه، ورعاية الأخلاق الحميدة، وليس غير ذلك، لأنه إن لم ننطلق من هذه القاعدة، يعني ذلك نشر الخراب والفوضى، وسيادة حركة العدوانيّة المدمّرة لكلّ أشكال الحياة.

وعن التعصّب للحقّ، يلفت سماحته(رض) إلى ذلك بالقول: "لا بدّ للإنسان العاقل من أن يُخضع أيّ سلوك من سلوكياته لقاعدةٍ تصلح أن تكون سبباً لعصبيته، يقول الإمام عليّ(ع): "فإن كان لا بدّ من العصبيّة"، وكأن الإمام يريد أن يقول إنه ليس للعصبية قاعدة مقبولة، ونحن نرفض العصبية، لأنها تنطلق من حالة عصبية تلتهب فيها مشاعر الإنسان وحواسه بالمستوى الذي يحوّل فيه العناصر التي يملكها إلى حركة عدوانية ضد الآخر، من دون أن يفكر في النتائج السلبية التي تسبّبها. ونحن نؤمن بالموضوعية والعقلانية، ونؤمن بأنّ على الإنسان عندما يدرس العناصر المتمثلة في شخصيته، والعناصر المتمثّلة في شخصية الناس الآخرين، أن يدرس الأمور دراسة موضوعية ودراسة عقلانية، ليعطي لكل ذي حقّ حقه، ويعرف أساس التفاضل بينه وبين الآخرين، وأنّ وجود عنصر من العناصر المميّزة له، لا يمنع من وجود عناصر أخرى عند الآخر، لأنّ الإنسان لا يملك كل العناصر الإيجابية، بل يملك قسماً منها، ويملك الآخر قسماً آخر، ما لا يجعل إنساناً يفضل إنساناً بالمطلق، ولكن بطريقة نسبيّة".

ويتابع: "لكن إذا كان لا بدّ من العصبية لشيء، فهناك جوانب أخلاقية، وجوانب قلبية، وجوانب إنسانية، وجوانب تتصل بالخطّ الإسلامي الذي يرتكز على قاعدة التقوى، فالتزموا هذه الخلال والصفات، وإذا دخلتم في معترك الصّراع بين هذه القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية، ورأيتم الآخرين يحاولون بكلّ ما لديهم من طاقة أن يرفضوها وأن يسقطوها، ففي هذه الحال، لا بأس بأن تتعصّبوا لما لديكم، لأن عصبيتكم تكون عندئذٍ ذات مضمون، لأنّ هذا المضمون يرتفع بإنسانية الإنسان، ويمكن أن يحقّق للمجتمع الكثير من النتائج السلبيّة في سلامته وفي كلّ أوضاعه".

ويضيف: "فإن كان لا بدّ من العصبيّة"، وهذا التعبير يختزن في داخله رفض العصبيّة، لكن إذا قلتم إنها قد تتحوّل إلى حالة اضطرارية ولا بدَّ منها، فأنا أعطيكم مضمون العصبية، "فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المُجداء". مجداء جمع ماجد، وهم أهل الشّرف وأهل الحسب، كما هو المصطلح اللّغوي، و"النجداء" الشجعان، "من بيوتات العرب"، وقبائلها، و"يعاسيب القبائل" اليعسوب هو أمير النّحل، فاستُعير كلمة اليعسوب لأمير القبيلة وأمير المجتمع، و"بالأخلاق الرغيبة" التي يرغب فيها الإنسان الّذي يريد أن يرتفع بنفسه، و"الأحلام العظيمة" الأحلام يُراد بها العقول، و"الأخطار الجليلة"، وهي الأشياء التي لها شأن ولها قيمة و"الآثار المحمودة"... [فكر وثقافة، العدد 491، العام 2007].

والخلاصة، إنَّ الواقع اليوم في كلّ وقت، يحتاج إلى تغليب سلوك طريق إحقاق الحقّ والتعصّب له، ونبذ كلّ عصبيَّة للمذهب أو الجهة أو القوميّة المغلقة، والتي تتحول إلى حركة عدوانيّة تسلب من الحياة الأمن والأمان، فالعصبية الجاهلية نهى عنها الإسلام، واعتبرها من أخطر ما يكون على الإنسان ومسيرة وجوده. لذا، لا بدَّ من حصارها ومجاهدتها، بقلعها أوّلاً من النفوس، وإحلال المحبة والسلام والانفتاح، كطريق أوحد لمعالجة كلّ ما يتخبّط به الواقع من أزمات...

