العدل ليس مجرّد فكرة، بل هو قناعة وسلوك ينسجمان مع فطرة الإنسان الصّافية، ومع توجّهه الصّادق في رفد الحياة بكلّ ما يلزم من مواقف وتصرّفات تريحها، وتعمل على توازنها واستقرارها. ولا بدَّ للعدل من أن يتحرّك في قلب العلاقات الإنسانيَّة بين الأهل والأولاد، والأقارب والجيران، وبين القريب والبعيد، بعيداً عن أيّ حسابات ذاتيّة أو عاطفيّة أو ماديّة، لأنّه بمجرّد إدخال مثل هذه الحسابات، تنتفي الموضوعيّة في الحكم والسّلوك، ويغيب العدل كلّياً عن المعادلة.
سماحة العلامة المرجع السيّد محمد محسين فضل الله(رض)، يؤكِّد دور الموضوعيّة كصفة أساسيّة من صفات العدل والعدالة، وضرورة التّركيز على ذهنيّة العدل في دراسة الحقوق والواجبات، بعيداً عن لغة الانفعالات والذاتيّات. ويلفت إلى ذلك بقوله: "في هذه الدائرة (العلاقة مع الآخر)، تتميّز المسألة بتأكيد ذهنيّة العدل في دراسة الحقوق والواجبات، وفي اتخاذ الموقف المنسجم مع العدل، وذلك من منطلق النظرة الحياديّة إلى الذات والآخر، ولا سيما في التعامل مع أطراف العلاقة المعقّدة الناتجة من نزاع ذاتي أو عاطفي أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، أو من وضع معيّن متعلّق بصديق قريب أو مواطن أو متحزّب، أو صاحب درجة اجتماعيّة أو سياسيّة أو ماليّة رفيعة، فإنّ الكثير من الناس قد يسقطون تحت تأثير العوامل الذاتيّة الانفعاليّة التي تتخذ موقفاً مضادّاً للحقوق الشرعية للناس لمصلحة الذات أو الآخرين الّذين ترتبط بهم بعلاقة معيّنة أو تقويم محدّد، فيتعصّبون بشكل أعمى لذواتهم، وذلك على حساب التزاماتهم الدينيّة أو العمليّة".
أن يسلك المرء طريق الموضوعيّة، يعني ذلك أن يعيد إنتاج ذاته على قاعدة العدل مع نفسه ومع الآخرين، وأن يحاكم كلّ موقف وكلّ كلام، وينطلق في تأسيس العلاقات على أساس الحقّ والموضوعيّة اللّذين هما روح العدل وجوهره، والإسلام يريد للنّاس أن يكونوا الموضوعيّين، ليكونوا الأقرب إلى الالتزام بروح العدل الّذي يغني كلّ مساحات الحياة.
ويتابع سماحة السيّد فضل الله(رض) حديثه حول هذه النقطة بالقول: "وهنا، يريد الإسلام للإنسان أن يكون موضوعياً بالمستوى الذي يكون فيه عادلاً، لأن العدالة تعني النظر إلى المسألة من حيث طبيعتها الشرعيَّة أو الإنسانيَّة، بعيداً عن أيّ شيء آخر يتَّصل بالعاطفة أو المصلحة أو العصبيّة أو غير ذلك، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[الأنعام: 152]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}[النساء: 135]، وقوله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:8]".
ويتابع سماحته(رض): "وهكذا، نجد هذا الخطّ الموضوعيّ في النّظرة إلى القضايا المختلف عليها، يتمثّل في الحديث الشّريف: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها"، فضلاً عن الكلمة المأثورة عن الإمام عليّ(ع): "يا بنيّ، اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبَّ لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها".
