في تقريرٍ أعدَّته شركة "ميرسر" للاستشارات، تصدَّرت فيينّا عاصمة النَّمسا المستوى الأوَّل عالميّاً من حيث "جودة المعيشة"، فيما حلَّت بغداد العاصمة العراقيَّة ـ وهنا بيت القصيد ـ في آخر مستوى عالميّاً على صعيد المعيشة فيها.
هذه الصّورة الّتي تناقلتها وسائل الإعلام على اختلافها مؤخّراً، تترك في القلب غصّةً وفي النّفس حسرةً على ما آلت إليه أمور العرب والمسلمين الّذين صدَّروا في وقت من الأوقات الحضارة إلى أوروبا والعالم.
وبمراجعة بسيطة متأمِّلة، ترى الفرق بين بغداد الأمس واليوم! ففي الأمس، كانت عاصمة الدّنيا ومقصد البشريّة، ومنارة الثّقافة والحضارة والعلم، وفيها بيت الحكمة الَّذي ترجم علوم البشريَّة بأجمعها، وكانت تنتشر فيها مجالس العلم والفقه والأدب والقصص والشّعر والفلسفة...
كانت بغداد في حينها تعوم على بحرٍ من أسماء العلماء والفقهاء والمفكِّرين، وكانت الأنشطة الفقهيَّة والعقائديَّة والتفسيريَّة والأدبيَّة والفلسفيّة فيها، تشقّ طريق العالم نحو البناء والاختراع في كلِّ مجالات الحياة.
ولكن ماذا تقول اليوم بغداد لساكنيها؟ تقول: لقد كنت في غاية النّضارة، وكنت مقصداً للنَّاس على اختلافهم، يتعلَّمون في جوامعي ومساجدي وفي دكاكين الورّاقين، وينسخون العلم ويذاكرونه. تقول: لقد انطلقت حضارتي لتشمل كلَّ مدن العالم عندما كانت غارقةً في الظّلام ولا يوجد فيها مصباحٌ واحد.
في وقفة تأمّل بسيطة، نجد أنَّ ما يشيع في بغداد اليوم هو القتل، والتفجير، والخراب، والتدمير، والفقر، والبطالة، والخوف. وما نشعر به اليوم هو الخزي لما وصلت إليه أمور المسلمين والعرب من تمزّق وضياع وفرقة وفتنة، والتهاء بالهوامش من الأمور، وإثارة النّعرات الطائفيّة والمذهبيَّة، في حين كانت المذاهب تعيش مع بعضها البعض في أوج ازدهارها في العصر العباسيّ، على الرّغم من تدخّل السّلطة السياسيّة من أجل هذا المذهب أو ذاك.
بغداد اليوم، كما باقي مدننا الإسلاميّة والعربيَّة، تنادي النّاس على اختلافهم أن يعودوا إلى أنفسهم وإلى رشدهم وإلى ربّهم، وأن يدرسوا تاريخهم جيِّداً، ويتعرَّفوا إلى العلامات المضيئة في هذا التّاريخ، يوم كان المسلمون بناةً للحضارة الإنسانيَّة، وكانوا يرفدون الحياة بالعلم والإبداع.
إنَّ بغداد، كما كلّ المدن الإسلاميَّة والعربيَّة، تدعونا إلى نبذ الخلافات، وإلى الوحدة على كلمة الله تعالى، وإعادة الحوار والتّواصل فيما بيننا، كي نعيد جزءاً يسيراً من أمجاد الماضي الَّذي خرَّبته المطامع والأهواء والنّزوات والعصبيَّات.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

في تقريرٍ أعدَّته شركة "ميرسر" للاستشارات، تصدَّرت فيينّا عاصمة النَّمسا المستوى الأوَّل عالميّاً من حيث "جودة المعيشة"، فيما حلَّت بغداد العاصمة العراقيَّة ـ وهنا بيت القصيد ـ في آخر مستوى عالميّاً على صعيد المعيشة فيها.
هذه الصّورة الّتي تناقلتها وسائل الإعلام على اختلافها مؤخّراً، تترك في القلب غصّةً وفي النّفس حسرةً على ما آلت إليه أمور العرب والمسلمين الّذين صدَّروا في وقت من الأوقات الحضارة إلى أوروبا والعالم.
وبمراجعة بسيطة متأمِّلة، ترى الفرق بين بغداد الأمس واليوم! ففي الأمس، كانت عاصمة الدّنيا ومقصد البشريّة، ومنارة الثّقافة والحضارة والعلم، وفيها بيت الحكمة الَّذي ترجم علوم البشريَّة بأجمعها، وكانت تنتشر فيها مجالس العلم والفقه والأدب والقصص والشّعر والفلسفة...
كانت بغداد في حينها تعوم على بحرٍ من أسماء العلماء والفقهاء والمفكِّرين، وكانت الأنشطة الفقهيَّة والعقائديَّة والتفسيريَّة والأدبيَّة والفلسفيّة فيها، تشقّ طريق العالم نحو البناء والاختراع في كلِّ مجالات الحياة.
ولكن ماذا تقول اليوم بغداد لساكنيها؟ تقول: لقد كنت في غاية النّضارة، وكنت مقصداً للنَّاس على اختلافهم، يتعلَّمون في جوامعي ومساجدي وفي دكاكين الورّاقين، وينسخون العلم ويذاكرونه. تقول: لقد انطلقت حضارتي لتشمل كلَّ مدن العالم عندما كانت غارقةً في الظّلام ولا يوجد فيها مصباحٌ واحد.
في وقفة تأمّل بسيطة، نجد أنَّ ما يشيع في بغداد اليوم هو القتل، والتفجير، والخراب، والتدمير، والفقر، والبطالة، والخوف. وما نشعر به اليوم هو الخزي لما وصلت إليه أمور المسلمين والعرب من تمزّق وضياع وفرقة وفتنة، والتهاء بالهوامش من الأمور، وإثارة النّعرات الطائفيّة والمذهبيَّة، في حين كانت المذاهب تعيش مع بعضها البعض في أوج ازدهارها في العصر العباسيّ، على الرّغم من تدخّل السّلطة السياسيّة من أجل هذا المذهب أو ذاك.
بغداد اليوم، كما باقي مدننا الإسلاميّة والعربيَّة، تنادي النّاس على اختلافهم أن يعودوا إلى أنفسهم وإلى رشدهم وإلى ربّهم، وأن يدرسوا تاريخهم جيِّداً، ويتعرَّفوا إلى العلامات المضيئة في هذا التّاريخ، يوم كان المسلمون بناةً للحضارة الإنسانيَّة، وكانوا يرفدون الحياة بالعلم والإبداع.
إنَّ بغداد، كما كلّ المدن الإسلاميَّة والعربيَّة، تدعونا إلى نبذ الخلافات، وإلى الوحدة على كلمة الله تعالى، وإعادة الحوار والتّواصل فيما بيننا، كي نعيد جزءاً يسيراً من أمجاد الماضي الَّذي خرَّبته المطامع والأهواء والنّزوات والعصبيَّات.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.