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .



في قراءة سريعة لما عليه واقع الأمّة العربيَّة والإسلاميَّة اليوم، تجد، للأسف، أنَّ مساحة العصبيَّة الَّتي ينبذها الإسلام طاغية على مساحة لغة الانفتاح والوعي، وتحكيم صوت العقل، وتفعيل دور الأخلاقيات الحقيقية للإسلام، لجهة رفض كلّ ما يثير الفتنة والفوضى في العلاقات والحياة، وكلّ ما يؤدّي إلى إفسادها.

فالعصبيَّة الخانقة المتمثّلة بالتعصّب لمذهب معيٱن أو طائفة معيّنة، دون وعي ومسؤوليّة، بل مجرّد التعصّب الأعمى والطائش، يؤدّي حتماً إلى تغليب الانشداد الانفعالي والعاطفي، دون النظر إلى المصلحة العليا في حفظ الواقع، وهو ما يبرز أجواءً نفسية حاقدة، ويولّد البغضاء ويزرع الكراهية، ويصل الأمر بالبعض إلى إلغاء الآخر بشكل مادي ومعنوي مباشر، بغضّ النظر عما يسبّبه ذلك من دمار للعلاقات الإنسانيّة والاجتماعيّة، ينعكس على الحياة بأسرها.

وحول هذه النقطة، يقول سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض): "إنَّ العصبيَّة تمثّل حالة جاهليَّة يتحرّك فيها الناس من خلال الذهنية الجاهلية التي لا تنظر في خلافاتها مع الآخر إلى الجانب القيمي أو الجانب المضموني، بل تنظر إلى الجانب الذاتي في مقابل الذات الأخرى، وإلى التجمع البشري في مقابل تجمع بشري آخر، وهذا ما جعل التراث الإسلامي يؤكّد أنّ العصبية في النار".

إنَّ العصبية العمياء في تقديس ما تحمله الذات، والانغلاق على كلّ ذلك، وصولاً إلى رفض الآخر بالمطلق، وعدم الانفتاح عليه، والتواصل معه، نتيجة عقدة نفسية أو مزاج عام تخلقه العصبية الجاهلية، هي سلوك مقيت ينبذه الإسلام تماماً، ويعتبره سلوكاً غريباً ومرفوضاً لا يعبِّر البتّة عن مفاهيم الإسلام السمحاء.

في المقابل، فإنَّ التعصّب الذي يدعو إليه الإسلام ويشجّع عليه ويرضاه، هو العصبيّة للحقّ والأخلاق الحميدة التي تظهر أصالة الهوية الإنسانية والذات البشرية في سعيها إلى تثبيت دعائم الحقيقة، بالأسلوب الواعي والمسؤول الَّذي لا يثير الغرائز، ولا يثير الأحقاد والضّغائن، بل يعمل على تهدئة النفوس، واستعمال لغة الوعي والعقل والحكمة، التي تفترض إنساناً راقياً يرتفع إلى مستوى المسؤوليّة، لجهة نشر ثقافة التقارب والتسامح والانفتاح والوعي بين الناس، بغضّ النظر عن الاختلاف المذهبي والطائفي والعرقي، الذي من المفترض أن يكون حافزاً للفرد والجماعة للإفادة في إغناء الواقع لا إفساده..

فالقاعدة الصّالحة التي يجب أن ينطلق منها الإنسان في تعصّبه لفكره أو حاله أو موقفه، لا بدّ من أن تكون على أساس حفظ الحقّ وصونه، ورعاية الأخلاق الحميدة، وليس غير ذلك، لأنه إن لم ننطلق من هذه القاعدة، يعني ذلك نشر الخراب والفوضى، وسيادة حركة العدوانيّة المدمّرة لكلّ أشكال الحياة.

