يجري الحديث في الأوساط الإعلامية والاجتماعية العامة، عن مسألة الزواج المبكر، مع سرد أمثلة على بعض إيجابيّات ذلك وبعض مساوئه ومضاعفاته على العلاقة واستمراريتها، ومدى نجاحها وانسجامها مع أهداف المؤسّسة الزوجية في بناء أسرة وخلية إنسانية مستقيمة وصحيّة.
ومن تلك القصص، ما يجري من زواجٍ بين طلاب المدارس الثانويَّة أو بداية الدّراسة الجامعيّة، أو الزواج المبكر نتيجة ضغط الأهل على الطرفين للزّواج، أو نتيجة خطأ بين الشابّ والفتاة يؤدِّي إلى حمل الفتاة، فيكون الحلّ الزواج العلنيّ بسرعة للتكتّم على الأمر.
البعض يرى أنَّ الزواج المبكر له حسناته في ضبط سطوة الشَّهوات الجامحة، وخصوصاً لمن هم في سنٍّ مبكرة، وأنّه يحمي الطّرفين من الوقوع في المحرَّمات، بما يقدِّمه من مساحة لتنفيس الكثير من الكبت والعواطف الجيّاشة، فيما يرى آخرون أنه زواج غالباً ما يفشل، لأن الطرفين غير مؤهَّليْن بعد لتحمل المسؤوليّة، وليس لديهم الوعي الكافي والنضج لإدارة الحياة الزوجيّة.
والزواج باعتباره من القضايا المهمة والحسّاسة بكلّ المقاييس الإنسانيّة، فقد كان للشرع توجيهه للقضيّة، بالنّظر إلى مركزيّتها لجهة تنظيم الحياة واستمراريّة المجتمع والعلاقات الإنسانيّة على قواعد ثابتة وقويّة.
فالمرجع السيّد فضل الله(رض)، يوضح أنّ للزواج في واقعه وظيفتين: "الأولى: تحصين الشابّ أو الفتاة من الانحراف، باعتبار أنه يحقّق لهما فرصة إشباع حاجتهما الجنسية، التي يشكّل اندفاعها، وخصوصاً في سنّ المراهقة، خطراً فعلياً على استقامتهما.
الثانية: تكوين أسرة؛ الأمر الّذي يستدعي أن يكون لدى كلا الزّوجين وعي للحياة الزوجية، وما يترتّب عليها من مسؤوليات ومن حقوق وواجبات متبادلة، سواء بين الزوجين، أو بينهما وبين أولادهما.
كما يستلزم إلماماً بكيفيّة إدارة هذه المؤسّسة ـ الأسرة ـ وترتيب وتنظيم شؤونها وأوضاعها وحاجاتها المتنوّعة".
ويتابع سماحته موضحاً هدف الإسلام من الحضّ على الزّواج المبكر: "من هنا، فإنّ الإسلام، في حضّه على الزّواج المبكر، يكون قد راعى الجانب الأوَّل، أي حماية الإنسان من الانحراف الذي قد ينشأ بفعل طغيان الحاجة الغريزيّة للجنس، وأمّن الإشباع الطبيعي والشّرعي لها، وحمى الطرفين من اللجوء إلى المعالجات المتطرفة المولِّدة للمشاكل النفسية والعملية لحياة الإنسان، ومنها التمرد على الطبيعة الإنسانية والانقلاب عليها من خلال خنقها أو وأدها.
فالإسلام، شأنه في الزواج شأنه في باقي الأمور، ينطلق من التعاطي مع الإنسان كما هو، أي من الإقرار والاعتراف بالحاجات الإنسانية التي استودعها الخالق فيه لأغراض معروفة، وجلّ ما يسعى إليه، هو تنظيم طريقة إشباعها وتقنينها عبر الطرق المستقيمة والوسائل السليمة، بحيث لا يقع الإنسان بين حدّي الإفراط والتفريط.
ولا شكّ في أن الزواج يشكِّل الطريق المستقيم والوسيلة الطبيعيّة لإشباع الحاجة الجنسيّة لدى الطرفين الذكر والأنثى.
ولا شكّ، أيضاً، أن إشباع هذه الحاجة في وقت الجوع الأشدّ والأقوى، يكون مطلوباً أكثر، لأنَّ الجوع غالباً ما يكون قاهراً وآسراً للإنسان، ما قد يوقعه في الأساليب المنحرفة والطرق الملتوية.
فطغيان شعور الإنسان بالجوع، يضطرّه إلى إسكات جوعه أوّلاً، سواء توفّرت الأجواء التي يحبّ عند تناول الطعام أو لم تتوفّر، لأنّ الإحساس بالجوع لا ينتظر. وإشباع حاجته إلى الجنس يتقدّم في أحيان كثيرة على كثير من الأمور الأخرى الّتي يحلم الإنسان بتوفّرها عند إشباع تلك الحاجة.
من هنا، فإنّ الزّواج يصبح حلاًّ يحمي الإنسان من الانحراف، سواء التقى بالنّضج أو لم يلتق، لأنَّ الإنسان قد لا يتمكّن من انتظار الجمع بين الاثنين لسبب أو لآخر".
ويلفت السيّد فضل الله(رض) إلى الضَّمانة الّتي يشكّلها الأهل في حال زواج أولادهم المبكر، قائلاً:
"أمّا ما يمكن أن يراه البعض في الزّواج المبكر من إساءة إلى حياة الطّرفين، لأنهما إذا دخلا إلى الحياة الزوجيّة وهما غير مزوَّدين بالخبرة التي يستطيعان بواسطتها توفير قاعدةٍ لحركتهما ولعلاقتهما وللتّكامل فيما بينهما، فإنّ الزواج قد يفشل ويؤدّي إلى مشاكل كثيرة للطّرفين، فهو ثغرة يمكن سدُّها عبر الاستعانة بتوجيه الأهل ومراقبتهم لحركتهما داخل التجربة، الأمر الّذي يمكن أن يوفِّر لهما تجربة زوجية ناجحة".[ كتاب دنيا المرأة، ص 224- 226].
وتبقى قضيّة الوعي أساسيّة لضبط حركة الزّواج المبكر وما ينتج منه، وهذا ما لا يتحصّل ببلوغ سنّ محدّدة، لذا فالأصحّ أن يكون هناك من يشرف على العلاقة ويوجّهها ويأخذ بها إلى برّ الأمان، لا أن يكون عاملاً إضافيّاً في تخريبها أو إفشالها ودمارها.
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.