والسؤال الكبير: هل نحن اليوم نضع ذهنيّة العدل، ونؤكّدها في تفاصيل حياتنا العامّة والخاصّة؟ هل يعدل الأهل والأولاد مع بعضهم البعض؟ وهل يعدل الجار مع جاره، والصّديق مع صديقه؟ وهل يعدل النّاس مع بعضهم البعض؟ إذا أردت أن تعرف ما عليه الواقع من حال، ما عليك إلا أن تنظر في مقدار تطبيق النّاس للعدل في حياتهم، وما علينا إلا أن نحاول جادّين مخلصين لأن نقيم العدل، لنتحسّس طعم الطهارة والصفاء والحقّ الذي يعود بالخير والطمأنينة على الجميع، ويزيل كلّ عناصر القلق والتوتر والفوضى التي يتخبّط بها الناس، فالنظرة الموضوعية إلى الأشخاص والأشياء، والانطلاق في الحكم على أساس الحقّ، هو ما يبرز روح العدل وجوهره واقعاً ملموساً وحيّاً في النفوس وفي قلب العلاقات والحياة".
ويضيف سماحته(رض) عن العدل بالقول: "نجد أنّ العدل ينطلق من النظرة الموضوعيّة إلى الأشياء والأشخاص، فلا ينحرف عن الخطّ على أساس القرب من الشّخص أو على أساس البعد، ولا يختلف سلوكه بين صورة القوة والقدرة والضعف والعجز، وهذا ما عبّر عنه الحديث الشريف: "إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا في باطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن قول الحقّ، وإذ قدر لم يتعاط ما ليس له بحقّ"... [المصدر: كتاب الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل، ص 55، 56].
وحتى نكون أمّة الصّلاح والفلاح والنجاح، ما علينا إلا أن نعيد إنتاج كلّ علاقاتنا وأوضاعنا على قاعدة العدل مع الذّات والآخرين والمحيط من حولنا، لنعيش أصالة هويتنا الإنسانيّة والحضاريّة، ونكون الصّادقين والمخلصين والأمناء في حمل الرّسالة الإلهيّة التي تتلخّص بكلمة "العدل".
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .

العدل ليس مجرّد فكرة، بل هو قناعة وسلوك ينسجمان مع فطرة الإنسان الصّافية، ومع توجّهه الصّادق في رفد الحياة بكلّ ما يلزم من مواقف وتصرّفات تريحها، وتعمل على توازنها واستقرارها. ولا بدَّ للعدل من أن يتحرّك في قلب العلاقات الإنسانيَّة بين الأهل والأولاد، والأقارب والجيران، وبين القريب والبعيد، بعيداً عن أيّ حسابات ذاتيّة أو عاطفيّة أو ماديّة، لأنّه بمجرّد إدخال مثل هذه الحسابات، تنتفي الموضوعيّة في الحكم والسّلوك، ويغيب العدل كلّياً عن المعادلة.
سماحة العلامة المرجع السيّد محمد محسين فضل الله(رض)، يؤكِّد دور الموضوعيّة كصفة أساسيّة من صفات العدل والعدالة، وضرورة التّركيز على ذهنيّة العدل في دراسة الحقوق والواجبات، بعيداً عن لغة الانفعالات والذاتيّات. ويلفت إلى ذلك بقوله: "في هذه الدائرة (العلاقة مع الآخر)، تتميّز المسألة بتأكيد ذهنيّة العدل في دراسة الحقوق والواجبات، وفي اتخاذ الموقف المنسجم مع العدل، وذلك من منطلق النظرة الحياديّة إلى الذات والآخر، ولا سيما في التعامل مع أطراف العلاقة المعقّدة الناتجة من نزاع ذاتي أو عاطفي أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، أو من وضع معيّن متعلّق بصديق قريب أو مواطن أو متحزّب، أو صاحب درجة اجتماعيّة أو سياسيّة أو ماليّة رفيعة، فإنّ الكثير من الناس قد يسقطون تحت تأثير العوامل الذاتيّة الانفعاليّة التي تتخذ موقفاً مضادّاً للحقوق الشرعية للناس لمصلحة الذات أو الآخرين الّذين ترتبط بهم بعلاقة معيّنة أو تقويم محدّد، فيتعصّبون بشكل أعمى لذواتهم، وذلك على حساب التزاماتهم الدينيّة أو العمليّة".
