كتابات
11/02/2018

عصمة الإمام

عصمة الإمام


*العلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة (رض)

* من كتاب "الشّيعة في الميزان".

العصمة قوّة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ، بحيث لا يترك واجباً، ولا يفعل محرّماً مع قدرته على الترك والفعل، وإلّا لم يستحقّ مدحاً ولا ثواباً. أو قل: إنّ المعصوم قد بلغ من التقوى حدّاً لا تتغلب عليه الشّهوات والأهواء، وبلغ من العلم في الشّريعة وأحكامها مرتبةً لا يخطئ معها أبداً. والشيعة الإماميّة يشترطون العصمة بهذا المعنى في الإمام، تماماً كما هي شرط في النبيّ، قال الشيخ المفيد في كتاب "أوائل المقالات"، باب القول في عصمة الأئمّة: إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحفظ الشّرائع، وتأديب الأنام، معصومون كعصمة الأنبياء، لا تجوز عليهم كبيرة ولا صغيرة... ولا سهو في شيء من الدّين، ولا ينسون شيئاً من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإماميّة، إلّا من شذّ منهم. وقال العلامة الحلي في كتاب "نهج الحقّ": ذهب الإماميّة إلى أنّ الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش، من الصّغر إلى الموت، عمداً وسهواً، لأنهم حفظة الشرع والقوّامون به، حالهم في ذلك كحال الأنبياء، ولأنّ الحاجة إلى الإمام إنما هي للانتصاف للمظلوم من الظالم.


قال الإمام يصف نفسه: "ما وجد النبيّ(ص) لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، وكنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي كلّ يوم نميراً من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به". وهذا معنى العصمة عند الشّيعة؛ لا كذب في قول، ولا زلّة في فعل.


أمّا السّبب الأوّل لقول الشيعة بالعصمة، فهو قوله تعالى: {إنَّما يريدُ الله ليذهبَ عنكم الرّجسَ أهلَ البيتِ ويطهّرَكم تطهيراً}[الأحزاب: 33]، وقول الرّسول الأعظم: "عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ، يدور معه كيفما دار"، وقوله: "إني تارك فيكم الثّقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي، وإنهما لن يفترقا، حتى يردا عليَّ الحوض". رواه مسلم في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده. ومن دار معه الحقّ كيفما دار، محال أن يخطئ. وأمر الرسول بالتمسّك بالعترة والكتاب، يدلّ على عصمة العترة من الخطأ، تماماً كعصمة الكتاب، وقوله: "لن يفترقا"، أي لا يخالف أحدهما الآخر. وروى صاحب "كنز العمّال" من السنّة، أنّ النبيّ قال: "من أحبَّ أن يحيا حياتي، ويموت موتي، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربي، فليتولّ عليّاً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة". وإذا كان النبيّ هو الذي وصف أهل بيته بالعصمة، فأيّ ذنب للشّيعة إذا أطاعوا ربهم، وعملوا بسنّة نبيّهم؟!..


لقد أقام المهوّشون الدّنيا وأقعدوها على الشّيعة لأنهم قالوا بالعصمة، ولو كانت لهم أدنى خبرة بسنّة الرسول، لقالوا بمقالة الشّيعة، أو ألقوا المسؤوليّة على الرسول نفسه، إن كان هناك من مسؤوليّة. ثم إنَّ قول الشيعة بعصمة الأئمة الأطهار من آل الرّسول، ليس بأعظم من قول السنَّة إن الصحابة كلهم عدول، وإن المذاهب الأربعة يجب اتّباعها، وإن اجتهاد الحاكم، أي حاكم، واجتهاد الإمام الأعظم تحرم مخالفتهما، لأنّ صلاح الخلق في اتباع رأيهما. [المستصفى للغزالي، ج 2، ص 355، طبعة بولاق، وأصول الفقه للخضري، ص 218 الطبعة الثالثة].


 ومهما يكن، فإنّ "الرجال تعرف بالحقّ، ولا يعرف الحقّ بالرجال"، كما قال عليّ أمير المؤمنين. وقد أجمع الموافق والمخالف على أنَّ الأئمّة من أهل البيت كانوا على هدي جدّهم الرسول(ص) قولاً وعملاً، وأنّ الناس كانوا يلجأون إليهم في حلّ المشكلات والمعضلات، وكانوا يتقرّبون إلى الله سبحانه بتعظيمهم وتقديسهم، تماماً كما كانت الحال بالنّسبة إلى رسول الله(ص).


وختاماً نسأل الذين أنكروا على الشيعة القول بالعصمة: هل تنكرون أصل العصمة وفكرتها من الأساس، أو تنكرون عصمة الأئمّة فقط؟ والأول إنكار لعصمة الأنبياء التي اتّفق عليها السنّة والشيعة، والثاني إنكار لسنّة الرسول الذي ساوى بين عترته وبين القرآن. هذا، إلى أنّ نصوص الشريعة جامدة لا حراك فيها، وإنما تحيا بتطبيقها والعمل بها، وإذا لم يكن القائم على الشّريعة هو نفس الشريعة مجسّمة في شخصه، لم يتحقّق الغرض المقصود. لذا قال الإمام: "ذاك القرآن الصامت، وأنا القرآن الناطق".


*العلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة (رض)

* من كتاب "الشّيعة في الميزان".

العصمة قوّة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ، بحيث لا يترك واجباً، ولا يفعل محرّماً مع قدرته على الترك والفعل، وإلّا لم يستحقّ مدحاً ولا ثواباً. أو قل: إنّ المعصوم قد بلغ من التقوى حدّاً لا تتغلب عليه الشّهوات والأهواء، وبلغ من العلم في الشّريعة وأحكامها مرتبةً لا يخطئ معها أبداً. والشيعة الإماميّة يشترطون العصمة بهذا المعنى في الإمام، تماماً كما هي شرط في النبيّ، قال الشيخ المفيد في كتاب "أوائل المقالات"، باب القول في عصمة الأئمّة: إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحفظ الشّرائع، وتأديب الأنام، معصومون كعصمة الأنبياء، لا تجوز عليهم كبيرة ولا صغيرة... ولا سهو في شيء من الدّين، ولا ينسون شيئاً من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإماميّة، إلّا من شذّ منهم. وقال العلامة الحلي في كتاب "نهج الحقّ": ذهب الإماميّة إلى أنّ الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش، من الصّغر إلى الموت، عمداً وسهواً، لأنهم حفظة الشرع والقوّامون به، حالهم في ذلك كحال الأنبياء، ولأنّ الحاجة إلى الإمام إنما هي للانتصاف للمظلوم من الظالم.


قال الإمام يصف نفسه: "ما وجد النبيّ(ص) لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، وكنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي كلّ يوم نميراً من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به". وهذا معنى العصمة عند الشّيعة؛ لا كذب في قول، ولا زلّة في فعل.


أمّا السّبب الأوّل لقول الشيعة بالعصمة، فهو قوله تعالى: {إنَّما يريدُ الله ليذهبَ عنكم الرّجسَ أهلَ البيتِ ويطهّرَكم تطهيراً}[الأحزاب: 33]، وقول الرّسول الأعظم: "عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ، يدور معه كيفما دار"، وقوله: "إني تارك فيكم الثّقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي، وإنهما لن يفترقا، حتى يردا عليَّ الحوض". رواه مسلم في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده. ومن دار معه الحقّ كيفما دار، محال أن يخطئ. وأمر الرسول بالتمسّك بالعترة والكتاب، يدلّ على عصمة العترة من الخطأ، تماماً كعصمة الكتاب، وقوله: "لن يفترقا"، أي لا يخالف أحدهما الآخر. وروى صاحب "كنز العمّال" من السنّة، أنّ النبيّ قال: "من أحبَّ أن يحيا حياتي، ويموت موتي، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربي، فليتولّ عليّاً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة". وإذا كان النبيّ هو الذي وصف أهل بيته بالعصمة، فأيّ ذنب للشّيعة إذا أطاعوا ربهم، وعملوا بسنّة نبيّهم؟!..


لقد أقام المهوّشون الدّنيا وأقعدوها على الشّيعة لأنهم قالوا بالعصمة، ولو كانت لهم أدنى خبرة بسنّة الرسول، لقالوا بمقالة الشّيعة، أو ألقوا المسؤوليّة على الرسول نفسه، إن كان هناك من مسؤوليّة. ثم إنَّ قول الشيعة بعصمة الأئمة الأطهار من آل الرّسول، ليس بأعظم من قول السنَّة إن الصحابة كلهم عدول، وإن المذاهب الأربعة يجب اتّباعها، وإن اجتهاد الحاكم، أي حاكم، واجتهاد الإمام الأعظم تحرم مخالفتهما، لأنّ صلاح الخلق في اتباع رأيهما. [المستصفى للغزالي، ج 2، ص 355، طبعة بولاق، وأصول الفقه للخضري، ص 218 الطبعة الثالثة].


 ومهما يكن، فإنّ "الرجال تعرف بالحقّ، ولا يعرف الحقّ بالرجال"، كما قال عليّ أمير المؤمنين. وقد أجمع الموافق والمخالف على أنَّ الأئمّة من أهل البيت كانوا على هدي جدّهم الرسول(ص) قولاً وعملاً، وأنّ الناس كانوا يلجأون إليهم في حلّ المشكلات والمعضلات، وكانوا يتقرّبون إلى الله سبحانه بتعظيمهم وتقديسهم، تماماً كما كانت الحال بالنّسبة إلى رسول الله(ص).


وختاماً نسأل الذين أنكروا على الشيعة القول بالعصمة: هل تنكرون أصل العصمة وفكرتها من الأساس، أو تنكرون عصمة الأئمّة فقط؟ والأول إنكار لعصمة الأنبياء التي اتّفق عليها السنّة والشيعة، والثاني إنكار لسنّة الرسول الذي ساوى بين عترته وبين القرآن. هذا، إلى أنّ نصوص الشريعة جامدة لا حراك فيها، وإنما تحيا بتطبيقها والعمل بها، وإذا لم يكن القائم على الشّريعة هو نفس الشريعة مجسّمة في شخصه، لم يتحقّق الغرض المقصود. لذا قال الإمام: "ذاك القرآن الصامت، وأنا القرآن الناطق".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية