عندما يتباطأ الكومبيوتر، وتكثر فيه الفيروسات والتّناقضات والمشاكل بين البرامج، يلجأ التّقنيّون إلى إجراء عمليَّة "الفورمات"، لإزالة كلّ البرامج والملفَّات منه، وإعادة تنزيلها على "بياض"، فيعود كما كان سابقاً، أو "كيوم جرى تصنيعه".
وكما في الكومبيوتر، كذلك في البشر، إذ إنَّ هناك بعض الأشخاص أو الكتَّاب أو المثقَّفين المبهورين بالحضارة الماديَّة، الّذين يعجبون جدّاً بكلِّ ما تنتجته الحضارة الغربيّة، والذين يعيشون التّناقضات بين قيم مجتمعهم وأفكار الحضارة الغربية وقيمها، فيتمّ إخضاعهم لعمليَّة "فرمتة" تمسح كلَّ قيمهم وموروثاتهم بحجَّة أنّها "بالية" و"متخلّفة"، وتلغي كلَّ منظومة أخلاقهم "الشّرقيَّة البدائيّة"، وتضع محلَّها قيماً مادّيةً، على اعتبار أنّها القيم المتقدِّمةً والحضاريّة الّتي تليق بهم!
ولكنَّهم ينسون أنَّ التحضّر والالتحاق بركب التقدّم، لا يعني أن يتخلَّى الإنسان عن قيمه وموروثاته كلِّها، ولا أن يرمي بها في سلَّة المهملات، فيصبح كورقةٍ في مهبِّ الرّيح، تتقاذفها يميناً ويساراً، ويتَّجه، بلا ريبٍ، نحو مستقبلٍ مجهول الهويّة والمصير. فمن يتخلَّى عن ماضيه، لن يكون له مستقبل.
قد يكون من السَّهل أن تلغي تاريخك وتمضي في طريقٍ جديد، ولكنَّ الطَّريق السَّهل هو طريق الضّعفاء الّذين لا يحسنون المواجهة، فلماذا لا نختار الطَّريق الأصعب الّذي يعود بالفائدة علينا وعلى أمَّتنا، ونعمل على تنقية تراثنا من كلِّ شوائبه، وعلى قراءة تاريخنا قراءة نَّقد موضوعيّاً حراًّ، ونبقي فيه على النّقاط المضيئة والنَّاصعة، بدل أن نرمي تاريخناً بأكمله خلف ظهورنا، ونقتلع أنفسنا من كلّ امتداد فيه؟!
ليس هناك من تاريخٍ أو حضارةٍ تخلو من الشَّوائب والمشاكل، حتّى الحضارة المادّيّة الّتي تفرض اليوم سطوتها على العالم، مليئة بعيوبها، ولكنَّنا نتعامى عنها ونحاول أن لا نراها، ونركِّز فقط على ما فيها من جمال وإيجابيات.. ترانا نسلِّط الضَّوء على عيوبنا ونضخِّمها، بينما نجمّل حتّى العيوب الّتي نراها في الحضارة المادّيّة!
ينسى هؤلاء أنَّ طريق التقدّم الفكريّ والاقتصاديّ هو غير ما سلكوه، فهم بذلك يتحوَّلون إلى أجهزةٍ لاقطةٍ أو مستقبٍلة لما ينتجه غيرهم، لأنَّ الاستقلاليّة منعدمة عندهم، فيستهلكون الأفكار والمنتجات السياسيَّة والقيميَّة لغيرهم.
وختاماً، لقد قيل: ويل لأمَّة لا تُعمِل عقلها، ولا تستقلّ بفكرها، لتنظر إلى غدها لا إلى غد غيرها!
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

عندما يتباطأ الكومبيوتر، وتكثر فيه الفيروسات والتّناقضات والمشاكل بين البرامج، يلجأ التّقنيّون إلى إجراء عمليَّة "الفورمات"، لإزالة كلّ البرامج والملفَّات منه، وإعادة تنزيلها على "بياض"، فيعود كما كان سابقاً، أو "كيوم جرى تصنيعه".
وكما في الكومبيوتر، كذلك في البشر، إذ إنَّ هناك بعض الأشخاص أو الكتَّاب أو المثقَّفين المبهورين بالحضارة الماديَّة، الّذين يعجبون جدّاً بكلِّ ما تنتجته الحضارة الغربيّة، والذين يعيشون التّناقضات بين قيم مجتمعهم وأفكار الحضارة الغربية وقيمها، فيتمّ إخضاعهم لعمليَّة "فرمتة" تمسح كلَّ قيمهم وموروثاتهم بحجَّة أنّها "بالية" و"متخلّفة"، وتلغي كلَّ منظومة أخلاقهم "الشّرقيَّة البدائيّة"، وتضع محلَّها قيماً مادّيةً، على اعتبار أنّها القيم المتقدِّمةً والحضاريّة الّتي تليق بهم!
ولكنَّهم ينسون أنَّ التحضّر والالتحاق بركب التقدّم، لا يعني أن يتخلَّى الإنسان عن قيمه وموروثاته كلِّها، ولا أن يرمي بها في سلَّة المهملات، فيصبح كورقةٍ في مهبِّ الرّيح، تتقاذفها يميناً ويساراً، ويتَّجه، بلا ريبٍ، نحو مستقبلٍ مجهول الهويّة والمصير. فمن يتخلَّى عن ماضيه، لن يكون له مستقبل.
قد يكون من السَّهل أن تلغي تاريخك وتمضي في طريقٍ جديد، ولكنَّ الطَّريق السَّهل هو طريق الضّعفاء الّذين لا يحسنون المواجهة، فلماذا لا نختار الطَّريق الأصعب الّذي يعود بالفائدة علينا وعلى أمَّتنا، ونعمل على تنقية تراثنا من كلِّ شوائبه، وعلى قراءة تاريخنا قراءة نَّقد موضوعيّاً حراًّ، ونبقي فيه على النّقاط المضيئة والنَّاصعة، بدل أن نرمي تاريخناً بأكمله خلف ظهورنا، ونقتلع أنفسنا من كلّ امتداد فيه؟!
ليس هناك من تاريخٍ أو حضارةٍ تخلو من الشَّوائب والمشاكل، حتّى الحضارة المادّيّة الّتي تفرض اليوم سطوتها على العالم، مليئة بعيوبها، ولكنَّنا نتعامى عنها ونحاول أن لا نراها، ونركِّز فقط على ما فيها من جمال وإيجابيات.. ترانا نسلِّط الضَّوء على عيوبنا ونضخِّمها، بينما نجمّل حتّى العيوب الّتي نراها في الحضارة المادّيّة!
ينسى هؤلاء أنَّ طريق التقدّم الفكريّ والاقتصاديّ هو غير ما سلكوه، فهم بذلك يتحوَّلون إلى أجهزةٍ لاقطةٍ أو مستقبٍلة لما ينتجه غيرهم، لأنَّ الاستقلاليّة منعدمة عندهم، فيستهلكون الأفكار والمنتجات السياسيَّة والقيميَّة لغيرهم.
وختاماً، لقد قيل: ويل لأمَّة لا تُعمِل عقلها، ولا تستقلّ بفكرها، لتنظر إلى غدها لا إلى غد غيرها!
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.