إنَّ الله يريد لعباده أن يذكروه دائماً في كلّ أمورهم، وأن يربطوا به كلّ تحرّكاتهم وأوضاعهم، ليظلّ وعيهم الإيماني في الحضور الإلهيّ في فكرهم وشعورهم منفتحاً على الله، وليبقى إحساسهم متحركاً في نطاق ارتباط كلّ الأشياء به، فلا يستسلم الإنسان للحالات التي توحي له باستقلاله الذاتيّ، أو باستقلال الأسباب الواقعيّة المحيطة به في إدارة قضاياه أو قضايا الكون من حوله، والتي قد تأتي من خلال الغفلة عن عمق الفقر التّكويني الذي يتمثّل في كلّ الموجودات في علاقاتها بالله.
وهذا ما انطلقت به التربية الإسلاميّة، لتجعل بداية كلّ عمل يقوم به الإنسان مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، ليتولَّد لديه الشعور بأنَّ الطّاقة التي يبذلها، والأفكار التي يطلقها، ليست شيئاً ذاتياً، بل هي شيءٌ مستمدٌّ من الله، بسبب ما أودعه في كيانه من أجهزة، وما أحاطه به من إمكاناتٍ، وهداه إليه من وسائل.
وليس معنى ذلك ـ كما قد يخيَّل إلى البعض ـ أن يبتعد الإنسان عن الإحساس بالثّقة بنفسه، ليكون مجرّد خشبةٍ في مجرى التيار، أو ورقةٍ في مهبّ الرّيح، فيوحي إلى نفسه دائماً بأنه لا يملك إرادته، ولا يسيطر على حركته، ولا يستطيع أن يتحكّم بتحديد مصيره، في ما تفرضه عليه العقيدة الإيمانيّة من ذلك كلّه، بل إنَّ المسألة، في بُعدها الفكري العقيدي، تؤكّد الثقة بالنفس، من خلال ثبات الأجهزة المودعة في داخل كيانه، في نطاق العقل والإرادة والحركة الخاضعة للقوانين الإلهيّة، المتحكّمة ببنية الكيان الإنساني وفاعليّته، ومن خلال ثبات السّنن الكونيّة التي أقام الله الكون عليها في حركة نظامه، وفي مفردات الوجود في داخله، ما يوحي بأنَّ الإنسان يملك استقلاله الذاتيّ في دائرة النظام الكوني في كيانه، وفي ما يحيط به من قوانين الوجود، وذلك من خلال إرادة الله التي تتصرّف في الكون كلّه بالحكمة العميقة وبالقدرة المطلقة.
ونستطيع التأكيد أنَّ هذا الارتباط الكلّي بالله القدرة والرّحمة والعلم والحكمة، يمنح الإنسان الشّعور الكبير بالثقة، بدرجةٍ أكبر، لأنّه يستند إليه ويستعين به في مواجهة كلّ عوامل الضّعف الداخلية والخارجية التي تتحدّاه، من دون أن ينتقص ذلك من حريته ومصداقيّته.
إنَّ الاستعانة بالله، تمثّل ـ في المفهوم الإسلامي ـ الاستعانة بمصدر القوَّة الأساس في وجوده من ناحية المبدأ والتّفاصيل، تماماً كما هو الحال في التّفكير المادّي في السنن الكونية الطبيعيّة التي يراها أساساً لحركة الوجود الماديّة، مع فارق كبير، وهو أنَّ المؤمن ينفتح على الإرادة الإلهيّة الحكيمة العليمة القادرة الواعية، بينما يعيش المادّي في ضبابٍ شديدٍ.. كما أنَّ إرادة الله قد تتجاوز السنن الطبيعيّة في بعض الحالات، بينما لا يمكن تجاوزها في التصوّر المادّي لحركة الكون والإنسان.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 1، ص 37-38.
إنَّ الله يريد لعباده أن يذكروه دائماً في كلّ أمورهم، وأن يربطوا به كلّ تحرّكاتهم وأوضاعهم، ليظلّ وعيهم الإيماني في الحضور الإلهيّ في فكرهم وشعورهم منفتحاً على الله، وليبقى إحساسهم متحركاً في نطاق ارتباط كلّ الأشياء به، فلا يستسلم الإنسان للحالات التي توحي له باستقلاله الذاتيّ، أو باستقلال الأسباب الواقعيّة المحيطة به في إدارة قضاياه أو قضايا الكون من حوله، والتي قد تأتي من خلال الغفلة عن عمق الفقر التّكويني الذي يتمثّل في كلّ الموجودات في علاقاتها بالله.
وهذا ما انطلقت به التربية الإسلاميّة، لتجعل بداية كلّ عمل يقوم به الإنسان مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، ليتولَّد لديه الشعور بأنَّ الطّاقة التي يبذلها، والأفكار التي يطلقها، ليست شيئاً ذاتياً، بل هي شيءٌ مستمدٌّ من الله، بسبب ما أودعه في كيانه من أجهزة، وما أحاطه به من إمكاناتٍ، وهداه إليه من وسائل.
وليس معنى ذلك ـ كما قد يخيَّل إلى البعض ـ أن يبتعد الإنسان عن الإحساس بالثّقة بنفسه، ليكون مجرّد خشبةٍ في مجرى التيار، أو ورقةٍ في مهبّ الرّيح، فيوحي إلى نفسه دائماً بأنه لا يملك إرادته، ولا يسيطر على حركته، ولا يستطيع أن يتحكّم بتحديد مصيره، في ما تفرضه عليه العقيدة الإيمانيّة من ذلك كلّه، بل إنَّ المسألة، في بُعدها الفكري العقيدي، تؤكّد الثقة بالنفس، من خلال ثبات الأجهزة المودعة في داخل كيانه، في نطاق العقل والإرادة والحركة الخاضعة للقوانين الإلهيّة، المتحكّمة ببنية الكيان الإنساني وفاعليّته، ومن خلال ثبات السّنن الكونيّة التي أقام الله الكون عليها في حركة نظامه، وفي مفردات الوجود في داخله، ما يوحي بأنَّ الإنسان يملك استقلاله الذاتيّ في دائرة النظام الكوني في كيانه، وفي ما يحيط به من قوانين الوجود، وذلك من خلال إرادة الله التي تتصرّف في الكون كلّه بالحكمة العميقة وبالقدرة المطلقة.
ونستطيع التأكيد أنَّ هذا الارتباط الكلّي بالله القدرة والرّحمة والعلم والحكمة، يمنح الإنسان الشّعور الكبير بالثقة، بدرجةٍ أكبر، لأنّه يستند إليه ويستعين به في مواجهة كلّ عوامل الضّعف الداخلية والخارجية التي تتحدّاه، من دون أن ينتقص ذلك من حريته ومصداقيّته.
إنَّ الاستعانة بالله، تمثّل ـ في المفهوم الإسلامي ـ الاستعانة بمصدر القوَّة الأساس في وجوده من ناحية المبدأ والتّفاصيل، تماماً كما هو الحال في التّفكير المادّي في السنن الكونية الطبيعيّة التي يراها أساساً لحركة الوجود الماديّة، مع فارق كبير، وهو أنَّ المؤمن ينفتح على الإرادة الإلهيّة الحكيمة العليمة القادرة الواعية، بينما يعيش المادّي في ضبابٍ شديدٍ.. كما أنَّ إرادة الله قد تتجاوز السنن الطبيعيّة في بعض الحالات، بينما لا يمكن تجاوزها في التصوّر المادّي لحركة الكون والإنسان.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 1، ص 37-38.