وعن التعصّب للحقّ، يلفت سماحته(رض) إلى ذلك بالقول: "لا بدّ للإنسان العاقل من أن يُخضع أيّ سلوك من سلوكياته لقاعدةٍ تصلح أن تكون سبباً لعصبيته، يقول الإمام عليّ(ع): "فإن كان لا بدّ من العصبيّة"، وكأن الإمام يريد أن يقول إنه ليس للعصبية قاعدة مقبولة، ونحن نرفض العصبية، لأنها تنطلق من حالة عصبية تلتهب فيها مشاعر الإنسان وحواسه بالمستوى الذي يحوّل فيه العناصر التي يملكها إلى حركة عدوانية ضد الآخر، من دون أن يفكر في النتائج السلبية التي تسبّبها. ونحن نؤمن بالموضوعية والعقلانية، ونؤمن بأنّ على الإنسان عندما يدرس العناصر المتمثلة في شخصيته، والعناصر المتمثّلة في شخصية الناس الآخرين، أن يدرس الأمور دراسة موضوعية ودراسة عقلانية، ليعطي لكل ذي حقّ حقه، ويعرف أساس التفاضل بينه وبين الآخرين، وأنّ وجود عنصر من العناصر المميّزة له، لا يمنع من وجود عناصر أخرى عند الآخر، لأنّ الإنسان لا يملك كل العناصر الإيجابية، بل يملك قسماً منها، ويملك الآخر قسماً آخر، ما لا يجعل إنساناً يفضل إنساناً بالمطلق، ولكن بطريقة نسبيّة".

ويتابع: "لكن إذا كان لا بدّ من العصبية لشيء، فهناك جوانب أخلاقية، وجوانب قلبية، وجوانب إنسانية، وجوانب تتصل بالخطّ الإسلامي الذي يرتكز على قاعدة التقوى، فالتزموا هذه الخلال والصفات، وإذا دخلتم في معترك الصّراع بين هذه القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية، ورأيتم الآخرين يحاولون بكلّ ما لديهم من طاقة أن يرفضوها وأن يسقطوها، ففي هذه الحال، لا بأس بأن تتعصّبوا لما لديكم، لأن عصبيتكم تكون عندئذٍ ذات مضمون، لأنّ هذا المضمون يرتفع بإنسانية الإنسان، ويمكن أن يحقّق للمجتمع الكثير من النتائج السلبيّة في سلامته وفي كلّ أوضاعه".

ويضيف: "فإن كان لا بدّ من العصبيّة"، وهذا التعبير يختزن في داخله رفض العصبيّة، لكن إذا قلتم إنها قد تتحوّل إلى حالة اضطرارية ولا بدَّ منها، فأنا أعطيكم مضمون العصبية، "فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المُجداء". مجداء جمع ماجد، وهم أهل الشّرف وأهل الحسب، كما هو المصطلح اللّغوي، و"النجداء" الشجعان، "من بيوتات العرب"، وقبائلها، و"يعاسيب القبائل" اليعسوب هو أمير النّحل، فاستُعير كلمة اليعسوب لأمير القبيلة وأمير المجتمع، و"بالأخلاق الرغيبة" التي يرغب فيها الإنسان الّذي يريد أن يرتفع بنفسه، و"الأحلام العظيمة" الأحلام يُراد بها العقول، و"الأخطار الجليلة"، وهي الأشياء التي لها شأن ولها قيمة و"الآثار المحمودة"... [فكر وثقافة، العدد 491، العام 2007].

والخلاصة، إنَّ الواقع اليوم في كلّ وقت، يحتاج إلى تغليب سلوك طريق إحقاق الحقّ والتعصّب له، ونبذ كلّ عصبيَّة للمذهب أو الجهة أو القوميّة المغلقة، والتي تتحول إلى حركة عدوانيّة تسلب من الحياة الأمن والأمان، فالعصبية الجاهلية نهى عنها الإسلام، واعتبرها من أخطر ما يكون على الإنسان ومسيرة وجوده. لذا، لا بدَّ من حصارها ومجاهدتها، بقلعها أوّلاً من النفوس، وإحلال المحبة والسلام والانفتاح، كطريق أوحد لمعالجة كلّ ما يتخبّط به الواقع من أزمات...

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية