فيما يلي، نعرض لبعض الأسئلة الّتي وردت لسماحة العلّامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض) حول مسألة زواج الخطيفة، وردّه على هذه الإشكالات، بما يظهر الموقف الإسلاميّ الشّرعيّ حول هذه المسألة، ويوضّح ما ينبغي على الأهل والأولاد القيام به.
هل زواج الخطيفة جائز؟!
س: قد تبلغ سيطرة الأهل على أبنائهم درجة، يعجز معها الأبناء عن إقناع أهلهم بفكرة الزّواج ممن يرغبون، فيضطرّ الشابّ إلى خطف الفتاة للزّواج بها. ما رأيكم بهذا الحلّ؟ وهل الخطيفة مشروعة إسلاميّاً؟... وكيف يوجِّه الإسلام الأهل في هذا المجال؟
ج: لقد جعل الله للأهل نوعاً من الولاية الأخلاقيَّة على أولادهم، وأمر الأولاد، ذكوراً وإناثاً، بالإحسان إلى الوالدين وإطاعتهما، كخطٍّ أخلاقيّ يحبّه الله. لذا، فإنّ على الوالدين التصرّف بالطّريقة التي يحبّها الله ويرضاها، بحيث تكون تصرّفاتهما مع أبنائهما، من الذكور والإناث، منطلقةً من رعاية مصالح هؤلاء الأولاد، وأن تأتي مواقفهما منسجمةً مع ما تقتضيه تلك المصالح، لا مصلحة الأب أو الأمّ أو مزاج أيٍّ منهما ورغباته.
فإذا ما أراد الشابّ أو الفتاة الزَّواج، تجنّب الأهل إملاء ما يملكونه من رغبات في مواصفات الشَّريك، وما يتبنّونه من مفاهيم حول الزَّواج، لأنَّ الأبناء هم الّذين سيتزوّجون وليس أهلهم، ولأنَّ جيل الآباء والأبناء لا يتبنَّيان المفاهيم نفسها حول الزّواج، ولا يملكان الرغبات نفسها في الشّريك المختار، فقد ورد في حديث للإمام عليّ(ع) قوله:
"لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".
كما أن التقاليد التي كانت شائعة لدى الجيل السابق، لا يمكن أن تُفرَض على الجيل اللاحق، فلكلّ جيل ظروفه الخاصّة به، وإذا رأى الأب والأمّ الولد أو البنت مصرّين إصراراً كاملاً على الزواج بشخص معيَّن، ولم يتمكّنا من إقناعهما بالحوار بعدم صلاحيّة ذلك الشخص، وعدم كونه مناسباً كزوج أو كزوجة، فإنَّ عليهما، في هذه الحال، أن ينزلا عند رغبتهما، كي لا يتحوَّل الرفض إلى سببٍ لتعقيد نفسيّ للولد أو البنت، أو إلى خطر يتهدَّد حياتهما ويجرهما إلى الانتحار مثلاً.
ففي هذه الحالة، لا يجوز للأبوين أن يواجها الموقف بطريقة الرّفض المتعنّت، إنما عليهما أن يفهما أنَّ ارتباط ولديهما بهما ليس ارتباطاً عضويّاً لا يمكن فكّه، بل إنَّ الأولاد، ذكوراً وإناثاً، يمثّلون وجوداً مستقلاً عن الأب والأمّ، وغاية ما يربطهما بالوالدين هي علاقة الرّحم. وعلى الأبوين القيام بواجب النّصح تجاه الأبناء، فإذا وصلا إلى الطّريق المسدود، فإنّ عليهما أن يخليا بين الأبناء وبين اختيارهم. هذه هي الزاوية التي لا بدّ للأبوين من النّظر من خلالها إلى المسألة بطريقةٍ واقعيّةٍ إنسانيّة، فإن موقع القوّة الذي يملكانه لا يخوّلهما اضطهاد الأولاد وخنق عاطفتهم وإسقاط إنسانيّتهم.
وفي حال رفض الأهل خيار أولادهم وضغطوا باتجاه إلغائه، كان على البنت أو الشابّ أن يحاولا الوصول إلى ما يريدانه عبر الحوار، وعبر كلّ ما يتوفّر لديهما من وسائل مباشرة أو غير مباشرة، حتى يستنفداها جميعاً، وفي حال لم يصلا إلى إقناع الأهل، لا نشجّع لجوء أيّ منهما إلى
"زواج الخطيفة"، لأنه يجعل بداية حياتهما الزوجيّة قلقةً وغير مستقرّة، عدا أنه قد يؤثّر سلباً في الواقع الاجتماعي لعائلة الشابّ أو الفتاة، كما هي الحال في المناطق التي ترى في "الخطيفة" خطراً وعاراً اجتماعيّاً.
نحن ننصح الأبناء بعدم اللّجوء إلى الخطيفة لتحقيق مبتغاهم، فعلى الشابّ والفتاة التفكير في أنّ الشّريك الذي اختاره أيٌّ منهما ليس أول الناس ولا آخرهم، وأن الإنسان لا يستطيع تحقيق رغباته كلّها في الحياة. لكننا، في الوقت الذي لا ننصح بالخطيفة، لا نجد مشكلةً شرعيّةً في أن يتزوّج الشابّ أو الفتاة بدون رضى أهلهما إذا كانا بالغين راشدين. وإذا كان الأهل متعسّفين، وكان سلوكهما مع أولادهما يجسّد اضطهاداً ينطلق من عقدةٍ أو تشوّهٍ أو تخلّفٍ في النّظرة، فإنّ للشابين الراشدين اختيار ما يشاءان لحياتهما، مع توسّل كلّ ما يمكن لحلّ مشكلة رفض الأهل لخيارهما."
البكر وزواج الخطيفة
س: كيف ينطبق القول ببطلان عقد البكر في حال لم تستأذن، والقول بشرعيّة الخطيفة في حال عجزت كلّ الوسائل عن إقناع الأهل؟
ج: بالنّسبة إلى رأينا، فإنّ البكر إذا ما كانت بالغة عاقلة رشيدة، تستطيع التفكير كإنسانٍ مستقلّ، لا يشترط في شرعيّة العقد أن تستأذن أباها أو جدّها لأبيها عند الزواج، لأنّ ولاية الأب أو الجدّ للأب، تسقط عن الذكر والأنثى بمجرّد بلوغهما ورشدهما، فلا يجوز للأب ولا للجدّ للأب التصرّف في أموال البنت دون رضاها، أو في أموال الولد دون رضاه، إذا بلغا وأصبحا راشدين.
المسألة هنا ليست مسألة ولاية، ولا مسألة قصور في البكر عن إدارة شؤونها الخاصّة في الزواج وغيره، لأنّ جميع العلماء يفتون بأنَّ البكر إذا فقدت أباها أو جدّها لأبيها، تستطيع الاختيار لنفسها، فلو كانت المسألة مسألة قصور وعدم قدرة على الاختيار الجيّد والسّليم، لكان حالها كحال الطّفل إذا مات أبوه أو جدّه لأبيه، فلا يحقّ له التصرّف في ماله أو في نفسه، وإنما يعود ذلك إلى الحاكم الشَّرعيّ الذي يصبح وليّاً عليه، بينما تستطيع البكر في نظر الفقهاء التصرّف في مالها أو في نفسها بعيداً من إرادة أيِّ شخص، إذا مات أبوها أو جدّها لأبيها، وكذلك إذا كانا حيّين.
إذاً، ليست مسألة الاستئذان مسألة ولاية، لأنها ترتفع بالبلوغ والرّشد، وليست مسألة قصور ذاتيّ في شخصيّة المرأة البالغة الرّشيدة والبالغ الرّشيد في هذا المجال، فلماذا يجوز للرّجل الزواج بعد أن يبلغ ويرشد دون الرجوع إلى أبيه أو جدّه لأبيه، ولا يجوز للمرأة ذلك؟ إنّ الاحتياط الشرعي للفتاة في هذه الفتوى هو رشدها، كما أنّ الاحتياط الشرعي للشابّ هو رشده. لذا، فإنّ مسألة الاستئذان في حال الرّشد، بنظرنا، هي مسألةٌ رعائيّةٌ للحقّ الأبوي من الناحية الأخلاقيّة، ولا سيّما أنّ الواقع الاجتماعي كرّس على مدى زمن طويل، أن الفتاة لا تتزوج إلا بوليٍّ أو بإذن أبيها، أو أنه يستحبّ لها أن تستشير أخاها إذا كان لها أخ أكبر مثلاً.
قضيّة الاستئذان هذه تتّصل بالجانب الأخلاقيّ لا بالجانب الشّرعي، وعلى هذا الأساس، فإنّ عدم استئذان الفتاة أباها للزّواج، لا يتضمّن أيّ خطأ، وإن كان لها استئذان أبيها احتياطاً استحبابياً، رعايةً لحقّ الأبوّة لا أكثر.
"الخطيفة" بين الشّرع والمجتمع
أما زواج الخطيفة، ففيه جانبان؛ جانب شرعيّ يحكم بجوازه للشابّ والفتاة، إذا كان الاثنان بالغين راشدين وواعيين اختارا بإرادتهما الزّواج، وجانب اجتماعيّ، وهو أنّ الخطيفة نفسها قد تعقّد حياتهما، لأنها بداية غير متوازنة لحياتهما الزوجيّة، فعدم مقبولية الخطيفة اجتماعياً، قد يشكّل مصدر إرباك وسبباً لخلق تعقيدات اجتماعيّة في علاقة أهل الزوج بأهل الزوجة، أو في غير ذلك. لذا، لا بدّ من أن تدرس مسألة الخطيفة من ناحية الواقع الاجتماعيّ، ومدى السلبيّات التي يمكن أن تحدثها مقارنةً بالإيجابيات. وأيضاً، لا بدّ من أن يتساءل الشابّ الذي يخطف فتاة: هل يوافق أن يخطف شابّ آخر أخته؟ كثير من الشبّان لا يوافقون على ذلك، ونحن نؤمن بالحكمة القائلة:
"عامل الناس بما تحبّ أن يعاملوك به".
من هنا، فإنّ مسألةً كالخطيفة، لا يُكتفى في الإقدام عليها بمجرّد وجود رخصةٍ شرعيّة فيها، بل لا بدّ من دراسة كلّ الظروف الموضوعيّة المعقّدة السلبية أو الإيجابية، لترشيد عملية الاختيار، فإذا وصلت الأمور إلى الطريق المسدود، ورأى من يريد الزواج، شابّاً كان أو فتاة، أنّ امتناعه عن الزواج من هذا الشخص بالذّات، سيؤثّر سلباً في نفسيّته، أو في وضعه وواقعه، وسيعرّضه لضغطٍ من الأهل للزّواج بمن لا يريد، فإن الخطيفة تصبح حلاً مناسباً في حالات كهذه، لأنّ الله لم يجعل لأيّ إنسان سلطة على غيره، إذا ما كان هذا الغير بالغاً راشداً، حتى لو كان أباً أو أمّاً أو قريباً.