أن يسلك المرء طريق الموضوعيّة، يعني ذلك أن يعيد إنتاج ذاته على قاعدة العدل مع نفسه ومع الآخرين، وأن يحاكم كلّ موقف وكلّ كلام، وينطلق في تأسيس العلاقات على أساس الحقّ والموضوعيّة اللّذين هما روح العدل وجوهره، والإسلام يريد للنّاس أن يكونوا الموضوعيّين، ليكونوا الأقرب إلى الالتزام بروح العدل الّذي يغني كلّ مساحات الحياة.
ويتابع سماحة السيّد فضل الله(رض) حديثه حول هذه النقطة بالقول: "وهنا، يريد الإسلام للإنسان أن يكون موضوعياً بالمستوى الذي يكون فيه عادلاً، لأن العدالة تعني النظر إلى المسألة من حيث طبيعتها الشرعيَّة أو الإنسانيَّة، بعيداً عن أيّ شيء آخر يتَّصل بالعاطفة أو المصلحة أو العصبيّة أو غير ذلك، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[الأنعام: 152]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}[النساء: 135]، وقوله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:8]".
ويتابع سماحته(رض): "وهكذا، نجد هذا الخطّ الموضوعيّ في النّظرة إلى القضايا المختلف عليها، يتمثّل في الحديث الشّريف: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها"، فضلاً عن الكلمة المأثورة عن الإمام عليّ(ع): "يا بنيّ، اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبَّ لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها".
والسؤال الكبير: هل نحن اليوم نضع ذهنيّة العدل، ونؤكّدها في تفاصيل حياتنا العامّة والخاصّة؟ هل يعدل الأهل والأولاد مع بعضهم البعض؟ وهل يعدل الجار مع جاره، والصّديق مع صديقه؟ وهل يعدل النّاس مع بعضهم البعض؟ إذا أردت أن تعرف ما عليه الواقع من حال، ما عليك إلا أن تنظر في مقدار تطبيق النّاس للعدل في حياتهم، وما علينا إلا أن نحاول جادّين مخلصين لأن نقيم العدل، لنتحسّس طعم الطهارة والصفاء والحقّ الذي يعود بالخير والطمأنينة على الجميع، ويزيل كلّ عناصر القلق والتوتر والفوضى التي يتخبّط بها الناس، فالنظرة الموضوعية إلى الأشخاص والأشياء، والانطلاق في الحكم على أساس الحقّ، هو ما يبرز روح العدل وجوهره واقعاً ملموساً وحيّاً في النفوس وفي قلب العلاقات والحياة".
ويضيف سماحته(رض) عن العدل بالقول: "نجد أنّ العدل ينطلق من النظرة الموضوعيّة إلى الأشياء والأشخاص، فلا ينحرف عن الخطّ على أساس القرب من الشّخص أو على أساس البعد، ولا يختلف سلوكه بين صورة القوة والقدرة والضعف والعجز، وهذا ما عبّر عنه الحديث الشريف: "إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا في باطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن قول الحقّ، وإذ قدر لم يتعاط ما ليس له بحقّ"... [المصدر: كتاب الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل، ص 55، 56].
وحتى نكون أمّة الصّلاح والفلاح والنجاح، ما علينا إلا أن نعيد إنتاج كلّ علاقاتنا وأوضاعنا على قاعدة العدل مع الذّات والآخرين والمحيط من حولنا، لنعيش أصالة هويتنا الإنسانيّة والحضاريّة، ونكون الصّادقين والمخلصين والأمناء في حمل الرّسالة الإلهيّة التي تتلخّص بكلمة "العدل".
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .