كتابات
29/02/2016

الغاية دار الآخرة ومرضاة الله

الغاية دار الآخرة ومرضاة الله

نتابع ما ورد في نهج البلاغة من الإشارة إلى العديد من الأحداث والمواقف والمناسبات، والَّتي تعامل معها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) بكلّ حكمة ومسؤوليّة، انطلاقاً من رؤيته الكونيّة والإنسانيّة الشّاملة، في سعيها إلى بناء روح الإنسان وعقله...

يقول الإمام عليّ(ع): "فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَشُقَّ عِطْفَايَ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ، فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ، نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَمَرَقَتْ أُخْرَى وَقَسَطَ آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.بَلَى وَاللهِ، لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا، أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلَا حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ".

يشير الإمام(ع) إلى نقمة المسلمين على الخليفة الثّالث، جرّاء استئثاره بمقدَّرات الأمَّة، وأنَّهم توافدوا على الأمير(ع) رغبةً منهم في إصلاح أوضاعهم، فأقبلوا عليه ليبايعوه بالخلافة، فرفض في بادئ الأمر، ولما ألحّوا عليه، قال لهم: "دعوني والتمسوا غيري، فإنَّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول"... ثم جاء المهاجرون والأنصار يرجون عليّاً، ويلحّون عليه أن يقبل الخلافة، ليلمَّ شعث المسلمين، ولأنّه هو الرّجل الوحيد الذي كان يُعبِّر عن رغبة النّاس في الحياة الحرّة الكريمة، فلم يرَ بدّاً مما ليس منه بدّ. قال الدكتور طه حسين: "وأدار كلّ منهم الأمر بينه وبين نفسه، وبينه وبين من استطاع أن يلقى من أصحابه، فإذا هم يميلون إلى عليٍّ ويؤثرونه على صاحبيه...".

وكالعادة، نكث جماعةٌ البيعةَ لأمير المؤمنين(ع)، وكانت واقعة الجمل والنّهروان وصفّين، والّتي كان لها الأثر الكبير في كيان الأمَّة ومستقبلها. أمَّا الملامة في كلِّ ذلك، فتقع  على عاتق الإنسان الّذي لا ينتفع بالتّجارب ولا يؤمن إيمان الحقّ، ولا يعمل بما يوحي به العقل، ولا يتَّعظ ولا يتوب إلى ربِّه، ولا يعود إلى رشده ويهتدي بكتاب ربِّه.

فكان على الإمام(ع) أن يخرج مناصراً للحقّ، محارباً للباطل، ومواجهاً للفساد، فبعد أن رأى الباطل والفتن، نهض ليردع المفسدين، ويقيم الحقَّ، ويرعى مصالح المسلمين، فالعلماء عليهم عهد الله تعالى بأن ينكروا المنكر، ويواجهوه بالقول والعمل، وأن ينصروا المظلوم على الظّالم، ولولا ذلك، ما كانت خلافة الناس بعين الأمير(ع) العارف بالله والموحِّد والمخلص، تمثّل عنده حتى المُخاط الذي تنثره العَنز من أنفسها عند العِطاس.

فالغاية الحقّة عند الإمام(ع) هي دار الآخرة ومرضاة الله، وهذا ما يبرز من خلال التّضحية والتزام الحقّ وحدود الله، وإحياء الحقّ وإماتة الباطل، وهذه غاية الإمام(ع) الّتي طبعت كلّ حركاته وسكناته من لحظة مولده إلى لحظة استشهاده في محراب الله تعالى.

نتعلّم من عليّ(ع) التّضحية، والوقوف إلى جانب الحقّ، ورفع الظّلم، وإعانة المظلومين في وجه الظالمين، ونتعلَّم أنَّ غاية الحياة هي بلوغ مرضاة الله، والفوز برحمته وغفرانه، وليست الحياة مساحةً للاستزادة بالسّلطة والجاه والتحكّم برقاب النّاس...

فالله تعالى جعلنا في موقع القرار، لينظر كيف نتصرَّف، وعلى أيّ أساسٍ ننهض في حياتنا. لقد شكّل الإمام عليّ(ع) الريادة في إدارة الأحداث والتَّجارب، وقدّم العبرة والدروس للأمّة جمعاء، بما ينسجم مع دورها ومسؤوليّاتها تجاه الله وتجاه الحياة...

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها. 

نتابع ما ورد في نهج البلاغة من الإشارة إلى العديد من الأحداث والمواقف والمناسبات، والَّتي تعامل معها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) بكلّ حكمة ومسؤوليّة، انطلاقاً من رؤيته الكونيّة والإنسانيّة الشّاملة، في سعيها إلى بناء روح الإنسان وعقله...

يقول الإمام عليّ(ع): "فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَشُقَّ عِطْفَايَ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ، فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ، نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَمَرَقَتْ أُخْرَى وَقَسَطَ آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.بَلَى وَاللهِ، لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا، أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلَا حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ".

يشير الإمام(ع) إلى نقمة المسلمين على الخليفة الثّالث، جرّاء استئثاره بمقدَّرات الأمَّة، وأنَّهم توافدوا على الأمير(ع) رغبةً منهم في إصلاح أوضاعهم، فأقبلوا عليه ليبايعوه بالخلافة، فرفض في بادئ الأمر، ولما ألحّوا عليه، قال لهم: "دعوني والتمسوا غيري، فإنَّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول"... ثم جاء المهاجرون والأنصار يرجون عليّاً، ويلحّون عليه أن يقبل الخلافة، ليلمَّ شعث المسلمين، ولأنّه هو الرّجل الوحيد الذي كان يُعبِّر عن رغبة النّاس في الحياة الحرّة الكريمة، فلم يرَ بدّاً مما ليس منه بدّ. قال الدكتور طه حسين: "وأدار كلّ منهم الأمر بينه وبين نفسه، وبينه وبين من استطاع أن يلقى من أصحابه، فإذا هم يميلون إلى عليٍّ ويؤثرونه على صاحبيه...".

وكالعادة، نكث جماعةٌ البيعةَ لأمير المؤمنين(ع)، وكانت واقعة الجمل والنّهروان وصفّين، والّتي كان لها الأثر الكبير في كيان الأمَّة ومستقبلها. أمَّا الملامة في كلِّ ذلك، فتقع  على عاتق الإنسان الّذي لا ينتفع بالتّجارب ولا يؤمن إيمان الحقّ، ولا يعمل بما يوحي به العقل، ولا يتَّعظ ولا يتوب إلى ربِّه، ولا يعود إلى رشده ويهتدي بكتاب ربِّه.

فكان على الإمام(ع) أن يخرج مناصراً للحقّ، محارباً للباطل، ومواجهاً للفساد، فبعد أن رأى الباطل والفتن، نهض ليردع المفسدين، ويقيم الحقَّ، ويرعى مصالح المسلمين، فالعلماء عليهم عهد الله تعالى بأن ينكروا المنكر، ويواجهوه بالقول والعمل، وأن ينصروا المظلوم على الظّالم، ولولا ذلك، ما كانت خلافة الناس بعين الأمير(ع) العارف بالله والموحِّد والمخلص، تمثّل عنده حتى المُخاط الذي تنثره العَنز من أنفسها عند العِطاس.

فالغاية الحقّة عند الإمام(ع) هي دار الآخرة ومرضاة الله، وهذا ما يبرز من خلال التّضحية والتزام الحقّ وحدود الله، وإحياء الحقّ وإماتة الباطل، وهذه غاية الإمام(ع) الّتي طبعت كلّ حركاته وسكناته من لحظة مولده إلى لحظة استشهاده في محراب الله تعالى.

نتعلّم من عليّ(ع) التّضحية، والوقوف إلى جانب الحقّ، ورفع الظّلم، وإعانة المظلومين في وجه الظالمين، ونتعلَّم أنَّ غاية الحياة هي بلوغ مرضاة الله، والفوز برحمته وغفرانه، وليست الحياة مساحةً للاستزادة بالسّلطة والجاه والتحكّم برقاب النّاس...

فالله تعالى جعلنا في موقع القرار، لينظر كيف نتصرَّف، وعلى أيّ أساسٍ ننهض في حياتنا. لقد شكّل الإمام عليّ(ع) الريادة في إدارة الأحداث والتَّجارب، وقدّم العبرة والدروس للأمّة جمعاء، بما ينسجم مع دورها ومسؤوليّاتها تجاه الله وتجاه الحياة...

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها. 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية